الاثنين، يونيو 15، 2009

حتى لا يكون مصير "خطة أوباما" كسابقاتها

نقولا ناصر

(عدم تحديد الهدف النهائي ب"إنهاء الاحتلال"، وعدم الاستعداد لممارسة الضغط على المحتل الإسرائيلي لفرض الحل عليه، وعدم تحديد سقف زمني لامتثاله لاستحقاقات السلام هي ثلاثة عوامل تنذر بأن يكون مصير خطة أوباما مثل سابقاتها)

إن ما أصبح يوصف ب"خطة أوباما" لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي انطلاقا من ساحته الرئيسية في فلسطين ليس حدثا تاريخيا، فهذه الخطة التي يبلورها حاليا الرئيس الأميركي باراك أوباما سوف تضاف إلى ركام من الخطط التي صاغها أسلافه وغيرهم والتي تزدحم بها أدراج وزارة الخارجية الأميركية، وكل هذه الخطط مجتمعة ومنفردة كانت في حينها ، مثل خطته الجديدة التي تتبلور الآن، تمثل ضوءا في نهاية نفق الصراع، غير أن المشكلة كانت تكمن دائما في أن أيا من هذه الخطط لم تتحول إلى نفق لتسوية الصراع يمكن إشعال أي ضوء في نهايته، لأسباب رئيسية ثلاث تنذر بأن يكون مصير خطة أوباما مثل مصير الخطط التي سبقتها.

وأول هذه الأسباب هو رفض الإدارات الأميركية المتعاقبة تحديد "إنهاء الاحتلال" الإسرائيلي كهدف نهائي لمشاريع السلام ومبادراته، واستبدال هذا الهدف ب"السلام" في أحسن الحالات وفي أسوأها ب"عملية السلام" كهدف في حد ذاته لإدارة الصراع لا لتسويته وحله. وثاني الأسباب رفض واشنطن لتحديد سقف زمني لعملية السلام في كل مشروع ومبادرة وافق طرفا الصراع عليها كرها أو طوعا. وثالثها الرفض الأميركي لممارسة أي ضغط على دولة الاحتلال لرفض واشنطن "فرض" أي تسوية لا تقبلها حكومة هذه الدولة مما حول وما زال يحول أي خطة جديدة إلى أداة للضغط الأميركي على الطرف العربي والفلسطيني ترهنه لموازين القوى المختلة لصالح دولة الاحتلال وتحول الاحتلال نفسه والمكاسب الإقليمية المخالفة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة التي حققتها بالقوة المسلحة إلى أهم أوراق الضغط في يد دولة الاحتلال مما يفقد أي تسوية يمكن التوصل إليها من الحد الأدنى من العدالة.

والأسباب الثلاثة هذه التي أجهضت كل مشاريع السلام ومبادراته السابقة وأوصلت "عملية السلام" إلى الطريق المسدود الذي وصلت إليه الآن ما زالت متوفرة في "خطة أوباما" الجديدة، لأن أوباما مثل كل أسلافه ما زال ملتزما بأمن إسرائيل وبتحالف أميركي معها "لا ينفصم" ،كما قال في خطابه الأخير في القاهرة، لا يفرق بين المصالح الأميركية وبين المصالح الإسرائيلية، ولو كان التزاما من جانب أميركي واحد، مع أن الجانب الإسرائيلي في هذا التحالف الاستراتيجي يمكن أن ينقلب عليه في أية لحظة بالطريقة الإسرائيلية المعهودة والمضمونة، ليس بفصم عرى التحالف بل بتغيير قيادة الجانب الأميركي له عن طريق استنفار جماعات الضغط اليهودية والصهيونية الأميركية والعالمية النافذة ضد هذه القيادة. وربما يجد المراقب دلالة في هذا السياق في الملصقات الكبيرة التي تحمل صورة أوباما وهو يرتدي الكوفية الفلسطينية التقليدية على طريقة الراحل ياسر عرفات وقد كتبت عليها عبارات تهاجمه مثل "كاره اليهود" و "المعادي للسامية" باللغتين العبرية والإنكليزية التي بدا المستوطنون الإسرائيليون في إلصاقها على مفارق الطرق والحواجز العسكرية لجيش الاحتلال منذ صباح يوم الجمعة الماضي.

وهذه الأسباب الثلاثة هي التي ينبغي أن تكون على جدول أعمال أي اجتماع عربي أو إقليمي أو دولي ينعقد لبحث "خطة أوباما"، وبخاصة اللجنة الرباعية الدولية الممثلة للأمم المتحدة والولايات المتحدة والإتحادين الأوروبي والروسي التي قال الأمين العام للهيئة الأممية، بان كي – مون، إنه يتوقع أن تنعقد في إيطاليا أواخر الشهر الجاري لبحث الخطوات التالية لتحريك محادثات سلام فلسطينية إسرائيلية، على الأرجح وكما جرت العادة بحضور وزراء خارجية أميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا واليابان (مجموعة الثمانية)، لأن معالجة هذه الأسباب التي أفشلت كل الجهود السلمية السابقة هو وحده الذي يمكن أن يحقق اختراقا استراتيجيا يمكن أن ينسجم مع الوصف الذي منحه كي – مون لخطاب أوباما الأخير في القاهرة عندما قال إنه كان خطابا "تاريخيا".

لكن الخطابات ليست دبلوماسية" وكلماتها ليست أفعالا سياسية. صحيح أن كلمات أوباما خلقت مناخا إيجابيا لانطلاق عمل دبلوماسي وسياسي، ومنحت السياسة الأميركية فائدة الشك في إمكانية أن تتغير، بعد أن اثبت أوباما أنه خطيب مفوه تمكن من عرض الأفكار القديمة لأسلافه في قالب جديد، وأنه بائع بارع لبضاعة سياسية عفا الدهر عليها وشرب، غير أن عجزه عن استيعاب الأسباب الرئيسية التي حولت البضاعة القديمة مثل "خريطة الطريق" إلى ملفات مهملة في الأدراج سوف يحول خطته إلى ملف مماثل قبل مضي وقت طويل، فخطابه جعله "يبدو مخلصا جدا، لكن هل يستطيع أن ينفذ" كما تساءل وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مقابلة له مؤخرا مع هيلينا كوبان!

وصحيح أن أوباما قد بادر منذ اليوم الأول لصعوده إلى منصة البيت الأبيض إلى القفز غوصا في بركة السلام الآسنة للصراع العربي الإسرائيلي دون أي تجربة سابقة له في السباحة فيها، ودون منقذ في الجوار، لذلك فإنه إذا لم يكن مستعدا كفاية لسباحة صعبة كهذه فإن الاحتمال كبير جدا أن تغرق رئاسته في مياهها غير المتحركة، أو في الأقل أن تغرق فيها خطته بعد أن تحرك مياهها قليلا بما يكفي لتفوح روائحها العفنة مرة أخرى، اللهم إلا إذا كان في جعبته ما لم يعلن عنه بعد ليضمن ألا يكون مصير خطته مثل مصير سابقاتها. إن "البداية الجديدة" التي يطمح أوباما إليها مع العرب والمسلمين انطلاقا من حل الصراع العربي – الإسرائيلي نحو سلام إقليمي يمهد لشراكة بين الطرفين سوف تتحطم على الأرجح للأسباب نفسها التي أجهضت كل المحاولات السابقة.

فعدم تحديد الهدف النهائي ب"إنهاء الاحتلال"، وعدم الاستعداد لممارسة الضغط على المحتل الإسرائيلي لفرض الحل عليه، وعدم تحديد سقف زمني لامتثاله لاستحقاقات السلام كما يتصورها أوباما، هي ثلاثة عوامل ستحول نقطي الخلاف الظاهريتين بينه وبين رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وهما على وجه التحديد التوسع الاستيطاني اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة والدولة الفلسطينية، إلى وسيلة للمماطلة والمرواغة الإسرائيلية المعهودة والمجربة مع حكومات الاحتلال السابقة تمتد حتى انتهاء ولايته قبل أن ترى خطته النور، وغطاء لخلق المزيد من حقائق الاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية بحيث لن تتسنى لمن يخلفه في البيت الأبيض فرصة دخول التاريخ بخطة أميركية للسلام في الشرق الأوسط تحمل اسمه أسوة بأسلافه.

إن أي مشورة خاطئة تهمس بها أو تجهر مصادر عربية في واشنطن تنصح إدارة أوباما بأن أي ضغط تمارسه على دولة الاحتلال الإسرائيلي ستكون له نتائج عكسية على عملية السلام وخطته ، مثل نصائح فلسطينيين أمثال زياد العسلي وغيث العمري و"السفير" الفلسطيني الجديد الذي خلف عفيف صافية في واشنطن، معن عريقات الذي قال مؤخرا إنه "لا يحب" كلمة "ضغط لأنها لن تساعد أيا من الجانبين"، هي مشورة تتناقض مع النتائج المأساوية الراهنة للتجربة الأميركية وغير الأميركية مع جهود صنع السلام بين العرب وبين الإسرائيليين، بقدر ما تتناقض مع تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه الذي قال في مقابلة أخيرة له مع الواشنطن بوست إنه سيجلس "منتظرا" بينما تضغط إدارة أوباما على إسرائيل من أجل تجميد توسعها الاستيطاني.

والأسباب الثلاثة لها صلة وثيقة بسبب رابع لا يقل أهمية عنها وهو إجماع كل المبادرات والمبادرين الأميركان إلى محاولات حل الصراع على استبعاد المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة من المساهمة في الحل شكلا وموضوعا، وإذا كانت "الرباعية الدولية" -- التي تعتبرها الرئاسة الفلسطينية ومفاوضوها "آلية" مناسبة -- تمثل التفافا مخادعا على الأمم المتحدة يعطي الانطباع بمشاركة المجتمع الدولي "شكلا" في الجهود المبذولة للحل فإن هذا المشاركة الشكلية بدأت وتستمر خارج الشرعية الدولية الممثلة في قرارات الأمم المتحدة ومجلس أمنها، وهي الشرعية الوحيدة التي تستمد دولة الاحتلال الإسرائيلي شرعيتها منها. ويجري كذلك في سياق وضع النقاط على الحروف في "خطة أوباما" بحث آلية دولية مثل عقد مؤتمر دولي يكون مجرد آلية "إخراج" للخطة، وربما يكون مؤتمر موسكو الذي كان مقررا انعقاده خلال الربيع الحالي، باعتبار موسكو مكانا مثل مدريد يعطي الانطباع الخادع بالحيادية يخفي العنوان والمضمون والشكل الأميركي للخطة، تماما مثلما كان مؤتمر مدريد عام 1991 التفافا على الأمم المتحدة وشاهد زور دولي على خطة إسرائيلية أميركية خارج إطار الشرعية الدولية شكلا ومضمونا.

واستمرار هذا الاستبعاد الأميركي للأمم المتحدة وقراراتها معناه الوحيد الاستمرار في البحث عن حل أميركي للصراع يحرص على حرمان الجانب العربي والفلسطيني من المرجع الدولي الوحيد الذي يمكنه أن "يفرض" حلا في إطار "سقف زمني" محدد يكون "إنهاء الاحتلال" نهاية الطريق فيه، وحرمانه من القوة الدولية الوحيدة القادرة على توفير موازن للانحياز الأميركي لإسرائيل. إن استبعاد الأمم المتحدة وشرعيتها وقراراتها من الخطط الأميركية لحل الصراع ما زال يمثل الدليل الدامغ على أن واشنطن تسعى إلى حل يثبت المكاسب الإقليمية والسياسية التي اكتسبتها دولة الاحتلال الإسرائيلي بالقوة المسلحة المدعومة أميركيا خارج الشرعية الدولية وفي انتهاك صارخ لها، وأنها تسعى إلى حل على أساس موازين القوى المختلة لصالح إسرائيل، والنتيجة الحتمية المتوقعة لأي حل كهذا لا يمكن إلا أن تكون "سلاما" إسرائيليا – أميركيا من المؤكد أنه لن يكون لا عادلا ولا شاملا ولا دائما وسينهار في اللحظة التي تتغير فيها موازين القوى الراهنة. ولا تشير الدلائل حتى الآن إلى أن "خطة أوباما" قد شذت أو يمكن أن تشذ قريبا عن هذا الإجماع الأميركي "التاريخي".

إن الانطباع المتفائل الذي قد تعطيه تصريحات أوباما ومبعوثه الرئاسي جورج ميتشل عن حرصهما على تحريك "مناقشات فورية" فلسطينية – إسرائيلية للوصول إلى "حل الدولتين في أسرع وقت ممكن" من أجل "استئناف فوري واختتام مبكر" للمحادثات للخروج باتفاق على الحل خلال سنتين يكون عبارة عن "صفقة سلام شرق أوسطية" بحلول عام 2011 تتضمن "دولة فلسطينية" هو انطباع خاطئ ومتسرع طالما واصل أوباما خطته ناقصة العوامل الأربعة المذكورة، فهذا السقف الزمني هو نفسه السقف الزمني الذي سبق لأوباما أن رفض الالتزام بمثله لأنه كما قال "مصطنع" ويعد فقط بعملية سلام مفتوحة لا نهاية لها تكون تكرارا لسابقاتها، تستخدم لانتزاع ما سماه ميتشل "خطوات ملموسة" من العرب تشمل "تعديل" مبادرة السلام العربية وتطويعها من أجل "دمجها" في خطة أوباما و"تطبيع العلاقات" مع إسرائيل من أجل "بناء الثقة" وتحسين المناخ الذي تجري فيه المحادثات الثنائية الفلسطينية الإسرائيلية تمهيدا ل"سلام شامل".

ولا يوجد من أجل تقويم عربي موضوعي لهذه الوصفة الأميركية الجديدة للسلام أفضل من الاقتباس من عرب فلسطين الأسرى في دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948. ففي مقال افتتاحي في الحادي عشر من الشهر الجاري للجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة -- التي لا يمكن التشكيك في التزامها بالسلام سواء بسبب اسمها أم بسبب خلفيتها الشيوعية أم بسبب عضوية العرب واليهود في تنظيمها أم بسبب وجود خمسة أعضاء يمثلونها في الكنيست – لخصت الجبهة رؤيتها لخطة أوباما بتلخيصها ل"المهمة الحقيقية والأساسية" لمبعوثه ميتشل بأنها "تتمحور حول تهيئة المناخ والظروف لدفع عجلة مشروع السلام الإقليمي الأميركي لإقامة تحالف واسع يشمل إسرائيل والعديد من الأنظمة العربية والإسلامية المعتدلة في إطار سلام إقليمي أميركي قائم على تسريع وتائر التطبيع السياسي بين هذه القوى ... قبل إنجاز الحل الدائم للقضية الفلسطينية".

وأي حديث عن عرب فلسطين "الإسرائيليين" يقود إلى السبب الخامس الأكثر أهمية من الأسباب الأربعة السابقة الذي ينذر بجديد خطر في خطة أوباما يهدد بتصفية للقضية الفلسطينية إن صحت الأنباء المتسربة عما قالت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن ميتشل اقترحه على الرئاسة الفلسطينية عندما التقى الرئيس عباس في رام الله مؤخرا حول "تبادل للأراضي" يسمح لدولة الاحتلال بضم مستعمراتها الكبيرة في الضفة الغربية بتبادلها مع بلدات عربية فلسطينية في منطقة الجليل المحتلة عام 1948. ووزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الذي يستعد الآن لزيارة واشنطن العاصمة، هو صاحب الامتياز الأصلي لفكرة تبادل الأراضي التي يتبناها كمدخل للتبادل الديموغرافي الذي يستهدف الترحيل الجماعي لمليون ونصف المليون فلسطيني "إسرائيلي" تمهيدا لتشريد موجة جديدة من اللاجئين الفلسطينيين، بدل عودة اللاجئين القدامى، لكن هذه المرة إلى "دولة فلسطينية" سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون، في معرض موافقته على هذه الدولة لأول مرة، أن وصفها بأنها ستكون أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في العالم، بعد قطاع غزة، لأن تبادل الأراضي والسكان قد تحول بوجود ليبرمان وحكومته إلى سياسة رسمية إسرائيلية تتحول تدريجيا كما يبدو مما نسب إلى ميتشل قوله إلى سياسة رسمية أميركية أيضا وإلى مرجعية لاستئناف مفاوضات السلام التي يريدها أوباما وميتشل"فورية".

ولاقتراح ميتشل هذا أهمية حاسمة لأن له علاقة وثيقة ب"يهودية دولة إسرائيل" التي يساوم رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو حاليا من أجل مبادلة الاعتراف الأميركي والعربي والفلسطيني بها بموافقته على استئناف المفاوضات على "حل لدولتين" على أساسها. وقد نجح نتنياهو في انتزاع موافقة إدارة أوباما على يهودية دولته بانتزاع موافقة ميتشل نفسه على يهوديتها، فالمبعوث الرئاسي الأميركي قد أكد في اجتماعه مع رئيس دولة الاحتلال شمعون بيريس يوم الثلاثاء الماضي على التزام بلاده ب"قيام دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب في سلام وأمان مع دولة إسرائيل اليهودية". إن الغيتو اليهودي الذي تسميه حكومة نتنياهو "الدولة اليهودية" هو اسم آخر للتطهير العرقي ضد مليون ونصف المليون عربي فلسطيني من غير اليهود من مواطني إسرائيل، والتطهير العرقي لهؤلاء تحت مسمى التبادل الديموغرافي سيكون بالتأكيد الحلقة الأخيرة في تصفية القضية الفلسطينية.
*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

ليست هناك تعليقات: