الثلاثاء، يونيو 09، 2009

المال مقابل الدم

راسم عبيدات
......لا أحد يستطيع الإنكار بأن لبنان دفع ثمن مقاومته وتحرير وطنه وإسقاط الاتفاقيات المذلة شلال من الدماء والتضحيات،وأن من تحمل أعباء تلك المقاومة هو قوى الثامن من آذار وعلى رأسها حزب الله اللبناني،والذي كان له شرف تمريغ أنفما يسمى بالجيش الذي لا يقهر في الوحل والهزيمة في حرب تموز/ 2006 ،وهو أيضاً الذي قاد تحرير الجنوب في ايار 2000،وقد استطاع هذا الحزب أن يحقق انتشاراً ورصيداً جماهيرياً،ليس على مستوى لبنان فحزب،بل على المستوى والصعيد العربي،وأضحى سماحة الشيخ حسن نصرالله أحد أهم عناوين المقاومة العربية،والأبعد من ذلك أنه أضحى يشكل وجود مثل هذا الحزب مخاطر جدية وحقيقية على المصالح الأمريكية والغربية في الداخل اللبناني،وتهديد جدي لإسرائيل والتي كانت سفنها وبوارجها وطائراتها وجواسيسها يسرحون ويمرحون على الأرض وفي الأجواء اللبنانية،ناهيك عن المخاطر على أنظمة الاعتدال الرسمي العربي،والتي جاء حزب الله وصموده وانتصاره ليكشف عن عريها وتآمرها ومشاركتها في العدوان على قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية على وجه الخصوص والعربية عموماً.

ومن هنا وجدنا أن المحور المعادي من أمريكا وإسرائيل وأوروبا الغربية ومعها دول النظام الرسمي العربي وظفت كل إمكانياتها وطاقتها من إعلام ومال ورجال دين وعلاقات،من اجل تشويه صورة حزب الله ومنعه من تحويل الصمود والنصر في تموز/ 2006،إلى نصر سياسي يطيح بحلفائها في لبنان.

وفي الوقت الذي كانت فيه الانتخابات اللبنانية النيابية تقترب،كانت تلك القوى تصعد من حملاتها المسعورة والمشبوهة ضد حزب الله،مستغلة المذهبية على المستوى اللبناني والعربي،بالقول بأن حزب الله سيحول لبنان إلى قاعدة متقدمة لإيران،وأن حزب الله سيفرض حكومة ملالي في لبنان وسيهدد السلم الأهلي،ناهيك عن التهم بالعمالة إلى إيران والتكفير وغير ذلك.

واستمرت الحملة على تلك المنوال والوتيرة،إلى أن رفع النظام المصري سقف الوتيرة والحملة من خلال شن حملة شعواء ضد حزب الله تحت حجج وذرائع تهديد حزب الله"للأمن القومي المصري" واعتقلت في سيناء مجموعة لحزب الله تقدم دعماً لوجستياً إلى المقاومة الفلسطينية في غزة،والتي يمنع عنها النظام المصري ليس السلاح فقط،بل الغذاء والدواء والعلاج،وانبرت الكثير من الأقلام المأجورة في مصر والخليج العربي،تشن حملة على حزب الله وأمينه العام شخصياً،وتكيل له اتهامات بالصفوية والمجوسية والعمالة والمذهبية وخدمة الأجندات الخارجية وتهديد الأمن القومي العربي،الأمن المستباح من محيطه لخليجه.

ولم تقف الأمور عند هذا الحد،بل قام أحد الصحفيين اليهود العاملين في مجلة "دير شبيجل" الألمانية،بنشر تقرير مشوه حول مسؤولية حزب الله عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري،وفور نشر التقرير تلقفته الدوائر المعادية في أمريكا وإسرائيل ودول النظام الرسمي العربي وبالتحديد مصر والسعودية والكويت وبعض صحف الموالاة في لبنان،وقامت بنشره والتطبيل والتزمير لهذا التقرير،وكل ذلك بهدف تشويه سمعة الحزب في أذهان الجماهير اللبنانية أولاً والعربية ثانية،وترافق كل ذلك مع تهديدات إسرائيلية وأمريكية بأنه إذا ما أفرزت الديمقراطية اللبنانية،قوى ليست على المقاس الأمريكي،فلبنان سيتعرض إلى الكثير من المخاطر من حيث الحصار والمقاطعة والتلويح باستخدام القوة العسكرية.

اذااً هذه الأجواء الخارجية المحيطة بالانتخابات الداخلية اللبنانية،أما على الصعيد الداخلي فهناك الكثير ما يمكن قوله في هذا الجانب،وهو أن قوى الموالاة فتحت هي وبعض دول الخليج العربي قنوات مالية من أجل شراء الذمم،وقامت بنقل عشرات الآف من اللبنانيين المغتربين على متن أسطول من الطائرات من أجل القدوم إلى لبنان والتصويت،والتكفل بكافة نفقاتهم ورحلتهم من تأمين الإقامة والأكل وتذاكر السفر ومبالغ نقدية شخصية وغيرها،

وطبعاً كل ذلك من أجل منع فوز قوى الثامن من آذار(حلفاء سوريا وإيران) في الانتخابات،ورغم كل ذلك فإن قوى الثامن من آذار حققت نتائج طيبة جداً وكرست التيار الديمقراطي الحر وحزب الله وأمل كقوى ممثلة للمسيحيين والشيعة في لبنان،وربما المسألة الطائفية والدستورية،هي التي منعت وحالت دون تقدم هذه القوى في الانتخابات،فهي قوى حظيت بالشرعية الشعبية وان كانت لم تحظى بالشرعية النيابية،ورغم مزاريب وقنوات المال السياسي والتي استخدمتها قوى الرابع عشر من آذار من أجل أن تنصر بها على الدم والمقاومة،فهي لم تستطع أن تحقق هذا الهدف،بالشكل الذي تريد،وتأثير أموالها في المعركة الانتخابية لن يصمد طويلاً في الميدان،ورغم أن هذه المرحلة رديئة و"حراشية"،فإن وجود حزب الله في المعارضة أفضل ألف مرة لهذا الحزب من أن يكون في السلطة،فحتى اللحظة الراهنة أقول بأن هذا زمن المغارم لا زمن المغانم،ووجود حزب كحزب الله في السلطة قد يحد من قدرات ودور هذا الحزب ويلقي عليه أعباء والتزامات،ويؤلب الداخل اللبناني عليه،ولعل الجميع يشهد على التجربة والحالة الفلسطينية،فعندما أفرزت التجربة الديمقراطية الفلسطينية قوى سياسية،ليست وفق المقاسات الأمريكية والإسرائيلية،تعرض الشعب الفلسطيني،إلى أبشع عملية حصار لا زالت مستمرة عقاباً له على خياراته،وحماس وقوى المقاومة الفلسطينية التي صمدت في عدوان كانون أول/2008،لم تستطع رغم ذلك أن تحول الصمود الفلسطيني إلى نصر سياسي،فالحصار والدمار وعدم الأعمار ما زالت تلقي بظلالها على غزة والشعب الفلسطيني،والحالة الفلسطينية لم تخرج من الانقسام والانفصال،والحكومة المحاصرة لم تحقق أية اختراقات جدية على الصعيد السياسي والاعتراف العربي والدولي بها.

ونحن نقول رغم أن المال السياسي انتصر نيابياً على الدم المقاتل،الدم الذي حمى لبنان وحرره،الدم الذي أعاد له كرامته وحرر كل أسراه من سجون الاحتلال،هذا الدم سيبقى منتصراً بالإرادة الشعبية والجماهير،وستبقى هذه الجماهير وفية لمناضليها وفية لعروبتها وقوميتها ولبنانيتها،رافضة بالجوع والفقر والصمود أن يتحول لبنان إلى مزرعة تدار من قبل السفارات الغربية في بيروت.ومرتعاً لجواسيس الاحتلال وعملاءه والذين يتساقطون يومياً كأوراق الشجر على أرض لبنان.

ليست هناك تعليقات: