الخميس، نوفمبر 15، 2007

من ذاكرة الأسر 9

راسم عبيدات
الأسيران حسام شاهين وأمجد أبو لطيفة
شموع على طريق الحرية

... هم من الجيل المثقف والواعي في المعتقلات، وليس هذا فقط، بل هما من أصحاب الرؤيا والأفكار التنويرية، ورغم كونهم من القيادات الفتحاوية الإعتقالية، إلا أنهما بعيدان عن العصبوية التنظيمية والإنغلاق، وعندما ظهرت نتائج الإنتخابات التشريعية الفلسطينية، كانت بمثابة الصدمة بالنسبة لهما، وشنا حملة شرسة على اللجنة المركزية لحركة فتح بإعتبارها المسؤول الأول عن الخسارة الثقيلة لفتح في الإنتخابات التشريعية، وكذلك كثرة المرشحين الذين لم يلتزموا بقرارات فتح بعدم ترشيح أنفسهم خارج القوائم الرسمية، وحالة الفساد والفلتان التي كانت سائدة في أجهزة ومؤسسات السلطة، وكانا دائماً يراهنان على عقد المؤتمر السادس لحركة فتح ،كمخرج للأزمة التي تعصف بفتح ، وكثيراً ما كتبوا عن ذلك لقيادات الحركة الأسيرة وللقيادة الفتحاوية في الخارج، ولكن ما كنت أستشفه منهم، أن الأمور هي على غرار، على من تقرأ مزاميرك يا داود، وكم كنا أنا وحسام وأمجد نعقد إتفاقاً من أجل يخوضوا نقاشاً إستفزازياً مع المناضل ناصر أبو خضير حول ما آلت إليه أوضاع الساحة الفلسطينية، وبهتان دور اليسار الفلسطيني، وإنسداد آفاق تطوره وتقدمه في ظل تكلس وتحجر قياداته وفئويتها، وكذلك ضعف وتراجع دوره الكفاحي والنضالي، وسرعان ما يستفز ناصر أبو خضير، ويبدأ بشن حملة شرسة على القيادات الفتحاوية، التي حرفت حركة فتح عن دورها ومسارها النضالي، وأخضعتها للشروط والإملاءات الأمريكية، وكان يقول لهم أن فتح تيار مرتبط بالأمريكان، وهو سبب كل المصائب والبلاوي في الساحة الفسطينية، وان المستقبل لليسار ولا بد له أن ينهض ويستفيد من أخطاءه ويستعيد دوره، وكنا دائماً نتناقش حول، هل من الممكن انه على ضوء "التسونامي" الذي أصاب الساحة الفلسطينية، أن تظهر قوى سياسية جديدة على الساحة الفلسطينية؟، وما هي سبل الخروج من الأزمة؟، واللافت للنظر أن حسام وأمجد، كانا من أشد الرافضين لإقامة حكومة وحدة وطنية مع حماس، وكانت وجهة نظرهما أن تعطى الفرصة لحماس للقيادة، وأن تكون فتح في المعارضة، لأنها أثناء وجودها في السلطة تحملت كل وزرها ومساوئها، وهذا بحد ذاته قاد إلى تدهور شعبية فتح وتراجع جماهيريتها، وكذلك كانت لهما ملاحظاتهما الجدية والحوهرية على الإنتخابات الفتحاوية في المعتقلات، نظام وآليه وكذلك أن المعاير التي تحكم الترشيح وغيرها، هي جهوية وعشائرية وبعيدة عن الفهم التنظيمي، وبالمناسبة فعدا أن حسام وأمجد من القيادات الواعية والمتنورة في السجون فهما بالأساس قادة طلابيين، أمجد في جامعة بير زيت ، وحسام رئيس الشبيبة الفتحاوية في الوطن ومسؤول علاقاتها الخارجية، وكنا ثلاثتنا نتفق، ان الحركة الأسيرة ليس بمثابة"التابو" والشيء المقدس الذي لا يمس، فالكثير من الأمراض الموجودة عند الحركة الوطنية في الخارج، موجودة عند الأسرى، بل وتبرز في المعتقلات على نحو أشد وأعمق، حيث قلة الإهتمام في الجوانب الثقافية والتنظيمية، فعدد القراء من المعتقلين في تراجع مستمر، حتى ان الكثيرين منهم لا يقرأون الجريدة، والوضع الذي كانت فيه الفصائل تتبارى وتتسابق في عقد الجلسات، لم يعد موجوداً، واليوم الفصائل والأفراد يرون في الجلسات مسبة أو شتيمة، وعندما يريدون أن يعلقوا على معتقل أو يذموه فإنهم يقولون له، هل مازلت تأخذ جلسات كتنظيم الجبهة الشعبية؟ وكان المسألة فيها نقيصة أو مسبة وشتيمه، ومكتبة عسقلان التي كانت تضم في جنباتها الآف الكتب والكراسات التنظيمية، اليوم مهمله وليس فيها الكثير من الكتب، وهذا التراجع والوهن الذي أصاب الحركة الأسيرة الفلسطينية، هو إنعكاس لما هو في الخارج، حيث أن أوسلو أحدث هزة قوية في صفوف الحركة الأسيرة، تماما كحال"البريسترويكا" الغورباتشوفية التي دمرت الإتحاد السوفياتي وكل دول المعسكر الشرقي، فأوسلو الذي تجاهل الأسرى، أحدث شرخاً عميقاً عند الأسرى، وكذلك حالة غير مسبوقة من عدم الثقة بالقيادة الفلسطينية، ناهيك عن ما خلفه ذلك من حالة إحباط ويأس عند الأسرى، حتى أن قوى وتنظيمات الحركة الأسيرة، عطلت حياتها التنظيمية والإعتقالية والثقافية، وأصبح العمل يعتمد على الهمة والعلاقات الشخصية والجهوية وغيرها، وبالعودة للأسيرين حسام وأمجد، فأنا أذكر أن الأسير حسام في الجلسات الثقافية التي كان يشرف عليها عند فتح، كان دائماً يقول لهم أن فتح ليست تنظيم إخوان مسلمين، وأنا لست ضد التدين، ولكن هذا الحشو للكم الهائل من المعلومات الديني ، يظهر فتح وكأنها أكثر عصبوية من حماس في هذا الجانب، وكان يقوم بتثقيف شاب بسيط هو المناضل محمد سليمان السلحوت، والذي ما أن يخرج إلى "الفورة"، ساحة التنزه للأسرى، حتى يبدأ بإستعراض قدراته ومعلوماته التي حصل عليها من حسام على الأسرى ، واكثر من مرة إستدعى الأمر من حسام أن يوبخه على ذلك، وأذكر مرة أن الصحفي محمد زحايكة ، قد بعث لنا رسالة عن البلدة ،أي بلدة جبل المكبر، وبعدها قرأنا له تعليق على كتاب لكاتبة لم نسمع بها أبداً، وطبعاً الحديث كله مدح وإطراء، فرددنا عليه أنا وحسام برسالة قاسية، أن هذا التملق لا بد أن يكون بثمن قدمته لك الكاتبة، وعليك أن تحترم ذاتك وان تبتعد عن هذا الأسلوب الرخيص ، وكم من مرة كنا نستفز أبو سامر، المناضل إبراهيم مشعل والذي مضى على وجوده في المعتقل تسعة عشر عاماً ، بالقول يا أبو سامر خلص خليك في هالسجن، شوبدو يطلعك، أكيد أم سامر والأولاد إستغنوا عنك، بس حسام والشباب القادمين الجدد للمعتقلات ، ما زال الوطن بحاجتهم ، وهم بحاجة لأن يتزوجوا ويواصلوا المسيرة، ونحن في السجون بحاجة "لمانديلا" فلسطين، وخليك يا أبو سامر " مانديلا"، وهنا يستشيط أبو سامر غضباً، كل المده التي قضيتها في السجون غير كافية أن تحرك ضمائركم وضمائر قياداتكم من أجل العمل على تحريرنا من الأسر، وتريدون مني أن أكون "مانديلا" فلسطين، فلتأتي قياداتكم التي تترفه وتتنعم، وتكون "مانديلا" فلسطين، وأنا أراهنكم أنها لو أتت وقضت ربع ما قضيناه في السجون ، لكفرت في الوطن والوطنية، وسرعان ما ننتقل للحديث مع المناضل العريق فخري البرغوثي، والذي دخل عامه الإعتقالي التاسع والعشرين، بالقول يا أخي هو فش في هالوطن إلا دار البرغوثي، موزعين أنفسكم على الأحزاب والفصائل قاده، من مروان لمصطفى لرحمة بشير لسهى وسهام وغيرهم ، خلي محل في القيادة لغيركم ، ويجيء الرد سريعاً ، إحنا البراغثه يا قاده يا بلاش، وبعدين إحنا مش جاين ننحبس على توزيع لحمه وحلو، سبعة عشر شهراً على اللحمة والحلو يا أبو شادي، كيف لو وزعت شيء آخر؟.
وفي الختام يبقى حسام وأمجد نموذجاً للقيادات الشابة المؤمنة ، بانه آن الآوان لكل القيادات المتكلسة والمتحجرة والمتربعة على كراسي تنظيماتها ، أن تتخلى عن هذه الكراسي والمناصب لصالح قيادات لها القدرة على العطاء والبناء والتغير، فهذه المناصب ليست حكراً على سين او صاد ، والذين أصبحوا نماذج مسيئة للثورة والوطن.


القدس – فلسطين

ليست هناك تعليقات: