الخميس، نوفمبر 20، 2008

عنوان المرحلة القادمة: تأزّم اقتصادي وتسويات سياسية

صبحي غندور

أسابيع قليلة تفصلنا عن موعد رحيل إدارة بوش، بعدما أثقلت هذه الإدارة أكتاف الأميركيين والعالم بهموم وأزمات وحروب سيكون من الصعب في وقت قريب الخروج منها كلّها.

وإذا كان من الممكن تلخيص حصاد إدارة بوش بنشر هواجس "الخوف" الأمني وبتحقيق مقوّمات "الجوع" الاقتصادي، فإنّ إزالة آثار سياسة هذه الإدارة لن يكون بالأمر السهل عملياً أو السريع زمنياً مهما خلُصت نيّات الإدارة الجديدة القادمة التي يعمل الرئيس الأميركي المنتخَب باراك أوباما الآن على تشكيلها.

الجانب الإيجابي المهم، في هذه الفترة الانتقالية بين الإدارتين، هو اضطرار إدارة بوش إلى الامتناع عن القيام بأيّة مغامرات عسكرية جديدة كان العالم يتخوّف من حدوثها قبل الانتخابات الأميركية. والحال نفسه ينطبق على إسرائيل التي تعاني هي أيضاً الآن من أزمة سياسية داخلية ومن محدودية خياراتها العسكرية في هذه الفترة.

إذن، هناك تجميد للأزمات التي افتعلتها أو ساهمت بإشعالها إدارة بوش، لكن تسوية هذه الأزمات سيتطلّب من إدارة أوباما التعامل معها بمفهوم "السلّة" أو "الأوعية المتّصلة" حيث الترابط حاصل بين القضايا والأطراف المعنيّة بها.

وإذا كانت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في الولايات المتحدة هي حتماً الأهم في أولويّات إدارة أوباما، فإنّ معالجة المشكلة الاقتصادية سيحتاج إلى زمن طويل وإلى إجراءات وقوانين عديدة ستأخذ مداها لكي تثمر تحسّناً في السوق الأميركي. وهناك توقّعات من خبراء اقتصاديين أميركيين أنّ الانحدار الاقتصادي سيزداد تأزّماً قبل أن تظهر تباشير التحسّن المنشود.

لذلك أعتقد أنّ إدارة أوباما ستحاول التعويض عن العجز، الذي سيظهر في عدم القدرة على إحداث تغيير جذري بالاقتصاد الأميركي، باللجوء إلى معالجة أزمات السياسة الخارجية والقضايا الدولية الشائكة المعنيّة بها الآن واشنطن.

ولدى إدارة أوباما الأسباب الكافية لتأكيد أولويّة الاهتمام أيضاً بقضايا السياسة الخارجية. فالتورّط الأميركي العسكري في العراق وأفغانستان استنزف ويستنزف الميزانية الأميركية إضافةً إلى الخسائر البشرية والسياسية الناتجة عن هذا التورّط.

طبعاً سيحرص الرئيس الأميركي الجديد على بدء عهده بإغلاق معتقل غوانتامو الذي أساء لسمعة أميركا في العالم حتى في داخل الدول الحليفة لها. أيضاً، ستكون الاتفاقية الأمنية مع الحكومة العراقية بشأن جدولة انسحاب القوات الأميركية عنصراً مساعداً لإدارة أوباما لكي تبني عليه في تنفيذ الوعد بالخروج من العراق. لكن الأسئلة الذي ستفرض نفسها على الإدارة الجديدة هي: ماذا بعد الانسحاب من العراق؟ وما هي ضمانات الأوضاع السياسية والأمنية فيه؟ وكيف ستطمئنّ واشنطن إلى عدم توظيف خصومها الإقليميين هناك لمرحلة ما بعد الانسحاب؟

هذه التساؤلات ستدفع حتماً إدارة أوباما إلى ضرورة البدء بالمحادثات المباشرة مع إيران وسوريا حول العلاقات الثنائية مع كلٍّ منهما إضافة إلى شبكة مترابطة من الأزمات الأخرى. فطهران معنيّة أيضاً بمستقبل الأوضاع في أفغانستان وفي تحالفاتها مع أطراف عربية مقاومة لإسرائيل، إضافةً إلى مستقبل الأمن في عموم منطقة الخليج العربي.

كذلك هو موقع سوريا الجغرافي والسياسي ودورها في أي تسويات تخصّ العراق أو لبنان أو المسألة الفلسطينية. ودمشق أيضاً هي طرف مباشر في مصير الصراع العربي/الإسرائيلي وفي المفاوضات بشأن الجولان المحتل.

ولن تنطلق إدارة أوباما في تعاملها مع أزمات الشرق الأوسط من فراغ سياسي. فما نصّ عليه تقرير لجنة بيكر/هاملتون سيكون الأرضية المناسبة للتحرّك الأميركي الجديد؛ إن كان ذلك بشأن المحادثات مع طهران ودمشق، أو الشروع بالدعوة إلى مؤتمر دولي يرعى تسويات شاملة للصراع العربي/الإسرائيلي على الجبهات السورية واللبنانية والفلسطينية، بحضور سائر الدول العربية وبما ينسجم مع المبادرة العربية التي تبنّتها في العام 2002 قمّة بيروت.

وهناك جملة مؤشّرات تدلّ على هذا التوجّه الذي سيحكم مصير التسويات مع إسرائيل، إذ ليس في الأفق من إمكانية الآن للاتفاق مع الطرف الفلسطيني بشأن القضايا النهائية المرتبطة بحدود الدولة الفلسطينية وبالقدس وبمصير اللاجئين والمستوطنات. وقد تجمدّت أيضاً المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وسوريا بانتظار حلّ أزمة الحكومة الإسرائيلية، في الوقت الذي انتعش فيه من جديد الحديث عن المبادرة العربية الشاملة لكل جوانب الصراع مع إسرائيل، وظهور مواقف إسرائيلية مؤيّدة لمفاوضات متزامنة حول كل المسارات، وهو ما يصبّ في فكرة المؤتمر الدولي ومضمون المبادرة العربية للتسوية الشاملة.

فالتطبيع العربي الشامل والكامل مع إسرائيل مشروط حسب المبادرة العربية بإستعادة الأراضي المحتلة عام 1967 وبقيام الدولة الفلسطينية، لذلك تصبح التسوية على الجبهة السورية/الإسرائيلية، وما سيرافقها على الجبهة اللبنانية من إتفاقات، تعني شمولية التسويات لكل الدول المحيطة بإسرائيل، وستؤدّي إلى إضعاف النهج المعارض لقيادة السلطة الفلسطينية، والذي يجد متنفّساً له في الساحتين السورية واللبنانية. وسيكون من السهل أميركياً ودولياً بعد ذلك التعامل مع القضايا الكبرى في الملف الفلسطيني والتي تعيق إعلان الدولة الفلسطينية.

إذن، أمام المنطقة العربية وأمام العالم استحقاقات عديدة قادمة في ربيع العام 2009، لكنّها استحقاقات مبنيّة على ما هو قائم على أرض الواقع من قوًى ومصالح وصراعات.

ولن يكون التحرّك الأميركي الجديد منطلقاً من مصالح أي دولة أخرى غير المصلحة الأميركية وما فيها من تشابك مع مصالح الدولة الإسرائيلية.

فإذا جاءت مواعيد استحقاقات الانسحاب التدريجي الأميركي من العراق والمفاوضات مع إيران وإعلان صيغة المؤتمر الدولي، وأمور العرب على ما هي الآن عليه، فإنّ ذلك ليس بمؤشّر خير للمنطقة وقضاياها. فالصراعات ما زالت على حدّتها في كلٍّ من داخل فلسطين والعراق ولبنان، كما هي الخلافات الحاصلة ما بين محور دمشق- الرياض- القاهرة.

ولهذه الصراعات والخلافات آثار سلبية كبيرة على الحاضر العربي عموماً وعلى أزمات المنطقة، وستكون بمجملها موضع توظيف واستغلال في مشاريع الحلول والتسويات القادمة.

إنّ الجسم العربي تنخره الصراعات على المستويين الوطني والقومي ولا يصحّ فيه اتّباع سياسة "حسيبك للزمن" لأنّ مراهنات خصوم الأمّة هي على الزمن نفسه، تماماً كما تفعل إسرائيل في مسألتي القدس والمستوطنات وكما هي سياستها في التشجيع على الصراعات الأهلية العربية.

إنّ مستقبل العالم، بالمنظور القريب، فيه مزيج من الهمّ الاقتصادي المتزايد ومن الأمل بتسويات سياسية لقضايا ساخنة في أكثر من مكان. أمّا بالنسبة للعرب، فإنّ همومهم الاقتصادية والاجتماعية تغلّفها أيضاً إحباطات سياسية مسؤول عنها من هم في مواقع المسؤولية!

ليست هناك تعليقات: