الخميس، نوفمبر 27، 2008

الرئيس الجميل يضع الإصبع على الجرح

سعيد علم الدين

في عرض تاريخي مميز ملئ بالمآثر الوطنية الكبرى وفكري واضح الدلالات، وضع الرئيس أمين الجميل الإصبع على الجرح اللبناني النازف في كلمته المميزة الجريئة بمناسبة العيد الثاني والسبعين لتأسيس حزب الكتائب اللبنانية والذكرى المشؤومة الثانية لإستشهاد عريس انتفاضة الاستقلال الوزير الشاب بيار الجميل.
لقد كان لكلمته بعد ثقافي منفتح على الآخر وثوري على الأوضاع اللبنانية الحالية الصفراء الباهتة المزيفة، وتحليلي نقدي لأسبابها المعروفة والمعرقلة لقيام الدولة السيدة القادرة، ووطني لبناني أصيل صرف الولاء:
للبنان واستقلاله أولا، للوطن وسيادته اولا، للشعب وحريته اولا، للديمقراطية والتعددية والجمهورية والوحدة الوطنية اولا.
ولقد كانت كلمته ايضا معتدلة متزنة وبعيدة عن لغة العواطف التي أصبحت تضر في تصحيح هذه الحالة اللبنانية الصفراء المزمنة المهيمنة، وبعيدة عن المجاملات التي لم تعد تنفع لإصلاح ذات البين:
بين من يقدم الشهداء لمجد لبنان واستقلاله، ويعمل لمستقبل أبنائه، ويجاهد لخلاصه من محنته وقيامه من كبوته وفرض سلطته الشرعية على أرضه،
وبين من يستغل دماء الشهداء لمآرب شخصية آنية، او منصب او كرسي، ويعمل بخبث لتغيير هويته العربية وجوهره التعددي الديمقراطي، ويجاهد لاستتباعه للمحاور الشمولية الفاشلة التي تلقي باثقالها على الوطن الصغير، وإبقائه أسير أوامرها، ورهن إشارتها، وساحة مستباحة لجموح مشاريعها وجنون طموحاتها.
قدم الرئيس الجميل كلمته بعقل منفتح على الحوار، وبلغة عربية أدبية عالية المستوى: سليمة رزينة سلسة متينة جياشة العواطف معبرة ومتوازنة، وبروح متوثبة من أجل خلاص لبنان، ورفعها كالسيف القاطع في وجه اهل الباطل ومدبري المؤامرات ومدمري قيامته.
وإلا كيف سيتم وضع الإصبع على الجرح اللبناني النازف منذ 40 عاما! وبالضبط منذ قيام اسرائيل في 28 ديسمبر 1968 بحرق 13 طائرة مدنية لبنانية في مطار بيروت ردا على عملية أثينا التي قام بها عنصران من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهاجما فيها طائرة العال الاسرائيلية في 26 دبسمبر. وبعد ان تأكدت اسرائيل انهما انطلقا من مطار بيروت جاءت ضربتها المدمرة والموجعة والشرسة لمطار بيروت. لقد كانت يومها مؤامرة من الجبهة المذكورة لجر لبنان إلى الصراع العربي الإسرائيلي ونجحت بذلك نجاحا باهراً. وبعد أن خرجوا جميعا من هذا الصراع وحتى الجبهة نفسها، لم يبق في الميدان إلا لبنان. وكان باستطاعة الجبهة الشعبية يومها وبكل سهولة إرسال عناصرها الى اثينا من مطار القاهرة عبد الناصر، أو دمشق قلب العروبة النابض، أو بغداد ثورة البعث الرائد، أو عمان لا سلطة فوق سلطة المقاومة، إلا أن اختيارها لمطار بيروت كان القصد منه الرد الإسرائيلي على لبنان، مما سيؤدي إلى خربطة الأوضاع السياسية اللبنانية المهزوزة أصلا بعد هزيمة 5 حزيران 67.
عملية اثينا وتداعياتها فرضت على لبنان، المنقسم على ذاته بين الحياد في الصراع العربي الاسرائيلي او الانخراط به، اتفاقية القاهرة المشؤومة التي خرقت اتفاقية الهدنة مع اسرائيل وحولت لبنان من سيد مستقل إلى ساحة مستباحة للمقاومات العربية الفاشلة والردود الاسرائلية القاتلة ، وشرعت السلاح الذي ما زال يعيث خرابا في لبنان وإرهابا ودمارا حتى الآن. وما سلاح حزب الله الا وريث لاتفاقية القاهرة المشؤومة، التي الغيت على الورق ولكنها ما زالت جاثمة على صدر لبنان من خلال السلاح الغير شرعي اللبناني والفلسطيني.
هذا السلاح الذي لا حرر شبرا من فلسطين ولن يحرر!
وما حرر شبرا من مزارع شبعا ولن يحرر!
والتهديدات الإسرائيلية المتلاحقة بتدمير لبنان ليست كلاما للاستهلاك الانتخابي كما يعتقد الشيخ نعيم قاسم شططا. على العكس تراكم عشرات الالاف من صواريخ حزب الله الايرانية في لبنان سيؤدي إلى عسكرة المجتمع الإسرائيلي وانتصار صقور الحرب على حمائم السلام في الانتخابات القادمة، خاصة بعد حرب تموز التي لم تنته فصولها بعد. وسيكون لها ملاحق بقدر ما يجمع حزب الله من صواريخ ويقوم بمناورات في الجنوب.
لقد وضع الرئيس الجميل النقاط على الحروف بقوله الصريح: "أي مؤسسة لبنانية تجرؤ على توسيع نشاطها وتكثيف إنتاجها وخلق فرص عمل جديدة قبل أن تتيقن من بسط سلطة الدولة فعلياً على كامل أراضيها؟ ففي ظل ظاهرة ازدواج السلاح، لن تُقدِم الدول العربية والصديقة على الوفاء بالتزاماتها تجاه لبنان. فمقررات باريس 1 وباريس 2 وباريس 3، لا تتعايش مع صواريخ زلزل 1 وزلزل 2 وزلزل 3.
من هنا، إن هذا السلاح غير الشرعي لا يستعمل في الداخل عسكرياً فقط كما حصل في حوادث 7 أيار في بيروت وفي طرابلس والبقاع والمرتفعات، بل يستعمل في الداخل اقتصاديا أيضاً عبر تحويل المشاريع الإنتاجية إلى دول أخرى وتهريب رؤوس الأموال والشركات الكبرى التي تنعش الحركة الاقتصادية وتخلق فرص عمل وتمنع هجرة أبناءنا.
أصحاب هذا السلاح وحلفاؤهم لا يأبهون لحال الشعب اللبناني لأنهم يعيشون عملياً في ظل دويلة مكتملة المقومات ومنفصلة عن الدولة اللبنانية. هذا وضع تقسيمي يتنافى مع نص وروح كل الاتفاقات والمواثيق التي قام على أساسها لبنان. "
ولا عجب أن ينغص هذا الكلام المنطقي الواضح الصريح على رئيس حركة أمل الميليشياوية السيد نبيه بري المستفيد هو وحزب الله بشكل اساسي من هذه الحالة المزيفة الصفراء التقسيمية الباهتة.
اتهموا الكتائب بالانعزالية فبقيت هي ثابتة على سياستها اللبنانية المنفتحة، وهم انعزلوا في ضاحيتهم ومربعاتهم وأقبيتهم عن بقية اللبنانيين، وبثقافة مستوردة ومفروضة على شيعة لبنان.
واتهموا الكتائب بالتقسيم فبقيت هي متشبثة بلبنان الواحد الموحد لمسلميه ومسيحييه بجميع مذاهبهم، وهم في مناطقهم يمارسون أبشع أنواع التقسيم يخرجون أصحاب الرأي والمذهب الأخر من مناطقهم ويمنعون الدولة من القيام بواجباتها لفرض القانون وجباية فواتير الكهرباء.
واتهموا الكتائب بالبعد عن العروبة فأصبحوا هم فرس وإيرانيين.
واتهموا الكتائب بالتآمر على لبنان فأصبحوا هم أخبث المتآمرين على مصالح اللبنانيين!
وأرادوا تفتيت الكتائب فعادت بهمة المخلصين الى بريقها التاريخي العريق وهم انسحبوا من لبنان مذلولين!

ليست هناك تعليقات: