الأربعاء، يونيو 17، 2009

من النصر الإلهي عام 2006 إلى الهزيمة السياسية عام 2009

د. ميرا جميل
فاجأني احد محرري الصحف العربية الصادرة في إسرائيل بتوجيه تهم الخيانة للمسلمين السنة في لبنان ولمسيحيي لبنان، بادعاء أنهم عملاء الأمريكان، والسبب في هزيمة فريق 8 آذار الذي يتزعمه حزب الله، بقيادة حسن نصرالله..رغم الرعاية الإلهية التي ادعاها وتفاخر بها في "نصره" على اسرائيل ، في حرب لبنان 2006.
من المؤسف أن الكاتب إياه، وغيره، عاموا على الوهم، وتعاموا عن رؤية الصورة بحجمها الطبيعي، وبكل امتداداتها وأبعادها الكاملة ، اللبنانية والعربية والمنطقية والدولية .
وما اعنيه أن الهزيمة لحركة 8 آذار، هي هزيمة للتحالف الشمولي، الايرانو- سوري الممتد لبنانياً بحزب الله وأتباعه .
كان الوهم كبيراً أن "النصر الإلهي" في 2006 فتح الطريق للأطماع الفارسية التاريخية ( ما دام الله معنا ) ، وداعب أطماع الذين نهبوا لبنان خلال عقود الاحتلال، وتصرفوا بمصالحه ومصائر شعبه على ذوقهم، وكان خروجهم نتيجة الثورة البرتقالية للشعب اللبناني، الذي توحد بحركة 14 آذار.
لست واهمة بحركة 14 آذار ، وأرى ان تشكيلها هو ضمن اللعبة الطائفية السياسية والعائلية السياسية التي تسيطر على سياسات لبنان . وقد التقت مصالح هذه القوى وراء هدف وطني ، تحرير لبنان من السيطرة السورية والايرانية ، وصيانة نظامه الدمقراطي نسبيا في غابة الاستبداد العربي ، والحفاظ على مساحة الحرية الثقافية التي جعلت لبنان منارة حضارية مدنية راقية ومتطورة اجتماعيا واقتصاديا ، في بحر عربي متخلف وفقير ، ويعاني من أنظمة وراثية قمعية وفاسدة .
لم نتوهم بالنصر الإلهي، ودائماً رأينا الدمار المريع والثمن الذي دفعه أبناء لبنان بحياتهم وبدمار اقتصادهم ودمار مدنهم وبناهم التحتية، في حرب غير متكافئة لا مصلحة لهم فيها، فرضتها ميليشيا مسلحة لا تملك الحق الشرعي في اعلان الحرب وتوريط دولة وشعب بحرب تدميرية دون ان يكونوا على استعداد ، ودون أن يملكوا أبسط الوسائل لتوفير الحماية للمواطنين . حرب لا تخدم أي من الأهداف الوطنية اللبنانية أو العربية، وتصب كلها في مصلحة زمرة مغامرة في إيران ربطوا حكام دمشق بسفينتهم الغارقة ووظفوا الدم اللبناني لخدمة مصالحهم، وبتحريك حلم للنظام ألبعثي في دمشق أن يفرضوا على لبنان من جديد ، الانضواء الكامل تحت مظلة النظام ألبعثي .
ليس سراً أن لبنان أغنى عشرات المرات من سوريا، ليس بسبب ثرواته الطبيعية، إنما بسبب نظامه الديمقراطي، الذي أطلق المبادرات الإبداعية في الاقتصاد والمجتمع والثقافة.
إن من يتوهم أن نظام استبدادي قادر على تلبية حاجات المواطنين هو واهم. هو نظام قادر على بناء قوة عسكرية لحماية أمنه وملاحقة كل المنزعجين من التوريث والتخلف والفقر والبطالة والمطالبين بالديمقراطية ودولة المؤسسات.
سوريا منذ تسلط عليها البعث وعائلة الأسد، تسير من تخلف اقتصادي إلى تخلف أَشد. وخلال العقود الأربعة الأخيرة لم يتطور اقتصادها بما يتناسب وازدياد عدد السكان، وباتت من أفقر دول العالم، ونصف سكانها، بشهادة نائب رئيس سابق للدولة السورية، يبحثون عن الطعام في عربات القمامة.. وينتشر الزنا بسبب الفقر، والتقارير حول هذه الظاهرة في سوريا باتت تثير الرعب.
هل نكشف سراً إذا قلنا انه يوجد أكثر من مليون عامل سوري يشتغلون دائماً في لبنان؟ والبعض يقول إن الرقم وصل إلى أكثر من مليونين، خلال تحكم السوريين وسيطرتهم على كل موارد لبنان،إلى جانب فوز الشركات السورية بكل عقود العمل الكبيرة في لبنان، في فترة حكم المخابرات السورية ... رغم أن أسعارها تتجاوز أسعار حتى الشركات الأمريكية ؟! وهناك على شبكات الانترنت وثائق مذهلة حول هذا النهب المنظم، وحول الغناء الفاحش الذي كان من نصيب قادة المخابرات والمتنفذين السوريين في لبنان .
حقاً من المستهجن كان، أن نرى انضواء الحزب الشيوعي اللبناني، ذو التاريخ المجيد، تحت عباءة الشيخ حسن نصر الله. وكذلك ذوبان القوميين السوريين بعشق حسن نصر الله، ونفس الشيء مع الناصريين والبعثيين اللبنانيين.
لا يمكن أن نفهم قبول هذه القوى المدنية، قيادة ثيوقراطية، لشيخ يحكم باسم الله، من خلال الولي الفقيه، الذي يتمتع في الطريقة الشيعية، بصلاحيات غير محدودة (كما هو الحال في إيران مع المرشد الروحي للجمهورية) لأنه يعتبر أعلى مرتبة حتى من الأنبياء، حيث يعتبر استمراراً للأمام الغائب الذي يحمل قبساً من الروح الإلهية.
هكذا تحكم إيران وهكذا حكم جنوب لبنان قبل حرب 2006، فهل من المنطق أن يحكم لبنان بنفس العقلية؟ لبنان المدني الديمقراطي المتطور اقتصاديا وثقافياً؟! رغم مآسي الحرب الأهلية، إلا انه عاد يقف عملاقاً وطنياً عربياً على قدميه، ورغم النهب السوري، استمر في التطور وتعويض ما دمر وما سرق.
هل من المنطق إذن أن تنضوي حركات شيوعية وقومية تحت قيادة إلهية؟! إلى هذا الحد وصل فقدان الوعي بحركات يسارية ووطنية لم تبخل على وطنها بأرواحها؟!
الحديث ليس عن الإيمان. الإيمان وممارسة الطقوس الدينية، هي حق للمسلمين والمسيحيين والدروز بغض النظر عن اختلافات اتجاهاتهم.
الحديث عن موضوع جوهري ومصيري، نجح حزب الله بتوظيف صموده في 2006، وهو صمود لا غبار عليه، ولكنه لم يوظف في مكانه الصحيح لخدمة تثوير الجماهير العربية، والمجتمعات العربية، بل وظف لخدمة الصورة الإلهية الغيبية، ولخدمة ملالي إيران، الذين "سيسلحون الجيش اللبناني"- ما شاء الله.
ماذا سيفعل الجيش اللبناني بهذا السلاح، هل سيتحول لبنان إلى دولة قمع ديني أصولي؟! ومن سيخدم هذا السلاح أيها الولي الفقيه ؟! هل سيخدم تطور لبنان وتقدمه، أم سيخدم مشاريع ايرانو- سورية وشيعية طالبانية ؟!
من هنا أهمية انتصار 14آذار في الانتخابات الأخيرة ، النصر المدني الديمقراطي للتحالف الوطني للبنان!!
الدكتورة ميرا جميل – كاتبة وباحثة اجتماعية – قبرص / حيفا
meara.jameal@gmail.com

ليست هناك تعليقات: