الخميس، يونيو 18، 2009

جدلية القدس بين الحلم والحقيقة

رامي سليمان الدهشان

طغي على احتلال القدس ستون عاما ويزيد , وهي ترنو تحت وطأته , ومازال الأمل يحذو خطاه لاستعادتها , ومازالت وقائع الحقائق الدينية والتاريخية تفرض نفسها على الوجدان والضمير الفلسطيني والعربي الذي يحمل بين جوانبه إصرار العودة والاستعادة , آملين أن تكون مفاتيح الأبواب لم تغير أقفالها.

ويتردد على مسامعنا حلم "القدس الموحدة" وما تتناقله الأوساط الإعلامية من مربع السياسية الصهيونية حول القدس وأوضاعها التي تحولت من القدس المدولة من خلال القرار 181 ( 29/ 11/ 1947م ) الخاص بالتقسيم وتدويل القدس إلى قدس شرقية وغربية !! غير آبهين بحقيقة القدس أو بالأصح بعضهم متواطئ مع سياسة التهجير والإحلال التي بدأت قبل وبعد النكبة والنكسة بأعوام عدة.

وشتان بين الحلم والحقيقة , فيهود يرون فيها حلما ويجب تحقيقه , والمسلمون يرون فيها حقيقة ويجب استعادتها .

وكفاها ما عانت ودونت في سجل تاريخها الحافل بمعاناة أهلها بالاعتداءات والتنكيل والسلب والنهب والتهويد, والتي كان قبل الأخير الاحتلال الصليبي الذي أجلاه صلاح الدين الأيوبي بمعركة حطين الشهيرة بتاريخ 4/يوليو/1187م ليكسر قيدها بعد 88 عام من الاحتلال ؛ ونعتقد أن الصهيونية هي الأخيرة وأن زوال احتلال المسجد الأقصى وكل فلسطين سيكون بعد زوال الصهيونية , ليتم تحريرها إلى الأبد.

الصهاينة يؤمنون بكذبة وأسطورة روجوا لها من بنات أفكارهم وأيضا بدافع المصالح الغربية ؛ إلا أن الحلم الصهيوني غالبا ما يتبعه يقظة مريرة وألم لم يشاءوه .

أما العرب والمسلمون لديهم دوافع الحق والثوابت التي لا يغيرها تقادم الأزمان.

ومن الجدير ذكره أن هناك في دولة الكيان من يؤمنون بأن القدس هي عصب الحياة والجيش عمود فقرتها , وللتقريب أكثر يجب التوضيح أن التيارات السياسية من اليمين إلي اليسار أجمعت سلفا وبناءا على عقيدة هرتزل أن القدس لا خلاف بشأنها , وهم أيضا مجمعون على قضايا متعددة كعدم عودة اللاجئين أو التراجع عن البؤر الاستيطانية أو ترك المجال لنا نحن كفلسطينيين بإحكام القبضة علي أراضي ال67م أو ال48م.

الصهاينة والقدس..

لا يمكن لليمين المتطرف بحال من الأحوال أن يتخلي عن مدينة القدس , فكما يعتقد الصهاينة الموالين لفكرة الدولة المقامة على أنقاض دولة فلسطين بان القدس هي العاصمة الأبدية , فلا يكاد يخلو الأمر عند المعارضين لقيام الدولة في هذا الزمن بناء على اعتقاد المتدينين القاطنين بالولايات المتحدة , أن أرض الميعاد "قد وهبها الله لبني إسرائيل فهذه الهبة أبدية ولا رجعة فيها" إلا أنهم لم يتحمسوا كثيراً للصهيونية كحركة , باعتبار أن أرض الميعاد ودولة إسرائيل لا يجب أن تُقام من قبل بني البشر كما هو الحال بل يجب أن تقوم على يد "الماشيح" المنتظر , وأن القدس ستكون يوما ما عاصمة لهم.

لكن من وراء تلك الفكرة الخبيثة؟

تفعيل فكر الاحتلال القائم هذه الأيام يدعمه الكثير من المقومات والديباجات الفكرية الصهيونية والغربية مجتمعة , وحتى ندرك هذا المفهوم يجب إدراك الأساس المشكل لما يسمى الصهيونية بخلاف المؤسس هرتزل الذي وضع فعلا حجر الأساس لظهور الصهيونية السياسية و تأسيس الحركة الصهيونية بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية بين 29 و 31 أغسطس 1897 و انتخابه رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية .

فالصهيونية هي نتاج إفرازات فكر الاستيطان الغربي لديار المسلمين , إذ يتمثل بطلب سياسي وفكري غربي مهيمن على وضع جماعات منبوذة ووظيفية تعمل لصالحهم ويقوموا بدعمهم إذا استقروا كدولة وأبدوا الولاء لهم بتامين المصالح الاستعمارية , وخير دليل دعوة نابليون بونابرت لهجرة اليهود إلي فلسطين.

والفكر الغربي المبني على أساس أن الغاية تبرر الوسيلة لاقى ترحيبا يهوديا واعترافا دوليا .

وهنا , وإذ تتبلور العقيدة التهويدية للقدس الشريف بدأ الصهاينة بعد الاحتلال بإبراز العناوين الرئيسية تجاه القدس والمشتقة من مؤسس الصهيونية تيودور هرتزل الذي قال "إذا حصلنا يومًا على القدس وكنت لا أزال حيًا وقادرًا على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل شيء ليس مقدسًا فيها أي ليس يهوديًا وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قرون".

المسلمون والقدس..

في المقابل نرصد تحركات العالمين الإسلامي والعربي تجاه القدس فنراه يتحرك بناءا على معتقد ديني وآخر تاريخي .

فالمعتقد الديني كتاب الله وسنة نبيه ,ويقول ربنا جل وعلا }سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير{ ؛ فالمسرى النبوي الشريف وطهارة المكان وقدسيته دليل إلهي وواقعي وليس حلما بان القدس هي للمسلمين , وإحكام القبضة عليها دينيا مبرهن على أن الإسلام وحده من يستطيع أن يدير شؤون ساكنيها من المسلمين وغيرهم , وأنه صاحب الحق في تملكها عقديا وتاريخيا وحتى ارتباطا روحيا من أهلها في فلسطين امتدادا لكل مسلم على وجه البسيطة , ولأن الإسلام بكل بساطة دين العدل والمساواة لا دين القتل والاغتصاب .

أما التاريخي فقبل تتويجها بالفتح الإسلامي إلي يومنا هو تجسيدا لهذا الحق الفلسطيني.

ومن دلائل الأحقية , جهاد الشعب الفلسطيني لانتزاع حقوقه وارتقاء شهدائه عقود عدة وقرون متعددة للفاتحين من غير الفلسطينيين ؛ والتاريخ الذي نفخر به خير شاهدا على أعلامه كالشيخ أمين الحسيني ورفاقه وعز الدين القسام , والصحابي الجليل الفاتح (عمر ابن الخطاب) الذي قال " لا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود", وكثيرون لا ننساهم.

وقال الشيخ أحمد ياسين يوما " تعتبر قضية القدس قضية خطيرة وحاسمة، لأنها تمس عقيدة كل مسلم في العالم وحضارته وتراثه , تنبع أهمية القدس بالنسبة لنا من كونها قبلة المسلمين الأولى ومن كونها جزءا من عقيدة المسلم".

وقال المفكر منير شفيق "انظر إلى قضية القدس باعتبارها قضية عربية إسلامية وفلسطينية من الدرجة الأولى , فالقدس كلها بشطريها الغربي والشرقي عربية إسلامية ولا يجوز التفريط بها ، ولا بأي جزء منها".

ولنا أن نعرف بأن القدس هي جزء كبير جدا من القضية الفلسطينية والأخذ والرد بخصوصها يردي عزة المسلم في الحضيض , لأنها مركز قضايا الصرع وهي أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين .

والرهان الجاري يستدعي من كل غيور أن يعلم بأن الواجهة الحضارية على صفيح ساخن , وأصوات النشاز التي تنادي بتهويدها وضمها تعالت , وعلينا الاعتماد على الله أولا ثم بسواعد المجاهدين ستحررها .

لا بالتفاوض أو التنازل ؛ ولا ننسي ما قاله بن غوريون": إن صراعنا مع أعدائنا العرب هو صراع حضاري ، وهو صراع العلم العنيف" ..وقال"لو كنت مكان العرب لا يمكن أن أقبل الاعتراف بهم ( يقصد اليهود ) أو التفاوض معهم أو مهادنتهم أو التنازل عن شبر واحد من فلسطين فنحن سرقنا وطنهم فكيف أعترف لمن سرق وطني بسرقته وبحقه فيه".

ونقول نحن .. لا معني لفلسطين بدون القدس ولا معني للقدس بدون فلسطين .

ولا نسمح ممن لعنوها أو ادعوا بالانتماء لها لأسباب دنيئة أن يتجرؤوا للانقضاض عليها , تحديدا بتناقضهم العاطفي تجاهها ؛ إذ قال بعض قادتهم أمثال هيرتزل"القدس مدينة ملعونة" وأيضا جولدامائير قالت"عندما أدخلها أشعر بالانقباض , وقال وديان"أسخر ممن يختارون العيش فيها ".

إذن , تناقض عاطفي أو توجهه استعماري , في النهاية لا يوجد انتماء ولا ولاء للمدينة وكلها مصالح رخيصة منبثقة من عقيدة فاسدة .

ونداء لكل مسلم ؛ ستون عاما ونيف (اغتصاب للأرض وظلم للبشرية وانتهاك للحرمات فهل نري القدس قريبا )؟.

فدرة تاج المسلمين عاصمة أبدية للفلسطينيين واحتلالها ذاك احتلال مؤقت وستعود عاجلا أم آجلا , وللقدس بإسلاميتها وعروبتها فروض التحرير الكامل.

Ramy.political@hotmail.com


ليست هناك تعليقات: