الجمعة، يونيو 19، 2009

عام الخطابات ... إلى أين؟

حسام الدجني

شهد الشرق الأوسط سلسلة من الخطابات الهامة في النصف الأول من العام 2009م, بما يوحي أن هناك اهتماماً واسعاً من القوى الإقليمية والدولية في الصراع العربي الإسرائيلي, وتغيراً جوهرياً في السياسية الخارجية الأمريكية وخصوصا بعد تولي السيد باراك اوباما مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية, ومراجعة أوروبية وغربية للاستراتيجيات السياسية المتبعة في الشرق الأوسط.

بدأ العام2009 على صدى حرب إسرائيلية على قطاع غزة تهدف إلى استئصال وإضعاف حكم حماس في قطاع غزة, ولكن لن تنجح الآلة العسكرية الإسرائيلية من تحقيق أهدافها بسبب صمود تاريخي لسكان قطاع غزة, وتوحد قوى المقاومة بكافة أشكالها في خندق واحد ضد الاحتلال الصهيوني في القطاع.

انتهت الحرب الإسرائيلية على غزة, وانسحب الجيش الإسرائيلي خائباً, فكان لابد من نتائج واستحقاقات سياسية للحرب, حيث يبرهن كل طرف سواء كان دولي أو إقليمي أو محلي عن هذه الاستحقاقات عبر مواقف وخطابات سياسية, كان أبرزها خطاب الرئيس اوباما في اسطنبول وجامعة القاهرة, وخطاب بنيامين نتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية, وخطاب السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس, حيث يمثل المكان والزمان واللاعبون الرئيسيون شكل الخريطة السياسية للمنطقة في المرحلة المقبلة, حيث شملت جولة الرئيس اوباما كلا من تركيا والسعودية ومصر, وجاءت الردود السياسية من قبل رئيس حكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو والسيد خالد مشعل, ويجب هنا أن نأخذ بعين الاعتبار جولة الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية جيمي كارتر للمنطقة.

الخريطة السياسية لإقليم الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة تبدأ من البوابة التركية , ولا تنتهي عند البوابة الإيرانية, حيث تعتبر تركيا من اكبر الدول الإسلامية في المنطقة, وصاحبة ارث تاريخي عريق عبر الدولة العثمانية, وهنا لا نفاجأ من الرئيس اوباما اختيارها كأولى جولاته الخارجية في الشرق الأوسط.

ثم تأتي السعودية كلاعب رئيس في المنطقة لما تمثله من رمزية دينية للإسلام والمسلمين, ورمزية اقتصادية للعالم اجمع عبر البوابة النفطية, وبعدها تأتي جمهورية مصر العربية, الدولة الإقليمية الكبرى في المنطقة العربية واللاعب الأساسي في عملية السلام مع دولة إسرائيل, وهنا يتضح أهمية اختيار اوباما لتوجيه خطابه من القاهرة للعالمين العربي والإسلامي, حيث تعتبر مصر المايسترو المركزي الذي يحرك السياسات في الشرق الأوسط برمته, فمخطئ من يظن أنه يستطيع تجاوز دور مصر في المنطقة وخصوصا دورها في قضايا الصراع العربي الإسرائيلي, وهنا اكرر المقولة القديمة الجديدة "لا حرب بلا مصر ولا سلام بلا سوريا" فلا نصر بلا مصر, ولا سلام بلا مصر, ولا مقاومة بلا مصر, لذا نجد حرص اوباما على أن يكون الخطاب من مصر لإدراكه أهمية الدور الريادي والإقليمي الذي تتميز به القاهرة عن باقي العواصم العربية.

ثم تأتي جولات الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر إلى سوريا وقطاع غزة, لتثبت هنا شكل الإستراتيجية الأمريكية المقبلة للمنطقة, والتي تتم من خلال احتواء وتفكيك محور الممانعة عبر بوابة سوريا من خلال استئناف الدور التركي في المفاوضات المباشرة أو الغير مباشرة ما بين سوريا وإسرائيل.
ثم تأتي جولة المبعوث الأمريكي الخاص جورج ميتشل لتؤكد المنهجية الجديدة للإدارة الأمريكية الجديدة.

أما حركة حماس وموقعها من الخارطة السياسية الجديدة في المنطقة, فعلى ما يبدو أن الخارطة السياسية الجديدة تشمل حركة حماس, حيث شهدت الحركة عدة لقاءات مع وفود أمريكية وأوروبية كان آخرها لقاء الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر مع السيد خالد مشعل, ثم مع السيد رئيس الوزراء الفلسطيني في قطاع غزة, إسماعيل هنية, وشمول خطاب اوباما في جامعة القاهرة على فقرة تتعلق بحماس كان أهم ما ميز هذه الفقرة انه ولأول مرة لم تنعت حركة حماس بالإرهاب من قبل إدارة أمريكية, وهنا يأتي خطاب السيد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس , خالد مشعل, مساء اليوم والذي من المتوقع أن يطرح مشعل من خلال خطابه إستراتيجية حركة المقاومة الإسلامية حماس في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية في المنطقة, حيث من المفترض أن يتطرق إلى خطاب الرئيس اوباما وانعكاساته على مواقف الحركة, ونتائج لقاءاته مع السيد جيمي كارتر, وسوف يتطرق إلى جولات الحوار الوطني الفلسطيني والذي ترعاه القاهرة, والى ملفات التهدئة والجندي الإسرائيلي الأسير عند المقاومة الفلسطينية جلعاد شاليط, ومن الممكن أن يتطرق إلى تأثير الانتخابات اللبنانية والإيرانية على شكل التحالفات الإقليمية والدولية في المرحلة المقبلة, حيث من المتوقع أن يظهر السيد خالد مشعل براغماتية سياسية يستطيع من خلالها إذابة الجليد عن علاقات الحركة الدولية والإقليمية لما فيه مصلحة للشعب وللقضية الفلسطينية.

ثم تأتي إسرائيل والتي تعتبر أساس المشكلة, حيث ستعمل الإدارة الأمريكية على دمج إسرائيل بالخارطة السياسية الجديدة من خلال تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية, حيث ستعمل الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط على التحالف اليميني المتشدد من أجل تمرير اتفاق سياسي يعطي الفلسطينيين شكل دولة أو حكم ذاتي منزوع السلاح كما عبر عنه السيد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو في خطابه الشهير قبل أيام.

الرؤية السياسية للمرحلة المقبلة سوف تحمل معها ما يلي:
1- توقيع اتفاق مصالحة فلسطينية برعاية مصرية وعربية.
2- توقيع صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وبين إسرائيل يتم بموجبها الإفراج عن جلعاد شاليط مقابل مئات من الأسرى ذوي الأحكام العالية.
3- توقيع اتفاق تهدئة بين فصائل المقاومة وإسرائيل.
4- احتواء حركة المقاومة الإسلامية حماس ضمن النظام السياسي الفلسطيني ومن الممكن رفع اسمها من قوائم الإرهاب الدولي والاعتراف بشرعيها السياسية.
5- المباشرة في عملية إعادة اعمار قطاع غزة.
6- توقيع اتفاق سياسي بين سوريا وإسرائيل سوف يمهد الطريق للضغط على الفلسطينيين بالقبول بالحد الأدنى من المبادرة العربية للسلام.
7- توقيع اتفاق سياسي بين إسرائيل ولبنان يتم بموجبه الانسحاب من مزارع شبعا والمناطق المحتلة بالجنوب, وذلك من اجل تفعيل قضية سلاح حزب الله واحتوائه كحزب سياسي مدني.
8- إبرام صفقة شاملة مع إيران يتم بموجبها إعطاء إيران دور إقليمي في المنطقة مقابل وقف برنامجها النووي الغير سلمي, واقتصار برنامجها على الأغراض السلمية, ووقف التدخل في الشأن الفلسطيني.
9- سوف يشهد إقليم الشرق الأوسط استقراراً سياسياً هذا العام 2009 ولكنه سيكون عبارة عن الهدوء الذي يسبق العاصفة, حيث من المتوقع أن لا يطول هذا الاستقرار, وستندلع حرب شاملة في الفترات المقبلة.

من يقرأ الخطابات السياسية يعلم أهمية مكانة إقليم الشرق الأوسط, وأن الصراع عليه هو صراع مصالح. وأن الأطماع الاستعمارية موجودة لأسباب كثيرة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو غيرها, وأن التحالفات تزداد يوماً بعد يوم, كل هذا يوحي بشيء واحد, أن إقليم الشرق الأوسط لن ولم يستقر طويلاً وسيبقى أرض نزاعات وتوترات.

ليست هناك تعليقات: