الثلاثاء، نوفمبر 18، 2008

غزة الشهداء بالجملة ولا محروقات ولا كهرباء ولا ماء ولا طحين

محمد داود

أكثر من خمسة عشر شهيداً في غضون أسبوع على الأقل، وما يزيد عن خمسة وأربعون شهيداً منذ إبرام اتفاق صفقة التهدئة بين بعض الفصائل الفلسطينية وإسرائيل برعاية مصرية قبل خمسة أشهر تقريباً، بينما حال المعابر التي تزود قطاع غزة بالاحتياجات والبضائع لا سيما المحروقات لا تزال على حالها "مغلقة" وإن سمحت بدخول السلع فإنها تبقي منوطة بالطلب الإسرائيلي وعلى رأسها معبر رفح، مما يدلل أن المعاناة الفلسطينية تتفاقم ، بعد أن استبشرنا خيراً قبل أسبوع بضرورة الاستجابة للمطالب المصرية والجلوس لمائدة الحوار؛ لإنهاء الانقسام الفلسطيني.

إن التصعيد الإسرائيلي ومنع تزويد القطاع بالبضائع والمحروقات يدلل أن إسرائيل غير معنية باستمرار التهدئة منذ اللحظة التي وافقت على القبول بها، فهي لم تكن مبرمة على ورق حتى تنقضها ، كما أنها لم تنتهي مدتها "ستة أشهر"، بل إن قادة إسرائيل تبادلوا النقد والاتهام منذ أن التزموا بها، فغاية إسرائيل منها كما ذكرنا في مقالات سابقة أنها تهدف في المقام الأول تخليص الجندي شاليط من الأسر بإمكانات دبلوماسياً محدودة لتحقيق مكاسب سياسية داخلياً وخارجياً، وتأمين وتحصين البلدات الإسرائيلية التي تطولها الصواريخ، وفي نفس الوقت ترتيب البيت الإسرائيلي المتصدع، وتبقى الغاية الكبرى وهي تعميق الانقسام الفلسطيني وخلط الأوراق الفلسطينية والعبث في الساحة الفلسطينية قدر المستطاع والمليئة بالتناقضات الداخلية ؛ لا سيما اتجاه مفهوم المقاومة وإطلاق الصواريخ والعملية السياسية...، لقد كانت المصلحة إسرائيلية بحته .

فلسطينياً لا يزال سقوط الشهداء والاغتيالات ومصادرة الأراضي بالجملة؛ بينما الرد الفلسطيني يقوم على التصريحات المنددة بالطرف المخترق للتهدئة "إسرائيل" وإن تصاعدت وتيرة الاحتجاج فإنها لا تخرج عن التنديد : "بأننا ملتزمون بالتهدئة وندعو إسرائيل إلى الالتزام بها وإلآ ؟!"........بينما الحصار المشدد أخذ مناحي جديدة من التصعيد وأصبح حديث العامة عن المقدرة والطلب على توفير أسطوانة الغاز أو الحصول على بعض الشموع، أو الطحين والخبز، بينما آخرون انشغلوا في توفير الماء بعد أن فرغت براميلهم المنزلية من مخزونها المائي ..وهكذا حدث بلا حرج عن أداء المؤسسات الخدماتية والصحية والمرضى ومواد التصنيع والخام والمصانع لاسيما الحاجة أكثر في فصل الشتاء. وبين هذه وتلك فقد لجأ أصحاب المركبات من جديد إلى استخدام "الزيوت أو السيرج"، ومواطنين أخذوا يجمعون بقايا الخشب و الورق كبديل عن غاز الطهي، بينما المحلات التجارية والمطابخ أغلقت أبوابها وإن حدثك البعض عن دور الأنفاق فإنها لا تسد رمق السوق المتعطش للبضائع البسيطة التي يفتقر السوق إليها منذ عامين على الأقل بالتالي تبقى محدودة الاستيراد في طبيعتها ونوعها في لحظة اشتد الخناق عليها، لا سيما بعد تزايد سقوط الضحايا داخل تلك الأنفاق.

حالة مأسوية وإنسانية يمر بها المواطنين في قطاع غزة، أصبحت بالنسبة لإسرائيل قمة السخرية والاستهتار، فطائراتها تقصف وتخترق جدار الصوت بين الفينة والأخرى لإرهاب المواطنين، اجتياحات متكررة إغلاق للمعابر وخروقات يومية، وبين هذا كله أخذ السجال السياسي مناحي جديدة ووتيرة متصاعدة بدلاً من الاستجابة للمطالب المصرية الداعية للجلوس إلى مائدة الحوار قبل أسبوع لإنهاء الانقسام الفلسطيني ووضع نهاية للحالة المأساوية لسكان القطاع، وهو الذي شجع إسرائيل على التصعيد العسكري اتجاه قطاع غزة بعد مقاطعة بعض الفصائل لجلسات الحوار، في لحظة ينشغل العالم بالانتخابات الأمريكية والفراغ السياسي في إسرائيل والتحضير لانتخابات جديدة والأزمة المالية الكبرى التي تعصف بدول العالم، لاسيما دول الخليج المصدرة للبترول.

تصريحات إعلامية فلسطينية بلغت ذروتها تقضي على أي جهود للمصالحة الوطنية واستعادة اللحمة الفلسطينية، تصاعدت في خط متوازي أطلاقها الساسة الفلسطينيون اتجاه بعضهم وإلى الطرف الراعي للقضية الفلسطينية ولجهود الحوار "مصر الشقيقة" وهي سابقة خطيرة في العلاقات الفلسطينية الداخلية والخارجية يجب وقفها فوراً، والسعي فوراً لترتيب لقاء ثنائي يجمع الفصائل الفلسطينية ووقف التحريض الإعلامي لإنهاء الانقسام قبل الحديث عن أي تجديد للتهدئة مع الطرف الإسرائيلي.

كاتب وباحث

ليست هناك تعليقات: