السبت، يونيو 20، 2009

ردا على الشيخ عائض القرني

د. صلاح عودة الله
قرأت بتمعن مقالة الشيخ عائض القرني"نقول لباراك أوباما وش ها الساعة المباركة يابو حسين؟" ..ومن المعروف أن تصريحات الداعية السعودي المشهور د.عائض القرني لقناة "العربية"، عقب خطاب الرئيس باراك أوباما الذي وجهه يوم الخميس 4-6-2009 من جامعة القاهرة قد أثارت اهتماما في الأوساط السياسية والدعوية، واعتبرت لهجة جديدة مختلفة في الخطاب الإسلامي بشأن الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها، وأنها جاءت بمثابة رد سريع على مد أوباما يده نحو العالم الإسلامي.
وكان القرني طالب باحسان الظن بالرئيس الأمريكي واصفا خطابه بأنه إيجابي "بل أعظم ما سمعته من حاكم واستشهد بمفردات من القرآن". وقال القرني إن خطاب أوباما حمل الكثير من المؤشرات المبشرة فيما يتعلق بالموقف الأمريكي من القضايا الإسلامية ، ولعل بدء خطابه بالتحية الإسلامية (السلام عليكم) فأل خير، لانملك أمامه إلا نقول لأوباما (وعليكم السلام) . واعتبر القرني خطاب أوباما بأنه جديد في لهجته, مشيرا إلى استخدامه لمفردات اسلامية مثل التسامح والاعتراف بالدين الاسلامي كدين عظيم، مشيدا به، كما تحدث عن الاسلام كجزء من أمريكا وأن حرية التعبير متاحة للمسلمين فيها، وقال القرني:"هذا خطاب جديد يجب أن ندعمه". وللتذكير, فقد قام الشيخ القرني بكتابة مقال مباشرة بعد فوز أوباما في الانتخابات الأمريكية ذيله بعنوان"الرجل الأسود في البيت الأبيض", وتم نشره في بداية شهر نوفمبر من العام الماضي, وأهم ما جاء فيه"إن إخوان وزملاء باراك أوباما يعملون قهوجية وسفرجية وطباخين وكناسين في بعض البلاد العربية، ولو طلب أحدهم أن يكون مدير مدرسة ابتدائية لناله الويل والثبور، وعظائم الأمور، وقاصمة الظهور، وإن في فوز باراك أوباما برئاسة أمريكا لآية لأولي الألباب". لا أدري ان كان الشيخ القرني قصد فعلا اثارة أعصابنا واستخفاف عقولنا, أو أراد نيل الشهرة من وراء كتابته لهذه المقالة, والأكيد أن الاحتمال الأول هو الأصح لأن الشيخ يعتبر من أكثر شيوخ السعودية علما وفطنة وله مكانته المرموقة في العالم الاسلامي, ويشهد له بالتزامه, ومن هنا تجيء دهشتي من مقالته. أبدأ بعنوان المقالة والذي يحمل في طياته الكثير من علامات التعجب, وكأن الشيخ يرحب بقريب عزيز على قلبه لم يره منذ فترة طويلة, هل هي فعلا ساعة مباركة عندما قام باراك أوباما بزيارة الرياض والقاهرة؟, وهل استمع الكاتب الى خطاب هذا الرجل وفهمه جيدا؟..من حقك يا شيخ أن ترحب بأوباما في بلدك عملا بعاداتنا وتقاليدنا العربية, فشاعرنا العربي يقول:يا ضيفنا ان زرتنا في بيتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل..باختصار شديد يعول الكاتب الكثير على من خلف مجرم الحرب العالمي الأول جورج بوش الابن, الذي دمر ما استطاع تدميره في الكثير من مناطق العالم وعلى رأسها بلاد الرافدين, وحتى بلاده لم تسلم من شره, فالنار تأكل بعضها ان لم تجد ما تأكله. أقول للشيخ القرني من يعول على أوباما فانه يعول على بوش نفسه, فالسياسة الأمريكية لم ولا ولن تتغير بتغير من يقف على رأس أمريكا, وهي سياسة مبنية على دعم واحتضان لقيطتها المدللة"اسرائيل".لقد نسي أو تناسى الشيخ أن من يدير دفة الحكم ويلعب الدور الأهم في اختيار رئيس أمريكا هو اللولب الصهيو-امريكي أو ما يسمى بمنظمة"الايباك", وأوباما لا يشذ عن غيره ممن سبقوه وممن سيخلفوه. لا أريد الاطالة في ردي على هذه المقالة ولكنني أريد أن أضع بين يدي الشيخ الجليل صورتين واقعيتين:عندما قام المجرم بوش بزيارته قبل الأخيرة لمنطقتنا, قام الكيان الصهيوني باجتياح قطاع غزة وهو الذي أعطى هذا الكيان الضوء الأخضر لهذا الاجتياح عندما زار الصهاينة ومناطق ما يسمى بالسلطة الفلسطينية, وقبل أن يعود الى بلاده قام بزيارة من وصفتها يا شيخنا بعاصمة مهد الاسلام"الرياض", عاصمة بلدك وموطنك السعودية, وفي الوقت الذي كانت فيه غزة هاشم تودع الشهيد تلو الشهيد من أطفال وشيوخ ونساء أبرياء, كانت الرياض تحتضن وترحب بضيفها قاتل أطفال ونساء وشيوخ فلسطين, بل كانت الزعامة السعودية تتراقص مع هذا المجرم وهو يحمل في يديه سيف الفتوحات الاسلامية ويشرب القهوة العربية..قهوة الضيافة العربية الأصيلة. نعم يا شيخنا الجليل, زعماء دول عربية كبري يفرشون السجاد الأحمر لبوش، ويغرقونه بالهدايا والأوسمة وعقود التسليح بعشرات المليارات من الدولارات مكافأة له علي مساندته للمجازر الصهيونية التي ترتكب في حق شعب عربي مسلم، من المفترض ان يكونوا هم حماته.
غزة هاشم تنزف دما في حين يرقص أمراء الخليج في حفل ماجن سوية مع هذا السفاح على ضفاف نهر الدم الفلسطيني والعراقي الجاري في غزة وبغداد, فقل لي برب الكعبة, كيف تصف هذه الحالة؟, وهل تتفق معي أنها حالة من الانحدار والانحطاط ودونية القيم والأخلاق التي جسدتها تصادف ارتكاب الصهاينة مجزرتهم بحق أبناء شعبنا في قطاع غزة في الوقت الذي كان يُستقبل فيه معتوه ومجرم واشنطن استقبال الأبطال والفاتحين، يرقص العرضة السعودية التقليدية، ويتلقى أوسمة وأنواط الشجاعة من أمراء الخليج. انها أفعال مقاولين عرب ومسلمين قاموا باباحة قتل من هم من أبناء جلدتهم بالملايين من جهة وقاموا بتكريم القتَلَّه من جهة أخرى, ولكن نقول بملء فينا:لا تفرحوا بالصيد الرخيص يا صائدينه, فالطيور على أشكالها تقع من رعاع عرب ورعاة بقر أمريكان, فخزى الله الضيف والمحلي. هذه هي الصورة الأولى وأما الثانية:"اذا وافقت على مبادرة السلام..تركي الفيصل يدعو لدمج "إسرائيل" بالجغرافيا العربية"..هذا ما عرضه الأمير تركي الفيصل سفير السعودية السابق في واشنطن.
وقال الفيصل في تصريح لوكالتي الأنباء الألمانية"د.ب.أ" و"رويترز" (إن عرض المبادرة العربية للسلام الشامل مع "إسرائيل" لايزال قائماً"، وإن العالم العربي تجاوز بمبادرة عام 2002 بشكل حاسم مرحلة العداء ومد يد السلام إلى "إسرائيل".وشدد الفيصل على رغبة العرب في السلام قائلاً "كثير من العرب ينتظرون بشغف الفترة التي ستعقب توقيع اتفاقية السلام".
وفي مبادرة جديدة قال" لقد بدأنا في النظر إلى "الإسرائيليين" بوصفهم يهوداً عرباً بدلاً من اعتبارهم مجرد "إسرائيليين".
جاء هذا الخبر في وقت كانت تقصف فيه الطائرات الصهيونية- وبوحشية ندر التأريخ أن يسجل مثيلا لها- أبناء شعبنا الفلسطيني في غزة في ظل حصار خانق وظالم في وقت صمت فيه الزعماء العرب والمسلمون, وليس هذا غريبا على أمراء "دولة التوحيد" الذين أطلقوا ما تسمى بمبادرة "السلام" المزعومة وعرضوها على أسيادهم اليهود ليتكرموا بقبولها ، والكل يعرف ويعلم بأن السر وهو-غير خفي- وراء هذه المبادرة هو رب الأمراء أمريكا ، فهي التي أملت عليهم هذه المبادرة ، وهي التي أمرتهم بعرضها على الصهاينة بطلب منهم ليرفضها هؤلاء أنفسهم, إمعانا في إذلال "دولة التوحيد" التي تجثم على قلوب المسلمين في جزيرة العرب, شاء من شاء وأبى من أبى..!.
شيخنا الفاضل, من قام باستقبال أوباما هم نفس الأشخاص الذين قاموا باستقبال المجرم بوش, فأين كنت ولم نسمع أنك وقفت ضد زيارته لبلدك وضد الاستقبال الحافل الذي حظي به..القدس ومقدساتها الاسلامية هي ملك لكل المسلمين..القدس أيها الشيخ تهود وتنتهك وهي محتلة مغتصبة, القدس تصرخ بأعلى صوتها وتناجيكم معشر المسلمين وشيوخهم, ارفعوا الظلم عني..!, ولكن من يسمعها؟, لقد أسمعت لو ناديت حيا**ولكن لا حياة لمن تنادي..ولو نارا نفخت بها أضاءت**ولكن أنت تنفخ في رماد..!. شيخنا الجليل, الجهاد فرض عين على كل مسلم, فما هو موقفكم من ذلك؟, فلسطين وقدسها وأقصاها ترضخ تحت نير محتل صهيوني مجرم همه الوحيد والأوحد طرد وتهجير ما تبقى من أصحابها الشرعيين, والعراق بلاد الرافدين دمرت تدميرا كاملا, وأفغانستان والصومال وووو..فما أنتم صانعين وفاعلين عدا عن الخطابات الفارغة التي لا تسمن ولا تغني من جوع, لقد انشغل شيوخنا الأفاضل رعاهم الله باطلاق الفتاوي التي لا تعد ولا تحصى والتي لا معنى لها ولا داعي لذكرها في هذا المقام..لقد أصبح الجزء الأكبر منهم شيوخا للسلاطين شعارهم النفاق وما أصعبه من حال..هذا هو الحال يا معشر الشيوخ الأفاضل, تركتم القضايا المصيرية ولجأتم الى الحكام الظالمين, ومناصرتهم أصبحت فرضا, فعلا لقد صدق رسولنا الكريم بقوله"انه زمن الرويبضة"..زمن أصبحت فيه الخيانة مجرد وجهة نظر, انه زمن القحط والذل والهوان.
لقد ذكرت في مقالك بأن أوباما استشهد ببعض الايات القرانية واستهل خطابه"التاريخي" بتحية الاسلام, وهنا أستذكر اذاعة"البي بي سي" البريطانية التي تستهل برامجها بايات من القران الكريم, فلا هي أسلمت ولا باراك أوباما دخل في ديننا الحنيف..انه يعلم جيدا بأن العاطفة تكاد تقتل شعوبنا فقام باستغلالها ليسرق عقول هذه الشعوب, فتهافتت هذه الشعوب على أجهزة التلفزة لتستمع لخطابه وكأنه المهدي المنتظر. قد تكون نوايا أوباما حسنة, ولكن علينا ألا ننسى أنه لا يحكم أمريكا إلا بمقدار ما يستجيب له من مصالح"الكيان السرطاني", وأن الحاكم الأول والأخير لأمريكا هو اللوبي الصهيوني, وقد قالها أوباما صراحة"ان العلاقة بين أمريكا وإسرائيلإستراتيجية ولن تتزحزح أبدا". الشيخ الجليل, لا يمكن أن أقوم بمد يدي لمن يحاصر أبناء شعبي ويجعلهم يعيشون معيشة القرون الوسطى ولا يعتبرهم من صنف البشر..لا أمد يدي أبدا لمن يخطب ودّ العرب ويُنافقهم من أجل أن يقوموا باخراجه من أزمته الاقتصادية الخانقة التي تركها له من سبقه..لا أمد يدي أبدا لمن يتحدث عن سلاح نووي إيراني وهو لم ير النور بعد و لا يجرؤ أن يذكر الترسانة النووية الوحيدة والأقوى في منطقتنا والتي يملكها الكيان الصهيوني, بل الكيان السرطاني..والسبب الوحيد هو أن إيران تهدد هذا الكيان..باختصار يا شيخنا, ان خطاب أوباما ليس إلا نفاقا سياسيا إعتدنا عليه من الأوروبيين عامة و لم يكن إلا تنميقا وتزويقا للوجه البشع للسياسات الأمريكية تجاه العرب و المسلمين. لسنا بحاجة الى أوباما وغيره لكي يدافع عنا ويدعمنا, فواجبنا نحن النضال من أجل تحرير كل بقعة عربية واسلامية محتلة..ان أوباما ركز في خطابه على العلاقة التارخية التي تربط بلاده مع الصهاينة, وطالب باحترام كيانهم وتناسى أنهم أقاموا كيانهم هذا فوق أرض فلسطين الطاهرة وبدعم أجنبي بريطاني, ألم يكن من الواجب يا فضيلة الشيخ أن تقوم بمطالبة خليفة بوش بارسال رسالة الى الصهاينة المحتلين مفادها أنهم عابرون في كلام عابر وان النصر ات لا محالة؟. اننا لسنا بحاجة لأوباما أو غيره ليمنح ديننا صفة العظمة, أو أن يعتبره دينا عظيما..وأما بالنسبة لحرية التعبيرالتي أشرت اليها في مقالك في بلاد"العم سام", فأريد أن أذكرك بما يتعرض له المسلمون من مضايقات وما يتعرض له الاسلام ونبينا محمد(ص) من اهانات وتجريح, فهل تدخل هذه الأمور في نطاق حرية التعبير يا شيخنا؟, وما مع منع الحجاب؟, وأين كنت عندما تعرض ديننا ونبينا لأشرس حملة تجريحية واستهتارية سواء في أمريكا أو أوروبا؟, ان ما سمعت من كلام معسول من هذا الرجل لا يتعدى كونه خطابا عاطفيا يراد منه سرقة عقول الشعوب الاسلامية وتعاطفها معه. فضيلة الشيخ, أود أن أذكرك بهذه الواقعة:الملك فيصل رحمه الله وعندما قطع مد البترول في حرب أكتوبر عام 1973 قال مقولته الشهيرة, عشنا وعاش أجدادنا على التمر واللبن وسنعود لهما..يقول وزير الخارجيه الأمريكي الإسبق هنري كسينجر في مذكراته,أنه عندما إلتقى الملك فيصل في جدّه,عام 1973 م , في محاوله لإثنائه عن وقف ضخ البترول ,رآه متجهما ً, فأراد أن يستفتح الحديث معه بمداعبة فقال مخاطبا المرحوم الملك فيصل " إن طائرتي تقف هامده في المطار بسبب نفاد الوقود, فهل تأمرون جلالتكم بتموينها ,وانا مستعد للدفع بالأسعار الحرة..!, ويقول كيسنجر : " فلم يبتسم الملك ,بل رفع رأسه نحوي, وقال : وأنا رجل طاعن في السن, وامنيتي أن أصلي ركعتين في المسجد الاقصى قبل أن أموت, فهل تساعدني على تحقيق هذه الأمنيه؟..انه موقف غاية في الحنكة سيحفره التأريخ على صفحاته..فهل سيتكرر هذا الموقف؟. لقد استشهدت في مقالك ببعض الايات القرانية وأختتم ردي بقوله تعالى:(وَقَضَيْنَآ إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كَبِيراً(4) فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مّفْعُولاً (5) ثُمّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً(6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوّلَ مَرّةٍ وَلِيُتَبّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً (7) عَسَىَ رَبّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً)..صدق الله العظيم. ليس من طبعي التشاؤم ولكن أقول:من الممكن أن يكتشف الإنسان بقايا هيكل للغول والعنقاء لكن إصلاح الأمتين العربية والاسلامية فيبدو من سابع المستحيلات..أرجو المعذرة ان تجاوزت حدودي, لكن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية, وكلي ثقة بأن يتسع صدرك لما خطه قلمي..وعد كما عهدناك شيخا متزنا,رعاك الله وحفظك.

ليست هناك تعليقات: