الجمعة، يونيو 26، 2009

عقلية العنف.. عقلية يجب قمعها.. حتى لا يضيع شعبنا في غابة المخططات الإسرائيلية

مرشد ميعاري

m.meaari@gmail.com

حاول بعض الزملاء تفسير ظواهر العنف في مجتمعنا العربي في إسرائيل، بقشور سطحية،ولكن بلغة تبدو كبحث فلسفي أكاديمي.. قد يبدو لها أهمية، أما تحتها فمجرد قشور...متجاهلين أن الظواهر التي أكدوا على خطورتها، وإنها تشكل العنصر الدافع للاحتراب الطائفي ( اقرأ: الاعتداء على طوائف أخرى )، هي ظواهر عامة شاملة تخضع لها كل الجماهير العربية بنسب متفاوتة، ولكنها تشكل ضغطا مدنيا اجتماعيا يصيب جميع العرب داخل الخط الأخضر بالقهر والغضب ، فهل من المنطق أن يجري تنفيس هذا الغضب ضد بعضنا البعض ؟ وهل ما جرى في الناصرة والمغار وطرعان وكفرياسيف وعيلبون والرامة وأماكن أخرى .. وأخيرا في شفاعمرو .. هل هو مجرد "تنفيس للضغط "أم تقف في خلفيته عقلية أخلاقية تخطط وتنفذ بدم بارد ، وربما مع سبق الترصد والإصرار؟! فكيف يمكن أن تتحول مشاكسة كلامية بين طرفين إلى هجوم مسلح ، بالأسلحة النارية أيضا ، يشارك فيها من الطرف المهاجم عشرات أو المئات من شفا عمرو ومن خارجها ( كيف وصلوا خلال دقائق من مسافات يزيد بعضها عن 30 كيلومتر ؟!) ؟!... كيف جُمعوا وجُهزوا خلال دقائق ؟! وأين أصحاب العقل للجم الاعتداء في مهده ؟ّ ألا يُقرأ المكتوب من عنوانه ؟! هل أصيبوا بصمم وفقدان نظر مؤقتين ونادرين ؟! وما هو تفسير "تنفيس الضغط" على حساب مجموعات سكانية .. اختيارها بسبب ضعفها ، وضعفها في مفاهيم "حضارتنا الصحراوية " تعني عدم امتلاكها لوسائل مشابهة لرد الاعتداء عليها ، مما يجعل الاعتداء مكلفا ، ربما للطرفين ، وثانيا ،وهنا يجب ان نحني رأسنا احتراما لها ... ترفض أخلاقيا الرد بنفس الأسلوب ، والويل من الظن ان هذه نقطة ضعف .. إنما هي الأصالة وقوة العقل والإرادة !!

وليعرف الجميع انه لا شيء مستحيل .. لا شيء يعجز عنه الإنسان إذا بولغ في امتهانه ، وقد بلغ السيل الزبى ، فلنكن جميعنا على حذر !!

أوافق أن الأقليات داخل الأقلية، معرضة أكثر من غيرها لهذه الظواهر السلبية، أي إن المسيحيين والدروز، داخل هذا الجسم العربي المضطهد والمحصور الذي يشكل ضلعه الثالث ، المسلمين .. كلهم يعانون من الحصار والاضطهاد والتوتر من واقعهم ، ومن أي تطاول على حقوقهم وكرامتهم الوطنية والإنسانية ،فهل هذا مبرر لنقوم بحملات عنف ضد أبناء شعبنا من طوائف أخرى؟! وإذا بحثنا عن مصدر الضغط والضيق .. للتخفيف عن أنفسنا ، إذن الأولى بنا أن نهاجم مضطهدي شعبنا وسالبي حقوق كل طوائفه. ومطلقي الأوصاف المهينة علينا ، كما فعل وزير الأمن الداخلي عندما قال ليهودي (مبربش)بأنه يشبه العربوش .. ولم يقصد المسلمين فقط ، أو المسيحيين فقط ولم يستثن الدروز من "عربوشه " . بربكم أي اهانة أكبر لطوائفنا ولكوننا بشرا .. هل تلاسن بين مسيحي ودرزي في شفاعمرو .. أم توجيه اهانة لكل عربي من وزير عنصري ؟!

التبريرات التي طرحها الزملاء، ومعظمهم من أبناء الطائفة العربية الدرزية، هي تبريرات مثقفين يؤذيهم أن يقوم أبناء طائفتهم بمثل هذه الاعتداءات، ولكنهم لم يصلوا بعد لجرأة قول كلمة "كفى" . العنوان ليس المسيحيون العرب، الذين لا يقل حصارهم وضغطهم الداخلي والتمييز ضدهم، واضطهادهم، عن سائر أبناء الطوائف الأخرى.وبشكل عام ، كل الحركات السياسية التي جعلت الدين تنظيما سياسيا ، وكل من قبل جعل هويته الرئيسية هوية دينية ، ساهم ، بارادته أو بإستلاب ارادته ، على شرذمتنا واضعافنا سياسيا في مواجهة التحديات والسياسات العنصرية التمييزية ضد كل مركبات الجماهير العربية ، وأقول إني أتحدى أي عربي ومن أي انتماء طائفي أن يثبت أن فصله عن هويته القومية ، فتح له أبواب المساواة ولم يعد "عربوشا " وجوده في وطنه مؤذ للعنصريين ، حتى لو كانوا ذوي مناصب تمثيلية رفيعة ؟! أنا لا أرى فرقا بين إطلاق صفة "العربوش" على العرب والصفات التي أطلقها ويطلقها العنصريون والفاشست من أي لون كان على أقليات أخرى ، كما كان الحال في اوروبا مثلا .

حركات سياسية دينية .. ربما قابلة للنقاش في العالم العربي ، ولكنها بالغة الخطورة داخل إسرائيل لأن المعركة الأساسية ليست الاعتراف بانتمائنا الديني ، بل كسر التنكر لانتمائنا القومي وطرح أنفسنا كأبناء قومية نرفض إن تضع السلطة حواجز الدين المصطنعة بيننا .. ربما هنا نجحت إسرائيل بسلخ هويتنا القومية وجعلتنا نتحدث عن شعبنا بصيغة الطوائف ، فقط المسيحيون العرب لم ينتظموا سياسيا تحت إطار طائفي ، وكان باستطاعتهم فعل ذلك ، وربما يعطيهم مثل هذا التنظيم القوة في مواجهة التحديات على المستوى الطائفي ... موقفهم يستحق أن يكون معلما لنا جميعا. للأسف أقول أنهم الطائفة الوحيدة التي تصر على هويتها الوطنية قبل أي هوية أخرى، هذا لم يجعلهم اقل وعيا.. أو علما .. العكس هو الصحيح ، أنهم الأبرز تعليما ووعيا ومعرفة ونضالا وطنيا في مجتمعنا !!.. ربما لذلك يستحقون العقاب في إسرائيل ؟!

حسنا ، رؤيتي تتجاوز بشكل مطلق حدود فهم الاعتداء على المسيحيين بإطار طوشة عمومية ، أو بإطار تطور الطوشة إلى احتراب طائفي .. والموضوع ليس أيدي سلطوية تلعب بنا .. بل سياسة تجعلنا نفتقد للإدراك ونفتقد لحسنا الإنساني ولقدراتنا العقلية السوية . إن من يفقد انتمائه لمجتمع مدني ولثقافة وطنية ولهويته القومية تسهل سياسته ، وبدل أن نرى العنوان الأساسي الذي يجب أن نوجه إليه كل حرابنا وعزمنا المشترك ، نختلق عناوين جديدة لتفريغ " ضغوطاتنا الداخلية " تزيد تفسخنا وتعمق ضياعنا وانحطاطنا إلى مستويات لا تليق بالبشر... مثل هذا المجتمع لا يطيب لأحد العيش فيه ، حتى لأولئك الواهمين أنهم الأقوى والمميزين عن الآخرين ، وبغض النظر لأي طائفة ينتمون !!

صحيح اني أتحدث وانا بعيد عن النار .. ما رأيته من صور الدمار التي بثتها الفضائيات أذهلتني وجعلتني افهم الفرق النوعي للطائفة المسيحية عن سائر طوائف العرب . الويل لمن يفسر قدرتهم على ضبط النفس بغير مسارها الصحيح . لو جرى مثل هذا الاعتداء على المسلمين لهجُر المعتدين من منازلهم ولدُمرت كل أملاكهم ولما نفعهم سلاحهم وحكومتهم الراعية ، وأظن انهم يدركون ذلك . . الاعتداءات على المسيحيين لم تتوقف على الدروز لوحدهم. وكل محاولات تصوير هذه الظاهرة كطوشة عمومية، هي محاولات عقيمة وغير أخلاقية ، لأنها تقود إلى تكرار الاعتداءات. وأقول بوضوح آمل أن يفهم بعقل وان لا يقود إلى رد غرائزي ،لا تحولوا المسيحيين العرب إلى " كيس رمل " لتمرنوا عليه قبضاتكم وعضلاتكم..

حدثت صديق بلجيكي ، عن أحداث شفاعمرو وقبلها المغار ،وما سبق المغار في الناصرة ( ربما يتكرر ما دامت العقلية التي سببت المشكلة في الناصرة قائمة ) وقرى عربية أخرى فأصيب بذهول .. قال إن بلجيكا مليئة بالأقليات الإثنية والدينية ، وأن القانون يساوي بينهم كمواطنين في الدولة ،ولا يميز بين حقوقهم الثقافية واللغوية والتعليمية والدينية والسياسية ، والويل لمن يجرؤ على تنفيذ اعتداء أو اهانة لمواطن على قاعدة اثنية أو دينية ... إن ارتكاب جريمة قتل لا تقل خطورة بنظر القانون البلجيكي عن التعرض لمواطن من مواطن آخر بسبب انتمائه المختلف . ثم أضاف ، كيف ستبنون دولة فلسطينية ومجتمع فلسطيني ديمقراطي مدني وأنتم أعداء لبعضكم البعض ( بالطبع لم يكن يعني الخلاف الفتحاوي الحمساوي المخجل )؟!

لا يمكن تغطية الضغط الذي تتعرض له مجموعة اجتماعية من السكان، بخلاف بين أفراد. الخلاف بين أفراد يبقى خلافاً بين أفراد، أما عندما تندفع مجموعة من عشرات أو مئات، مسلحين بكل أنواع الأسلحة، للاعتداء على مجموعة سكانية، لا علاقة لها بخلاف ، حتى لو حدث .. بين فرد منها مع فرد من مجموعة سكانية أخرى، فهذا ببساطة بروغروم إجرامي مدبر ومخطط سلفا.

بوس اللحى لن يحل الإشكال ، والادعاءات المتناقضة حول حالة الحصار أو الضغط، مرفوضة كتبرير ، لأنها تجعلنا مجموعات بلا هوية وطنية وبلا انتماء لمجتمع إنساني !!

يقولون "لا نعتدي على احد، ولكن الويل لمن يعتدي علينا". هذا عذر أقبح من ذنب.

أحداث المغار تبين أن لا ضلع للمسيحيين في السبب التافه الذي كان دافعا للتدمير والحرق للأملاك المسيحية ، وللإفراد المسيحيين ، وبالصدفة لم يسقط قتلى ، ثم تبين أن الحجة التي حركت الاعتداء هي نزوة شاب درزي مراهق ... فهل جرى اعتذار وإعادة تفكير وتعويض المتضررين وعقاب المعتدين؟! وهل أبناء مجموعة سكانية كاملة، بحالة خطأ فردي،أو لأي سبب كان ... يجب أن يتحملوا العقاب الجماعي ؟! ومع احترامي لكل التبريرات ، إلا أني أرى بها رفضا خجولا مغلفا لظاهرة العنف والاعتداء على طوائف أخرى ، وهنا ايجابيتها النسبية . لقد هوجمت كنيسة ومنزل فارغ لشخصية شفاعمرية مشهورة ،كما علمت .. ولم يكن في الكنيسة أو في المنزل أي إنسان يمكن أن توجه له تهمة اهانة أي درزي ، فهل اختيار هذه الأهداف ، الذي يتكرر بنفس النمط في كل اعتداء ، كان بمحض الصدفة؟! بسبب حالة الضغط مثلا التي تعاني منها الأقليات ؟! هل من تعاليم الديانات الإعتداء على مقدسات الآخرين اذا وقع خلاف ؟! الدين الذي يسمح بذلك ، أي دين كان ، ولا تصدر عن رجالاته ادانة رسمية بقوة ، ويعاقب مرتكبي الاعتداء على مقدسات الآخرين ، على الأقل على المستوى الأخلاقي ، ببساطة يفقد رجالاته اهليتهم التمثيلية !!

كفى ضياعا وتشرذما وفقدانا للهوية !!

كفى تبريرات ملطفة .. السيارات المحطمة والمحروقة ، والبيوت المعتدى عليها ، وكل فرد طاله الضرب الشرس ، يعرف كم كان الهجوم لطيفا ومثل نسمات الصيف في يوم قائظ ، و "مجرد طوشة عابرة لا تعكر أجواء المحبة والجيرة الحسنة " كما ثرثر بلا شرف شاعر كبير عبر أثير احدى الإذاعات كما وصلني من قارئ درزي قال انه يخجل بما ارتكبة ابناء قومه ...

هل ستنفع هذه التلطيفات والكلام المائع ، بمنع البروغوم القادم ، وليس شرطا بتنفيذ درزي .. وربما تقع فيه أحداث قتل .. هل سنبررها بأنها مشيئة الله ، وهو المكتوب للقتيل ولا يمكن تغييره ؟!

أشغلتني أسئلة كثيرة .. ربما المسافة التي تبعدني عن وطني ، الذي غادرته قبل عقدين ونصف العقد ، ولا أعرفه إلا بما ينشر عنه ، جعلتني أكثر قلقا.. بحثت في الانترنت وأكتشفت الكثير من المعلومات التي أذهلتني عن واقع الدروز المؤلم في إسرائيل رغم خدمتهم العسكرية ودفعهم ضريبة الدم لغير حقوق شعبهم أو حتى حقوق طائفتهم .

هل المسيحيون العرب هم العنوان لعدم مساواة الدروز مع اليهود على قاعدة خدمتهم للعلم، وتنفيذهم للأعمال القتالية بلا تردد ضد أبناء قومهم العرب، حتى لو كانوا دروزاً من لبنان أو سوريا، وليسوا مسيحيين ومسلمين عرب فقط..؟!

هل المسيحيون العرب هم المانع الأساسي لعدم المساواة المواطنين الدروز، وعدم إنصافهم بالاستثمارات والهبات والمنح لتطوير بلداتهم؟!

هل المسيحيون العرب هم وراء سياسة الإجحاف بقضايا الأرض، وسياسة التخطيط والتنظيم والتوزيع العادل لأراضي الدولة؟

هل المسيحيون العرب وراء غياب خرائط هيكلية تستجيب لتطور البلدات الدرزية، وبقاء خرائط قديمة من العام 1968 بينما قرى التطوير اليهودية لا تنقصها مثل تلك الخرائط الحديثة.

هل المسيحيون العرب، وراء سياسة السلطة بإهمال النمو الطبيعي للدروز، وإبقاء مسطحات بلداتهم في حدود عام 1968 أو ما دون ذلك سوءاً؟

المواطن الدرزي، هو مواطن في إسرائيل ويخضع لمخططات السلطة العنصرية ، ويعتبر مواطناً مع وقف التنفيذ مثل سائر المواطنين العرب، مسيحيين ومسلمين، أم انه مميز بقيراط واحد ضمن سياستها العنصرية؟ وماذا أعطته الدولة أكثر مما أعطت للمسلمين والمسيحيين ، اذا تجاهنا انها أعدت للشباب الدروز مقابر عسكرية ، عافاها الله وكتر خيرها ؟!اليس بناء مدرسة عصرية أهم من بناء مقبرة عسكرية ؟!

ربما يعتبر البعض حمل السلاح هبة من الدولة ترفع قيمة الطائفة بين الجماهير العربية؟!

هل المسيحيون العرب مسئولون عن سمعة الجنود الذين يرتكبون، حماقات مخجلة لكل إنسان عاقل، وعلى الأغلب لا يرتكبها جندي يهودي، في التعامل مع الشعب الفلسطيني ( شعبهم رغم أنفهم ) في المناطق المحتلة؟

هل المسيحيون العرب مسئولون عن نهب الأرض الدرزية. مثلاً عما يسمى "الحديقة الوطنية" التي أقيمت حسب قانون سلطة الحدائق الذي اقر عام 1966، لتحويل ما يقارب 30 ألف دونم من أراضي الدروز ، من عسفيا والدالية، إلى سلطة الحدائق، دون إعطاء فرصة للمواطنين حتى للاعتراض؟

هل المسيحيون العرب مسئولون عن أن "الكيرن كاييمت" في قانونها الأساسي تخصص الأراضي لليهود فقط، وهناك مئات الظواهر التي تستحق غضباً درزياً وغضباً لكل الجماهير العربية...وليس ضد بعضنا البعض. ليس ضد طائفة صغيرة تعاني من نفس السياسة ولا تملك من وسائل الدفاع عن نفسها ما يمكن المعتدين عليها من البطش الهولاكي بها...

لا تعزلوا نفسكم عن أبناء شعبكم، انتم في النهاية جزء من الهم الوطني لنا جميعاً. تتعرضون لتهويد الأرض، تتعرضون للإفقار النسبي الدائم. تتعرضون لتشويه هويتكم الوطنية وتتعرضون لتشويه هويتكم الإنسانية، وهذا الخطر الأكبر، ليس على المسيحيين وإنما عليكم بالأساس ، ثم على سائر جماهير شعبنا في داخل الخط الأخضر وفي المناطق المحتلة .

إن ما يجمع الدرزي مع الجماهير العربية، المسيحيين والمسلمين اكبر ألف مرة مما يجمعه مع مضطهدي شعبه ومصادري حقوقه وأرضه وحقه في الحياة الحرة الكريمة.

( مرشد ميعاري – لاجئ فلسطيني ، ومواطن متساوي الحقوق في بلجيكا )

ليست هناك تعليقات: