الأربعاء، يونيو 17، 2009

مسؤولية السلطة الفلسطينية والحكومات العربية

صبحي غندور

أجمعت ردود الفعل الفلسطينية والعربية على رفض ما جاء في خطاب نتياهو من شروط أعلنها كي تقبل حكومته بفكرة "حل الدولتين". وهذا جيّدٌ طبعاً.

لكن ماذا بعد؟! وهل سيكون هذا الموقف الفلسطيني والعربي مدخلاً للمراهنة مرّةً أخرى على "الوسيط الأميركي" كي يقنع نتنياهو بتغيير موقفه، بينما المعهود في التجارب السابقة للرعاية الأميركية للمفاوضات أنّ "التغيير" يحدث في مواقف الطرف الفلسطيني المفاوض، حيث تُمارس الضغوط الأميركية والدولية لمزيد من التنازلات عليه، لا على الطرف الإسرائيلي!!

صحيحٌ أنّ إدارة أوباما قد وضعت في أولوياتها التعامل مع الملف الفلسطيني بشكل جدّي، وهذا يختلف عمّا كانت عليه الإدارة السابقة من تهميش وتجاهل لهذا الملف .. وصحيحٌ أيضاً أنّ إدارة أوباما تعمل الآن لتسوية شاملة للصراع العربي/الإسرائيلي من خلال مؤتمر دولي وعدم السير في المسارات المنفصلة كما كان الحال خلال حقبتيْ بيل كلينتون .. صحيحٌ كلّ ذلك، لكن إدارة أوباما تبقى أولاً وأخيراً إدارة تبحث عن كيفية تحقيق المصالح الأميركية المتشابكة تاريخياً مع دعم وجود إسرائيل ودورها في المنطقة العربية.

هذا من ناحية الصراع العربي/الإسرائيلي. أمّا القضايا الدولية الأخرى التي تشدّ الآن انتباه إدارة أوباما فهي مبنيّة أيضاً على معيار المصالح الأميركية، وبما لا علاقة له بإسرائيل أو بالقضية الفلسطينية. لذلك، فإنّ من الخطأ الكبير سحب الرؤية الإيجابية لظاهرة الرئيس باراك أوباما على كل القضايا الدولية، كما أنّ من الخطأ أيضاً تعميم التحفظات السلبية على موقف إدارة أوباما تجاه قضية معينة على كل المسائل الأخرى أو على تقييم كل السياسة الأميركية في ظلّ الإدارة الجديدة الحالية.

ولعلّ من المفيد وضع الموقف الأميركي الآن من الصراع العربي/الإسرائيلي أمام ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الأول: وهو ما يراه البعض من وجود تغيير جذري في الموقف الأميركي، ومن إمكانات تعارض وتصادم مع الموقف الإسرائيلي، ومن تمنيات بأن تكون معايير الموقف الأميركي هي العدالة وحقّ الشعوب بالتحرّر.

وهذا الاحتمال يقوم في تقديري على كثير من المبالغة وعلى تضخيم لا أسس واقعية له بعد، بل هو وهم لن يتحقق طالما وُجدت مصالح أميركية تفرض ذلك.

الاحتمال الثاني: هو في الرؤية المعاكسة التي لا تجد أيّ تغيير في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل ولا تعتبر أنّ ما تقوم به إدارة أوباما هو حالة جدّية، بل مجرّد تكرار لما فعلته إدارات سابقة في اهتمامها المرحلي بالملف الفلسطيني ثمّ نفض اليد منه بعد حصول ضغوط إسرائيلية على الإدارة الحاكمة.

وهذا الاحتمال يمكن أن يكون صحيحاً لو أنّ إدارة أوباما تتعامل الآن مع الملف الفلسطيني والصراع العربي/الإسرائيلي لاعتبارات "إعلامية وسياسية آنيّة"، كما كان الأمر مع الإدارات السابقة التي اهتمّت بالقضية الفلسطينية في السنة الأخيرة من حقبة الإدارة، لرفع العتب فقط أو لمحاولة دخول التاريخ دون أن يؤدّي ذلك إلى خروج الرئيس أو حزبه من البيت الأبيض!!

الاحتمال الثالث: وهو الذي تشير إليه دائماً الحكومات العربية والسلطة الفلسطينية بأنّ المؤمّل والمرجوّ هو أن تكون الإدارة الأميركية في موقع "الوسيط النزيه" و"الطرف المحايد" الذي عليه رعاية المفاوضات العربية/الإسرائيلية دون تبَنٍّ لطرف ضدّ طرف آخر.

وفي هذا الاحتمال تكمن المشكلة في الموقفين الرسميين العربي والفلسطيني. إذ أنّ مطالبة الإدارة الأميركية بأن تكون "على الحياد" يعني ترك المفاوضات تسير وفق حساب موازين القوى بين المتفاوضين. فما هي "الأثقال" الفلسطينية والعربية الموضوعة في ميزان المفاوضات مع إسرائيل؟

هناك طرف إسرائيلي واحد يملك أكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط مع تفوّق جوّي وبحري وتكنولوجي ورؤوس نووية، وهو طرف يحتلّ الأراضي العربية ويقيم المستوطنات ويخوض كلّ فترة الحروب المدمّرة ويرفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وما للفلسطينيين من حقوق بالأرض والعودة وبالدولة الفلسطينية المستقلّة.

في المقابل، هناك جسم عربي منقسم على نفسه وطرف فلسطيني مفاوض أعطى لإسرائيل في "اتفاق أوسلو" "شرعية" حق الوجود والاعتراف بها كدولة (دون اعتراف إسرائيلي بأي حق للفلسطينيين)، كما تعهّد هذا الطرف بالتخلّي عن أسلوب المقاومة المسلّحة ضدّ الاحتلال، بل وبالتصدّي لمن يقومون به!!

إنّ الطرف العربي المفاوض قبل بتجزئة الجبهات العربية وبإلغاء مقولة "الصراع العربي/الإسرائيلي" أو شمولية المسؤولية عن القضية الفلسطينية، فتحوّلت المعاهدات مع إسرائيل إلى تسويات جزئية منفردة استفادت منها الحكومات الإسرائيلية كي تمارس حروباً وضغوطاً أكثر على الفلسطينيين وعلى الجبهات الأخرى التي لم تشملها التسويات بعد.

لذلك، فإنّ المراهنة على دور أميركي "نزيه ومحايد" يتطلّب أيضاً تحسين الواقع التفاوضي الفلسطيني والعربي، بل تغيير نهج معتمد منذ ثلاثة عقود. فواقع الحال الفلسطيني والعربي عموماً لا يمكن أن يشكّل الآن قوّة ضاغطة، لا على الحكومة الإسرائيلية ولا أيضاً على الموقفين الأميركي والأوروبي. فما كان متوفّراً من "وسائل ترغيب وترهيب" على المستويين الفلسطيني والعربي يتمّ نزعهما كسلاح من أيدي الفلسطينيين والعرب. وهناك الآن توافق إسرائيلي/أميركي/أوروبي على ضرورة وقف كل أشكال المقاومة المسلحة، وهي هنا وسائل "الترهيب"، ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، وأيضاً الضغوط على الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل (وهو وسيلة الترغيب المنصوص عليها في المبادرة العربية). وفي مجمل الأمرين يفقد الفلسطينيون والعرب أي موقع قوي في المفاوضات، وتكون إسرائيل هي الطرف الذي يشترط وعلى الآخرين تقديم التنازلات!!

إذن، القضية ليست ما تريده إدارة أوباما وما قد تفعله، ففي الاحتمالات كلّها هناك مسؤولية كبيرة تقع على الفلسطينيين خصوصاً وعلى العرب عموماً، وبداية الطريق تكون بوحدة الموقف الفلسطيني على أسس تجمع بين السير بالمفاوضات وبين الحرص على نهج المقاومة. أمّا عربياً، فإنّ الحدّ الأدنى المطلوب الآن للتعامل مع "شروط نتنياهو" و"ضبابية أوباما"، يكون في رفض أي شكل من أشكال الاعتراف بإسرائيل أو التطبيع معها قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وتحرير الأراضي المحتلّة، وفي دعم التوافق الفلسطيني على برنامج وطني توحيدي للتحرير وقيام الدولة المستقلّة.

ومن المهمّ الإشارة إلى أنّ ترحيب إدارة أوباما (بالخطوة الهامّة إلى الأمام) في خطاب نتنياهو الأخير، ربّما يكون فقط للحصول على الموافقة المبدئية الإسرائيلية على "حل الدولتين" حتى تسهل الطريق أمام الإدارة الأميركية من أجل الدعوة لمؤتمر دولي يكرّس التسوية الشاملة على الجبهات المحيطة بإسرائيل (مصر – الأردن- سوريا – لبنان)، ويترك الملف الفلسطيني للمفاوضات الثنائية، بعدما تكون كل الدول العربية معنيّة بالعلاقة مع إسرائيل والتطبيع معها حصيلة توقيع معاهدات تسوية جديدة على الجبهتين السورية واللبنانية.

وما تريده الإدارة الأميركية من إسرئيل خلال فترة المؤتمر الدولي وما بعده، هو تجميد المستوطنات وتسهيل التنقلات والحياة الاجتماعية والإنسانية للفلسطينيين، وتعزيز دور السلطة الفلسطينية في الضفة وغزّة، في سياق زمني تكون فيه نتائج المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية على القضايا الكبرى متوقّفة على تطورات الوقائع على الأرض وعلى مدى قوة الموقع التفاوضي لكلّ طرف!!

ليست هناك تعليقات: