الاثنين، نوفمبر 24، 2008

الصينيون قد يساهمون في إنقاذ العالم من أزمته المالية الراهنة؟

د. عبدالله المدني
فيما يأملون بوصول رئيس أصفر إلى البيت الأبيض يوما ما
مضى ذلك الزمن الذي كانت فيه دول مثل اليابان وألمانيا وتايوان تتصدر قائمة دول العالم من حيث احتياطياتها من النقد الأجنبي ، وجاء زمن صارت فيه الصين .. نعم الصين التي لم تكن قبل نصف قرن سوى دولة زراعية بائسة من الفلاحين الجياع .. هي المتسيدة في هذا الحقل بفضل ما تراكم لديها من فوائض النقد الأجنبي المتأتية تحديدا من تصدير مختلف أنواع السلع و البضائع إلى الأسواق العالمية خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة.

ارتفاع احتياطات النقد الأجنبي بأرقام خيالية

ويكفينا دليلا في هذا السياق أن احتياطي النقد الأجنبي للصين ارتفع من مجرد 21.4 مليار دولار أمريكي في سبتمبر 2007 إلى 1.91 تريليون دولار في سبتمبر 2008 ، فيما كان العجز التجاري للولايات المتحدة وأوروبا واليابان مع الصين يتزايد يوما بعد يوم.

الصين ليست في مأمن من تداعيات الأزمة المالية

لكن هذا لا يعني أن الصين في مأمن تام من الأزمة المالية العالمية الراهنة، مثلما قال رئيس الحكومة البريطانية غوردون براون مؤخرا. ذلك أن مثل هذا الفائض المالي الضخم، سوف يؤدي لا محالة إلى ارتفاع معدلات التضخم، كما ستجد الصين نفسها أمام جملة من التحديات الأخرى مثل إيجاد أماكن آمنة و أوعية ذات مردود مجز لاستثمار فوائضها المالية في ظل ما يسود عالم اليوم وأسواقه المالية من تذبذبات وما تعانيه العملات الاجنبية العالمية وفي مقدمتها الدولار الأمريكي من تدهور في قيمته.

أمريكا ستظل المكان الأفضل لاستثمارات الصينيين

وفي رأي عدد من المراقبين والمحللين مثل البروفيسور ايان بينغ أن الولايات المتحدة الأمريكية، رغم كل شيء، هي المكان الأكثر أمانا لكي تستثمر فيه بكين فوائض أموالها نظرا للارتباط الوثيق ما بين الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد الصيني منذ انفتاح الأخير في أواخر سبعينات القرن الماضي، ثم نظرا لوجود استثمارات صينية بقيمة تتجاوز 1.8 تريليون دولار في سندات الخزانة الأمريكية. هذا فضلا عن حقيقة أن معظم ما تنتجه المصانع الصينية تشتريه أمريكا.




البعض يرى الأمور بشكل مختلف

هذا الرأي بطبيعة الحال يقابله رأي آخر معارض مفاده أنه من الأفضل للصين أن تكون لها سلة من الاستثمارات المتنوعة في دول مختلفة في الشرق والغرب والشمال والجنوب، مع الحرص على أن تكون هذه الاستثمارات في الحقول الاستراتيجية التي تشكل أهمية خاصة للصين حاليا أو في المستقبل مثل مصادر الطاقة.

الخوف من العودة إلى زمن الحرب الباردة والصراع الإيديولوجي

وأصحاب هذا الرأي الأخير، لا شك أنهم لا يزالون مشدودون إلى الماضي، بمعنى أنهم يتخوفون من حدوث ما يرجع عقارب الساعة إلى الوراء ما بين بكين و واشنطون، وبالتالي عودة صراع البلدين القديم الذي أنهته دبلوماسية " البينغ بونغ " الكيسينغرية ( نسبة إلى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسينغر). هؤلاء – ومعظمهم ممن يفضل الثنائية القطبية على نظام القطب الأوحد - يتناسون عمدا ما طرأ على علاقات البلدين في السنوات الأخيرة من تفاهم وود و تعاون في حقول التصدى المشترك للإرهاب وأسلحة الدمار الشامل وحل النزاعات الإقليمية إلى الدرجة التي صار معها ملف العلاقات الصينية – الأمريكية غائبا تماما أو شبه غائب في حملات انتخابات الرئاسة الأمريكية. ولعل أفضل واقرب مثال هو ما حدث في الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها المرشح الديمقراطي باراك اوباما، حيث اقتصر ما قاله الأخير على أنه في حال فوزه بالرئاسة سيستخدم الأساليب الدبلوماسية مع الصينيين من اجل حلحلة مسائل مثل الاحتباس الحراري والعجز في الميزان التجاري ومسئوليات الصين كقوة عالمية صاعدة، فيما كان موقف منافسه الجمهوري " جون ماكين " هو أنه سيضغط على الصينيين من اجل استخدام نفوذهم وعلاقاتهم مع نظام رانغون الديكتاتوري بغية إحداث بعض الإصلاحات السياسية في بورما، ومع نظام عمر البشير في السودان بغية إيجاد حل لمشكلة دارفور.

ما يقال في الحملات الانتخابية يختلف عما يطبق بعد الوصول إلى البيت الأبيض

ويمكن أن نضيف هنا – من واقع المراقبة الدقيقة لتطورات العلاقات الأمريكية – الصينية منذ زمن الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون الذي شهدت رئاسته، وتحديدا في عام 1972،الانفتاح على نظام ماو تسي تونغ المتطرف في بكين – أنه حتى حينما يقال كلام متشدد ضد الصين من جانب مرشحي الرئاسة الأمريكية اثناء حملاتهم، فإنهم سرعان ما يلطفون مثل هذا الكلام بعيد انتخابهم وجلوسهم في البيت الأبيض. والأمثلة في هذا السياق كثيرة منها أن خطاب الرئيس الأسبق رونالد ريغان في الثمانينات أثناء حملاته الرئاسية تميز بمواقف حادة جدا تجاه بكين فيما يتعلق بقضية تايوان، لكن هذا الخطاب شهد تغيرا كبيرا بمجرد دخوله البيت الأبيض. ومنها أيضا أن الرئيس الأسبق بيل كلينتون دعا إدارة الرئيس بوش الأب إلى ضرورة ربط التجارة مع الصين بمسائل حقوق الإنسان في الأخيرة، لكن كلينتون نفسه حينما جاء إلى الرئاسة لم يفعل شيئا في هذا المجال، بل قام اثناء فترة رئاسته الثانية إلى رفع العلاقات الأمريكية – الصينية إلى مستوى الروابط الاستراتيجية دون حصوله على مقابل من بكين.



هل سيغير اوباما موقفه المعلن من الصين؟

والسؤال الآن هو هل سيغير أوباما موقفه المعلن من الصين رغم أن الصين لم تكن كما في الماضي على قائمة السجالات في الحملات الرئاسية؟ وبصيغة أخرى كيف ستتعامل إدارة اوباما مع قوة صاعدة سياسيا واقتصاديا وعسكريا وعلميا ، و لا تخفي طموحاتها في بلوغ القمة ومنافسة الولايات المتحدة؟

السياسة الأمريكية تجاه بكين لن تتغير في عهد اوباما إلا لماما

المرجح بحسب المقربين من دوائر صنع القرار الأمريكية، أن البيت الأبيض في ظل إدارة اوباما سيسير على نفس النهج الذي سار عليه زمن سلفه جورج دبليو بوش لجهة التعامل مع بكين، أي انه سيختط نهجا قائما على التعاون والروابط البناءة، لكن مع تقديم بعض التنازلات فيما يتعلق بالعلاقات والروابط مع كل من طوكيو وسيئول وتايوان وكانبرا و نيودلهي، وكلها دول حليفة لأمريكا ومنافسة للصين. الأمر الآخر هو أن إدارة اوباما ستضطر في ظل ظروف العالم المالية غير المستقرة أن تركز جهودها على الشق الاقتصادي في علاقات بلادها مع الصينيين، خاصة وان النواب الديمقراطيين أصحاب السيطرة داخل الكونغرس الأمريكي يحملون بكين مسئولية لعب ادوار اقتصادية غير عادلة ولا تتسم بالشفافية ومخلة باتفاقيات انضمامها لمنظمة التجارة العالمية. والسبب بطبيعة الحال هو تشجيع الصينيين على لعب دور مؤثر وفعال في جهود إنقاذ العالم من هزته الاقتصادية الأخيرة، وذلك من خلال توظيفهم لجزء من فوائض أموالهم المتراكمة الضخمة.

الجهود التي بذلها الأوروبيون مع بكين استباقا لقمة العشرين في واشنطون

هذه الجهود التي بدأها في الواقع الأوروبيين قبل انعقاد قمة العشرين في واشنطون في الخامس عشر من نوفمبر / تشرين الثاني الجاري ، وذلك حينما التأموا في قمة آسيا – أوروبا السابعة التي استضافتها بكين هذا العام وحضرها نحو أربعين ما بين رئيس دولة و رئيس حكومة. والمعروف أن هذه القمة التي انعقدت لأول مرة في عام 1996 هي من نوع القمم البروتوكولية أو الاستعراضية كقمم جي – 7 ، وجي – 8 ، وجي – 9 ، وجي 10 ، وآسيان ، وآسيان زائد 3 ، وايبيك ، وايبيك زائد آسيان ، والتي إن كانت لها فوائد فهي حتما لا تتعدى المباحثات الجانبية أو إشباع غرور بعض الزعماء على الظهور وسط زعماء قوى عالمية كبرى. غير أن انعقادها هذه المرة وسط ظروف انهيار أسواق المال العالمية جعلها محط الأنظار، على أمل أن ينجح الأوربيون في إقناع نظرائهم الصينيين في تقديم المساعدة من منطلق أن الكل يعيش اليوم في ظروف غير مسبوقة وبالتالي يستدعي هذا تعاونا وتنسيقا غير مسبوقين على مستوى العالم. و كما قال السيد خوزيه مانويل باروسو رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي، فان إشراك الصين في معالجة الأزمة المالية العالمية الراهنة ضروري لسبب بسيط هو أن اقتصاديات العالم صارت متشابكة اليوم كما لم تكن في أي وقت من الأوقات، وبالتالي " فإما أن نسبح سوية وإما أن نغرق معا ". وأضاف المسئول الأوروبي قائلا: " أن بكين يمكن أن تحصل من وراء مساعدتها المالية على دور أكبر في تقرير شئون العالم الاقتصادية إن أرادت، أو نيل قوة تصويتية اكبر في صندوق النقد الدولي، بدلا من القوة المتواضعة التي تتمتع بها حاليا والتي لا تتناسب مع وضعها كرابع اكبر اقتصاد وكأحد أكثر البلدان نموا في العالم".

منعطف حاسم في التاريخ الأمريكي قد يتكرر مستقبلا لصالح العرق الأصفر

وجملة القول، أن الصينيين المعروفين بنظرة عنصرية تجاه أي عرق غير عرقهم الأصفر، وجدوا في فوز اوباما الأسود منعطفا حاسما في التاريخ الأمريكي، قد يسمح يوما ما بوصول رئيس أمريكي اصفر إلى البيت الأبيض، خاصة وان الولايات المتحدة تحتضن ثاني اكبر جالية صينية في العالم خارج الصين. ومن هنا لم يلتفتوا كثيرا إلى ما قد يحدثه اوباما - الرجل قليل الخبرة والتجربة والحنكة - من تغييرات في السياسات الأمريكية تجاه بلادهم، من تلك التي قد تؤثر على أوضاعهم الداخلية ومستويات معيشتهم. أما على الصعيد الرسمي، فان النظام الشيوعي الحاكم في بكين والذي كثيرا ما رفع ملف سؤ أوضاع الأمريكيين من اصل إفريقي ضد واشنطون كلما رفعت الأخيرة ملف سؤ أوضاع حقوق الإنسان والأقليات في الصين، وجد نفسه مع فوز اوباما في مأزق. إذ لم يعد اليوم باستطاعته رفع الملف المذكور لأنه دفن مع قدرة اوباما على شق طريقه نحو البيت الأبيض في انتخابات جماهيرية حرة، بل اتاح الحدث اليوم للأمريكيين أن يتساءلوا إن كان بامكان بكين أن تضمن وصول مواطن صيني من التيبت أو هونغ كونغ أو تركستان الشرقية إلى مناصب رئاسة الدولة أو قيادة الحزب الحاكم أو مؤسسة الجيش.

د. عبدالله المدني
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
تاريخ المادة: 23 نوفمبر 2008
البريد الالكتروني: elmadani@batelco.com.bh


ليست هناك تعليقات: