الأحد، يونيو 14، 2009

عن "حل الدولتين" ويهودية اسرائيل

سعيد الشيخ
*الاعتراف ب"يهودية الدولة" هل يعني ان اسرائيل ستنسحب من مناطق عربية في الجليل والمثلث؟
*احياء القرى المدمرة ضرورة حيوية لتنفيذ القرار الاممي رقم 194 ولقيام الدولة الفلسطينية.
*يجب رفع الغطاء عن تزاوج الديمقراطية الامريكية والاوروبية مع العنصرية والفاشية الصهيونية!
*الواجب الاخلاقي والانساني ان ينتاب اوروبا وامريكا "عقدة الذنب" تجاه الفلسطينيين.

هي دولة واحدة التي يجب التحدث عنها، لأن الأخرى قائمة بالفعل وموجودة!.
موجودة منذ ان رحل الانتداب البريطاني عن فلسطين التاريخية عام 1948 وسلمها بما حملت من زرقة سماء وشموس واقمار وبحر ومدن وسهول وبشر آثروا ان يبقوا في وطنهم، الى حفنة من العصابات الصهيونية لاقامة دولة اسرائيل. ومن حينها تلتزم الولايات المتحدة الامريكية واوروبا بتغذيتها وامنها، فلماذا يكثر الحديث عن "امن اسرائيل" كلما جرى الحديث عن اقامة دولة فلسطينية؟
اذا الحديث هو عن اقامة دولة فلسطينية.. (قابلة للحياة).
وهي التي ينبغي ان تتكثف المساعي بشكل حثيث على ايجادها الآن وفي المستقبل.. اذا كان الهدف حقا لدى الاطراف المتنازعة والراعية هو تحقيق تسوية عادلة تضمن تحقيق شروط السلام الشامل في منطقة الشرق الاوسط.

لقد اشبعت الادارات الامريكية المتعاقبة بشقيها الديمقراطي والجمهوري الحديث عن "أمن اسرائيل" وعن "حق اسرائيل في الوجود"، ولحقتها اوروبا ولو بشكل أقل في هذا المجال وفرضوا على مجلس الامن الدولي قاعدة مختلّة ظلت دائما تدين القتيل الفلسطيني وتنصر القاتل الاسرائيلي.
وهكذا ظل الفلسطيني بلا غطاء وبلا سماء. ظل يستشعرالظلم والقهر في ظلال "النكبة" التي لم تمحها السنوات الماضية. حين ظل الاسرائيلي ينعم بما سلب من الفلسطيني.
لذا ان الحديث عن الشقاء الفلسطيني يجب ان لا يكون حديثا عابرا، بل جوهريا وبالتفاصيل الى جانب الحقوق الفلسطينية المتوجب تسديدها للدولة الفلسطينية المزمع اقامتها الى جانب دولة "اسرائيل" القائمة.

هذا ما ينتظره الفلسطينيون من "التغيير" الذي نادت به الادارة الامريكية الجديدة، وبعد خطاب الرئيس اوباما في جامعة القاهرة الذي يعتبر مفصليا في السياسة الامريكية الجديدة بشأن التعامل مع المسلمين ومنهم العرب. وهذا هو الامتحان الحقيقي بشأن هذه السياسة الجديدة، بحيث انهاء سياسة "المكيال بمكيالين" اذا عملت عليها ادارة اوباما يكون برهان على صدق النوايا الامريكية في التوجهات الجديدة التي سترفع الغطاء عن السياسة الاسرائيلية التي ظلت تتسم بالعنف والاكاذيب والاباطيل التي تجيز الغاء الاخر.

فالسلام لا يقترن بالاقوال والالفاظ الرنانة التي تدغدغ العواطف، بل بالافعال.. والاعتراف بالآخر أول هذه الافعال.
وعندما تضع اسرائيل شرطها على الجانب الفلسطيني من أجل الاعتراف ب"يهودية" الدولة الاسرائيلية كشرط من شروط اعادة المفاوضات،هل وضعت في حسبانها انها على استعداد للانسحاب من مناطق شاسعة تتضمن مدن وقرى، سهول وجبال احتلتها عام 1948 ؟. وهل وضعت في حسبانها ضرورة حيوية لانشاء الدولة الفلسطينية، تتلخص في احياء القرى المدمرة وعددها ما يفوق الثلاثمائة وخمسة وثلاثون قرية، هي قرى اللاجيئين الفلسطينيين التي هجروها قسرا تحت ضغط نشاطات العصابات الصهيونية. وذلك تنفيذا لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها الثالثة المنعقدة بتاريخ 11 كانون اول عام 48 ، وهو القراررقم 194 الذي تؤكد الفقرة 11 منه صراحة على ضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين الى بيوتهم وقراهم الاصلية التي هجروا منها جراء الاعمال الحربية.

فمدن مثل الناصرة وسخنين وشفاعمرو وعرابة وام الفحم وتخومها لا يسكنها الا سكانها العرب الاصليون من مسلمين ومسيحيين الذين لم يبرحوا بيوتهم. وظلت هذه المدن عربية خالصة تحت ادارة حكومات الاحتلال الاسرائيلية المتعاقبة، وهو الوضع الذي يجب ان تأتي عليه مفاوضات الوضع النهائي. مع الاخذ بعين الاعتبار ان انسحابا عسكريا والغاء بضعة ادارات مع تنكيس علم الاحتلال يظل أهون بمليارات المرات من ارسال ما تبقى من سكان فلسطين التاريخية الى التيه على غرار ما حصل عام 1948. يجب التركيز على انه عندما يتم الحديث عن يهودية الدولة ويقدم "الكينيست" على سنّ القوانين لدعم هذا المطلب، يجب الملاحظة على ان ما من معالم يهودية في هذه المناطق سوى علم الاحتلال.

فالترانسفير لهؤلاء السكان الذي ينادي به عتاة اليمين المتطرف وهم الآن اعضاء في الحكومة الاسرائيلية، لن يكون حلا واقعيا ولا حضاريا عندما يكون الحديث عن "حل الدولتين" للوصول للسلام، واعلان اسرائيل دولة خالصة لليهود لا يتماشى مع النظم الديمقراطية الحديثة.. لذلك يجب رفع الغطاء عن تزاوج الديمقراطية الامريكية والاوروبية مع العنصرية والفاشية الصهيونية في "التغيير" الامريكي المنتظر.
اذ من المستهجن فعلا ان تتقارب امريكا واوربا من الطرح الاسرائيلي بشأن "يهودية اسرائيل"، ولا تلتفت الى اعلان م ت ف المبكر بشأن نيتها عن اقامة دوله فلسطينية ديمقراطية- علمانية.

لقد اشبعت الادبيات الامريكية والاوروبية بثقافة "المحرقة"، حتى بات هناك شعورا طاغيا ب"عقدة الذنب" تجاه اليهود الذين لاقوا اهوال النشاطات النازية ضدهم والتي اسفرت عن تعاطف ترجم بمنحهم "اسرائيل" على ارض فلسطين،كان من نتيجته كارثة وجودية حلّت بالشعب الفلسطيني لم تقتصر على فقدان هذا الشعب لوطنه، بل ظلت العسكرية الاسرائيلية تطارده في كل مكان وتعمل على ابادتة في محارق فاقت المحارق النازية ...والذي شجع على هذه الجرائم هو السكوت والتغاضي، بل والتواطؤ الامريكي والاوروبي الذي يجب ان يتوقف سريعا وينتاب صانعو القرار الامريكي والاوربي العار.
الواجب الاخلاقي والانساني ان ينتاب قارة اوروبا والولايات المتحدة الامريكية نفس عقدة الذنب التي ابديت تجاه اليهود، تؤدي الى دولة فلسطينية. مع اختلاف هذه المرة انها لا تمنح لشعب بلا وطن، بل اعادة وطن مسلوب لشعبه المظلوم.

لقد ابدى المفاوض الفلسطيني في كل المفاوضات خلال السنوات الماضية مع الدولة الاسرائيلية "شجاعة" نادرة وهو يفرّط بحقوق شعبه، وقد صفّق له الغرب وانظمة عربية مشجعين، ولكن يجب ان لا يستمر هذا "الغش". اذ لم تنتج المفاوضات السابقة للشعب الفلسطيني الا المزيد من المآسي والكوارث.

وعليه فأن ما تقدم يمكن اعتباره ملخصات متواضعة قد تفيد المفاوض الفلسطيني في اي مفاوضات قادمة، مع علمنا سلفا انها عندما تتناهى الى مسامع المفاوض الاسرائيلي سيبادر الى قلب طاولة المفاوضات، لأن اسرائيل منذ البداية لا تسعى الى تسوية عادلة.. فإما ان تكون مفاوضات عادلة ومثمرة تؤدي الى قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة لكل الفلسطينيين ، واما ان الاجيال الفلسطينية الحيوية التي استطاعت ايصال القضية الفلسطينية الى يومنا هذا، قادرة على ايصالها الى عشرات اخرى من السنين.. والى النهاية.

*كاتب فلسطيني مقيم في السويد.
مدير موقع "الوان عربية".
www.alwanarabiya.com

ليست هناك تعليقات: