الأحد، نوفمبر 30، 2008

الغطاء الاممي يسقط عن الاحتلال الاميركي للعراق

نقولا ناصر
(الاحتلال الاميركي في العراق ، مثل اي احتلال استعماري اخر ، لن يسحب قواته المباشرة الا بعد ان يضمن وجود قوة "محلية" وكيلة عنه تكون من ناحية مؤهلة للحلول محل قواته في تنفيذ اهدافه من الاحتلال وتضمن من ناحية ثانية حماية نظام سياسي موال يحل محل ادارته "المدنية" في ضمان مصالحه)

ربما تكمن الايجابية الوحيدة ل"الاتفاقية الامنية" التي صادق عليها يوم الخميس الماضي برلمان "العملية السياسية" التي هندسها واطلقها ويضبط ايقاعها الاحتلال الاميركي للعراق في كونها اعلانا مدويا عن نجاح المقاومة الوطنية العراقية في اسقاط قناع "شرعية الامم المتحدة" التي تستر هذا الاحتلال به منذ غزوه عام 2003 ، ومن المؤكد ان مهمة تمزيق الغلالة المفضوحة لشفافيتها للغطاء "العراقي" البديل المفترض ان توفره هذه الاتفاقية سيكون اسهل كثيرا على المقاومين الوطنيين من مهمة تمزيق الغطاء الاممي عن الوجه البشع للاحتلال ، وهذه مجرد واحدة من الحقائق الساطعة الغارقة في صخب الاخراج الاعلامي المسرحي ل"الاتفاقية الامنية" ، مثلها مثل حقيقة ان المقاومة تكاد تطوي صفحة من الاحتلال لخصتها النيويورك تايمز يوم الجمعة الماضي بقولها ان "الاتفاقيات الامنية بين العراق وبين الولايات المتحدة تشير الى بداية نهاية الحرب" وهو ما خلصت اليه ايضا التايمز البريطانية في اليوم التالي في تقرير عنوانه "الحرب في العراق تنتهي بالنسبة للقوات الدولية" .



والمفارقة ان الشبكة العنكبوتية الضخمة التي شجعها الاحتلال في العراق منذ الغزو تساهم في تغييب الحقيقة عن وعي الشعب العراقي بدل ان تكون وسيلة لكشف الحقائق حول المحتل والاحتلال والمتعاونين معهما مما يكشف الهدف الحقيقي للاحتلال من تشجيعها تشجيعا مريبا ظاهره ان تكون هذه الشبكة للاعلام المقروء ، المطبوع والالكتروني ، والمرئي فضائيا والكترونيا ، والمسموع اذاعيا تعبيرا ملموسا عن صدق المحتل في ادعائه بترويج الديموقراطية كهدف يسوغ احتلاله بعد ان تهافتت كل المسوغات الاخرى .



ان صخب الاخراج الاعلامي المسرحي ل"الاتفاقية الامنية" الذي تثيره هذه الشبكة يغيب مجموعة من الحقائق الاساسية الاخرى ، اولها ان هذه الاتفاقية نفسها اذا تجردت من كل هذا الصخب فانها ستظهر مجردة وعارية وبسيطة باعتبارها قرارا اميركيا اضطر صاحبه الى التهديد الصريح علنا لكي ينتزع غطاء عراقيا لتمديد بقاء القوات المحتلة في العراق بصورة مؤكدة لمدة ثلاث سنوات اخرى ، اذ بدون هذا الغطاء المفتعل كان امام هذه القوات خياران فقط: اما البقاء كقوات غزو سافرة سقطت عنها شرعية الامم المتحدة ولم تحصل على شرعية عراقية بديلة ، او الانسحاب قبل موعد سقوط غطاء الشرعية الاممية عنها في الحادي والثلاثين من شهر كانون الاول / ديسمبر المقبل ، وكل ما يقال حول الاتفاقية عدا ذلك ، او الغرق في تفاصيل الجدل المسرحي المؤيد والمعارض لها بين اطراف الجوقة التي هللت وطبلت للغزو الاميركي باعتباره "تحريرا" ، انما يندرج فقط في سياق التضليل الاعلامي الذي يحاول تصوير اتفاق على التمديد لبقاء القوات المحتلة باعتباره اتفاقا يجدول انسحابها .



اما ثانية هذه الحقائق الغارقة في هذا الصخب فانها مزدوجة وقد كشفها الرئيس جورج بوش نفسه ، قائد الغزو الذي قدم له وكلاؤه العراقيون الاتفاقية كهدية في اليوم الذي كان يحتفل فيه ب"عيد الشكر" الاميركي مع اسرته في كامب ديفيد باعتبارها "الجائزة" الوحيدة التي يحصل عليها طوال ثماني سنوات من سياساته الخارجية الفاشلة ، وذلك عندما عبر عن امتنانه لهم يوم الخميس ايضا بالتهليل لمصادقة "البرلمان العراقي" على الاتفاقية وكذلك على "الاتفاق المنفصل" الذي كما قال "يضع الاساس" لعلاقة "طويلة الامد" بين واشنطن وبين بغداد ، فلماذا يغيب الاعلام المصادقة على الاتفاقية الثانية التي اشار بوش اليها والتي قد تكون اهم من الاولى بكثير لانها تؤسس لربط العراق بعلاقة "طويلة الامد" مع القوة الاميركية المحتلة وهذا هو الهدف الاستراتيجي للاحتلال بينما تمدد الاتفاقية الاولى وجود قوات الاحتلال بانتظار استكمال القوة المحلية الوكيلة لقدراتها العسكرية اللازمة لحماية هذا الهدف الاستراتيجي !



وهذه الحقيقة المزدوجة التي كشفها بوش تكشف بدورها حقيقة ثالثة وهي ان الاحتلال الاميركي في العراق ، مثل اي احتلال استعماري اخر ، لن يسحب قواته المباشرة الا بعد ان يضمن وجود قوة "محلية" وكيلة عنه تكون من ناحية مؤهلة للحلول محل قواته في تنفيذ اهدافه من الاحتلال وتضمن من ناحية ثانية حماية نظام سياسي موال يحل محل ادارته "المدنية" في ضمان مصالحه ، وهذه القوة الوكيلة وهذا النظام الموالي هما جزء لا يتجزأ من الاحتلال الاميركي ومشروعه للعراق ولجوار العراق الاقليمي ، وبقاء هذه القوة وهذا النظام يعني بقاء الاحتلال حتى لو انسحب اخر جندي من قوات الاحتلال التي قامت بالغزو في البداية ، لذلك فان قيام قادة هذه القوة وهذا النظام بتسويق الاتفاقية باعتبارها جدولة لرحيل الاحتلال ينطوي على تضليل وخداع لا ينطليان على احد ، ناهيك عن الشعب العراقي الذي كانت سنوات الاحتلال كافية لمعرفة ان من رفعته دبابات الاحتلال الى سدة الحكم لا يمكنه الا السعي الى اتفاقات "تضع الاساس" لعلاقة "طويلة الامد" ، كما قال بوش ، بينه وبين القوة المحتلة تضمن بقاءه في الحكم ، ويمكن ايضا في هذا السياق مراجعة البيان المشترك الذي اصدره في يوم المصادقة البرلمانية على الاتفاقية السفير الاميركي (مهندس الاتفاقية) رايان كروكر وقائد القوات الاميركية في العراق راي اوديرنو ووصفاها بانها "صفقة شراكة" بين الجانبين .



وحقيقة رابعة يغيبها الصخب الاعلامي تتمثل في ان "حوالي سبعين في المائة من اعضاء البرلمان العراقي" الذي صادق على الاتفاقية الامنية "ليست لديهم أي فكرة عما يوجد في الاتفاقية" كما قال مراسل النيويورك تايمز في تقرير له من داخل البرلمان العتيد نفسه في الرابع والعشرين من الشهر الماضي ، ناهيك عن اهلية تمثيل هذا البرلمان الذي صادق على الاتفاقية للشعب العراقي وخصوصا تمثيله للمقاومة بفصائلها المختلفة وشهدائها واسرهم وللملايين من المهجرين في الخارج والداخل ومن المعتقلين والارامل واليتامى .



فعلى سبيل المثال يغيب الصخب الاعلامي "الديموقراطي" لاطراف "العملية السياسية" حقيقة خامسة وهي ان "اتفاقية وضع القوات – سوفا" في نصها تجيز اجراء تعديلات عليها بموافقة الطرفين للتمديد لبقاء القوات المحتلة حتى بعد موعد الحادي والثلاثين من كانون الاول / ديسمبر عام 2011 اذا كانت الاوضاع الامنية على الارض في العراق مضطربة بحيث تعجز القوات العراقية عن ضبطها ، خلافا لكل تاكيدات رئيس الوزراء المنطقة الخضراء نوري المالكي بان هذا الموعد لرحيل القوات الاميركية هو موعد "نهائي" .



وربما تكمن حقيقة سادسة في ترحيب بروك اندرسون -- المستشارة السياسية لفريق الرئيس الاميركي المنتخب باراك اوباما والناطقة باسم هذا الفريق -- بالمصادقة على اتفاقية "سوفا" لان فريق اوباما "قد تشجع لرؤية تقدم" في توفير الشروط لاستمرار الوجود الاميركي في العراق بعد انتهاء تفويض الامم المتحدة بنهاية العام ، كما نسبت النيويورك تايمز لها القول في الثامن والعشرين من الشهر الماضي ، مما قد يخفف من تفاؤل البعض ب"التغيير" الذي وعد به اوباما .



كما يغيب هذا الصخب المبرمج حقيقة سابعة هي ان الوجود "الاجنبي" للاحتلال لا يقتصر على التمديد لبقاء القوات الاميركية فحسب ، اذ اعلنت لندن انه يجب عليها بدورها عقد اتفاقية مع العراق توفر لما يزيد على اربعة الاف من قوات الاحتلال البريطاني شرعية "عراقية" مماثلة بعد سقوط شرعية الامم المتحدة عنها بنهاية العام الحالي ، ومثلها تستعد استراليا وايستونيا والسلفادور التي تخطط لابقاء قواتها في العراق ايضا ، وكذلك يفعل حلف شمال الاطلسي "الناتو" لتوفير مظلة شرعية لاكثر من مائتين من "مستشاريه وخبرائه" بعد عام 2008 ، ولا بد هنا من الاشارة الى ان ثلاث عشرة بلدا اخرى منها اليابان وكوريا الجنوبية تستعد لسحب قواتها المحتلة من العراق قبل نهاية العام .



والحقيقة الثامنة الضائعة في الصخب الاعلامي المبرمج ان جيشا اجنبيا يزيد عديده على مائة الف من "المتعاقدين" الامنيين وغير الامنيين مع القوات النظامية لجيوش الاحتلال ، ولم يعد سرا ان منهم شركات امنية اسرائيلية ، انما هو جزء لا يتجزأ من الاحتلال سوف يبقى بل ويزدهر ايضا في العراق .



ان تغييب وسائل الاعلام الرئيسية العراقية وكذلك العربية لراي المقاومة العراقية وغيرها من القوى السياسية غير المشاركة في "العملية السياسية" التي يديرها الاحتلال المعارضة ل"الاتفاقيتين" وتسليطها الاضواء فقط على المعارضة من اطراف هذه العملية هو حقيقة تاسعة لافتة للنظر اذا كانت لا تثير اسئلة مستهجنة حول صدقية وسائل الاعلام العراقية لاسباب غنية عن البيان فانها تثير الكثير من الاسئلة حول موضوعية وسائل الاعلام العربية ومهنيتها وحيادها بخاصة الفضائيات الرئيسية منها .



والحقيقة العاشرة المغيبة هي الاخراج الاعلامي المبرمج لمسرحية معارضة القوى الطائفية والعرقية والحزبية المشاركة في "العملية السياسية" والممثلة فوق المسرح البرلماني لهذه العملية ، فهذه الحقيقة لم تخدع الا من بلغت بهم السذاجة حد ان يفكروا ولو للحظات بان من كانوا كاسحة الغام عراقية للغزو يمكن ان يستيقظ فيهم ضمير وطني لكي يعارضوا الاتفاقيتين حقا ، فهؤلاء الذين جاؤوا بالاحتلال وجاء بهم الاحتلال قد مات فيهم الضمير الوطني ، وفي الاقل لم يثبت أي منهم حتى الان عكس ذلك ، بعد ان كافأهم الاحتلال اولا بادوار في ادارته المدنية المباشرة ، قبل ان يطورها الاحتلال بعد رحيل سيء الذكر بول بريمر الى ادارة محلية وصفها بالعراقية وسماها حكومة ووفر مقرا لها ولمجلس رئاستها ولبرلمانها في المنطقة الخضراء ببغداد لتستظل بالحماية التي تتمتع بها سفارته العملاقة هناك .



ان القلة من امثال هؤلاء السذج ممن قد يأملون في ان يسمح الاحتلال لاي من مؤسسات العملية السياسية الكرتونية باسقاط الاتفاقية ، بل الاتفاقيتين ، انما يخدعون انفسهم فقط ، فمثلما كان مؤكدا ان يصادق البرلمان على الاتفاقية الامنية بعد اقرار الحكومة لها ، فان "مجلس الرئاسة" سيقرها ايضا وسوف تكون نتيجة "الاستفتاء الشعبي" عليها في الصيف المقبل ايجابية كذلك ، وما الايحاء الخادع بالديموقراطية عن طريق تمرير الاتفاقية عبر هذه المؤسسات العراقية للاحتلال الاميركي الا مسرحية مكشوفة سيئة الاخراج ، اذ كانت النتيجة محسومة سلفا منذ توافق نوري المالكي وجورج بوش على الاتفاقية في الشهر الاخير من عام 2007 المنصرم ، وهذه هي الحقيقة الحادية عشر الضائعة في خضم الصخب الاعلامي المبرمج .



اما الحقيقة الثانية عشر المغيبة فانها الدوافع الحزبية المحضة للمعارضة المؤقتة التي ابدتها بعض اطراف العملية السياسية اياها من اجل المساومة على حصص افضل من كعكة الاحتلال ، وهذه الدوافع فشلت حتى في خداع الراي العام العالمي فكم بالحري العراقي ، فعلى سبيل المثال ، قال توبي دودج من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن ان مطالبة جبهة التوافق العراقية باستفتاء شعبي على الاتفاقية استهدف الظهور بمظهر الوطني المتشدد "وكان موقف التوافق هذا مرتبطا بانتخابات الاقاليم المقبلة" ، ليضيف جوست هيلترمان من مجموعة الازمات الدولية ان التوافق يمكنها بذلك ان "تستخدم الاستفتاء كاداة مساومة" ضد المالكي . ومما يكشف الاهداف الحزبية الضيقة لجبهة التوافق انها انضمت للمؤيدين للاتفاقية بعد الموافقة على مطالبها ألحزبية ، اما مطالبها الخاصة ذات البعد الوطني مثل اطلاق سراح المعتقلين والغاء قانون اجتثاث البعث المعدل فانها بالنسبة للمطلب الاول لم تحصل على أي ضمانات او جدول زمني لاطلاق سراح المعتقلين اصلا بسبب مقاومتهم للاحتلال وللنظام السياسي المنبثق عنه ومنه التوافق ، بينما تجاهلت تماما عدم الاستجابة لمطلبها الثاني الاكثر اهمية من الناحية الوطنية . وينسحب هذا الدافع ليشمل "فصائل" العملية السياسية الاخرى التي عارضت ثم ايدت !



وفي هذا السياق لا بد من وقفة مع التيار الصدري ، فقد كانت الاتفاقية الامنية مناسبة لاختبار فاصل بين القول والعمل ، وكانت مناسبة لاعلانه طلاقا بائنا بينونة كبرى بينه وبين الاحتلال وبينه وبين العملية السياسية التي يديرها الاحتلال ، حتى يحدث تطابق بين مواقفه العملية وبين معارضته اللفظية لكليهما ، التي يفضل التيار وصفها بالمعارضة السياسية ، حيث ان معارضته المعلنة للاحتلال تتناقض تماما مع كونه جزءا لا يتجزأ من الهجين السياسي المنبثق عن الاحتلال ، اذ لم يستطع سحب وزرائه من الحكومة سابقا ثم تعهده ب"المقاومة السياسية" بعد المصادقة البرلمانية على الاتفاقية اقناع حتى قواعده نفسها بصدق معارضته للاحتلال ، خصوصا وان من ينوي مقاومة الاحتلال حقا لا يبقي على "جيشه" خلال احتدام الفتنة الطائفية وعندما تنام هذه الفتنة يقدم على حل "جيشه" بدل ان يزيد في تعبئتة ويزجه ضد القوات المحتلة .



وتظل هناك حقيقتان هما الاهم الغارقتان في خضم الصخب الاعلامي المبرمج المثار حول الاتفاقية الامنية ، الاولى ان مشوار المقاومة العراقية لم ينته بعد بالرغم من طي الصفحة الاصعب ضد الاحتلال ، والثانية ان زيف "المعارضات" المعلنة للاحتلال التي تحظى بمعظم التغطية من وسائل الاعلام العربية والعالمية الرئيسية ما زال يحجب حقيقة ان ايا من هذه "المعارضات" مهما تضخم اعلاميا يظل محكوما بسقف فئوي اثبت حتى الان عجزه عن احتضان الوطن العراقي كافة وان تجربة سنوات الاحتلال الست الماضية تثبت مجددا بالدليل الملموس ان الجيش الوطني العراقي كان وما زال وحده العمود الفقري لصيانة وحدة العراق الاقليمية والوحدة الوطنية لاهله وان حزب البعث لو لم يكن موجودا لوجب خلقه كرديف سياسي للجيش الوطني عجزت كل معارضة له حتى الان عن ايجاد بديل له يحتضن كل طوائف العراق واعراقه وقبائله واجياله ، بالرغم من اخطائه التي يرى البعض في بعضها خطايا .

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com

إلى “الهند” الذبيح في ليلة عرسها


سيد ضياء الموسوي

وتصطبغ شمس العشيقة “مومباي” بلون النجيع. رائحة الدم تعبث بالبهارات الهندية العنيفة، لتحتل اللحية الغبية مكان المولود الجميل.

ينهدم حب وتستقر سكين
يتلوى جرح وتبسم بندقية
تموت حديقة، ويحيا نعش على عرش مقبرة
تتلاشى وردة سكرى ويهرول ضبع غادر

من يصدق، أن بلد السلام، هند غاندي، يعبث بها هؤلاء القروسطيون، القادمون من كهوف التاريخ. القادمون من المصرف الصحي لتاريخ كراهية الجمال والحب والسلام. كيف لا تدمع عيوننا، ونحن نشاهد الطفلة التي لعبنا معها صغار وهي مسجاة في نعش؟ كيف لا نبكي ونحن نرى الهند الام الرؤوم مطعونة في الخاصرة في ليلة عرسها؟ لمن نبكي إن لم نبك لك يا ست الدنيا، ويا اغلى من الروح تبراً وروحاً!
لله درك أيتها الهند الجميلة، كيف لنا أن نرى وشاحك مصطبغاً بالحزن والنجيع؟ كيف لنا أن نستبدل ذكرياتك المعطرة بغبار تاريخ متخلف معاق، يخرج من لحيته غبار تاريخ متوحش؟
ماذا أقول لأناس عشنا معهم في ماكلور، ومومباي؟ هل نقول لهم: إن السياف كان يدّعي وصلاً بليلى الإسلام؟
ماذا أقول لمطر ماكلور، وهو الذي كان يغسلنا بالحب والحنان من ادران غربة العالم العربي عندما كنا نجوب شوارع الهند بالبايك والطبيعة الجميلة؟
أيتها الهند الجميلة، والشعب المسالم الأجمل، عذراً لك وألف عذر وعذر! اغفري لنا خطأ التاريخ، ووحوش زرعوا في أذهانهم ألغام الحقد الطائفي والمذهبي على شعوب هم إخوان لنا في الإنسانية؟
اغفري لنا حقدنا المتخم بالنرجسية، وحشيتنا المتدنية، المتدينة مسامير واحذية مثقوبة قديمة وأوساخاً ونفايات!
ماذا نقول لأصدقاء هندوس ومسلمين ومسيحيين في الهند، كانوا اقرب إلينا من أهلنا وأمهاتنا؟ كم مريض لنا هم أسعفوه، وكم طالب جامعي منحوه مسكناً ورعاية؟
ذات يوم مر علينا عيد وإذا بأصدقائنا في الإنسانية يطرقون علينا الباب ليهنئونا بعيدنا الإسلامي. بربكم، من علمهم كل هذه الإنسانية غير غاندي؟ إنهم لا يعرفون حقدنا المتفجر من على منابر الكراهية وادعاء الحقيقة المطلقة!
يا تاج محل، لم يبق لا محل ولا تاج. ولن يبقى مادام الإرهاب يفرخ على كل ارض بيضه!
يا تاج محل، كم يعز علينا أن نرى مكان الورد أشلاء وأشلاء!
كم يعز علينا أن نستبدل أمكنة معطرة بالحب والذكريات الجميلة بصور لأطفال وكبار مبعثرين في ساحتك وساحة القطار المغدور! كيف نغطي جثثاً لأحبة؟ بأي كفن او اي قماش؟
هل نكون قد وفينا لعطائك، لو أننا استبدلنا الأكفان بشهادات أكاديمية، أخذها أبناؤنا من جامعاتك التي استقبلتهم، وهم الفقراء المثخنون أوجاعاً وأحزاناً؟
أيتها الهند العشيقة، ستبقين ذاكرة وعشقاً، ولن يجعلك هؤلاء الأغبياء مسلحاً.
لك عودة وألف عودة.
لك رجعة وألف رجعة.
لك عرس وألف عرس.
ولابد أن تهزم السياف شجرة ياسمين.
لابد أن تنتصر رقبة عصفور على رصاصة بندقية كاذبة.
لابد ان تنتصر قبلة على قنبلة، وبحر على زنزانة، وصوت هديل على غابة.
وعصفور واحد يغرد في الصباح كفيل بعودة الربيع، فكيف إذا كان الربيع هو الهند والعصفور هو غاندي.
جريدة البلاد البحرينية

من يريد جر الهند إلى العنف والدماء؟

د. عبدالله المدني

من يا ترى يعمل من اجل أن تنغمس الهند في بحور الدماء والعنف؟ أهي جارتها الباكستانية اللدودة المسكونة بالغيرة من نجاحات الهند على مختلف الأصعدة وفشلها هي في المقابل في كل شيء؟ أم هي الأحزاب الهندوسية القومية التي ربما وجدت في إغراق البلاد بالدم ونسبته إلى الأقلية المسلمة مبررا للتضييق عليهم وإقناع الناخب الهندوسي بالتصويت لصالحها في الانتخابات البرلمانية القادمة في عام 2009 بدلا من التصويت لحزب المؤتمر المتهم بالتراخي في ضرب الحركات الإسلامية العنيفة؟ أم هي الجماعات الكشميرية المسلحة التي باتت تشعر بأن الوقت لم يعد في صالح تحقيق أحلامها بضم كشمير إلى باكستان أو سلخها في كيان مستقل؟ أم هي الحركات الأكثر راديكالية ضمن الحركة الطلابية الإسلامية ( اس آي ام آي) أو المنشقة عن الأخيرة والمنضوية تحت جناح مجموعات جهادية تستخدم أسماء وهمية لتشتيت انتباه أجهزة المخابرات والأمن الهندية.

رأس الأفعى ما زال حيا

وسواء أكانت الإجابة هذه أو تلك، فان الحقيقة تبقى واحدة وهي: " أن رأس الأفعى ما زال حيا وقويا " على نحو ما كتبه الأستاذ طارق الحميد في الشرق الأوسط اللندنية يوم 28 نوفمبر الفائت. صحيح أن مومباي (أو بمبي بلهجة كبار السن في الخليج) تعرضت لأكثر من ست هجمات إرهابية في السنوات الأخيرة، كان آخرها في عام 2000 حينما شنت جماعة – يعتقد أنها جماعة عسكر طيبة الإرهابية الناشطة في كشمير الباكستانية – هجوما على أنظمة السكك الحديدية في ساعة الذروة فقتلت 200 راكبا بريئا، غير أن العملية الإرهابية الأخيرة المنسقة في 26 نوفمبر المنصرم، والتي استهدفت عشرة مواقع على الأقل ستظل حتى الآن الأكثر دموية وبشاعة ومهارة أيضا في التخطيط واستهداف درة المدن الهندية وأكثرها ازدهارا وحركة ونموا، بل وأكثرها أيضا شهرة منذ القدم في التسامح واستيعاب ذوي الثقافات المتباينة، الأمر الذي جعل منها أكثر المدن الهندية على الإطلاق جذبا لآبائنا وأجدادنا في " خليج ما قبل النفط" ففيها تاجروا وأقاموا وبنوا المساجد والمدارس وبيوت الضيافة وتركوا من الذكريات والآثار ما لا تزال قائمة إلى اليوم. وبعض من هذه الآثار توجد على مقربة من بوابة الهند التاريخية ( غيت أوف انديا) التي قيل أن الإرهابيين نفذوا منها بالقوارب المطاطية مستخدمين نفس الأسلوب الذي اتبعه ثوار نمور التاميل وعناصر المنظمات الفلسطينية لضرب أهداف على سواحل سريلانكا و إسرائيل على التوالي.
تحفة فندق تاج محل

وحينما نقول بوابة الهند، فان أول ما يخطر على بال الباقين على قيد الحياة من رجالات الرعيل الخليجي الأول هو فندق تاج محل الساحر الذي كان موقع الاستهداف الأول للإرهابيين. فهذه التحفة المعمارية الرائعة التي افتتحت في 16 ديسمبر 1903 بتصميم من المهندسين المعماريين الهنديين " سيتارام فايديا " و " دي ميرزا" وبتمويل من رجل المال والصناعة الهندي المعروف " جامسيتجي نصروانجي تاتا " وبتنفيذ من المهندس البريطاني " ويليام تشامبرز "، يواجه بوابة الهند في منطقة كولابا، وشهدت صالاته وقاعاته اجتماعات ولقاءات ما بين الكثيرين من تجار الخليج ونظرائهم الهنود والأوروبيين. وطبقا لموسوعة ويكيبيديا فان ما دفع تاتا إلى إنفاق أكثر من 420 مليون روبية (مبلغ ضخم بمقاييس تلك الحقبة) على تشييد الفندق هو أن الإنجليز لم يسمحوا له ذات مرة بدخول فندق "واتسونز" على اعتبار أن الأخير هو مخصص للبيض فقط.

آخر من يهتم بالتحف والفنون المعمارية

وبطبيعة الحال، فانه لم يكن مستغربا على الإطلاق أن يقوم الإرهابيون باستهداف هذا الأثر التاريخي – دون أن يرف لهم جفن – ومعه أيضا أثرا تاريخيا آخر لا يقل جمالا وروعة هو محطة تشاهراباتي تشيفاجي للقطارات المصمم على النمط الفيكتوري. أليس هؤلاء هم من صلب حركة طالبان أو أشباهها ممن دمروا آثار باميان التاريخية في أفغانستان ضاربين بعرض الحائط كل توسلات الأمم المتحضرة ووساطات رجال الدين الإسلامي. فهذه أمور جمالية وشاعرية لا يولونها أي احترام ولا تحتل لديهم أية قيمة، بل لا مكان لها في نفوسهم المجبولة على التدمير و الحقد الأعمى و سفك الدماء.

تحليلات متباينة

لقد تباينت التحليلات حول الجهة الفعلية وراء الحادثة بسبب تعقيدات العملية الشديدة وحسن تنظيمها الذي يصل إلى مستوى ودقة تنظيم هجمات 11 سبتمبر 2001 . ففي ما أكد البعض أنها جماعة مرتبطة بالقاعدة المستاء من استمرار عمليات القصف الأمريكية ضدها وضد حلفائها من القبائل الباكستانية في ولاية الحدود الشمالية الغربية. قال آخرون، العكس وذلك من واقع اختلاف الأسلوب المستخدم في الهجوم وغياب العناصر الانتحارية واللجؤ إلى اخذ الرهائن. وهناك من أكد أن الجماعة المنفذة هي جماعة منشقة عن جماعة "المجاهدون الهنود" التي تردد اسمها كمسئولة عن أكثر من عملية إرهابية طوال العام الحالي كعمليات جايبور في مايو وعمليتي بنغلور وحيدر آباد في يوليو وعملية نيودلهي في سبتمبر وعملية آسام في أكتوبر، غير أن آخرين اعترضوا قائلين أن عملية في صورة تنظيم ودقة عملية مومباي غير ممكنة دون مساعدة أجهزة استخبارات أجنبية محترفة، وهو ما يبدو أن المسئولين الهنود قد باتوا مجمعين عليه، بدليل كلمة رئيس حكوتهم " مانموهان سينغ" التي جاء فيها : "أن الجماعة التي تقف وراء هجمات مومباي ممولة ومدعومة من الخارج، وأن المسئولين عنها ستتم مطاردتهم ومعاقبتهم.

مجاهدو ديكان

أما إرسال بيان تتبنى فيه جماعة "مجاهدي ديكان" مسئولية الهجوم، فهو في نظر مراقبين كثر، لا يعدو أن يكون خدعة، أو كما قال مراقب بريطاني "قد لا تكون هناك على الإطلاق منظمة بهذا الاسم المستوحى من هضبة ديكان. والأخيرة مجرد هضبة تعني اسمها باللغة السنسكريتية " الجنوب"، وتشكل مساحتها المثلث الجنوبي للهند حيث تقع ثمان ولايات وسواحل طويلة وسلسلة من الجبال ومدن تجارية مزدهرة وقلاع علمية. وعلى الرغم من أن هذه الأراضي تضم شعوبا وأعراقا وثقافات متباينة مثل ثقافة درافيندرام المنتمية إلى عائلة اللغات الاورو – هندية، و الثقافة الماراثية المنتمية إلى عائلة اللغات الهندو- آرية، وثقافة التيلوغو في ولاية اندرا براديش (المعروفة خليجيا باسم حيدر آباد)، وثقافة كاندا في ولاية كارناتاكا، وثقافة التاميل في ولاية تاميل نادو، وثقافة المالايالام في ولاية كيرالا (المعروفة خليجيا باسم ساحل مليبار)، فإنها ظلت على الدوام واحة سلام واستقرار وتعايش وانفتاح. وحتى حينما كان بعض الأحداث الخارجية ينفخ في بعض أبنائها روح العداء والضغينة، فان هذه الروح كانت تواجه محليا قبل استشرائها فتذوي مدحورة، بحيث لم يتلوث أي صاحب هوية هندية بلوثة الإرهاب العالمي أو فيروس التطرف، أي خلافا لكل الجنسيات الآسيوية الأخرى التي تورطت بصورة من الصور في أعمال الإرهاب سواء داخل بلدانها أو في الخارج.

الحركة الطلابية الإسلامية

ولا يكتمل الحديث عما حدث دون التطرق بالتفصيل إلى الحركة الطلابية الإسلامية التي ربما كان بعض عناصرها المنشقة هي التي خططت ونفذت العملية. فما هو معروف عن هذه الحركة على نطاق واسع هو أنها تأسست في ولاية أوتار براديش الشمالية في ابريل/نيسان 1977 ، وان أهدافها الرئيسية تقتصر على تحرير الهند مما تسميه النفوذ الغربي المادي وتحويل المجتمع الهندي بكل أطيافه المختلفة إلى مجتمع إسلامي خالص. والمعروف أيضا أن نيودلهي حظرت في عام 2002 أنشطة هذه الحركة التي يعتنق أفرادها الإسلام الديوباندي، شأنهم في ذلك شأن الطالبانيين في أفغانستان، بعدما تبين بالدليل انغماسهم في الأنشطة العنيفة، لكن هذا الحظر تم رفعه في اغسطس/آب 2008 بناء على قرار قضائي من المحكمة العليا التي لجأت إليها الحركة. والديوباندية التي ظهرت في الهند في عام 1879 عقيدة تقوم باختصار على الشعار التالي: الله هو ربنا ، والقرآن هو دستورنا، ومحمد هو زعيمنا، والجهاد هو طريقنا، والشهادة هي خيارنا.

الاختلاف ما بين الجيل المؤسس والجيل التالي

وتعتقد مصادر كثيرة أن تنظيم القاعدة استطاع أن ينفذ إلى هذه الحركة ويغسل أدمغة الكثيرين من رموزها بحيث صارت أفكار الجيل المؤسس لها مختلفة تماما عن أفكار الجيل اللاحق. فمؤسس الحركة الذي يدعى محمد احمدالله صديقي والذي يعمل حاليا كأستاذ للصحافة والإعلام في جامعة غرب ألينوي الأمريكية، لم يجد مثلا حرجا أمام أتباعه من الذهاب والعيش في البلاد التي يحارب قيمها، فيما ظل جيل الشباب في الحركة أكثر التزاما بالقيم والشعارات الراديكالية التي نشرتها في صفوفهم الثورة الإيرانية، وعلى رأسها أساليب إحداث التغيير الاجتماعي. ومن صور الاختلاف بين الجيلين أيضا الموقف من زعيم الثورة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات. فعلى حين كان الجيل القديم يعتبره رمزا لكفاح الفلسطينيين، كان جيل الشباب يعتبره خائنا ودمية في أيدي الغرب.

نقاط سريعة لا بد من الإشارة إليها

بقي أن نشير سريعا إلى عدة نقاط في سياق حديثنا عن هذه العملية الجبانة:
• إنها استهدفت دون نجاح ضرب الاقتصاد الهندي، تماما مثلما استهدفت القاعدة ضرب الاقتصاد الأمريكي من خلال ما أسمته "موقعة مانهاتن".
• إنها قد تتسبب، إن لم تتسب بعد، في عودة التوتر إلى العلاقات الهندية – الباكستانية، وتبخر كل الآمال المعقودة على حدوث تطورات ايجابية في روابط البلدين بعد فتح حدودهما المشتركة في معبر كشمير، وذلك في ضؤ الاتهامات المتبادلة بين مسئولي الدولتين
• أنها أكدت مجددا وعي الغالبية العظمى من الشعب الهندي، لجهة صعوبة جر مكوناته إلى المصادمات الطائفية، إذ لم تسجل وقوع حوادث اصطدام أو انتقام ما بين الهندوس والمسلمين مثلا على خلفية الحادثة الإجرامية، وبذلك فشلت في إسقاط إحدى أهم دعامات الدولة العلمانية في الهند.
• أنها برهنت مجددا على تحلي المعارضة الهندية بالرقي في أدائها حينما تكون الأمة في مواجهة التحديات و الأخطار. حيث وضع زعيم المعارضة " لال كريشنا أدفاني " خلافاته مع رئيس الحكومة جانبا وتوجها معا إلى مومباي لمواساة مواطنيها، فيما انصرف البرلمان إلى مناقشة الملفات الأقل جرا إلى المصادمات والانقسامات.

د. عبدالله المدني
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية – من البحرين
تاريخ المادة : 30 نوفمبر 2008
البريد الالكتروني :

elmadani@batelco.com.bh



غزة تعود إلى عهد المشاعية البدائية

راسم عبيدات

الأنباء الواردة من قطاع غزة تشير إلى أن غزة بفعل الحصار والإغلاق المتواصلين،تتجه في القرن الواحد والعشرون،قرن الثورة التكنومعلوماتية،صوب العودة لعهد المشاعية البدائية،وحتى هذا العهد أرى أنه متقدم على ما يحدث ويجري في القطاع ففي ذلك العهد كان هناك وفرة في الأرض وقلة في عدد السكان وهذا غير متوفر في القطاع،فعدا عن الحرمان من كل مقومات الحياة الأساسية من كهرباء وماء وغذاء ودواء،وما يرافق ذلك مزيداً من الموت للمزيد من الحالات المرضية والإنسانية،في وقت غيب فيه ليس الضمير الإنساني بل والعربي والإسلامي،فاجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد من أجل غزة ورفع الحصار عنها،تحول إلى مسرح وساحة للخلافات العربية وتصفية حساباتها على حساب الشأن الفلسطيني ومأساة غزة،وبما يثبت حجم التدخلات في هذا الشأن،وأضحى الحال كما يقول المأثور الشعبي"جينالك يا عبد المعين أثري بدك مين يعين"،وما يزيد المأساة مأساة هو الوضع الداخلي الفلسطيني،والذي أضحى فيه التسييس فيه ليس فقط في الشأن الوطني والحياتي واليومي،بل وحتى في الدين والعبادات وصلب هذه العبادات،ألا وهو الحج خامس ركن من أركان الإسلام،وها نحن أصبحنا كل عام نشهد فلماً متكرراً عن حجاج غزة وحجاج الضفة،والمعبر هل سيفتح للحجاج أم لا؟،وخروج حجاج الضفة أو المسجلين عن طريق حكومة رام الله،رهن بخروج حجاج غزة المصادق عليهم من حكومة غزة....الخ.

وفي ظل هذه الأوضاع والتي تنذر بكارثة شاملة أو انتحار وموت جماعي لأهل غزة قرابين للتخاذل والصمت العربي وموت الضمير الإنساني،والصراع الداخلي على وهم سلطة فاقدة لكل مظاهر السيادة وتنامي مصالح العديدين والمستفيدين من استمرار هذا الوضع،تتحدث الأنباء عن نفاذ كمية النقد الإسرائيلي في بنوك القطاع،وهذا معناه عودة القطاع إلى عهد ما قبل ظهور النقد كمعادل عام للبضائع- أي المشاعية البدائية – بضاعة مقابل بضاعة،على سبيل المثال ديك حبش رومي مقابل عشرين ذراع قماش وهكذا.

إن العودة بالحياة في القطاع إلى عهد المشاعية البدائية،تذكرنا بأيام وسنوات الحصار الظالم على العراق قبل احتلاله،حيث فرض عليه الاحتلال تحت حجج وذرائع امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل والنظام"الديكتاتوري والشمولي في العراق"،لكي نكتشف أن الهدف الحقيقي بعد أن ثبت كذب وزيف كل الحجج والذرائع السابقة من أسلحة دمار شامل وغياب الديمقراطية وغيرها،هو احتلال وتدمير العراق ونهب خيراته وثرواته،والناس الآن في العراق تترحم مليون مرة على عهد الرئيس الراحل الشهيد صدام حسين،حيث القتل والقمع اليومي وتزايد البطالة والفقر وانعدام الأمن والأمان،وحكومة تشرع احتلال العراق باتفاقية أمنية مع المحتل الأمريكي وديمقراطية زائفة حصدت أرواح مئات ألاف العراقيين.

وغزة التي تعود إلى عهد المشاعية البدائية،بفعل الحصار الظالم عليها،والذي فرضته بالأساس إسرائيل وأمريكا وتشارك به الأنظمة العربية،له أهداف واشتراطات سياسية،ألا وهي الاستجابة للشروط والاملاءات الإسرائيلية- الأمريكية لما يسمى عملية السلام،وعلى ما يبدو فإن الحصار وما أعقبه من حالة التهدئة المتبادلة بين إسرائيل وحماس،لم تنجحا في تلبية الشروط والاستحقاقات الإسرائيلية،ويبدو أنه مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية،وبمعرفتنا أن الأحزاب الإسرائيلية تعزز من حضورها ووجودها الشعبي والبرلماني في الكنيست والحكومة على حساب الدم العربي والفلسطيني،بارتكاب المزيد من المجازر وجرائم الحرب،بدأت تعد العدة وتحضر لعملية عسكرية واسعة في القطاع،فالأنباء المسربة عن طريق وسائل الإعلام الإسرائيلية حول وجود صواريخ في قطاع غزة مصدرها حزب الله،تطال مدينة بئر السبع وغيرها من المدن الإسرائيلية،ومما يجعل ذلك يخل بقواعد اللعبة،هو بمثابة تحضيرات من أجل شن عملية عسكرية شاملة على القطاع،الهدف منها ليس فقط تغير قواعد اللعبة،بل وفرض المزيد من الشروط والاملاءات الأمنية والسياسية،تماماً كما هو الحال عندما شنت الحرب العدوانية على لبنان في تموز 2006،حيث الذريعة التي استخدمت لشن هذه الحرب،هي أسر حزب الله للجنديين الإسرائيليين،والهدف الأساس كان فرض معادلات واشتراطات جديدة في المنطقة برمتها وليس على الحدود اللبنانية فقط.

ومن هنا فإن الجهد المبذول فلسطينياً وعربياً وبالذات على المستوى الشعبي لكسر الحصار على القطاع،بحاجة إلى القيام بتحركات شعبية واسعة على الأرض،لكي تشكل عوامل ضاغطة على الأنظمة الرسمية العربية وبالذات التي لها حدود ومعابر مع القطاع ،من أجل فتح هذه المعابر والحدود،ومع إدراكنا لأهمية وضرورة تأمين احتياجات القطاع من المواد الأساسية والحياتية،فعلى الجميع أن يدرك أن المسألة ليست وقفاً على هذا الجانب،بل ما يحتاجه سكان القطاع عدا عن رفع الحصار الظالم،هو إنهاء الاحتلال،هذا الاحتلال الذي يتحكم في كل مناحي وشؤون القطاع،فهذا الجانب له الأهمية القصوى على الجوانب الأخرى،ونحن نرى أن استمرار الوضع والحالة الفلسطينية على ما هما عليه من انقسام وضعف،لن يخدما هذا الهدف ولا يساعدان في تحقيقه،فاستمرارهما سيطلان من أمد الحصار ولن ينجحا لا في رفعه ولا إنهاء حالة الانقسام ولا تحقيق هدف إنهاء الاحتلال،بل وما يجري حالياً من استمرار المناكفات والتحريض والتحريض المضاد،ووضع الاشتراطات والعقبات أمام الحوار الوطني،وبما يجعله يؤول إلى الفشل قبل الشروع به،يجعلنا نقول أن الحالة الفلسطينية برمتها تتجه نحو المجهول والمزيد من الضعف والانقسام،وبما يخدم الهدف الإسرائيلي في تكريس الاحتلال وخلق المزيد من الوقائع على الأرض،من خلال تكثيف عمليات الاستيطان والتهويد،وبما لا يبقي شيء من الأرض من أجل التفاوض عليها،وما تشهده مدينة القدس من هجمة شاملة وتطهير عراقي،وسعار المستوطنين وزيادة هجماتهم على أهلنا وجماهير شعبنا الفلسطيني على كل ساحات ومساحات الوطن،من عكا وحتى الخليل يندرج في هذا الإطار والسياق.

إن ما يجري ويحدث في القطاع من محاصرة لشعب بأكمله حتى الموت والعودة به إلى عهد المشاعية البدائية، وسمة عار على جبين كل الإنسانية والبشرية جمعاء،وفي المقدمة منها الأمتين العربية والإسلامية،فهل ستنقذ غزة من الموت،أم تقدم قرباناً كما قدم العراق بمشاركة وصمت عربيين مخزيين.؟

العراق بين عهدين: قراءة مقارنة للاتفاقية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الاميركية

نـــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

في البدء، لابد من توطئة

اولا: ليس العيب في ان تبحث الولايات المتحدة الاميركية عن مصالحها في العراق، الا ان العيب في ان لا نبحث، نحن العراقيون، عن مصالحنا في العراق، والاكثر عيبا هو ان نبحث عن مصالح غيرنا في العراق، فنضحي بمصالحنا لحساب مصالح الاخرين، دول جوار كانوا ام قوى عظمى، لا فرق.

لقد رفعنا، نحن العراقيون، شعارات عالمية وقومية كثيرة، لم تنتج لنا سوى الخراب والدمار، لاننا ابدينا تبنيا للملكية اكثر من الملك نفسه، كما يقول المثل الشائع، فالفلسطينيون، مثلا، الذين قتلنا انفسنا من اجلهم باعونا للطاغية صدام مقابل حفنة من الدريهمات، لنكتشف فيما بعد بانهم تجار قضية وليسوا اصحاب قضية.

كما ان شعارات القومية التي دفعنا ثمنها غاليا، باعتنا بابخس الاثمان، لنكتشف اخيرا بان القومية في مفهوم القوميين العرب هي تبني النظام الشمولي والاستبداد والقتل والتدمير ونظام المقابر الجماعية والانفال وحلبجة وسياسات تنظيف السجون التي كان يامر بها الطاغية الصغير المقبور قصي صدام حسين، ولقد سقطت على قفاي من شدة الضحك وانا اطالع بيانات الشجب والاستنكار التي اصدرتها مؤتمرات القوميين العرب ضد قرار الحكومة العراقية الذي تبنى الاسبوع الماضي الاتفاقية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.

لقد سعت كل دول المنطقة الى بناء ذاتها ونجحت الى درجة كبيرة، وبقي العراق الذي لا زال يئن تحت وطأة الخراب والدمار، وكل ذلك لاننا حملنا هم غيرنا على همنا الذاتي، واليوم علينا كعراقيين ان نحمل همنا فقط، فلا نلتفت الى غيرنا، علنا نلحق بدول الجوار، حتى، تصوروا.

ان كل دولة في العالم مرت بظروف العراق الحالية، ما كان لها ان تنهض لولا انها (اغلقت حدودها) وانكفات على نفسها الى حين لتنشغل بهمها دون اي هم آخر.

ثانيا: الاتفاقية العراقية الاميركية شان داخلي بحت فلماذا يتدخل فيه الاخرون؟ ولماذا يدس كل من هب ودب انفه بهذا الشان العراقي الداخلي؟.

لم اسمع ان امرا تدخل فيه الاخرون كتدخلهم اليوم بهذه القضية، تصوروا، حتى الراقصات والفنانين دسوا انوفهم في القضية وراحوا يعلمون العراقيين ماذا عليهم ان يقبلوا به وماذا عليهم ان يرفضوه.

حتى بائع (اللبلبي) في دول الجوار تراه يناقش الاتفاقية، وكان الامر امرهم، واذا كان هناك من يدعي بان القضية تمس الامن الاقليمي، فاين كان هذا الامن من حساباتهم طوال العقود الاربعة الاخيرة، عندما حول النظام البائد المنطقة الى برميل بارود، والعراق الى ازمة دائمة، بسبب سياساته الرعناء التي لم تجد الا التاييد والمباركة من دول الجوار، الا ما خرج بدليل؟.

اتعرفون لماذا يتدخلون بشؤوننا؟ الجواب وبكل صراحة، لاننا سمحنا لهم بذلك، فلو كانت اجندات الاطراف العراقية، من قادة وزعماء واحزاب سياسية وكتل برلمانية، وطنية بحتة، لما سمح احد منهم ان يتدخل الاخرون بهذا الشان، الا ان حمل البعض من العراقيين اجندات ترتبط بخارج الحدود هو الذي ساعد على تدخل (الجيران) بهذا الشان العراقي الداخلي.

ثالثا: والاتفاقية برايي، هي عامل نجاح العراق الجديد، ومبدا استقراره، وبداية استقلاله، بالرغم من كل ما يقال عنها، ولذلك يضغط (الجيران) بكل السبل والوسائل للحيلولة دون تمريرها.

انها الخطوة الجدية والحقيقية التي تضع العراق الجديد على طريق انهاء الاحتلال واعادة السيادة الكاملة، ومن دونها لا يمكن ان نتصور العراق متحررا من القرارات الدولية التي قضت على سيادته بسبب حماقات النظام البائد.

اجزم لو ان الاتفاقية كانت لغير صالح العراق، لوقع عليها جيرانه بالنيابة عن العراقيين، رغما عن انف الجميع.

ولو كانت كذلك لسكت عنها الجميع، كما ظلوا يفعلون ابان النظام البائد، فوقتها كانوا يدسون رؤوسهم، واليوم يدسون انوفهم، وشتان بين (الدسين).

كما انها ستكون دليلا على نجاح او فشل الديمقراطية في العراق الجديد، الديمقراطية القائمة على اساس حكم الاغلبية، فهي امتحان مصداقية الاغلبية، ومحك نجاحها في ادارة مصالح البلاد، ولذلك يسعى الجميع لعرقلة تمريرها، لانهم يكرهون نجاح (الاكثرية) في الحكم وفي التفاوض.

ان جيران العراق لا يريدونه ان ينجح، لانه سيكون منافسا شديدا لهم وعلى مختلف الاصعدة، ولذلك فهم يدفعونه دفعا للاتجاهات التي يضمنون فيها فشله وخسارته وسقوطه.

لقد ساهم (الجيران) في تدمير العراق طوال عقود طويلة من الزمن، ان من خلال السكوت على سياسات النظام البائد، او من خلال مساهماتهم (التاريخية) المشهودة في صدور القرارات الدولية وبالاجماع، ما يدفع العراقيين الى التشكيك اليوم بنواياهم.

رابعا: لشد ما هالني عندما قرات تصريحات لمسؤولين عراقيين تحدثت عن اطلاع العراق لدول الجوار على نصوص الاتفاقية لطمانتهم ولازالة مخاوفهم.

لا ادري ان كانت دول الجوار قد اطلعت العراق على نصوص اتفاقياتها مع دول العالم كالولايات المتحدة الاميركية واسرائيل وغيرها، ليطمئن هو الاخر بدوره وتزول مخاوفه.

هالني الامر لان ذلك ينتقص من سيادة البلد، اي بلد، ولذلك لم يطلع احد احدا على اتفاقية يوقعها مع بلد ثالث، ابدا، فلماذا فعلت ذلك بغداد (الجديدة)؟.

لقد وقع جيران العراق على كم هائل من الاتفاقيات السرية والعلنية مع الولايات المتحدة الاميركية ومع غيرها، الا اننا لم نسمع في يوم من الايام ان احدا منهم اطلع جيرانه على ما ينوي التوقيع عليه.

حتى الطاغية الذليل صدام حسين، كان قد وقع على العشرات من الاتفاقيات الذليلة التي باع بها الارض والعرض والسيادة، لم نسمع في يوم من الايام انه اطلع احد عليها قبل التوقيع ولا حتى بعده، فلماذا يجب على العراقيين اليوم ان يطلعوا هذا وذاك على ما ينوون التوقيع عليه؟.

خامسا: العراقيون عليهم ان يناقشوا امورهم بعقل وروية، بعيدا عن ضغط الدعاية والرعب والتخويف والتهريج، ولنضع في حساباتنا قضية الامن القومي، حتى لا نكشف الدولة امنيا.

عليهم ان لا يستعجلوا القبول او الرفض، فليس كل (نعم) يمكن استبدالها بـ (لا) بسهولة ويسر، كما انه ليس كل (لا) يمكن استبدالها بـ (نعم) بسهولة، خاصة بعد فوات الاوان، فلكل منهما ثمن.

على العراقيين ان يتانوا قبل الحكم، من اجل ان لا يتكرر ندمهم على راس كل عقد من الزمن.

علينا ان نضع في الحسبان، عند مناقشة القضايا المصيرية التي تخص الوطن ومستقبله، المصلحة الوطنية العليا فقط ناسين او متناسين مصالح الاخرين، مهما قربوا منا (رحما) فالعراق للعراقيين، وهم اعرف بمصالحهم من مصالح غيرهم، وهم ليسوا بحاجة الى من يعلمهم مصالحهم ابدا، ولينشغل (الجيران) بالبحث عن مصالحهم فيسترجعوا الارض التي وهبوها لاعدائهم على طيق من ذهب، عندما هربوا من ساحات المعارك والمواجهة و(الشرف) عند انطلاق اول رصاصة، ثم راحوا يصمون آذاننا بالحديث عن النصر وروحه، والعرض الذي دنسته اجهزتهم الامنية، والكرامة التي باعها الحكام في سوق النخاسة حتى باتت شعوبهم بلا كرامة، في ظل انظمة شمولية استبدادية، عسكرية بوليسية او وراثية، لا فرق.

سادسا: يقول الجيران، وهم يعترضون على الاتفاقية، بانهم يخشون ان يتحول العراق الى نقطة ارتكاز للعدوان عليهم، عجبا، فاين كانوا عندما كانت اراضيهم نقطة ارتكاز لـ (العدوان) على العراق، كان ذلك في الاعوام 1991 و1998 و 2003؟.

ثم، هل فعلا ان الولايات المتحدة الاميركية بحاجة الى قطعة ارض لتنطلق منها للعدوان على هذا البلد او ذاك؟ اذا كان الجواب بنعم، فان لها في كل قطر اغنية، كما يقول المثل المشهور، فللولايات المتحدة الاميركية قطع اراضي ضخمة في الكويت والسعودية وقطر والبحرين والاردن وتركيا، بل ان هذه البلدان عبارة عن قاعدة عسكرية للقوات الاميركية في المنطقة، يسميها البعض بالحديقة الخلفية للبيت الابيض، تستخدمها كيف وانى تشاء من دون استئذان زعماءها، ناهيك عن امتلاء مياه المنطقة باساطيلها القادرة على ان تمتد يدها الى من تشاء من دول المنطقة، لتاديبها على الطريقة الاميركية، فما حاجتها، اذن، لارض جديدة هي العراق؟..

سابعا: ويقولون، وهم يعترضون على الاتفاقية، انها تنتقص من سيادة العراق، عجبا، فاين كانوا عندما انتقص نظام الطاغية المقبور من سيادة العراق في العام 1975 عندما وقع على اتفاقية الجزائر مع شاه ايران المقبور؟ واين كانوا عندما انتقص منها، بل باعها بالكامل، عام 1991 عندما وقع في خيمة صفوان على كل شئ مقابل لا شئ؟ بل واين كانوا عندما شاركوا في التصويت على القرارات الدولية التي صدرت عن مجلس الامن، طوال العقد الذي اعقب حماقته في غزو الجارة الكويت، تلك القرارات التي اتت على ما كان قد بقي من سيادة العراق، والتي لا زال يئن منها الشعب العراقي، الذي يسعى اليوم للنهوض من تحت ركامها؟ واين كانوا عندما فرضت بعض تلك القرارات التي صدرت بموافقة هذه الدول، على العراق مبدا التعويضات التي شملت حتى (عدوتهم) اسرائيل، والتي استلمت المليارات حتى الان من اموال العراق التي كانت (في خدمة المعركة) وكانهم عوضوعها عن كل فلس خسرته في (معارك الشرف) بقرار عربي (مبين)؟.

ان اغلب من يحتج اليوم على الاتفاقية لمثل هذا السبب، كان من اوائل المصفقين لسياسات النظام البائد، لانه لم يكن يرى سيادة العراق حينها، وانما شخصت عيناه لكوبونات النفط فقط، فبريقها كان يبهر العيون اكثر من اي شئ آخر، حتى السيادة.

وللتذكير فقط، فان كل دول الجوار تقريبا ناقصة السيادة، ولمن تخونه الذاكرة اود ان اشير الى بعض الحقائق بهذا الشان، فمنهم من لا زال يتفرج على ارضه المحتلة من قبل اكثر من دولة، وآخر يتفرج على جزره التي يقول ان دولة اجنبية احتلتها ولم تعيدها اليه، وثالث غير الخارطة الجغرافية الرسمية لبلاده ليحذف منها عدد من جزره التي يحتلها العدو، حتى لا يتورط معه لا بحرب ولا بسلم.

وللتذكير فقط، كذلك، اود ان اذكر هنا حقيقة في غاية الاهمية ترتبط بقضية السيادة التي يحرص عليها (الجيران) فان جل انظمتهم تنازلوا عن السيادة مقابل البقاء في السلطة، ولان المقام لا يسع للحديث مفصلا بهذا الشان، اسوق مثلا واحدا والباقي على الله، الا وهو معاهدة (النفط مقابل السلطة) التي وقعتها الاسرة الحاكمة في الجزيرة العربية (آل سعود) مع الولايات المتحدة الاميركية قبل اكثر من سبعين عاما، بعد ان فشلت في الحفاظ عليها بنفسها وبقوتها الذاتية في مرتين سابقتين فآثرت منح البترول مقابل ان يحفظ سلطتها التي اقامتها بالغزو والقتل والتدمير.

على دول الجوار ان تنشغل بصيانة سيادتها فتسترجع، مثلا، ارضها التي ضاعت، وقديما قيل (من لم يكن منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر).

في صلب الموضوع

لقد شهد تاريخ العراق الحديث (1921 ولحد الان) التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات مع اكثر من دولة، الا ان اهمها اربعة وقعها العراقيون مع (بريطانيا العظمى) التي احتلت العراق في العام 1914 وهي كالتالي حسب التسلسل الزمني:

الاتفاقية الاولى وقعها رئيس وزراء العراق السيد عبد الرحمن النقيب، في العام 1922، والتي نص منطوقها على ان رئيس الوزراء في العراق يستمد صلاحياته من المندوب السامي، ولذلك اطلق على هذه الاتفاقية عبارة (ان صك الانتداب تم صبه في قالب اتفاقية) فيما يعلق عليها المؤرخ العراقي المعروف السيد عبد الرزاق الحسني بقوله (كانت المعاهدة نسخة (طبق الاصل) لصك الانتداب البريطاني على العراق، ان لم يكن هذا الصك قد مسخ مسخا موسعا بشكل المعاهدة) وقد نصت بعض بنود الاتفاقية على ما يلي:

المادة 2: يتعهد جلالة ملك العراق بان لا يعين، مدة هذه المعاهدة، موظفا ما في العراق من تابعية غير عراقية في الوظائف التي تقتضي ارادة ملكية بدون موافقة جلالة ملك بريطانية.

وهو النص الذي فسره القوميون بانه مسعى بريطاني لابعاد العراق عن محيطه العربي، فيما فسرته الاكثرية من الشعب العراقي بانه مسعى بريطاني لاقصاء الاغلبية عن الحكم، والتي كانت تتهم بوطنيتها وانتماءها الى العراق، الاتهام الذي ورد على السنة الكثير الكثير من القادة العراقيين الطائفيين بالاضافة الى انه ورد على لسان اكثر من مسؤول بريطاني حكم في العراق.

المادة 12: لا تتخذ وسيلة ما في العراق لمنع اعمال التبشير، او المداخلة فيها، او لتمييز مبشر ما على غيره، بسبب اعتقاده الديني، او جنسيته.

ومن باب الشئ بالشئ يذكر، يثبت السيد عبد الرزاق الحسني المؤرخ العراقي المعروف، في حاشية كتابه (العراق في ظل المعاهدات) نص التعليق التالي بهذا الخصوص:

{اتضح خلال الحرب العالمية الثانية(1939- 1945) ان بين المبشرين من لم يتخذ التبشير الا وسيلة مقنعة لستر نشاطه السياسي، فقد كان في (الهندية) مبشر اميركي لا يتحدث الا عن المسيح، وكان ينطلق الى الارياف والقرى في جولات لا تخلو من مغامرة، وكلما نبهته السلطات الادارية الى ضرورة حماية نفسه من الاوباش، استولى عليه مس من الهياج الروحي، وذرفت عيناه دمعا سخيا، مرددا اقواله بانه يضحي بحياته في سبيل السيد المسيح ومبادئه، فلما نشبت الحرب ظهر هذا المبشر ضابطا ماهرا يتجول في طول العراق وعرضه، وقد ظهر انه من البريطانيين، ولم تكن له صلة بالاميركان، هذه هي قصة المبشر استيفنسن في الهندية بلواء الحلة}.

اما بشان البروتوكولات المتعلقة بهذه الاتفاقية فقد ورد فيها الكثير من النصوص التي الغت سيادة العراق جملة وتفصيلا، منها البروتوكول (الاتفاقية) الخاص بالموظفين البريطانيين، والذي نص على ان توافق الحكومة العراقية على ان تعين، كلما وعندما يطلب اليها ذلك، موظفا بريطانيا ينال موافقة المعتمد السامي، على ان تتحمل الحكومة العراقية مرتباتهم ومخصصاتهم بالكامل، والبروتوكول العسكري، الذي نص على ان تتعهد الحكومة العراقية بان تخول قائد القوات البريطانية في العراق الحق بتفتيش الجيش العراقي والقوات الاخرى المحلية كلما تراءى له ضرورة ذلك، فيما نصت المادة التاسعة، على انه في حالة القيام باعمال عسكرية، مما ينوي ان تشترك فيها قوات تقوم باعبائها او تتولى امرها حكومة صاحب الجلالة البريطانية، يجب ان يعهد بقيادة القوات المشتركة الى قائد عسكري بريطاني ينتخب لاجل ذلك الغرض، والاخر العدلي (القضائي) الذي نص على ان يتعهد صاحب الجلالة ملك العراق، ان يستخدم في المحاكم اختصاصيين حقوقيين من البريطانيين، كما نصت (3) من المادة الثانية، على ان الاجانب (ويقصد بهم رعايا الدول الاوربية والاميركية) المحالين على المحاكمة لهم ان يطلبوا ان تتولى محاكمتهم، محكمة فيها حاكم بريطاني واحد على الاقل، وهو يراس المحكمة، واخيرا البروتوكول (الاتفاقية) المالي، الذي نص على ان توافق حكومة جلالة ملك بريطانيا على نقل ملكية المرافق العمومية الآتية الذكر الى حكومة العراق، وتوافق حكومة العراق على قبول هذا النقل، وذلك بالثمن المقدر المبين فيما يلي امام كل من هذه المرافق المعينة (الري 6,212,040 روبية، الطرق 320,000 روبية، الجسور 1,117,500 روبية، البريد والبرق والتلفون 1,760,000 روبية، المجموع 9,409,540 روبية) فيما نصت المادة (6) على ان تقبل حكومة العراق على عاتقها مسؤولية القيام بتسديد كامل قيمة المرافق المعينة في المادة السابقة، لحكومة جلالة ملك بريطانيا، اما المادة التالية فقد نصت على (ان مبلغ الـ 9،409,540 روبية هذا يجب ان يشكل دينا يقتضي تسديده باقساط سنوية في خلال مدة معينة، ويعين مقدار هذه الاقساط على وجه يضمن دفع المبلغ الاصلي، مع فائدة سنوية قدرها (5) بالمئة في خلال عشرين سنة من تاريخ عقد هذه الاتفاقية.

ومن اجل الالمام بدوافع صاحب التوقيع المثبت في ذيل الاتفاقية، واقصد به رئيس وزراء العراق الذي عينه الاحتلال البريطاني، السيد عبد الرحمن النقيب، يحسن بنا ان نتعرف على طريقة تفكيره وابرز المبادئ التي كان يؤمن بها، والتي شكلت دافعا قويا له للتوقيع على هذه الاتفاقية التي علق عليها جل زعماء العراق آنئذ بقولهم انها باعت العراق لعقود طويلة قادمة، وهي الاسس التي ظلت بقية الاتفاقيات الثلاث تحملها وتحافظ عليها من دون مس، مع بعض التغييرات الطفيفة لذر الرماد في العيون وللانحناء امام كل عاصفة سياسية كانت تمر بالعراق، بسبب المواقف الوطنية الرافضة لها.

فرئيس وزراء العراق هو نقيب الاشراف وشيخ الاسلام والزعيم الروحي لاتباع الطريقة القادرية في العالم، السيد عبد الرحمن النقيب، عينه البريطانيون على راس اول حكومة شكلها الاحتلال بعد الغزو البريطاني للعراق.

والنقيب هذا هو الذي منح الانجليز فتوى شرعية بحقهم في حكم العراق، عندما وقف خطيبا امام المس بيل ليقول لها (خاتون، ان امتكم عظيمة ثرية وقوية، فاين قوتنا نحن؟ انني اعترف بانتصاراتكم، وانتم الحكام وانا المحكوم، وحين اسال رايي في استمرار الحكم البريطاني، اجيب انني من رعايا المنتصر، انكم، يا خاتون، تفهمون صناعة الحكم).

وقال لها (انكم بذلتم الاموال والنفوس في سبيل ذلك، ولكم الحق في ان تنعموا بما بذلتم) واضاف:

انه منع افراد اسرته من التدخل فيما لا يعنيهم، لكن الكثيرين من الناس جاؤوا يطلبون مشورته، فاجابهم ان الانجليز فتحوا هذه البلاد واراقوا دماءهم في تربتها وبذلوا اموالهم من اجلها، فلا بد لهم من التمتع بما فازوا به شان الفاتحين الاخرين.

وعندما احتلت بريطانيا العراق، وكلفت حكومتها السر ارنولد ولسن وكيل الحاكم المدني العام في العراق في آخر تشرين الثاني 1918 باستفتاء العراقيين في شكل الدولة التي يريدون اقامتها والرئيس الذي يختارونه لها، ولما ظهرت النتائج قرر ولسن ايفاد جيرترود بيل الى لندن لكي تشرح للمسؤولين وضع العراق ونتائج الاستفتاء، زارت المس بيل السيد عبد الرحمن النقيب في داره في شباط 1919 قبيل سفرها الى العاصمة البريطانية، فقال لها؛ ان الاستفتاء حماقة وسبب للاضطراب والقلاقل، واضاف؛ لو ان السر بيرسي كوكس موجود لما كانت هناك حاجة لاستفتاء الناس عن رايهم في مستقبل البلاد، ولام النقيب الحكومة البريطانية على تعيينها كوكس سفيرا لها في طهران، معتبرا ان هناك الف ومئة رجل بوسعهم ان يشغلوا منصب السفارة في طهران، ولكن ليس من يليق للعراق سوى كوكس الرجل الذي حنكته الايام والمعروف والمحبوب وموضع ثقة اهل العراق على حد رايه (يذكر ان النقيب كان يكره ان يرى احد انجال الشريف حسين حاكما في العراق).

وكان النقيب هذا يعارض كليا قيام حكومة عربية ويعتبر ان بحث الاستقلال العربي امر لا يستحق الاهتمام، وكان يرغب في ان يرى العراق تحت ادارة بريطانية يسندها جيش احتلال لا يقل تعداده عن (40) الفا، وكان يخشى من انتعاش الجمعيات السياسية العربية.

وعندما شن بعض البريطانيين في صحافتهم وفي مجلس العموم واللوردات حملة على الحكومة لاجبارها على سحب قواتها من العراق قال؛ (انه لا يفهم كيف تسمح الحكومة البريطانية باستمرار هذا الكلام المزعج) وحين حدد مسؤول انجليزي بقاء الاحتلال سنتين قبل ان يتقرر مصير (الامارة) قال النقيب هذا (لتكن اربع سنوات).

ولم يفت النقيب ان يذيل توقيعه على الاتفاقية بالعبارة التالية:

صاحب السماحة والفخامة السير السيد عبد الرحمن افندي جي بي أي رئيس الوزراء ونقيب اشراف بغداد، لا ادري لماذا؟ ولكن ربما لاعطاء الاتفاقية مسحة دينية وقدسية خاصة تحول دون تجرؤ احد من العراقيين الاعتراض عليها.

مما تقدم، ومن خلال البحث في شخصية النقيب هذا، يتضح جليا بانه قبل التوقيع على مثل هذه الاتفاقية التي اسست للاحتلال وتاليا للانتداب بسبب تلهفه للسلطة التي كان يطلبها باي ثمن، حتى لو كان استقلال العراق وسيادته، ولذلك فهو كان يردد كل قول او موقف يعتقد بان بريطانيا تحب سماعه او تلمسه من الشخصيات العراقية، بمعنى آخر فان النقيب قايض السلطة بالسيادة والاستقلال، ربما لانه كان من (الاقلية) التي لا تستطيع عادة ان تحكم بلد ما من دون الاستعانة بالاجنبي وتاليا بالاستبداد والارهاب والتعسف والبطش.

بعد هذه الاتفاقية تتالت الاتفاقيات الثلاث الاخرى، والتي، كما قلنا آنفا، لم تخرج عن الخط العام الذي حددته الاتفاقية الاولى، فقد وقع السيد عبد المحسن السعدون اتفاقية عام 1926 { والسعدون هذا كان يعتقد بان مفهوم الوطنية لم يتبلور بعد في العراق، وان اهل العراق لم يكونوا شعبا واحدا بل شعوبا متباينة، كما ان العراق محاط بالاعداء من كل جانب، ولهذا فمصلحة العراق مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتعاون مع الانجليز، وعلى هذا قبل بان يوقع على الاتفاقية بالرغم من شدة المعارضة، وقبح بنودها، وهو القائل عنها ( اننا كالاطفال الذين يبحثون عن مربية، فانعم الله عليهم بام فاضلة ستاخذهم الى طريق الكرامة والاخلاق، وهذه الام هي بريطانيا، وهذا ما ستقوم به المعاهدة)}.

ووقع السيد حعفر العسكري على اتفاقية عام 1927 في العاصمة البريطانية لندن بعد ان تعذر توقيعها في بغداد بسبب شدة المعارضة التي واجهتها من قبل الوطنيين الذين كانوا يرون في كل هذه الاتفاقيات تكريس لمبادئ (كوكس- النقيب) المعروفة والتي كرست نظام حكم (الاقلية) في العراق، مهما تعددت وتكررت مرات التوقيع عليها، اذ يبقى المضمون واحد والجوهر لم يتغير.

اما آخر معاهدة فقد وقعها السيد نوري السعيد في العام 1930 والتي تم بموجبها تمديد الانتداب البريطاني على العراق لمدة (25) عاما.

وهي المعاهدة التي تعذر توقيعها في بغداد فوقعت في لندن، ولشدة معارضة العراقيين لها، وانعدام امكانية تمريرها في المجلس النيابي، اقدمت وزارة نوري السعيد على حل المجلس النيابي في الاول من تموز سنة 1930، اذ لم تجد فيه ما يسوغ الاعتماد عليه في امرار هذه المعاهدة منه، وشرعت في انتخاب مجلس جديد، والفت حزبا لها دعته (حزب العهد العراقي) لاقرار المعاهدة وما يتبعها من ذيول ومراسلات ونحوها، فكان للحزب (70) مقعدا في المجلس من اصل (88) مقعدا.

يقول الحسني عن ظروف تمرير المعاهدة:

{دعي المجلس الجديد الى عقد جلسته السابعة في تاريخ غير متفق عليه من قبل، وهو يوم الاحد الموافق 16 تشرين الثاني 1930، وانتشرت الدوريات المسلحة استعدادا للطوارئ.

وكان الحزب الحكومي قرر قبل يوم وجوب التعاون مع بريطانيا العظمى على اساس قبول هذه المعاهدة، فما كاد رئيس المجلس يعلن افتتاح الجلسة حتى ناوله رئيس الوزراء هذا الاقتراح؛

لما كانت نصوص المعاهدة العراقية البريطانية المنعقدة في 30 حزيران 1930 قد نشرت للراي العام منذ مدة طويلة، وكانت انتخابات مجلس النواب قد جرت على اساس استفتاء الشعب فيها، اقترح على المجلس الموقر ان يوافق على المذاكرة فيها على صورة مستعجلة.

وتلى رئيس المجلس النيابي اقتراح رئيس الوزراء فقبلته الاكثرية (العهدية) حزب رئيس الوزراء، فكانت جلسة تاريخية دامت اربع ساعات، واسفرت عن قبول المعاهدة باكثرية (69) صوتا ضد (13) صوتا من المعارضين، وتغيب عن الجلسة خمسة نواب}.

ولم يعثر على ملحق سري لهذه المعاهدة الا بعد ان دالت ايام نوري السعيد، وتالفت الوزارة الشوكية في يوم 6 من تشرين الثاني علم 1932، ويقول السيد الحسني انه لم يكن قد اطلع احد على هذا الملحق في حينه، لا الملك فيصل ولا مجلس وزرائه، ولا برلمان البلاد ولا صحافتها، ولذلك جوبهت هذه المعاهدة باستنكار شديد من قبل الشعب العراقي، الذي عدها احتلالا دائميا للعراق بعد ان كانت البلاد خاضعة لنظام الانتداب المؤقت، على حد وصف المؤرخ العراقي السيد عبد الرزاق الحسني الذي يضيف:

على ان الطعن في هذه المعاهدة لم يقتصر على العراقيين حسب، فان بعضا من اعضاء (لجنة الانتدابات الدائمة) في عصبة الامم كان يرى ان قبول العراق لهذه المعاهدة سيجعله، تحت الحماية البريطانية، كما ان مسيو رابار عضو اللجنة المذكورة قال ( وانا شخصيا لا احب ان ارى بلادي تدخل في مثل هذا التعهد الذي قبله العراق على نفسه).

وعندما حاول السيد صالح جبر رئيس وزراء العراق في العام 1948 (وهو الوحيد الذي ينتمي الى الاكثرية العراقية، والذي حاول تصحيح مسار الاتفاقيات الاربعة الماضية من خلال توقيعه على المعاهدة الخامسة) حذف الانتداب من الاتفاقية الرابعة، من خلال اقناع لندن بالتوقيع على نص خامس، حرك البريطانيون الشارع العراقي بشعارات الحزب الشيوعي العراقي متهمين جبر بسعيه لشرعنة الاحتلال البريطاني، وانه وقع على محاضر سرية لم يطلع عليها احد، فكان الشارع العراقي ضحية مؤامرة كبيرة وضحية عملية تضليل واسعة حاكتها بريطانيا بخيوط الشيوعيين آنذاك، والذين اتهموا، فيما بعد، باليمينية على لسان رفاقهم اليساريين الاخرين في الحزب.

ومن اجل ان اكون دقيقا في نقل صورة الواقع العراقي آنذاك، آثرت ان انقل النص التالي من كتاب (اعلام السياسة في العراق الحديث) للمؤلف العراقي المعروف مير بصري.

يقول الكاتب في الصفحة (210) ما نصه:

ذهب صالح جبر الى لندن على راس وفد عراقي وفاوض وزير الخارجية البريطانية ارنست بيفن بشان استبدال المعاهدة العراقية البريطانية لسنة 1930، وقد وقع في 15 كانون الثاني 1948 معاهدة تحالف، انتبه الى التسمية والتي دخلت في قاموس الاتفاقيات بين العراق وبريطانيا لاول مرة منذ عهد الاحتلال، مع بريطانية امدها عشرون سنة في ميناء بورتسموث، ومآلها تحالف الدولتين على اساس المساواة والعدل (وهي العبارة التي لم يرد ذكرها في الاتفاقيات الاربع الاولى) على ان لا يتخذ اي فريق من الفريقين سياسة خارجية تنافي مصالح الفريق الاخر، وهو امر جديد في الاتفاقيات، ونصت ايضا على تاليف مجلس دفاع مشترك، وعدم استعمال القواعد الجوية في العراق في حالة الحرب او خطر الحرب الا بموافقة الحكومة العراقية (وهو النص الذي لم يرد، كذلك، في اي من الاتفاقيات الاربع الاولى).

وعندما اسقطت (التظاهرات) الاتفاقية والحكومة، نجحت بريطانيا في اقناع الراي العام العالمي والبريطاني تحديدا باحقية الانتداب الذي ثبت من خلال (التظاهرات) ان العراقيين يرغبون به اكثر حتى من البريطانيين انفسهم، فهو مطلب عراقي قبل ان يكون مطلبا بريطانيا.

بمعنى آخر، فان الانجليز مرروا الاتفاقية في لندن واسقطوها في بغداد، لتبرئة ذمتهم.

كما نجحت الاقلية في العراق في افشال مسعى الاكثرية، طبعا حسب المصطلح السائد آنئذ، في تصحيح مسار العملية السياسية والتفاوضية مع (الاحتلال البريطاني) فلم يسجل لصالحها شئ يذكر.

ما يثير الريبة حقا، هو، لماذا الغت واسقطت (التظاهرات) اتفاقية وحكومة عام 1948، فيما لم تستطع (التظاهرات) فعل الشئ نفسه في حكومات ومعاهدات 1922 واخواتها؟.

وتلت هذه الاتفاقيات عقد عدد من المعاهدات المشبوهة منها معاهدة سعد آباد عام 1937 وحلف بغداد عام 1955 وبينهما اتفاقات احتكار البترول العراقي الذي منح الشركات البريطانية حق الامتياز وذلك في العام 1925، وهي الاتفاقيات التي يمكن تسميتها باتفاقيات (النفط مقابل السلطة) والتي اهتدت اليها الاقلية في العراق، بعد ان رات فيها الطريق الوحيد للبقاء في السلطة في العراق على غرار ما فعله (آل سعود) في الجزيرة العربية، وتاليا كل الاسر الحاكمة في دول الخليج الحالية.

بين الامس واليوم، وجه المقارنة

وتمر الايام ويحكم العراق نظام ارعن ورط العراق بمشاكل جمة هو في غنى عنها، وكل ذلك بسبب تعطش الطاغية الذليل صدام حسين للدم والقتل والتدمير، حتى تحول الى عبد للسلطة وخادم مطيع لها، فكان يقبل بان يتنازل عن كل شئ الا السلطة، حتى انتهى العراق بمغامراته الى الاحتلال للمرة الثالثة، ولكن هذه المرة من قبل الولايات المتحدة الاميركية، وبالتعاون مع المحتل القديم الجديد بريطانيا.

فبعد ان كبل النظام البائد العراق بمجموعة كبيرة من القرارات الدولية التي قضت على سيادة العراق واستقلاله، بسبب توقيعه في خيمة صفوان على كل شروط (المنتصرين) استغرق العراقيون طويلا في التفكير بما يمكن ان يساعد بلدهم ويساعدهم على التخلص من آثار حماقات النظام البائد، حتى صدرت مذكرة اعلان النوايا التي وقع عليها السيدان نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية وجورج بوش رئيس الولايات المتحدة الاميركية في السادس والعشرين من تشرين الثاني عام 2007 المنصرم، وهي المذكرة التي نصت على اجراء مفاوضات بين الجانبين العراقي والاميركي للتوصل الى اتفاقية بين الحكومتين قبل انتهاء المدة القانونية (منتصف 31 كانون الاول القادم) لتواجد القوات الاجنبية في العراق الذي تم تمديد تواجدها بطلب اخير من الحكومة العراقية لمجلس الامن الدولي الذي منح غطاءا قانونيا لها لمدة سنة وذلك بموجب القرار رقم 1790 الصادر عن مجلس الامن.

والاتفاقية هذه تتناول نوايا التعاون والصداقة بين الدولتين المستقلتين وتحقيق السيادة الكاملة في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والامنية، وهي تتضمن محورين، الاول ينظم العلاقة طويلة الامد في مختلف المجالات، والثاني ينظم حركة وانتشار القوات الاميركية في العراق وطبيعة علاقتها بالحكومة المركزية في بغداد، وكذلك مدد انسحابها من المدن وتاليا انسحابها الكامل من العراق، وهي المدد الزمنية غير القابلة للتغيير والتبديل.

وبقراءة متانية لنصوص الاتفاقيات القديمة والحالية الجديدة، وبالاخذ بنظر الاعتبار الظروف التي رافقت التوقيع على تلك الاتفاقيات وهذه الجديدة، يمكن ان نسجل المقارنة التالية:

ففي المرات الماضية، كان الذي يوقع على الاتفاقية هو احد مندوبي (الاقلية) ولذلك كان يستعجل التوقيع وباي شرط او ثمن، فيما كان يوظف البطش لاستحصال موافقة البرلمان او المجلس التاسيسي (الصوري) لانه كان على يقين بان الاتفاقية لا يمكن تمريرها بالطرق والوسائل الديمقراطية.

وبقراءة متمعنة لطريقة تمرير الاتفاقيات الاربع الاولى مع البريطانيين، نلاحظ حالة الاستعجال هذه بادية للعيان، ولذلك لم تكن هناك سوى مسودة واحدة، واحيانا يعمد اصحاب الشان الى استبدالها باخرى في اسوأ الظروف عندما يتلمسوا معارضة شديدة قد تفجر الشارع العراقي ضدهم، كما نلحظ ان مدة المفاوضات عادة ما تكون قصيرة، اذ يتم استعجال النقاش على طريقة (سلق بيض) المعروفة لدى العراقيين في استعجال الامور بلا تروي، وذلك تحسبا لاي تطور في الاتجاه المعاكس لما خطط له البريطانيون ورجالاتهم عند التوقيع على كل معاهدة، يرافق كل ذلك بطش شديد وقمع غير مبرر لكل من يعارض الاتفاقية، او يرفض تمريرها، ولكل ذلك فان يدا ذليلة مرتجفة هي التي كانت توقع الاتفاقية في كل مرة.

واستمرت هذه الحالة التي تحولت الى عرف سياسي في عراق (كوكس- النقيب) فالاتفاقيات توقعها ثلة قليلة وفي اغلب الاحيان شخص واحد، كما هو الحال في عهد الطاغية صدام حسين، طبعا من دون ان يطلع احد عليها لا من القادة والزعماء ولا من ابناء الشعب الذي كان في كل مرة يدفع ثمن توقيع اتفاقية او تمزيق اخرى (لقد ظهر الطاغية صدام حسين عام 1980على شاشات التلفزيون العراقي ليعلن عن تمزيق اتفاقية الجزائر التي كان قد وقعها مع شاه ايران ليعلن بعد ذلك الحرب الضروس على الجمهورية الاسلامية في ايران والتي دامت 8 سنوات عجاف اكلت الاخضر واليابس من كلا البلدين الجارين والشعبين المسلمين).

وظلت ترافق حفلات التوقيع على الاتفاقيات حملات شرسة من البطش والتنكيل والعنف، مشفوعة بارادات ملكية تقضي بحل البرلمان، وكل ذلك بسبب ان من يوقع عليها لم يستند الى اغلبية من اي شكل كانت ولذلك كان يعمد في كل مرة الى التنكيل لضمان تمريرها بعد ان يخير بين امرين لا ثالث لهما، الاتفاقية او الازاحة عن السلطة.

فعندما وقع النقيب على الاتفاقية الاولى عام 1922 واراد ان يمررها بالمجلس التاسيسي الذي تم (انتخابه) في العام 1924، اي بعد سنتين من توقيع الحكومة العراقية عليها، في تخريج دستوري صوري مكشوف، وبسبب تفجر الموقف الرافض لها والذي قادته المرجعية الدينية في المدن المقدسة كربلاء والنجف والكاظمية، عين النقيب، وبالتشاور مع البريطانيين، السيد عبد المحسن السعدون وزيرا للداخلية، والذي نفذ ابشع عمليات بطش وتنكيل بالقادة الوطنيين وبابناء الشعب العراقي وعلى راسهم المرجعية الدينية التي نفاها الى الخارج ليبعدها عن ساحة النضال والجهاد من اجل عز العراق واستقلاله ورفعته وكرامته وسيادته، كما اقدم على حل الاحزاب السياسية واغلاق الصحف ليضمن تمريرا هادئا للاتفاقية.

ومع كل هذه الاجراءات الاحترازية التعسفية، اخفقت الحكومة التي ظلت تتقلب بين احضان الساسة العراقيين وبدعم وتاييد من البلاط وبتنسيق تام مع المعتمد السامي البريطاني، بتمرير الاتفاقية في المجلس التاسيسي، عندها تدخل المعتمد السامي البريطاني شخصيا بالقضية فتلفن الى الملك فيصل واخبره بانه سيقصد البلاط عصر ذلك اليوم لامر هام، واعد مذكرة خطيرة يطلب فيها اصدار تشريع بحل المجلس التاسيسي، واصدار امر باحتلال بناية المجلس وما يحاط بها، وبعد حوارات ونقاشات طويلة دارت بين المعتمد السامي والملك والحفنة الصغيرة من الزعماء الذين كانوا يتهافتون على السلطة، اجتمع المجلس التاسيسي واقر الاتفاقية تحت حراب التهديد والوعيد والترغيب والترهيب.

ومن الظريف في الامر ان ممثلي (الاقلية) في العملية السياسية ممن كانوا يتهافتون على السلطة من خلال التقرب الى البريطانيين، ما كانوا ليعارضوا شيئا من منطلق الحرص على العراق وسيادته واستقلاله، وانما فقط للضغط على البريطانيين لاستبدال غرمائهم في السلطة، فمثلا، عندما تحالف حزب الاخاء الوطني بزعامة ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني وحكمت سليمان مع الحزب الوطني بزعامة جعفر ابو التمن، ضد اتفاقية العام 1930، للحيلولة دون تمريرها، انقلب الحزب على موقفه الرافض بمجرد ان شكل احد اقطابه وهو الكيلاني، حكومته في العام 1933 والتي اشترك فيها كذلك الهاشمي، فايد الاتفاقية ودافع عنها حتى آخر نفس، كما يقول العراقيون في امثالهم المعروفة.

ذات الحال ينطبق على بقية ممثلي (الاقلية) في العملية السياسية، مثل ناجي شوكت وجميل المدفعي وعلي جودت الايوبي وحمدي الباجه جي ومزاحم الباجه جي وطالب النقيب الذي عرف بين اقرانه بالمتلون لكثرة ما يتقلب في مواقفه السياسية، وهو بالمناسبة صاحب نظرية فصل ولاية البصرة عن العراق وجعلها بلدا مستقلا لوحدها، المشروع الذي كاد ان يتحقق لولا معارضة البريطانيين الذين اضطروا لابعاده عن العراق ونفيه الى الخارج ليقنع بالاقلاع عن مشروعه التقسيمي هذا.

لقد عارض رؤساء الوزارات اتفاقية العام 1930 التي وقعها نوري السعيد مع البريطانيين، واعتبروها اغلالا اضيفت الى الاغلال التي كان يئن منها العراق في ظل الانتداب البريطاني، فقد قال عنها مثلا ياسين الهاشمي (بل زادت، المعاهدة، في اغلاله) فيما قال عنها توفيق السويدي (جاءت، الاتفاقية، هادمة لكل الجهود التي صرفت في سبيل تخفيف وطاة المعاهدات والاتفاقيات السابقة) وقال عنها الكيلاني (انها استبدلت الانتداب الوقتي بالاحتلال الدائم) وقال عنها حكمت سليمان (انها، الاتفاقية، تتضمن الاحتلال الابدي) اما حمدي الباجه جي فقد قال عنها (انها، المعاهدة، تجعل كابوس الاستعمار البريطاني دائما مستمرا) فيما كتب عنها ناجي السويدي سلسلة مطولة من المقالات (العلمية) في نقد المعاهدة وذيولها.

مع كل هذه المواقف الرافضة بقوة للاتفاقية، الا ان اصحابها انقلبوا على مواقفهم في اول استيزار حصلوا عليه من البريطانيين، ما يعني ان مواقف هؤلاء لم تكن وطنية بالمعنى الحقيقي للكلمة، لانها لم تنطلق من حرص على العراق واستقلاله وسيادته ومستقبله، وانما كانت مواقفهم محاولات مستميتة للضغط على البريطانيين وابتزازهم من اجل الحصول على وزارة او ما يشابهها، ولذلك كانوا ينقلبون على انفسهم (180) درجة حال الحصول على ما يريدون من (الام الحنون) على حد وصف احدهم للاحتلال البريطاني آنئذ.

اما اليوم، فلم نلحظ ان احدا من العراقيين منع من مناقشة الاتفاقية وبنودها، كما لم نسمع ان مواطنا اعتقل او اعدم رميا بالرصاص او ابعد عن وطنه او فرضت عليه الاقامة الجبرية، لانه ناقش الاتفاقية، او عارضها، بل على العكس من ذلك، فلقد انشغل العراقيون بمناقشة بنود الاتفاقية، حقيقتها وتخمينها، صدقها وكذبها، من دون حسيب او رقيب، فقد ناقشها المواطن في الشارع والمدرسة والمعمل والسوق، ومن على صفحات الجرائد وفي الندوات المتلفزة وفي مواقع الانترنيت، وما اكثرها، من دون ان يعترض عليه احد.

لقد تظاهر من تظاهر، وكتب من كتب، وتحدث من تحدث، واتهم من اتهم، واثار الضوضاء في جلسة البرلمان من اثارها، من دون ان يعترضه شرطي الامن او جلاوزة الحكومة او المخبرين السريين، فيما لم نلحظ ان دبابات الحكومة حاصرت البرلمان للضغط عليه او ارهابه.

اما المرجعية الدينية، التي اثبتت مرة اخرى انها صمام الامان الحقيقي الذي بامكان المواطن العراقي التعويل عليه لصيانة حقوقه وسيادة واستقلال بلاده، فقد كان لها الدور الاكبر في مراقبة سير المفاوضات، تعضيدا وترشيدا، بما ضمن اكبر قدر ممكن من حقوق العراقيين، حتى تم التوصل الى الاتفاق المبدئي بين الطرفين العراقي والاميركي.

كل هذا يشير الى حقيقة في غاية الاهمية، الا وهي، ان السبب الحقيقي الذي خلق هذا الجو الايجابي في النقاش والحوار وتحمل المسؤولية، مع غياب كامل لمظاهر محاكم التفتيش والقمع والارهاب والدوريات المسلحة، هو الديمقراطية التي صنعها النظام السياسي الجديد القائم على اساس حكم الاغلبية، والتي تستند في سلطتها الى الشعب من دون (الاحتلال) والى الداخل من دون (قوى الخارج) ولذلك لم تنفرد ثلة معينة في مناقشة الاتفاقية، كما لم ينفرد طاغوت او مستبد في التوقيع عليها، وان الذي شارك في المناقشات هو كل الشعب العراقي، كل على طريقته، بل ان ابرز شرط وضعته المرجعية الدينية للقبول بالاتفاقية هو ان تمرر في البرلمان باجماع وطني، اي بقبول كل شرائح المجتمع العراقي من دون استغفال او تجاهل احد، ولهذا فان الاتفاقيات في العراق الجديد لا تمرر على طريقة (سلق بيض) وانما اخذت كل هذا الوقت الطويل من الزمن لحين التوصل الى الصيغ المقبولة من قبل الجميع، فديمقراطية الاغلبية غير مستعجلة من امرها، لان وجودها في السلطة غير مرتبط بالاتفاقية، وهي لا يمكن تخييرها بين السلطة او الاتفاقية، كما كانت تفعل بريطانيا مع الاقلية الحاكمة ابان عهد الاحتلال الاول والثاني.

كما ان مثل هذه الاتفاقيات ستخلو من اية نصوص او وثائق او بروتوكولات سرية، اذ لا مجال البتة لاخفاء شئ، عندما تكون ممددة على المشرحة امام الجميع، فكل الامور تناقش تحت اشعة الشمس، ولا مجال لامر يدبر بليل او خلف الكواليس.

لكل ذلك، نصر على النظام الديمقراطي الذي يعتمد الشراكة الحقيقية بين مختلف شرائح المجتمع العراقي، اما في الانظمة الديكتاتورية، فالذي يوقع واحد، اما بقية اعضاء البرلمان (الصوري) فمصفقون ليس اكثر، لا يعرفون لماذا يوافقون ولماذا يرفضون، وكلنا يتذكر صورة البرلمان العراقي عهد النظام البائد، عندما كان يدعى في كل مرة للتصديق على قرارات مجلس قيادة الثورة، تلك التي فرضتها على الطاغية الولايات المتحدة الاميركية، وهو لم يطلع لا على الموجز ولا على التفاصيل.

في العراق الجديد، تشترك كل مكونات المجتمع العراقي في تمرير مثل هذه الاتفاقيات الاستراتيجية، لان حكم الاكثرية لا يعني ابدا الغاء دور الاقلية، مهما كان عنوانها.

من كل ما تقدم، يمكن تسجيل المقارنات التالية:

اولا: هذه الاتفاقية يوقعها العراقيون بكل فئاتهم، فلم يستفرد احد بالتوقيع عليها ليجني ثمرة زائلة على حساب المصلحة العراقية العامة.

فيما مضى كان الساسة يبيعون الوطن ويشترون السلطة، اما اليوم فلم يعد الامر كذلك، فالسلطة من اجل الوطن وليس العكس.

كانوا يوقعون في اطار معادلة (السلطة مقابل الانتداب) ومن ثم (السلطة مقابل النفط) اما اليوم فـ (السلطة للوطن وبلا مقابل) لان الوطن لا يباع ولا يشترى في سوق المفاوضات والمفاوضين.

فيما مضى كان فرد واحد فقط هو الذي يوقع على اخطر الاتفاقيات، اما اليوم فالعراق هو الذي يوقع او يرفض.

وفيما مضى كان من يوقع سلاحه الارهاب والمجازر والعنف والتعسف وكل ادوات القمع والقهر، اما الذي يوقع اليوم فسلاحه الاجماع الوطني والدستور والشرعية الدولية، لانه لا يوقع من اجل السلطة وانما من اجل البلد، استقلاله وسيادته والمحافظة على خيراته وعلى مستقبل اجياله.

من يوقع اليوم، مرصود من قبل الاحزاب والزعماء والقادة والاعلام الحر ومنظمات المجتمع المدني والكتل البرلمانية، ومن رجل الشارع الذي يراقب ويحاسب من دون حدود، وهذه هي ثمار الديمقراطية التي ضحى من اجلها العراقيون، ولذلك عليهم ان يعضوا عليها بنواجذهم فلا يفرطوا بها، او يتركوا لصوص السلطة يسرقونها او ينقلبوا عليها فيعيدوا العراق الى المربع الاول.

ثانيا: انما يوقع من يوقع اليوم على الاتفاقية ليس حبا بها او بالواقع الذي يمر به العراق، وانما بغضا للحالة وولظرف السئ الذي وضع فيه الطاغية المقبور العراق وشعبه الابي، والذي فرض عليهم هذا الظرف القاسي، ولذلك انما يقبل بالاتفاقية من يقبلها، من باب دفع ما هو اشد ضررا بما هو اقل ضررا، اي دفع الافسد بالفاسد، ولذلك حاول المفاوض العراقي ان يصل الى نتيجة فيها اقل الضرر على العراق، وهذا هو، عادة، مبنى العقلاء في التعامل مع الاشياء والواقع المر الذي يفرض عليهم، لان البديل هو استمرار (الاحتلال) مشفوعا بالقرارات الدولية، كما اسلفنا سابقا.

اخيرا، علينا ان نتذكر بان الاتفاقية ليست آية منزلة من السماء لا يمكن المساس بها، فللعراقيين الحق في اعادة النظر بها، كما نصت على ذلك احدى بنود الاتفاقية، المهم هو ان نتجاوز المحنة باقل الخسائر، ولم يبق امامنا الا اسابيع قبل ان ينتهي تفويض الامم المتحدة.

كما يلزم ان نتذكر بان ما جرى الاتفاق عليه هو اتفاقية استراتيجية سيستفيد منها العراق كثيرا، وهي ليست كما يسميها البعض بالاتفاقية الامنية لارهاب العراقيين وارعابهم من التسمية، لدفعهم الى عدم التفكير الصحيح بها، انها اتفاقية استراتيجية تحمل بين طياتها الكثير من المصالح الاستراتيجية للعراق والعراقيين.

اتمنى على كل العراقيين ان يقراوا النصوص بتاني فلا يستعجلوا الحكم، فيخطاوا، ولنتذكر بان العالم اليوم محكوم باكثر من (130) اتفاقية من هذا النوع بين سرية وعلنية، لم يعترض عليها احد او يسعى للاطلاع عليها كما حصل لهذه الاتفاقية، وهي الافضل بين كل هذه الاتفاقيات، وكان الجميع قد شمر عن ساعديه وبذل كل غال ونفيس من اجل ان يفشل العراقيون، ولا يتمتعوا بصداقة جدية او بعلاقة استراتيجية مع اي بلد من بلدان العالم، فضلا عن الولايات المتحدة الاميركية.

ان كل دولة نامية في هذا العالم، وكل دولة تعرضت لظروف قاسية كالتي مر بها العراق خلال العقود الاخيرة، ما كان لها ان تتطور من دون اتفاقيات استراتيجية كالتي يجري بحثها في العراق.

فهذه اوربا بعد الحرب الثانية، والتي انقذها مشروع مارشال، وتلك اليابان بعد الحرب والمانيا في نفس الفترة الزمنية، وهذه دول الخليج وتلك دول شرق آسيا، وغيرها الكثير الكثير جدا، ما كان لها ان تعيد بناء نفسها لولا قبولها باتفاقيات استراتيجية تارة مع الدولة المنتصرة، وتارة اخرى مع الدولة الكبري في العالم، لماذا؟ لان التمنية مصالح مشتركة، والبناء مصالح مشتركة، فماذا عسى العراق الذي ورطه النظام الشمولي البائد بحروب عبثية ومشاكل لا تعد ولا تحصى مع المجتمع الدولي، ان يفعل، الا ان يفكر بتاني فيقدم المصالح العليا على اية مصلحة اخرى، ويدفع الافسد بالفاسد، ليتجاوز المحنة والظرف الاستثنائي الخطير؟.

ان التحرر من مخلفات الماضي، والانعتاق من ربقة الاحتلال طريقه (الاتفاقيات) ولنا في تجارب دول العالم، ومنها كل الدول العربية، التي تعرضت للاحتلال، ان البريطاني او الفرنسي او الايطالي او غيرها، خير مثال، فكل دولة محتلة وجدت طريق التحرر يمر عبر بوابة الاتفاقيات، لا محال، وفي العراق الجديد، للشعب فقط حق الاختيار في الرفض او القبول او التعديل، اذ لم يعد في مثل هذه الاتفاقيات ما يخفى عليه او يخجل او يخاف منه، فرايه حر لا يتعرض للابتزاز من اي احد، كائن من كان، فهو لم يعد خائفا من شئ كما هو حال بقية شعول المنطقة والعالم العربي بشكل عام.

وليثق بعضنا بالبعض الاخر، فلا نتهم او نتجنى او نخون احدا لمجرد انه ابدى رايا او تحدث بفكرة، وليكن الاصل في التعامل مع بعضنا البعض الاخر هو الحرص على الوطن ما لم يثبت العكس، وعلينا ان نقلع عن طريقة المزايدات الوطنية، والازدواجية في المواقف، ولنقدم الشكر لكل من يعمل صالحا، كالفريق العراقي المفاوض الذي اثبت جدارة وانتزع حقوق في ظل ظروف قاسية، لم يحقق مثلها احد غيره، لا في العراق ولا في غير العراق.

ولنضع في الحسبان الظروف السياسية والامنية القاسية جدا التي يمر بها العراق اليوم، والتي ورثها من النظام المقبور الذي ادخل العراق في متاهات لها اول وليس لها آخر، فهو الاول والاخير الذي يتحمل مسؤولية كل انتهاك للسيادة تعرض له العراق خلال السنوات الاربعين الماضية.

ولنتحلى بالانصاف عند تقييم الادوار، وصدق رسول الله (ص) الذي قال {من لا انصاف له، لا دين له} وليضع احدنا نفسه مكان الاخر عندما يريد تقييم اداءه، على قاعدة قول امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام في وصيته لولده الامام الحسن المجتبى السبط { يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك}.

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

السبت، نوفمبر 29، 2008

هل هو حملُ كاذب آخر أم ان السعوديين موعودون بعهد حقوقي جديد ؟؟؟(1)

وجيـهة الحويـــدر

اذا كنتم من المتابعين لما يجري على الساحة السعودية في الآونة الأخيرة، فإنكم ولا بد تعيشون في حالة من الدهشة، وربما ينتابكم من حين لآخر شعور غريب النزعة.

ثمة حراك "حقوقي" ملحوظ في اروقة الدولة، وهناك عدد لا بأس به من القرارات التي توالت في الاسابيع الماضية، جعلت كل من يقطن على تلك الارض القاحلة يشعر ان سُحباً محملة بالحقوق المكفولة آتية وسُتعاد لأصحابها عن قريب.

قد يطرأ على ارض السعوديين تغيرات جديدة لتحسن واقع متعثر لطالما انتظر تعديله الكثير ومن جميع فئات الشعب السعودي، ولكن لا احد يستطيع ان يضمن حدوث تلك التغيرات بالسرعة المرجوة او بالطريقة المأمولة.

تصدّرت الصحف السعودية لقرابة الشهرين الماضيين توصيات وقرارات وتحركات توالت واحدة بعد الآخرى، بعض القرارات مازالت "قيد الدراسة"، وبعضها سينفذ "قريبا" وآخر بالفعل تم تنفيذه.

طالعتنا جريدة الشرق الأوسط في عددها الصادر في 25 نوفمبر بخبر عن توصية كان جميع الحقوقيين في السعودية يطالبون بإعتمادها كقانون منذ سنوات طويلة، لأنها احدى اساسيات حماية حقوق الطفل. التوصية شبه "قرار" لكنه مازال "قيد الدراسة" وخرج بأغلبية اصوات اعضاء الشورى. نصها يطرح تعريف الطفل على أساس يصل حتى 18 عاما.

في حالة اعتماد تلك التوصية كقانون سيعتبر نقلة نوعية في تعريف سن الطفولة حتى دول الجوار لم تحققه بعد. بقي الآن ان تُرفع التوصية من مجلس الشورى الى مجلس الوزراء ليتم اعتبارها قانونا سارياً من تاريخه، ومن ثم يعمم على جميع الجهات والمؤسسات في الدولة.

المهم في ذاك الامر اذا اعتمد كقانون يتوجب تصحيح تبعاته. من كان عمره 18 سنة أو اقل من الجنسين يجب ان يُعامل كطفل امام القانون وفي جميع مناحي الحياة. يجب اعادة النظر في قضايا الاطفال الذين يقبعون في السجون، وتمت محاكمتهم على انهم بالغين. ايضا في حالة ارتكاب أي جنحة من قبل تلك الفئة العمرية يجب ان يـُحاكموا كقصَّر، وان تـُوقف في الوقت الراهن جميع القضايا المتداولة في المحاكم التي تورط فيها اطفال الى ان يتم اصدار قانون تعديل سن الطفولة.

ايضا يحتم القانون ان لا تتم حالياً عقود زواج لصغار السن الذين يندرجون تحت تلك الفئة العمرية، وان من يـُخالف التعليمات من رجال الدين واولياء الامور يعرّضون انفسهم للمحاكمة والعقوبة القانونية.

مكافحة زواج الصغيرات ايضا دعمه اعضاء مجلس الشورى وطالبوا به من قبل، حيث نـُشر الخبر في جريدة اليوم في عددها الصادر في 19 نوفمبر بعنوان "الشورى يدعو لتجريم الزواج بفتيات صغيرات."

مؤخرا صار زواج الصغيرات مرفوضا لدى شريحة كبيرة من المجتمع السعودي وبسبب الرفض الاجتماعي وقبل تلك السجالات التي دارت في اروقة مجلس الشورى، دونت محكمة القطيف اول حالة رفض لعقد قران طفلة من مسن. يقول الخبر الذي نـُشر في جريدة الرياض بتاريخ 24 اكتوبر " قاضي القطيف يوقف زواج سبعيني ب"بنت 14" ربيعاً" اذا الارض ممهدة لاتخاذ قرار يمنع زواج صغار السن سواء كان من كهول او من صغار من نفس سنهم.

بالاضافة الى ذلك من تبعات قانون رفع سقف سن الطفولة، الآن صار ثمة تعريف جديد لسن البلوغ وينطبق على الجنسين، الانثى والذكر. هذا يعني ان من هم خارج تلك الفئة العمرية يعدون بالغين راشدين. اذاً قد حان الوقت للمرأة التي اكملت سن التاسعة عشر وما فوق ان تُعامل على انها انسانة بالغة وراشدة وعاقلة لها نفس الحقوق وعليها نفس الواجبات التي تـُعطى للذكر.

منذ ساعة اصدار ذاك القانون وصاعدا يجب على المرأة الراشدة ان تتحمل مسؤلياتها بنفسها بدون ان تـُفرض عليها الوصاية من ذكر. المرأة الراشدة لها حق التحكم في شؤونها الخاصة والعامة مثل الزواج والدراسة والعمل والتصرف بممتلكاتها والحصول على اوراقها الثبوتية وغيرها من الامور التي تخصها بدون الحاجة الى ان تأخذ اذناً من محرم.

على صعيد آخر في صحيفة الوطن في عددها الصادر يوم 25 نوفمبر نـُشر خبر بعنوان "الشورى يوصي بـ15 سنة سجن أو مليون ريال غرامة أو كليهما لمن يتاجر بالبشر" هذا الخبر مهم اذا اعتمد كقانون لأنه سيحد كثيرا من العمالة الوافدة غير القانونية والتي تُجلب لأغراض الدعارة ولتشكيل عمالة رخيصة بلا حقوق وتُعامل معاملة الرقيق.

الجدير بالذكر لو تحولت تلك التوصية الى قانون ومع توصية تحديد سن الطفولة كليهما سيحدان من المتاجرة بالصغيرات خاصة اليمنيات المعدمات اللواتي يقوم اهاليهن ببيعهن للسعوديين فيجلبن كعاملات منازل ومن ثم يـُزج بهن في زواجات من كهول ومرضى.

في قضية اخرى جديرة بالاهتمام طالعتنا صحيفة عكاظ في عددها الصادر في 19 نوفمبر بخبر يقول "أصدرت وزارة التجارة تعديلات وقرارات جديدة من شأنها تسهيل المعاملات النسائية، وأكدت أمس على فروعها بالمملكة بالسماح للمرأة السعودية بمزاولة نشاط التعقيب والخدمات العامة في الإدارات الحكومية النسائية فقط." اي لا تستطيع المرأة ان تتعامل مع فروع لا يوجد فيها عناصر نسائية.

بالطبع لا زال الموضوع فيه تلك "الاشكالية" التي اسُتحدثت من لا شيء وهي الاختلاط، خاصة انه لا زال معظم وزارات الدولة مستعمرات ذكورية بحتة، لكن الخبر جدير ان يـُذكر حيث خُـتم كالتالي "وذكرت الوزارة أن هذه التعديلات والقرارات تأتي بهدف تبسيط الإجراءت الخاصة بتأسيس الشركات والمؤسسات والأنشطة لسيدات الأعمال، بناء على قرار مجلس الوزراء والداعي لزيادة فرص عمل المرأة وفق الضوابط الشرعية."

الاشكالية الثانية في ذاك القرار وفي غيره من القرارات الحكومية هي انه لم يـُحدد قط مفهوم "الضوابط الشرعية" فهي تختلف من رجل دين الى آخر. بعضهم يرى ان الضوابط الشرعية للمرأة ان لا تخرج من بيتها سوى عند الضرورة وبصحبة محرمها، والبعض يرى من حقها ان تخرج وتعمل في اماكن عمل مختلطة شريطة ان تكون "محتشمة" في لبسها.

امر آخر في منتهى الاهمية نـُشر في صحيفة الوطن في عددها الصادر في 25 نوفبمر تصدر صفحتها الاولى الخبر التالي " مجلس الوزراء يوافق على الاستفادة من التوصية 198 لمؤتمر جنيف 2006 / تخويل وزارة العمل المساواة بن الرجل والمرأة وظيفياً". التوصية رقم 198 المنبثقة عن المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية، في دورته الخامسة والتسعين التي عقدت بجنيف في يونيو 2006 اُصدرت لكي تنظـًّم العلاقة بين صاحب العمل والعامل، وقد اعتمدتها غالبية الدول الاعضاء. جاء قرار مجلس الوزراء السعودي بعد موافقة الملك عبد الله بن عبد العزيز وبعد النظر في قرار مجلس الشورى الخاص بهذا الشأن.

المترتب على قرار مساواة المرأة بالرجل في العمل هو ان تقوم جميع المؤسسات الحكومية والشركات والبنوك بمراجعة قوانينهم ولوائحهم التي تميـّز بين الجنسين في الرواتب والبدلات والمميزات ويتم اعادة كتابة بنودها. ايضا المؤسسات التي تمنع المرأة من مزوالة اعمال معينة، او لا تسمح لها بدخول بعض مبانيها، يتحتم عليها الآن ان تـُلغي تلك القرارات من اجل تمكين المرأة العاملة ومساواتها في الفرص اسوة بزميلها الرجل العامل كما نص عليه القانون.

الآن بناء على القرارين الوزاريين السابقين الخاصين بالمرأة العاملة توجب ان تـُعطى النساء حق التحرك بحرية في مدنهن بإستخدام الوسائل المتاحة للتنقل حالهن مثل حال الرجال "وفق الضوابط الشرعية"، وذلك بالسماح لهن بقيادة سياراتهن بأنفسهن كي يتمكن من مزوالة اعمالهن بسهولة ويسر.

ايضا المؤسسات التي تزود موظفيها بسيارات على حسب مناصبهم، حان الوقت لتسليم مفاتيح سيارات الشركة للموظفات ايضا الا في حالة اذا كانت الموظفة لا تمتلك رخصة قيادة سارية المفعول.


قضية مهمة اخرى طُرحت في صحيفة المدينة في عددها الصادر في 28 نوفمبر على شكل خبر بعنوان "لافتات بالشوارع لزيادة ثقافة حقوق الإنسان" هذه حركة حقوقية تستحق التوقف عندها. يقول الخبر" لأول مرة في المملكة تتجه هيئة حقوق الانسان الى التعريف بثقافة الحقوق بطرق جديدة، بوضع بعض اللافتات في الأماكن العامة والطرق التي تسهم في التشجيع على التعريف ببعض الحقوق واحترامها كحقوق الطفل والمرأة وغيرها من الأمور التي عمدت “الهيئة” إلى نشرها بطرق ايجابية لتلقى القبول عند الجميع ."

وربما المتابعون لمحطة العربية لاحظوا دعاياتها مؤخرا والتي تحث الناس على الرفق بعاملين المنازل والتعامل معهم بإنسانية ولطف تحت شعار "ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء." هذا امر لم يكن متواجد ابدا في الذهنية السعودية ولا في ثقافة المجتمع، ولم يـُطرح من قبل من قبل اي جهة اعلامية.

أيضا ثمة قرار سيتم التشاور حوله من قبل مجلس الشورى بعد عيد الاضحى عن التحرش بالنساء واعتباره جريمة يـُعاقب عليها القانون كما ذُكر في مقال "المتحرشون بالنساء" في صحيفة الوطن بتاريخ 25 نوفمبر والذي اعتمد على خبر نُـشر سابقاً في نفس الصحيفة.

وقبل هاذين الخبرين في صحيفة الرياض في عددها الصادر في 19 نوفمبر فاجأتنا بخبر عنوانه "جلد مواطن ثماني وسبعين جلدة لتلفظه على زوجته!" يقول الخبر " أصدرت المحكمة (الدمام) حكماً بالجلد على مواطن ثماني وسبعين جلدة بعد تلفظه على زوجته بألفاظ بذيئة في مكان عام، وأمام مرأى من الناس بعد خلاف حدث بينهما ليفقد الرجل أعصابه ويشتم زوجته في المكان العام وأمام حشد من الناس، وبالتالي تقدمت الزوجة بشكوى ضد زوجها ليحكم القاضي بحكم الجلد في حق الزوج."
هذا امر لم يحدث قط من قبل في محاكم المملكة، مع الاعتراض الشديد على عقوبة الجلد التي تمتهن آدمية البشر.

وفي نفس السياق الحقوقي في صحيفة عكاظ نشر بتاريخ 22 نوفمبر خبر بعنوان " الملك يحذر من المساس بحرية الآخرين" يبدأ الخبر كالتالي " وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز_حفظه الله_ بضرورة الالتزام بما نصت عليه الانظمة والتعليمات من كفالة حقوق الافراد وحرياتهم وعدم اتخاذ اي اجراء يمس تلك الحقوق والحريات الا في الحدود المقررة شرعاً ونظاماً."

مع ان الخبر في صيغته الأولية يبدو مبشرا ومبهرا، لكن في حقيقة الامر انه كُـتب بلغة عائمة ومبهمة لأنه لم يعرًّف مفهوم "المساس بالحقوق والحريات"! فمثلا هل يُعتبرمساساً لحرية الآخرين حين يتهجم رجل من "هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" على رجل او امرأة لمجرد الشك بهما؟؟ وهل يُعتير انتهاكاً للحقوق حين يطاردون رجال الهيئة الناس ويسببون لهم حوادث مروعة؟؟ وهل مداهمة رجال الامن للمنازل واعتقال افراد من اهلها بدون اذن بالتفتيش او تهمة محددة امر يمس حقوق الافراد وخصوصياتهم؟؟ او حين يتلفط اي رجل في مكان عام بألفاظ بذيئة او يرفع صوته على امرأة لمجرد ان شعرها ظاهرا، هل يعني هذا تعدي على حق المرأة؟؟ جميع تلك الامور تحتاج للتوضيح من قبل الجهات المعنية لكي تتعرف الناس على حقوقها وحرياتها وتحافظ عليها طبقا لذاك القانون.

هذا الامر الملكي ان صح التعبير يحتاج لإسهاب وغربلة من جوانب عديدة، لكي تعرف كل جهة حكومية دورها وتـُدرك جيدا الاجراءات التي يجب ان تنتهجها مع المواطنين بدون ان تمس حرية فرد او ان تنتهك حق.

وللحديث بقية...

الرئيس محمود عباس هو الرئيس الشرعي للشعب الفلسطيني وليس رئيس المجلس التشريعي

عبـد الكــريم عليـــان

في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني القادم تنتهي المدة القانونية لولاية الرئيس محمود عباس كرئيس منتخب من جموع الشعب الفلسطيني للسلطة الوطنية الفلسطينية، ومنذ وقت طويل باتت قضية الفراغ الدستوري بعد انتهاء المدة مثار جدل عنيف خصوصا بين حركة فتح أو السلطة الفلسطينية، وحركة حماس التي أعلنت عن عدم قبولها باستمرار محمود عباس في ولايته لحين إجراء انتخابات جديدة وفي هذه الحالة يصبح رئيس المجلس التشريعي هو: رئيس السلطة الفلسطينية، وكما هو معروف أن رئيس المجلس التشريعي الحالي نائب من حركة حماس، ومعتقل لدى السلطات الإسرائيلية وينوب عنه نائب من حركة حماس أيضا في غزة، هو: السيد أحمد بحر. هذا ما تريده حركة حماس، وما أعلنته في أكثر من مناسبة بما فيها عقد جلسة للمجلس التشريعي قبل أكثر من شهر، ليتخذ فيها المجلس التشريعي قرارا بالتصويت يدعو فيه لعدم تمديد مدة ولاية الرئيس. نواب المجلس التشريعي منذ فوزهم بالانتخابات التي أجريت في عام 2006 لم يهتموا بمهمتهم ووظيفتهم التي من أجلها انتخبهم الشعب، وكأن أمور الناس في غزة على وجه الخصوص على ما يرام وفي أحس حال.! والنواب ليس لديهم أية قضية يناقشونها، سوى قضية الرئيس.. يا للعجب!

منذ اللحظة الأولى للانقلاب الدموي الذي قامت به حركة حماس في غزة، وخلال ثلاثة أيام سيطرت حماس بقوتها العسكرية على مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية العسكرية أولا ثم تتالت بعدها سيطرتها على كافة المؤسسات المدنية وما لحقها من مؤسسات، أعلنت حماس في حينها أن الهدف الأساسي من المعركة هو التخلص من العناصر الفاسدة في حركة فتح والمسيطرة على المؤسسات الحكومية..! واستمرت في تضليل المواطن الفلسطيني تحت ذلك الهدف.. في البداية صدق الناس إعلام حماس الذي انبرى في الغناء بالنصر والحسم العسكري.؟ حتى الآن وبعد مرور أكثر من سنة ونيف على الانقلاب الدموي ، لا نفهم متى ينتهي (الحسم العسكري) وتعود الأمور إلى نصابها؟ ولا نفهم أي نصر تحقق؟ نصر على من؟ وشعبنا يدفع ثمن ذلك يوميا، ثمنا لا يحصى ولا يقدر سواء في الأرواح أو الممتلكات؟؟ فبركة الروايات والأكاذيب في إعلام حماس يكتسب عند بعض الناس هالة من القداسة والإيمان.. خاصة عند البسطاء من شعبنا، فالديمقراطية التي أوصلت حماس إلى سدة الحكم ليس معناها: أن تحل خلافاتنا بالقوة العسكرية، بل على العكس تماما؛ إن الديمقراطية وجدت كبديل لذلك.. صحيح أن الانتخابات جرت لدينا بنزاهة وشفافية عالية شهد لها المجتمع الدولي كافة، لكن ذلك لم يكن طبيعيا في مجتمع مثل مجتمعنا (فالكل يعرف ما حصل مؤخرا في الباكستان، وكينيا.. حتى قبل الانتخابات) ويبدو أن ذلك لم يعجب الكثير من الدول الإقليمية حولنا خوفا من انتقال التجربة إلى دول الأنظمة الدكتاتورية المحيطة التي راحت تبحث عن طريق للانتقام ولتخريب الديمقراطية الفتية لدى الفلسطينيين.. إن حماس لم تقم بالانقلاب بدون دعم وتخطيط خارجي ..

كان يمكن لحركة حماس التي حصلت على أغلبية كبيرة في المجلس التشريعي تحقيق ما تصبو إليه عبر الحوار وتشريع القوانين التي تحارب الفساد والتي تضع حدا لكل حالات الانفلات.. وتجنب شعبنا تلك الخسائر الباهظة في الأرواح والممتلكات التي دفعها شعبنا ومازال..؟ وكان يمكن بهذه الطريقة أن يسجل لشعبنا نجاحا آخر على طريق الديمقراطية، وتأسيس قواعد ومبادئ أخلاقية للأجيال القادمة، وليس تحطيمها في المهد لترضي بذلك الأنظمة التي دعمتها من جهة، ومن أخرى ترضي شهوات الكثير من عناصرها وكوادرها الذين تعجبوا لقبولها بالديمقراطية الغربية التي كانوا يحرّمونها من قبل.!؟ نعرف كيف إعلام حماس برر ذلك بغياب عدد من نوابها لأنهم معتقلون لدى إسرائيل.. لكننا لا نفهم كيف انعقد المجلس التشريعي أكثر من مرة وبنصاب قانوني كان آخرها منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية قبل الانقلاب الذي قامت به.. ولا نفهم كيف عقدوا جلسة للمجلس التشريعي عشية انعقاد مؤتمر أنا بولس وبحضور النواب المعتقلين بالوكالة لزملائهم التي هي ممنوعة في الدستور الفلسطيني.. هذا يعني أن حركة حماس تعرف متى يمكنها أن تعقد جلسات للمجلس التشريعي حين تريد تمرير القوانين التي تريدها..؟ وكيف تجد المبررات لعكس ذلك..؟ يا سلام! أي سخرية هذه، وأي استخفاف هذا بعقول الناس وبعواطفهم؟! يا سلام! هنا.. استطاعت حماس عقد جلسة للمجلس التشريعي لتضع العراقيل أمام أبو مازن وسياسته.. ولم تستطع عقد جلسة تشريعية لسن قوانيننا تضبط حركة الاقتصاد والتجار الجشعين الذين استغلوا حالة الحصار المفروضة بسببها، وبالمناسبة الحصار يدفع ثمنه المواطن المسكين، أما هي فتستطيع تهريب ما تشاء والحصول على ما تشاء عبر طرق عديدة يعرفها الجميع..؟

إن المادة الدستورية التي تعالج فيها قضية الرئيس في حالة شغوره، ويحل فيها رئيس المجلس التشريعي بدلا منه لمدة ستين يوما تحضيرا للانتخابات، هي ليست حالة محمود عباس.. بل حالة يكون فيها الرئيس غير قادر على القيام بواجبه بسبب المرض، أو الموت كما حصل عند وفاة أبو عمار ـ رحمه الله ـ وتولى رئيس التشريعي في حينه روحي فتوح ستين يوما تم بعدها انتخاب الرئيس محمود عباس من قبل جموع الشعب الفلسطيني بانتخابات حرة ونزيهة.. وهو الأجدر من الناحية الدستورية والعرفية بالاستمرار في منصبه، وفقط ! هو من يقوم قبل ستين يوما بتحديد موعد لإجراء انتخابات رئاسية جديدة، وليس المجلس التشريعي أو رئيسه، وإلا ما فائدة انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب؟ الناس انتخبت نواب المجلس التشريعي كنواب لهم وظيفة محددة.. ولم تنتخبهم ليصبحوا رؤساء؟ ولو افترضنا أن حماس تريد ترئيس الشيخ عزيز الدويك أو نائبه أحمد بحر، ماذا سيحصل بعد ستين يوما حينما تنتهي المدة؟ هل ستقبل حماس بانتخابات رئاسية جديدة؟ وما جدوى ترؤس رئيسا من حماس مدة ستين يوما لا يملك فيها سوى منصبا فخريا مؤقتا.. أية سخرية هذه؟! ما الذي سيجنيه شعبنا في خلال الستين يوما، سوى مزيدا من التفكك والانقسام لتفرح ثلة من المخابيل احتفلت وزغردت في المواقع العسكرية بغزة عشية فشل حوار القاهرة..

من صلاحيات الرئيس محمود عباس فقط ! تحديد موعد انتخابات رئاسية جديدة يرشح فيها نفسه مرة أخرى قبلت حماس أم لا تقبل، فالشعب سيقول كلمته وسينتخب الأجدر رئيسا له وحينها فلتسقط كل الأقنعة الزائفة وكل الأوهام ولا مبرر لأحد أن يفرض رؤيته وسياسته التي يريدها ولتكن هذه الانتخابات هي الرؤية الصحيحة التي يريدها شعبنا في إعادة الوحدة لصفوف شعبنا الممزقة وكفى..!

عضو صالون القلم الفلسطيني

Elkarim76@hotmail.com

العودة وحقها ومنظمة التحرير الفلسطينية

نقولا ناصر

لقد كان امرا مستغربا ومستهجنا ان يسارع المفاوض الفلسطيني الذي يقود منظمة التحرير الى مهاجمة مهرجان شعبي عربي ودولي اصدر "الاعلان العالمي للدفاع عن حق العودة الفلسطيني" بعد "الملتقى العربي الدولي لحق العودة" الذي استضافته العاصمة السورية دمشق لمدة يومين في الثالث والعشرين من الشهر الجاري بدعوة من المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي – الإسلامي والمؤتمر العام للأحزاب العربية والاتحادات العربية للناشرين والصحفيين والفنانين والحقوقيين والمحامين والكتاب والادباء والمهندسين والمعماريين والمهندسين الزراعيين والفلاحين والصيادلة والاطباء والمعلمين والنساء والطلاب والشباب والاتحاد العالمي للعلماء المسلمين وغيره من المتضامنين في العالم مع القضية الوطنية للاجئين الفلسطينيين .

فالمسوغات التي ساقها هذا المفاوض متهافتة ، وقد لخصها الناطق الرسمي باسم حركة فتح احمد عبد الرحمن (الإعلام المركزي ، رام الله في 25/11/2008) بالدفاع عن "القرار الوطني الفلسطيني المستقل" خشية "مصادرته" وب"التطاول على الشرعية الفلسطينية" خشية منازعتها ، وب"التدخل الوقح في الشؤون الداخلية الفلسطينية" ومنع فتح "من أداء رسالتها النضالية" ومحاولة "ابقاء حماس في النسيج الوطني الفلسطيني والعربي والدولي" وباستقبال دمشق ل"هؤلاء الانقلابيين الذين ارتدوا على الشرعية" ، الخ ، فهذه المسوغات متهافتة لانه لا يعقل ان يكون "ملتقى" شعبي يصف نفسه بانه "عربي دولي" ، لا فلسطيني ، تهديدا لاي شرعية فلسطينية ولا لاي قرار مستقل لها ، ولا يعقل ان يكون مثل هذا الملتقى مؤهلا لا لتجريد فتح من اي "رسالة نضالية" تختارها ولا لتجريد حماس مما اعترف به حتى الرئيس محمود عباس اكثر من مرة بانها جزء من نسيج الشعب الفلسطيني او من اعتراف وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الطارئ الاخير في القاهرة بشرعية المجلس التشريعي الذي وصلت الحركة الى قيادته عبر صناديق الاقتراع . اما الدول العربية المعنية باتهام "التدخل الوقح" في الشان الفلسطيني وبتمويل الملتقى "بالذهب الاسود" فانها هي المعنية ايضا بالرد على هذا الجحود بدل ان تحظى بالامتنان لحشدها العربي والدولي للتضامن مع قضية مثل العودة تقع في صلب النضال الوطني الفلسطيني وكانت دائما وسوف تظل اكبر واجل من كل الفصائل والصراعات الفصائلية .

لكن الاستغراب والاستهجان سرعان ما يزولان عند ادراك ان تكرار سوق مثل هذه المسوغات انما يستهدف التغطية على صدع في استراتيجية منظمة التحرير الفلسطينية اعمق واوسع واقدم كثيرا من الانقسام الفلسطيني الراهن ومن اي اصطراع فصائلي قاد اليه او نجم عنه .

لقد استند النضال الوطني منذ النكبة عام 1948 الى حق اللاجئين في العودة ومنذ تأطر هذا النضال في منظمة التحرير الفلسطينية ترسخ هذا الثابت الوطني بربطه بتحرير الارض كطريق للعودة عبر مقاومة الاحتلال الذي اغتصب الارض فشرد اهلها ، وقد رسخ الميثاق القومي ثم الوطني للمنظمة وقرارات مجالسها الوطنية المتعاقبة العروة الوثقى التي لا تنفصم بين التحرير والعودة والمقاومة باعتبارها الثوابت للنضال الوطني والخطوط الحمراء التي لا ينبغي لمتغيرات الحراك السياسي لاي قيادة فلسطينية ان تمسها من قريب او بعيد .

وقد تجسدت تلك العروة الوثقى بين ثوابت النضال الوطني الثلاث كثابت وطني رابع بعد ان تعمدت بدماء الشهداء في خضم المقاومة الوطنية للاحتلال واللجوء ونفي الهوية الوطنية وتحويل القضية الوطنية الى مجرد قضية لاجئين انسانية يجري الان ، بعد كل تلك التضحيات ، البحث عن حل لها انساني و"عادل ومتفق عليه" مع دولة الاحتلال نفسها ، في تجاهل كامل للثوابت ولحقيقة ان منظمة التحرير ذاتها ما كان لها ان ترى النور وما كان في وسعها ان تخوض كل المعارك التي خاضتها وما كان لها ان تدخل الوطن المحتل ولا ان تقيم اي سلطة وطنية او سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال لولا التمسك بتلك الثوابت ولو لم يكن "المخيم" في الاساس قاعدة لها ولو لم يكن اللاجئون وقودها ، بحيث اصبح وجود المنظمة بحكم هذا الامر الواقع مرتبطا ارتباطا مصيريا باللاجئين وقضيتهم ، قبل اي قضية "وضع نهائي" اخرى ، وبحيث اصبح اي انفصام بين طرفي هذه المعادلة لا يهدد الشرعية الوطنية للاجئين وقضيتهم بل يهدد شرعية المنظمة وتمثيلها لهم ، خصوصا بعد اثبت المخيم واللاجئون فيه في الانتفاضتين الاولى والثانية ان مفتاح القضية الوطنية والنضال من اجل ثوابتها وكذلك شرعية اي قيادة فلسطينية سوف يظل امانة تاريخية يحملونها حتى العودة .

لكن قيادة منظمة التحرير التي اعتمدت كاستراتيجية بديلة حل الدولتين ك"مشروع وطني" والتفاوض كاسلوب وحيد للنضال ، ومنذ وضعت هذه الاستراتيجية البديلة موضع التنفيذ بابرام اتفاق اوسلو عام 1993 وملحقاته ، ما زالت تخوض صراعا داخليا في اطار المنظمة وخارجه لفرض القبول ببرنامجها ، خصوصا بعد ان اضطرت الى تجميد المؤسسات التمثيلية للمنظمة حد الشلل ومقاومة اي معارضة من خارج اطار المنظمة بحجة تهديده لشرعية المنظمة كممثل وحيد للشعب الفلسطيني ، وكان هذا هو الانجاز الاهم للنضال الوطني الذي ما كان له ان يتحقق اصلا لولا الالتزام الصارم بتلك الثوابت .

وقد احتدم هذا الصراع الداخلي على الاخص بعد ان تكشف "اعلان وثيقة الاستقلال" عام 1988 عن كونه مجرد مدخل للاعتراف بدولة المشروع الصهيوني ، وهو المشروع الذي قدم العرب بعامة وعرب فلسطين بخاصة تضحيات جسيمة ارضا وارواحا لمقاومته طوال ما يزيد على قرن من الزمان ، وبعد ان تراجعت قيادة المنظمة حتى عن القرار الاممي الوحيد الوارد نصا في اعلان الاستقلال رقم 181 لتقبل بتقليص حدود دولتها المامولة الى حدود حزيران عام 1967 بدل حدود قرار التقسيم ، ليتحول الاستقلال الموعود واعلانه الى عنوان خلب خلاصته ممارسة العودة المجتزأة و"التدريجية" (لاسباب اقتصادية) الى هذه الدولة ، وليتحول "التوطين" الذي تعلن هذه القيادة معارضتها له في الدول المضيفة للاجئين الى "توطين في دولة فلسطينية" ما زال قيامها على عشرين في المائة من الوطن التاريخي سرابا او املا تسعى وراءه في احسن الاحوال ، ليظل اطلاق اسم مقنع وطنيا على هذه العملية استحقاقا على هذه القيادة اذا كان يزعجها نقد المعارضة لها بان برنامجها يهدد بتصفية قضية اللاجئين" فلسطينيا" ، بغض النظر عن كل المسوغات المساقة والنوايا المعلنة .

ويصف المفاوض الفلسطيني نهجه ب "الواقعية السياسية" ، وهذا النهج يقود المفاوض الفلسطيني في الوقت الحاضر ، وهذا المفاوض يصف ب "العدمية" كل خصومه السياسيين الذين ما زالوا ملتزمين بالميثاق القومي او بالميثاق الوطني لمنظمة التحرير وبكل قرارات مجالسها الوطنية السابقة على المجلس الذي تبنى هذا النهج بتبنيه لحل الدولتين عام 1988 ، وبسبب التزامه بهذا النهج على وجه التحديد يعترف به عدوه ، ولا يعترف بغيره ، ممثلا شرعيا وحيدا لشعبه ، بينما هذا الشعب نفسه منقسم الان على نفسه وفي صلب انقسامه خلاف عميق حول هذه الصفة التمثيلية للمفاوض جوهره قضية اللاجئين ، وهذا انقسام اكبر واعمق كثيرا من الانقسام الذي تقزم اليوم باعتباره خلافا بين هذا المفاوض وبين حركة حماس .

ويغيب عن المراقب غير المتعمق ان حماس انما تغرف من البحر الاوسع لهذا الانقسام الاعمق في مواجهتها مع هذا المفاوض ، الذي يستغل حاليا عدم عضوية الحركة في المنظمة كنقطة ضعف لديها لتاليب المجتمع الدولي وفصائل منظمة التحرير الاخرى عليها ، دون ان ينجح لا هو ولا هذه الفصائل المؤتلفة معه في الحد من استمرار استقطاب الحركة لجماهير منظمة التحرير نفسها المفترض ان يمثلها هذا المفاوض ، وفي قلب هؤلاء جماهير اللاجئين الفلسطينيين الذين يستشعرون خطرا على قضيتهم في النهج الواقعي اياه للمفاوض الفلسطيني لم يستطع هذا المفاوض تبديده حتى الان .

*كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com



الجمعة، نوفمبر 28، 2008

لبنان بلد الصحفيين الأحرار يا أشرار

سعيد علم الدين
لبنان بلد الصحفيين الأحرار وما بدل تبديلا ،
وسيظل بهمة أحراره واحة ظليلة للحرية الحمراء كشارع الحمرا، ومشعلا في الشرق وسراجا منيرا.
فلبنان رئة الحرية ووطن الأحرار ، وشموخ ثورة الأرز العملاقة في 14 آذار ، وإذا كان لظلم الاستبداد يوم ، فهو حتما إلى زوال!
فالشمسُ لا تعرف الغروب عشقاً لفجر النهار!
وان اعتقدتم العكس يا أشرار ، فأنتم على ضلال!
والعصافير لا تعشق الأشجار فقط للسكن وحبا بالثمار ،
وانما للتحليق بسموٍ في السماء دون أقفاصٍ وأسوار.
والوطاويط أمثالكم يا خفافيش الظلام ، لها جحور العتمة، وعفن الظلمة ، وأوكار الخيانة وذل الانكسار.
لبنان بلد الكلمة الصادقة والصحافة الجريئة وتعدد وسائل الإعلام ، يا خانقي الكلمة الحرة ، أنتم يا بئس أنواع الأقزام!
أقزام في الفكر والسياسة فقط.
أنتم يا شمولي النظرة الهمجية الدموية والممارسة الدكتاتورية الإرهابية حتى الإجرام!
لبنان بلد الصحفيين الأحرار كالصحفي الهمام عمر حرقوص ، يا خريجي أقبية عسس الظلام ، يا لصوصَ الثورات خدمةً لطغاة الشام!
لبنان بلد شهداء الكلمة الحرة والرأي قبل شجاعة الشجعان من محمد المحمصاني الى جبران تويني، 23 شهيدا قدموا الأرواح عشقا لحرية الكلمة وإجلالا لأشجار الأرز وعطر الأزهار، لتُحلقَ أرواحهم بسموٍ مع عصافير الحرية في السماء وفوق قمم الجبال.
وإلا كيف ستنتصر حرية الكلمة في لبنان والعالم العربي على الدكتاتوريين الطغاة والمستبدين الفجار!
هذا وكان نقيبا الصحافة محمد البعلبكي والمحررين ملحم كرم قد ذكرا هذا الرقم في رسالة مشتركة بمناسبة ذكرى شهداء الصحافة اللبنانية في السادس من أيار. (23 شهيدا، والمعارك لم تنته من أجل حرية الكلمة من 1915 حتى 2008 نحو مائة عام).
تحية إلى الصحفي الحر عمر حرقوص والخزي والعار لهمج زمرة الحزيب القومي السوري المسعور من انطلاق قطار الحرية في لبنان.
وهكذا لم يبق لعصابات 8 اذار وزمر بشار الى لغة العنف والإرهاب والسلاح الغدار.
خسروا الفكر ، خسروا القضية ، وبهدلوا انطوان سعادة ومبادئه الوحدوية وتحولوا الى زعران بلا مصداقية خارجين عن كل القوانين والمبادئ الوطنية والقيم الاجتماعية.
وكان مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي انطوان سعادة قد رفع شعارا حضاريا وحدويا ليجمع شعوب المنطقة بقوله :
كلنا مسلمون الى الله: منا من اسلم بالإنجيل ومنا من اسلم بالقرآن.
أما ورثته الصغار من جماعة شكرا النظام السوري فلقد انقلبوا على شعار زعيمهم الوحدوي جملة وتفصيلا ويمارسون قولا وفعلا التفرقة العنصرية والمذهبية من خلال شعارهم الجديد :
كلنا مسلمون لبشار: منا من أسلم بالمخابرات ومنا من أسلم بالليرة أو الدولار. الإيراني النظيف بالطبع!
وكان عشرات المسلحين من ميليشيا الحزيب القومي السوري قد تعرضوا للصحفي الأعزل الأستاذ عمر حرقوص بالضرب والإهانة في شارع الحمرا البيروتي الشهير وهو يزاول مهنته.
وقد اكد "ان الذين اعتدوا عليه يعرفونه بالاسم لأنهم قالوا له: نحن نعرفك وراحوا يسددون اليه الضربات ويقولون للمارة: "هذا واحد يهودي ونحن نقوم بضربه".
قمة الجبن والنذالة أن تضربوا بهمجية الزعران يا أشرار: لبناني بيروتي مسلم عربي وتقولون عنه يهودي ايها الحاقدين الفجار ، يا عملاء نجاد وبشار!
وكان شارع الحمرا عنوانا عالميا للرقي والثقافة والصحافة والحضارة وتحول بوجودكم يا عبيد بشار الى عنوانا للقذارة!
مع احترامنا الكامل لسكانه الشرفاء المغلوب على أمرهم وأمر دولتهم المسكينة في التعامل الخجول مع هؤلاء الأشرار وضربهم بيد القانون لكي يتأدبوا ويحترموا الناس والمقامات.
ويسمون أنفسهم "مقاومة" وممانعة. بئس هكذا مقاومة وممانعة! فرذائلكم هي التي تدل عليكم وعلى سخافاتكم وانحطاطكم وحقارتكم ومقاومتكم وممانعتكم، وسترميكم بيروت الحضارة في سلة الزبالة.
وسيظل لبنان بلد النور والرسالة يا عملاء أنظمة الخزي والغدر والنذالة.
على الدولة اللبنانية ان تنهض من سباتها، وتشمر عن ساعديها، وتدافع عن أحرارها.
وكم سيكون لبنان فقيرا بدون صحفيين شجعان كالاستاذ عمر حرقوص.

جبهة اليسار الفلسطيني أولى ضحايا اجتماع المركزي الأخير

راسم عبيدات
....لم يمضي على ولادة جبهة اليسار الفلسطيني أشهر معدودة،حتى تبين أن هذا المولود يعاني من تشوهات كثيرة،وهو بحاجة إلى أكثر من مبضع وعملية جراحية تعمل في جسده حتى تزيل هذه التشوهات،والتي يبدو أن التسرع في علاجها وإزالتها قد يسبب من الضرر أكثر من ما هو متوقع من العلاج،حيث أن عمليات الحمل السابقة جميعها لليسار الفلسطيني،كانت تجهض ويضيع المولود،ورغم كل مثبتات الحمل في المرات اللاحقة فهي لم تنجح في أن يكون هناك حمل مكتمل وناضج،ولعل الجميع قد استبشر خيراً في حالة الحمل الأخيرة،وخصوصاً بأن هذا الحمل جاء في ظروف غاية في الصعوبة والتعقد،حيث حالة الانقسام السياسي والجغرافي بين جناحي الوطن قائمة ومتواصلة وآخذة في التعمق،والوضع الداخلي على درجة عالية من الضعف والتأزم والاحتقان،والحوار الوطني الفلسطيني متعثر وعلى ما تبدو عليه الصورة فإنه بدون مخارج أو نهايات،والحاجة ملحة وضرورية إلى وجود قوة تعيد التوازن للمجتمع والسياسة في الساحة الفلسطينية،واليسار الفلسطيني بنضاله وتاريخه وتضحياته،وعدم مشاركته في الصراع الداخلي بين قطبي السياسة الفلسطينية (فتح وحماس) ،محط رهان واحترام عند قطاعات واسعة من شعبنا وجماهيرنا ووجوده ضرورة موضوعية وحاجة مجتمعية فلسطينية،وهي تعول على هذا التيار الشيء الكثير في أن يتحمل مهامه ومسؤولياته تجاه الشعب والوطن في همومه العامة الوطنية السياسية والهموم المباشرة الاقتصادية والاجتماعية.

ومن هنا وجدنا أن بداية دوران العجلة بتشكيل جبهة اليسار الفلسطيني من الجبهتان الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب،قد يكون الرافعة والبداية لخلق تيار ديمقراطي واسع في الساحة الفلسطينية يتصدى للمهام الوطنية التحررية والديمقراطية المجتمعية،ويحقق نوعاً من التوازن الداخلي أمام قطبي فتح وحماس،وبما يشكل حماية للبرنامج والمشروع الوطني من التبدد والضياع،بفعل سياسات الانقسام والخيارات السياسية المطروحة،وما يجري من تحولات في المجتمع تحد من التعددية وحرية الرأي والتعبير،وفرض قيم غربية على المجتمع تتعارض مع كل قيم الحداثة والتنوير،ناهيك عن تكريس منهج الإقصاء وامتلاك الحقيقة المطلقة. وقلنا هذا المولود الجديد،سيخط ويشق له طريقاً ونهجاً مستقلين على الأرض وفي الساحة الفلسطينية،وبما يغرس ويكرس وجوده ودوره ونشاطه وفعله عميقاً في الوجدان والذاكرة الشعبية الفلسطينية،ومغادرة التبعية والتذيل لهذا الفريق أو ذاك مقابل فتات ومكاسب فئوية ضيقة،تبهت من صورة ومواقف اليسار وبالذات السياسية منها،وبما تظهره بأنه لا لون ولا طعم ولا رائحة له،وخصوصاً أنه بمختلف أطيافه ورغم التفاوت هنا أو هناك،سعى جاهداً إلى إنهاء حالة الانقسام الفلسطينية،وبدأ بنقل الأمور في هذا الإطار من الجانب الدعاوي والشعاري والنظري والتحريضي إلى جانب الفعل على الأرض من خلال مسيرات ومهرجانات شعبية تجوب الوطن والشتات،تطالب قطبي السياسة الفلسطينية بوقف حالة العبث والصراع غير المبرر على وهم سلطة فاقدة لأبسط مقومات وجودها وسيادتها،وبالفعل خاضت جبهة اليسار أكثر من انتخابات نقابية،ونشطت في القيام بالعديد من الفعاليات والأنشطة داخل الوطن وخارجه تحت هذا المسمى.

ورغم الاعتراضات من هنا أو هناك،إلا أنه كان هناك دفع تجاه أن تدور العجلة،لعل وعسى طبيعة الظروف،والإخفاقات السابقة التي مني بها اليسار الفلسطيني في أكثر من محطة وتجربة،شكلت دروساً وعبراً قاسية لقيادات تلك القوى،بأنه لا وجود لوزن حقيقي لتيار يساري فاعل دون أن يوحد تعبيراته السياسية والتنظيمية،والخروج من شرنقاته الذاتية،ورغم التحفظات والتشخيصات العديدة بأن هذه الوحدة لن تنتج شيئاً،فهي وحدة لمجموعة من القوى تعيش العديد من الأزمات المركبة والمتداخلة فكرياً وسياسياً وتنظيمياً،وبالتالي لن تنتج سوى قوة مأزومة على نحو أشد وأعمق.

وبالنظر وأخذاً بالحسبان لكل ذلك،كانت هناك رؤيا تقول بأن توحد هذه القوى اليسارية والتي تشكل العصب الرئيس للقوى الديمقراطية،لها قيمة وأهمية عاليتين في صفوف قواعدها وأنصارها وقطاعات واسعة من جماهير شعبنا الفلسطيني،التواقة لهذه الوحدة واستعادة هذه القوى لدورها وحضورها بين الجماهير،وان تحقيق هذه الوحدة بشكل متدرج،وعلى أسس صلبة ومتينة تتجاوز الرؤى والنظرات الضيقة والفئوية المقيتة سيعكس نفسه إيجابا على هذه القوى ويزيد من ثقة والتفاف الجماهير حول برامجها ومواقفها ورؤيتها.

ولكن اجتماع المجلس المركزي الأخير والذي عقد في 23+24/11 /2008 في رام الله،جاء ليكشف أن هذه بعض أطراف هذه الجبهة،لم تغادر عقلية الأنا والفئوية المقيتة،وهي ليس لديها قناعات جدية وعميقة،بخط وحدة حقيقية تمكن من تحقيق التمايز والموقف الواضح والمنفصل عن التبعية والتذيل،وهي رأت بهذه الوحدة تكتيك أو مجرد تحسين فرصها وشروطها في مكاسب آنية وفئوية.

وفي الوقت الذي كانت فيه قوى اليسار تعد ورقة مشتركة تعبر عن رؤيتها ومواقفها من القضايا المطروحة على جدول أعمال المركزي،كان أحد قيادات أطراف تلك الجبهة يعد ورقة أخرى باسم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تتعارض في جوهرها مع ورقة جبهة اليسار بل وتنسفها كلية،والورقة المعدة لتقدم باسم اللجنة التنفيذية،ليست مقبولة أو تعبر عن موقف جبهة اليسار حتى لم تكن مقبولة على قوى أخرى وبالذات في البند المتعلق بالمفاوضات،والتي جزء من أهل البيت نفسه (أي أصحاب نهج التفاوض)،باتوا على قناعة بأن هذا المسار أثبت عقمه وعبثيته،وهو بحاجة لإعادة تقيم جدي،وفي المحصلة النهائية عندما رفضت الورقة التي أعدت باسم اللجنة التنفيذية،أيضاً رفض ذلك الطرف اليساري الورقة المعدة باسم جبهة اليسار.

إن هذه الحالة عكست ليس فقط عمق الأزمة بين أطراف تلك الجبهة ،بل أن هذه القوى وبالذات العديد من قياداتها قد شاخت وتكلست وتعودت على نمط معين من العمل،وجزء آخر متخم بالعمل المكتبي والمهام العملية على حساب الإبداع الفكري،تحاكي ولا تنتج،وغير قادرة على مغادرة خط وعيها وسيرها التقليدي إلى وعي وخط سير جديد،وصحيح أن جوهر الأزمة اليسارية ومظهرها العام،هو في مشروعها النظري وهويتها الفكرية،ولكن ما هو أصح أن القيادات اليسارية الأولى هي السبب الرئيسي في الأزمة،فمن غير المعقول ولا المقبول أن القيادات التي تفرق هي نفسها التي ستوحد،وهي في إطار سعيها وبحثها عن ذاتها ودورها ووجودها وأنانيتها وفئويتها تجد سجل طويل من الذرائع والمبررات لكي تفشل أي جهد وحدوي،ولا تعدم وسيلة تغليفه أو تبريره أو تسويقه لقواعدها وكادراتها وجماهيرها.

ومن هنا فرغم الدرس القاسي المتمثل من هذه التجربة،فما زلت أقول أن خلق وبناء أوسع تيار ديمقراطي في الساحة الفلسطينية،هي مسؤولية تتحملها بالأساس القوة المركزية في هذا التيار،والتي عليها أن تخطو خطوات جدية وعملية على هذا الصعيد،ومن لم يلتحق الآن بالركب،فمع دوران العجلة والتقدم في هذا المسار سيجد نفسه مضطراً للحاق بهذا الركب أو تتجاوزه الحركة.

رداً على مقال الكاتب نبيل عودة

حسن عثمان

_ سوريا

كنت أتمنى من الكاتب نبيل عوده لو أنه طرح وجهة نظره بصورة أكثر موضوعية وأكثر واقعية, حيث قدم لنا الكاتب أفكاراً غاية في الدقة مزجها بجمل وكلمات وأفكار أخرى احتاجت للإنصاف في محاكاتها, محاولاً في النهاية تقديم تعليق بصورة مقال هو أشبه بلغم وضعه تحت نظر قرّاء العالم العربي والإسلامي, رقص خلاله الكاتب على الوتر الديني والمذهبي من جهة وحاول من جهة تغيير وجهة الصراع العربي عن العدو الإسرائيلي والأميركي باتجاه إيران محملا إياها بالكامل نهاية الحلم القومي العربي مشيرا إلى برنامجها النووي ومتجاهلا بشكل غريب لنووي العدو الإسرائيلي والنفوذ الصهيوني الأميركي البارز للعيان وبشكل غير قابل للجدل والنقاش, وذلك في فترة من أصعب فترات الصراع العربي _ الإسرائيلي الأميركي وخصوصا بعد ظهور النتائج الأولى للمقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة و فوز السياسة السورية الداعمة لهذه المقاومة في ظل الغياب شبه الكامل للنخوة العربية والإسلامية تجاه العدوان الإسرائيلي على فلسطين المحتلة لبنان والعدوان الأميركي الإسرائيلي على العراق ومؤخراً على سوريا.

لقد ابتعد الكاتب كل البعد عن التعليق الوطني الصادق والكتابة الهادفة التي يجب أن يتحمل ثقل رسالتها وعناءها كل فنان وشاعر وأديب وكاتب وصحفي تجاه وطنه ومجتمعه.

أريد قبل أن أبدأ بتعليقي على مقال الكاتب أن أذكّر أنّ من يغيب عن مقالاته عبارة فلسطين المحتلة ويستبدلها ب عبارات مثل( إسرائيل _ المجتمع العبري _ المجتمع اليهودي _ داخل إسرائيل _ مجتمع عربي داخل مجتمع يهودي....) لا يحق له أن يتحدث عن واقع القومية العربية ومشكلة الحلم العربي القومي. ومع أننا نتفق مع الكاتب في بعض الأفكار التي طرحها, لكن تقديمه لها بهيئة العسل( الأشبه بالعسل الذي تناوله مالك الأشتر وهو في طريقه لولاية مصر), وخاصة في ظل العطش العربي للنصر والخلاص والتقدم والرقي رأيت أنه من الواجب الرد والتعليق والتوضيح.

لقد كان الأجدر بالكاتب وهو الذي يسرد في أغلب مقالاته بغضه للتيارات الدينية , وذكر الانتماء الديني, وتقييم الأفراد على الأساس الديني, أن يبتعد بمقاله وتعليقه عن هذه الصورة وخصوصاً أنه ذكر في تعليقه الجملة الآتية:( تجردوا مرة واحدة من المؤثرات الدينية التي تضلكم..... موضوع إيران لا علاقة له بالإسلام والمسلمين وعزة الإسلام والمسلمين).فأنا مستغرب للتناقض الذي وضع الكاتب نفسه فيه, فإذا كان مقتنع كل القناعة بعواقب المؤثرات الدينية وتأثيرها على المجتمع والوطن, لماذا حاول التركيز عليها وبصورة مذهبية من خلال ذكره للعبارات التالية: ( حركات شيعية _ سيطرة أصولية شيعية).وبالرغم من عدم مصداقية هذا الطرح والواقع يثبت ذلك. لقد كان الأفضل للكاتب كمثقف وطني يكتب لصالح مجتمعه العربي أن يكون قد عرض فكرته بعيدة عن هذا الر بط , وخصوصا بعد التقاذفات الإعلامية التي شهدناها في الأسابيع الماضية حول الموضوع الشيعي السني . لقد ألغى الكاتب في حديثه هذا وطنية وقدسية وموضوعية مقاله وتعليقه.

لقد كان الأحرى بالكاتب كإعلامي يتحمل عبء وثقل الرسالة التي يحملها أن ينوّه على أنّ مقبرة الحلم العربي هي ضمن الحدود التي رسمتها الصهيونية واللاإنسانية الأميركية والتي تسعى لتحقيقها من خلال دعم الحركات الانفصالية في جنوب السودان وشمال العراق وصولاً لتحقيق حدود الوعد التاريخي المزيف لحدود الدولة اليهودية المزيفة من النيل إلى الفرات. كان يجب ذلك لا أن يتحدث عن وهم من حركات شيعية انفصالية والتي أشار لوجودها في لبنان.

لقد كان الأجدر بالكاتب كناقد يتحمل أمانة هذه الصفة قبل أن يحاول توهيم القارئ العربي والإسلامي بالخطر الانقلابي الشيعي في لبنان وقبل أن يقوم بالإشارة المأساوية للشعب اللبناني حيث لا تمت هذه الجمل للحقيقة بصلة, كان عليه أن يستذكر ويشير إلى الالتفاف الشعبي الوطني اللبناني في مواجهة همجية الجماعات اليهودية في تموز 2006 والاعتراف بتغلبه على هذه الهمجية من خلال النضال العسكري لحزب الله ( الذي يمثل أحد أحزاب لبنان وأحد خيوط نسيج مجتمعه , وليس الحركة الشيعية الانفصالية كما أحب الكاتب أن يسميه محاولا أن يفرغه ويفرغ النصر من الوطنية) و الأحزاب الأخرى الداعمة له والمشهود لها بنضالها العسكري في المراحل السابقة داخل فلسطين المحتلة والجنوب اللبناني ( كالحزب الشيوعي وحركة أمل والسوري القومي وغيرها من الأحزاب والكثير من شرائح المجتمع اللبناني ( نستثني طبعا عملاء الصهيونية المعروفين الذي قد يكون الكاتب طرح الوضع المأساوي للشعب اللبناني من خلالهم). يجب أن نذكر الكاتب أنّ الوضع المأساوي للشعب اللبناني ليس وليد اليوم ولا حتى منذ 30 سنة, إنّ الوضع المأساوي نتج عقب اتفاقية سايكس بيكو وترسيخ النظام السياسي والقانون الطائفي فيه من قبل المستعمر الأوربي و بإيعاز من الصهيونية. أي قبل ولادة حزب الله وحركة أمل .

كنت أنتظر في مقال الكاتب كمهتم( كما لاحظت في مقاله ) بعزة الإسلام والمسلمين وبالحلم القومي العربي وكشخص قابع في فلسطين المحتلة (أي أنه في أعلى مستويات ودرجات الكفاح الوطني والفكر الثوري), كنت أنتظر التنويه إلى نووي العدو الإسرائيلي وتهديده المباشر لمحيط العالم العربي والإسلامي وخاصة أنه وضع عنوان مقاله:( إيران النووية.... مقبرة الحلم القومي العربي).

لقد كان الأنبل لنبيل عوده الكاتب طبعاً عوضاً عن إشارته إلى مناطق الصراع العربي _ الإسرائيلي على أنها بوز مدافع في الصراع الإيراني _ الإسرائيلي, كان عليه أن يتباهى ويهلل ويرفع رأسه مفتخراً أنه ما زال في العالم العربي مناطق تمتلك العزة والكرامة والإباء والشرف.وكان عليه أن ينوه ويشير إلى وجود بوز مدافع وقواعد عسكرية وممرات في المناطق العربية المحاذية لفلسطين المحتلة وفي خدمة الجماعات اليهودية والأمريكان في الصراع العربي _ الإسرائيلي, والتي نفسها وغيرها استخدمت لاحتلال العراق كما شاهدت وسمعت.

أخيراً لقد ذكرني تعليق الكاتب ومقاله( وهو القابع في فلسطين المحتلة ) والمتمثل بتجاهله التام للعدو الإسرائيلي وإبرازه للخطر الإيراني كمهدد للحلم القومي العربي ولعزة الإسلام والمسلمين, ذكرني بقصة ذلك الفتى الفلسطيني المقاوم( كما يقول ) والذي التقيته في درس اللغة في إحدى الدول حيث كان يفتقد لإحدى قدميه ولإحدى عينيه وكان يبين للسائل أن سبب ذلك يعود إلى مواجهته للعدو الإسرائيلي من خلال تركيب العبوات الناسفة وتهيئة الصواريخ. الربط بين تعليق الكاتب وهذا الفتى هو إجابته لسؤال أستاذ اللغة الذي طلب في سؤاله توضيحا لرمزية اللون الأحمر ومحاولة تمثيله بشخصية ما, فكان جواب ذلك الفتى (الفلسطيني المقاوم المصاب) أن اللون الأحمر يرمز للدم والقتل وأنه يراه مناسباً لشخصية هتلر .!!!!!!!!!

HasanOthman2@yahoo.com