الأربعاء، يونيو 24، 2009

الكوته للمرأة.. و»الكوسه» للأقباط

انطوني ولسن

وافق مجلس الشعب لجمهورية مصر العربية على الكوته للمرأة في جلسته الاخيرة، والتي ربما تكون الاخيرة جدا بناء على ما يتسرب من دهاليز المطبخ السياسي في مصر لاحتمال ان يأمر سيادة الرئيس محمد حسني مبارك بحل المجلسين التشريعي والشورى، وهذا يعني نجاح المرأة في مصر على الاقل في منحها الكوته.
ولمن لا يعرفون معنى الكوته مثلي.. سأحاول ان اوضح المعنى بقدر معرفتي.. واعتقد ان على كل حزب بما فيه الحزب الوطني الديمقراطي.. وارجو ان تنتبه لكلمة الديمقراطي جدا.. ان يرشح عددا من النساء في كل انتخاب سواء الانتخابات البرلمانية (الشعب والشورى) او للمجالس المحلية. وبهذا نرى اشتراكا نسائيا اكثر ولو كان الاشتراك مجرد زينة فوجود المرأة ان كانت محجبة (ولا اظن منقبة) او غير محجبة سيعطي للمجالس نوعا من الشعور بوجود الجنس اللطيف منتشرا بين الجنس الخشن فيساعد الاعضاء الذين يذهبون الى المجلس (أي مجلس) للراحة والاستجمام واخد (تعسيلة) يعوض بها سهر الليل مع (الجوزه) والذي منه وهو يجتمع سواء مع رجال الاعمال لعقد الصفقات، او مع المحتاجين من ابناء الشعب غير الكادحين القادرين على وضع في (الجوزه أو الأرجلية) ويسكي بدلا من الماء فيزداد (شعشعة) الحشيش مع (المعسل) مع (كركرت) الويسكي وتتم الصفقات فمن حقه في المجلس (اي مجلس) ان يأخذ (تعسيله).
وزيادة وجود المرأة في المجالس حق مشروع للمرأة التي كافحت على مر القرون للحصول على حقوقها التي لا تعرف ان كانت مسلوبة او مهضومة او ضائعة او حظها السيء انها امرأة لا وجود لها في قاموس العرب شيء اسمه حق المرأة، وعليها ان تحمد الله وتشكر فضله انه جاء من منع وأدها.. اي دفنها حية بعد ولادتها. اما ما يطلقون عليه حقوق او مساواة بينها وبين الرجل فهذه بدعة من بدع الكفار وكل بدعة ضلاله وكل ضلاله مكانها جهنم والعياذ بالله.
فهي تولد وتخطب لابن عمها وهي طفلة رضيع وتتزوج وهي ما زالت طفلة صبية عمرها لا يتراوح التاسعة او العاشرة او اصغر من هذا. ولم يكن هذا في الزمن البعيد او ايام الجاهلية او خاص جدا وليس لعامة الناس. ويؤكد كلامنا ذلك السعودي الذي تخطى الستين من عمره واصر على الزواج من طفلة صبية لم تتعدى العاشرة من عمرها، وكان ذلك ضمن الاخبار في الشهر الماضي.
وبعد الزواج عليها تحمل مشاق العمل في البيت ومساعدة زوجها في الغيط، وان تنجب له الصبيان وإلا سيف الطلاق فوق رقبتها. وكم سمعنا وشاهدنا امهات يقمن بطهي الطعام ولا يأكلن منه، لأن الرجل زوجها رمي عليها يمين الطلاق. وهي المرأة تستخدم كامكينة تفريخ لزيادة العدد للوصول للحكم..
وإن كانت شجاعة تهجر زوجها وتهرب او تلجأ للأهل او الاصدقاء ومع ذلك لا يتركها سي السيد في حالها بل يحضرها بقوة القانون عن طريق الشرطة.
واذا اخلصت واطاعت وانجبت صبيانا اكثر من البنات فلا امان لديها ولا سلطان لان البيه له حق الزواج من ثانية وثالثة ورابعة واذا كان مقتدرا يمكنه «لكاح» ملكات اليمين.. وتخبط دماغها في الحيط اي واحدة من زوجاته اذا حاولت ان تعترض او تحتج.. آسف على استخدام كلمة تحتج فليس في قاموس المرأة العربية هذه الكلمة لانها من المحرمات.
وقد رسم لنا اديبنا الراحل العالمي نجيب محفوظ هذه الشخصيات في ثلاثيته الشهيرة.. قصر الشوق والسكريه وبين القصرين.. المرأة الزوجة المطيعة والتي لا تناديه إلا بسي السيد، ولا تأكل حتى يشبع ويترك ما تبقى لزوجته واولاده والبنات.. ونفس الرجل يذهب الى النوع الآخر من النساء الذين يطلق عليهن عوالم يركع على ركبتيه طالبا الرضا والصفح والغفران. وماذا عن فيلم اريد حلا للمعلاقتين المرحومة امينه رزق التي طردها زوجها بعد عشرة اثنين وثلاثين سنة دون حتى منحها ما يمنح لاي خادمة عند نهاية خدمتها وخاصة انها لم تعد قادرة على اي عمل حتى ولو خدامه، ولا يعطيها القضاء اي حق لها.. لانه لا حق لها لا بالقانون او بغير القانون، اما المرأة الاخرى فاتن حمامه لا هي مطلقه ولا هي متزوجه وتريد حلا.
ومرة اخرى المرأة العربية عارية الرأس او تضع «الطرحة» واذا كانت في الريف ترتدي زي سيدات الريف ودائما الرأس عليه غطاء ونادرا ما نرى سيدة ريفية رأسها بدون غطاء إلا اذا كانت اسرتها من اعيان البلد. وفي ايد الراجل.. بمعنى الرجل هو الذي يغير رأيه ويحجبها اي يجعلها تضع الحجاب على رأسها وبشروط معينة، والنقاب وسابقا كان اليشمك او البرقع او «البردة» في الصعيد كل هذا ولا تستطيع ان تعترض.. ولا تستطيع ان تناقش او مجرد تبدي رأي. وماذا عن امهات الزمن الجميل الذي يحيرني وضعهن هل كن مؤمنات ام غير ذلك؟!.. لقد انجبن وربين خير ما انتجته مصر من فطاحل العلم والأدب والدين. وليس كما يحدث الآن لا علم ولا أدب ولا... ودليلي هذا الكم الهائل من الكره للغير وليس من المهم ان يكون الغير يختلف عنه في الدين او العقيدة او المذهب وان كان هذا الاختلاف هو اساس الكره الذي تفشى اسرع من تفشي الطاعون او الكوليرا او انفلونزا الطيور، وحتى انفلونزا الخنازير التي ظلموها وذبحوها باسم الوقاية وإن كانت الحقيقة ان هذه الانفلونزا ليست انفلونزا خنازير فقط ولكنها تركيبة من فيروس انفلونزا الانسان وانفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير. لكن ماذا تفعل لهذا الكره الكبير.
ونعود الى المرأة التي لا تستطيع ان تسافر دون موافقة زوجها او والدها او شقيقها الأكبر. فما بالنا لو ارادت ان ترشح نفسها (ولا يختارها الحاكم) لمنصب اي منصب هام مثلما فعلت السيدة هيلاري كلينتون عندما رشحت نفسها لمركز رئيس الولايات المتحدة.. هل تظنون انها أخذت اذنا وموافقة من زوجها الرئيس السابق للولايات المتحدة الامريكية.. طبعا لا.. ولكن بدون شك تناقشا في الموضوع وتم التفاهم بينهما على خطة ما يجب عمله في حملة الانتخابات وتكاليفها.. والخ.. هل تستطيع زوجة اي مسؤول عربي ترشيح نفسها لأي منصب رئاسي؟ بالطبع لا.. وخاصة في هذا الجو الملبد بغيوم التخلف والرجعية.
اما اهمية المرأة في المجالس اضيف اليها اهمية اخرى ستضفيها على كل مجلس ستتواجد فيه.. واعني به العطر الذي تتعطر به سيقلب كل ما تعود عليه اعضاء المجالس الموقرة من الرجال.. وجود المرأة مع عبيق عطرها سيجعل الاعضاء يتسابقون للذهاب الى المجالس وبعد انعقاد الجلسات لن يهتم عضو الحزب الحاكم بالذهاب الى غرفة الحزب بل سيجرى الى الغرفة التي ستقوده اليها انفه وما تعشق من عبيق العطر الذي دخل «نخاشيشه» فأخذ يجري وراءه مثل كلب «ابو الهول» والشيء الوحيد الغير واثق منه هو اخوانا المسلمين اللي عددهم ثلث عدد مجلس الشعب ومهيمنين على بقية المجالس المحلية والنقابات المهنية هل سيضعون المرأة على قائمة اعضائهم المحظورة؟! هل حقيقة مسموح للمرأة ان تكون عضوا فاعلا فعالا في التنظيم المحظور؟. واذا سمحوا بذلك هل سيسمحون لها «مع الحجاب وربما النقاب» ان تتعطر ويملأ عبيق عطرها المكان حسب النظرية المألوفة والشهيرة الضرورات تبيح المحظورات؟!!
هذا عن «الكوته» المرأة. فماذا عن «الكدسة» التي للأقباط؟!!
الكوسة نوع من الخضروات ويسمونها بالانجليزية زوكيني مثلها مثل الطماطم (البندوره)، وفي القاهرة والمحافظات القريبة منها يسمونها (أوطه) وفي الصعيد يسمونها (جوطه) اما الاسكندرية ومحافظات السواحل يسمونها طماطم.. ومهما اختلفت التسمية فهي لها صفتين حمره يا( طماطم او اوطه او جوطه) وايضا مجنونة.
وعندنا ايضا الباذنجان يصفون به المشكوك رجل او امرأة في قواه العقلية في والبتنجان) يعني ده خلاص (مخه فوت).. والبامية يصفون بها الرجل الديوس (اي الرجل الذي له ليس قرنين بل قرون).. وهناك الكثير من الصفات التي تطلق على الخضروات في مصر وكل صفه لها مغزى ومعنى.
نأتي الى الكوسه التي تؤكل محشيه او مقلية او مطبوخة متسبكة تماما.. ويستخدم المصريون هذه الكلمة للتعبير عن الاوضاع الغير صحيحة. مثلا اذا سألت شخص خارج من مكان عمل حكومي او غير حكومي وسألته عن ما يجري هناك سنجد رده «يا عم دي (كوسه).. واذا سألت ايضا زميل لك في العمل عن شيء ما يحدث داخل العمل سيكون رده.. يا عم واحنا مالنا دي (كوسه وطبخينها سوى.. سوى) .. ونفهم ان (الكوسه) تعني ان كله ماشي بس عليك ان تعرف كيف تطبخ (الكوسه وتسبكها).
قد يسأل قارئ لماذا حددت في عنوان مقالك ان الكوته للمرأة. (والكوسه) للأقباط؟!
الأمر في غاية البساطه.. الحكومة المصرية حكومة رشيده لا يمكنها ان توافق على كوته للاقباط لانها ستظهر بمظهر غير ديني لأن القبطي او اي فرد غير مسلم فهو ذمي ولا ولاية لغير مسلم على مسلم.. لكن فيه أقباط في المجالس رجالا ونساء حتى لو كانت اعدادهم قليلة!!
هذا صحيح وكما اوضحت انها حكومة رشيدة وتؤمن بالديمقراطية فهي تعين بعضا من الاقباط الذين يعرفون جيدا طعم (الكوسه) وفوائدها فلا يفعلون الا ما يؤتمرون به.. وهكذا نصل الى ان (الكوسه) للأقباط ولا داعي ان تكون معلنه، لانه ايضا حكومتنا المصرية حكومة رشيدة ومتدينة وديمقراطية وتعرف كل شيء عن كل مواطن مصري سواء داخل مصر او خارجها فهي ايضا تعرف ان (الكوسه) ماليه البلد.. ستجد (الكوسه) في جميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاخلاقية والعائلية كله هايص في (الكوسه).. واللي عايز حاجه عليه يعرف فين (الكوسه) موجوده. والاقباط جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني فلماذا تميزهم الحكومة وتحدد لهم كوته يمكن تكون محدودة، ولا تتركهم (الكوسه) اللي ريحتها يشمها اي انسان ولو كان في مالطه؟!! لهذا كتبت.. و(الكوسه) للأقباط.
لكن الاقباط سيرفضون (الكوسه).. فما هو البديل؟!! طبيعي جدا ان يرفض الاقباط (الكوسه).. ولو كنا من محبي (الكوسه)، ما كنا هاجرنا وتركنا الوطن الغالي مصر.. وهذا لا يعني ابدا ان من بقي في مصر من محبي (الكوسه).. لكن يجب ان نبحث سويا في الداخل او الخارج عن الطريقة الحرة الشريفة للحصول على حقوقنا المسلوبة.
أهم ما نحن في حاجة اليه هو الاقتناع باننا نحن الأقباط في مصر لنا حقوق مسلوبة منا ولن يمنحها احد لنا وعلينا نحن وكل مصري امين واصيل ويحب وطنه مهما اختلف دينه.. وهذا ما اؤمن به. لأن مصر بها شرفاء لا نعرف عنهم شيئا ولا نسمع منهم شيئا لا عن خوف منهم.. ولكن عن قرف وفي انتظار المخلص ان كان شخصا او جماعة.
ولكي اقنع الاقباط وغير الاقباط بعدالة مطالبنا.. يجب ان يكون لدينا مؤسسات لها متخصصون في عقد ندوات وفي تقديم برامج تلفزيونية واذاعية عبر اي قنوات ارضية او فضائية وعبر اذاعات تبث مباشرة.
واهم شيء نفتقده هو وجود القائد.. قائد مدني علماني لا لاهوتي.. لماذا لان مطالبنا دنيوية وليست روحية.. وإن كانت مسألة بناء او ترميم الكنائس هي ناحية روحية.. سارد على ذلك ان الكنيسة ليست مبنى.. لكن هي بالمعنى الروحي جماعة المؤمنين.. فاذا حصل هؤلاء المؤمنون علىحقوقهم كمواطنين عليهم ما على غيرهم ولهم ما لغيرهم كل ما هو مادي سيتحقق ويسعد الجميع اما القائد اللاهوتي سيكون وضعه حساس جدا.
دارت الاحاديث حول من يكون القائد.. ولن ادخل في عملية الاقتراع لأن كل الاسماء التي قرأتها لرجال لهم بصماتهم الواضحة والمؤثرة فيما يمكن ان اطق عليه ملف القضية القبطية.
لكن القائد لا بد.. واضغط هنا على لا بد ان يكون من داخل مصر وليس من الخارج.. لان القضاة والمحامون والضحايا والجناة في مصر ويجب ان يواجه الجميع حيثيات القضية بالادلة والبراهين الدامغة والموثقة بكل ما يمكن التوثيق به تكنولوجيا كما حدث مؤخرا في الاعتراضات على نتائج انتخابات الرئاسة في ايران.
اما كل من شارك او يحب ان يشارك من خارج مصر اقترح ان تجتمع الاسماء المرشحة للقيادة للتنسيق فيما بينهم بما يسمى دستور العمل الفردي والجماعي لتحريك المسؤولين في مصر من اجل حقوق الاقباط المسلوبة وأهمها حق المواطنة الكاملة.
واهم شيء بالنسبة لنشطاء الاقباط في الخارج ترجمة ما يكتب او يقال او يحدث سواء في مصر او الخارج الى لغة كل بلد يتواجدون فيه.
لاننا ان لم نعرف كيف نوضح لكل مصري عن ما هي حقوقنا المسلوبة والاهانات التي يتعرض لها الاقباط في مصر بالوثائق التي تؤكد صدق القول.. فلن نصل لشيء.
واختم بهذا التساءل: (هل حقوق الانسان تمنح ام تكتسب؟!) فإذا قلنا انها تمنح.. فقل علينا يا رحمن يا رحيم.. لأنه لا يوجد من يمنح الأن او قبل الآن.
وإن قلنا انها تكتسب.. نعرف ان لا شيء يكتسبه دون المطالبة به We have to Fight for it اي يجب النضال من جل اكتسابه.
والنضال هو التكاتف والتماسك ومعرفة ما نريد.. ومن نطالب وان يكون لنا قلب واحد وفكر واحد وتجمع واحد، لان حقوق الانسان المسلوبة من أهل الشرق الحزين ليست فقط بين فئات وفئات بسبب الدين او العرق او الجنس.
ولكن لأن اهل الشرق الحزين تشرذموا وتفرقوا وأصبحوا غير قادرين على تحمل اي مسؤولية لاكتساب اهم شيء في الحياة.. الا وهو الوجود.
وأسأل اهل الشرق الحزين.. هل حقا لهم وجود؟ وأنا لا املك سوى ان أسأل فقط!!
هذا كان ختام مقال سبق نشره في استراليا في شهر مارس 2009 في جريدة «المستقبل» وفي مصر في شهر ابريل في جريدة «الطريق والحق» والذي يحمل هذا العنوان.
حقوق الانسان تمنح ام تُكتسب؟!

ليست هناك تعليقات: