الثلاثاء، يونيو 16، 2009

خطاب نتنياهو خازوق لكل المعتدلين العرب

راسم عبيدات

......."نتنياهو" في خطابه كان منسجماً مع فكره وقناعاته ورؤيته ولم يكن بالمفاجئ أو غير المتوقع،رغم أن فريق الاعتدال العربي والفلسطيني،كان يأمل أن يشكل خطاب "نتنياهو" ساتر لعورة هذا النظام الرسمي العربي،وأن يعلن موافقته على مبادرة السلام العربية،ولو بأربعة عشر تحفظاً شبيهة بالتحفظات التي وضعها شارون على خارطة الطريق،وباختصار فريق الاعتدال العربي والفلسطيني،كان يمني النفس بحدوث معجزة آلهية ،وأن يغير الدب جلده، وراهنوا على أن يتحول الذئب إلى حمل وديع،وخصوصاً أن الكثير من جهابذة فريق الاعتدال كتاب وصحفيين وإعلاميين وساسة ورجال فكر،بعد الخطاب الذي ألقاه "أوباما"في جامعة القاهرة،والذي لم يخرج عن كونه مفردات ولغة جديدة لنص قديم ،رأوا في هذا الخطاب تغيراً وانقلاباً دراماتيكياً في السياسة الأمريكية تجاه العملية السلمية في المنطقة،وأن زمن التعامل بقفازات من حرير مع إسرائيل قد ولى؟ وكانوا يتوقعون بأن" نتنياهو" غير قادر على التصادم أو الخلاف مع الإدارة الأمريكية،رغم قناعتي المطلقة أن ما يجري ليس أكثر من توزيع الأدوار ويدخل في إطار إدارة الأزمات وليس العمل على حلها،وأنه في خطابه على الأقل ربما يرسل ببعض الإشارات الإيجابية لمعسكر الاعتدال العربي والفلسطيني،كأن يعلن استعداده لقبول المبادرة العربية للسلام ولو بشروط،ولكن أن يعلن بكل وضوح أن ما انتخب عليه من برامج من قبل المجتمع الإسرائيلي هو أساس موقفه وقناعاته غير القابلة للتخلي أو التنازل عنها،ورغم أن خطاب" نتنياهو" وضع السطر الأخير أو النقطة الأخيرة في المسيرة السلمية والمفاوضات العبثية،إلا أننا وجدنا أن"أوباما" والذي راهن عليه معسكر الاعتدال العربي والفلسطيني"بأن يأتي لهم "بالزير من البير " قد رحب بخطاب ""نتنياهو واعتبره خطوة مهمة على طريق السلام وإقامة الدولتين،وكذلك فعلت أوروبا الغربية،وبما يثبت بشكل جلي وواضح أن أمريكا وأوروبا ما يهمهما بالأساس مصلحة إسرائيل وما تقبله وتوافق عليه وليس غير ذلك.

و"نتنياهو" الذي تولى رئاسة الوزراء الإسرائيلية قبل هذه المرة،أعلن بكل وضوح بأن رؤيته للسلام،تقوم على أساس عدم التنازل عن الأرض،بل على أساس تحسين الشروط والظروف الاقتصادية للفلسطينيين تحت الاحتلال وبمساعدات واستثمارات عربية ودولية،ورؤيته هذه تتلقى حولها معظم الأحزاب الإسرائيلية،حيث أحزاب (كاديما والعمل) رحبت بخطاب "نتنياهو" واعتبرته تمثيل للإجماع الصهيوني.

والصفعة والخازوق في خطاب" نتنياهو" ليس لأمريكا وأوروبا الغربية والأحزاب الإسرائيلية،بل لمعسكر الاعتدال العربي،والذي لا يملك من الخيارات،إلا بضاعة فاسدة غير قابلة للتسويق حتى بأبخس الأثمان،ألا وهي المبادرة العربية التي يجري ترحيلها من قمة عربية لأخرى،ومع كل ترحيل يجري الهبوط بسقفها،لكي يجري تسويقها إسرائيليا وأمريكياً،ولكن رغم ذلك لم تجد قبولاً حتى أن "نتنياهو" في خطابه الأخير لم يتطرق لها بالمطلق،وهو بذلك يقول لكل العرب والمسلمين أنتم ومبادرتكم ليس بوارد حساباتي،وما هو مطلوب منكم هو المشاركة في أوسع تحالف للتصدي لخطر امتلاك إيران للقنبلة النووية،فهذا المطلب له الأولوية على أي مطلب آخر،والمطلب المهم الآخر هو ضرورة تطبيع العرب لعلاقاتهم مع إسرائيل،أما المطلب المتعلق بالدولة الفلسطينية،فشروط إقامته،أصعب من شروط حلم ابليس بالجنة،فعدا عن التنازل العربي والفلسطيني العلني والرسمي عن 78% من فلسطين التاريخية،واعترافهم بيهودية الدولة،وبما يترتب على ذلك من طرد وتهجير ونكبة أخرى لأكثر من مليون ونصف فلسطيني يعيشون في وطنهم وعلى أرضهم،فعليهم الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل،وحق العودة يحل خارج مناطق 48،وغير مسموح بالعودة للاجئ فلسطيني واحد إلى تلك المناطق،والكتل الاستيطانية الكبرى"غوش عتصيون ومعاليه أدوميم ومجمع أرئيل" خارج إطار المحمية الفلسطينية،وهذه المحمية تكون منزوعة السلاح وإسرائيل تسيطر على برها وبحرها وجوها،أي المطلوب سلطة فلسطينية ليس لها أي مظهر من مظاهر السيادة،وأسوء من سلطة لحد التي كانت قائمة في الجنوب اللبناني .

وخطاب "نتنياهو" ليس فقط إعلان حرب وسلام عبيد،بل يتعدى ذلك إلى إنكار وجود الشعب الفلسطيني وحقه في وطن حر ومستقل،ففي إطار تبجحه وعنجهيته وما يحمله من أفكار مغرقة في التطرف والتوراتية، يقول أنه يتنازل عن جزء من أرض" إسرائيل" إلى الأغراب،والتنازل هذا لا يعني منع المستوطنين من السكن في أي جزء من البلاد يختارونه.

والآن بعد كل هذا الوضوح في الموقف الإسرائيلي،هل بقي هناك ما يمكن المراهنة عليه فلسطينياً وعربياً؟،وهذا الوضوح أليس كافياً من أجل إجراء عملية مراجعة شاملة تطال حتى التفكير الجدي بحل السلطة،هذه السلطة التي دفعت بنا نحو الاقتتال الداخلي والنزاع والصراع على وهم سلطة غير حقيقية؟،وخطاب "نتنياهو” أليس كافياً أيضاً لكي يجعلنا نعمل بشكل جاد وسريع من أجل إنهاء الانقسام والشرذمة والضعف الداخلي.؟

وعربياً هل ما زال هناك رهان على أن مبادرتكم للسلام،رغم كل هذا الوضوح الإسرائيلي ما زالت قابلة للتسويق؟،وهل هي صالحة لكل زمان ومكان؟.أم أن الأمر وصل حد"إكرام الميت دفنه"،وهذه المبادرة ليس المطروح سحبها من التداول فقط،بل لا بد من مواقف جادة وحقيقية تتعدى الإطار اللفظي والنظري والشعاري،نحو اتخاذ خطوات وأفعال ملموسة،أفعال تجعل إسرائيل وأمريكا وأوروبا الغربية تدرك أن الزمن العربي الرديء قد ولى إلى غير رجعة،وأن العرب لن يبقوا خارج الحسابات الإقليمية والدولية،ولا بديل عن الأخذ بالخيارات الأخرى التي تحدث حالة من القطع مع النهج السابق نهج المفاوضات العبثية،وضرورة الزج بكل الطاقات والإمكانيات العربية في المعركة،معركة استعادة الحقوق والكرامة العربية،والتي يجري استجداؤها على أعتاب المؤسسات الدولية والبيت الأبيض وقصر الأليزيه،معركة بدون أن يشعر الغرب والأمريكان أن مصالحهم في الوطن العربي مهددة،وأن هناك تغير جدي في العالم العربي،وهذا التغير يشمل احتضان وإطلاق يد المقاومة،فإن الاستجداء ومسلسل الذل والهوان العربي سيستمر ويصبح أكثر عمقاً وشمولية،وسيتطاول علينا وعلى حقوقنا الصغير قبل الكبير والضعيف قبل القوي،وخازوق "نتنياهو" يجب أن يشكل صحوة لنا كفلسطينيين وعرب،بأن نغادر ما يعشعش في عقولنا من أوهام وأساطير حول سلام يجلبه لنا الأمريكان والأوروبيين.

ليست هناك تعليقات: