الاثنين، نوفمبر 03، 2008

انها سياسة اميركية مقرة على مستوى الرئاسة

نقولا ناصر

(حان الوقت لكي تكسر الجريمة الاميركية في السكرية السورية ومثيلتها في وزيرستان الباكستانية الصمت العربي على جرائم الحرب الاميركية المماثلة ضد المدنيين العراقيين والافغان وحان الوقت لكي يتوقف "الانحناء العربي امام عاصفة" الاحتلال الاميركي وتتوقف سياسة الاسترضاء العربي لواشنطن في العراق)

ان الجريمة الاميركية التي راح ضحيتها ثمانية شهداء مدنيين سوريين عزل من اي سلاح (مزارع وصياد سمك وثلاثة اطفال والبقية عمال) خلال ربع ساعة حوالي الساعة الخامسة الا الربع من عصر السادس والعشرين من الشهر الماضي لم تكن مغامرة اميركية جديدة معزولة اقدم عليها قائد ميداني اخرق بل كانت عدوانا مبيتا ومخططا له نفذ في وضح النهار في انتهاك فاضح لسيادة القاعدة العراقية الفاقدة للسيادة التي انطلقت منها الحوامات الحربية الاميركية التي هاجمت قرية السكرية قبل ان تكون انتهاكا صارخا للسيادة السورية وكانت هذه جريمة حرب تندرج في اطار ارهاب الدولة الذي تمارسه الولايات المتحدة الاميركية ليل نهار في العراق وافغانستان ضمن سياسة رسمية اقرت في سياق "الحرب العالمية على الارهاب" على مستوى الرئاسة في البيت الابيض وتركت القرارات الخاصة بمفردات عملياتها لهيئة الاركان المشتركة والقيادة المركزية (سينتكوم) وللقيادات الميدانية لقوات الاحتلال الاميركي في العراق .

واذا كانت جريمة قتل المدنيين هذه تعتبر "عدوانا ارهابيا حسب القانون الدولي" ، كما قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم ، هي سابقة اميركية في سوريا فان مثيلاتها المتواصلة داخل باكستان ، والتي تجاوز عددها العشرين خلال الاشهر القليلة الماضية ، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بانها جزء من سياسة رسمية اميركية ، وقد قطعت وزارة الخارجية الباكستانية الشك باليقين عندما استدعت السفير الاميركي آن دبليو. باترسون يوم الاربعاء الماضي لتحتج "بقوة" ضد استمرار الانتهاكات الحربية الاميركية "لسيادة باكستان" وتطالب "بوقفها فورا" .

لكن سيادة باكستان مثلها مثل السيادة العراقية والسورية هي اخر ما تفكر فيه الادارة الاميركية التي اقرت مثل تلك السياسة والتي لم تردع واضعيها القوافل الجرارة من المدنيين الذين يسقطون جراءها ، لذلك فان السابقة الاميركية في الجزيرة السورية كانت الاولى لكنها بالتاكيد لن تكون الاخيرة ، وهي ان كانت لها سوابق اميركية في باكستان فان من المؤكد ان تكون لها لواحق في البلدان المجاورة الاخرى للعراق وافغانستان ، وربما حتى في البلدان غير المجاورة ، فالتقارير الاعلامية الاميركية الوافرة التي لا يمكن تبرئتها من تسريبات وكالات المخابرات الاميركية المختلفة والتي تتحدث عن السعوديين واليمنيين والليبيين والمصريين وغيرهم من "الارهابيين المتسللين" الى العراق وافغانستان عبر حدود بلدانهم مباشرة او عبر حدود دول ثالثة مثل سوريا وايران تجعل هذه البلدان جميعها مرشحة لانتهاكات اميركية مماثلة لسياداتها ولن تجد هذه البلدان اي حصانة ضد انتهاكات كهذه في علاقاتها الاستراتيجية الوثيقة مع الولايات المتحدة ، كما يدل المثال الباكستاني ، ولا في انفتاحها على السلام مع الحليف الاستراتيجي الاسرائيلي لواشنطن ، كما يدل المثال السوري ، ولا في الاسوار الالكترونية او الاسمنتية او الترابية التي تقيمها على حدودها لمنع التسلل دخولا وخروجا عبرها ولاتقاء خطر ردود الفعل الحربية الاميركية فالساتر الترابي الذي بنته سوريا وتكثيف الدوريات العسكرية على امتداده لم يكف دمشق لاتقاء خطر رد الفعل الحربي الاميركي .

مؤخرا كتب الصحفي الاميركي ايلي ليك في "ذى نيو ريببليك" ، مستشهدا بثلاثة مصادر في الادارة الاميركية ، بان "ادارة (الرئيس جورج دبليو.) بوش اعطت القوات المسلحة في تموز / يوليو سلطة جديدة بضرب الملاذات الامنة للارهاب خارج العراق وافغانستان . وقبل ذلك كانت اي ضربة عسكرية في سوريا او باكستان تتطلب موافقة شخصية من الرئيس بوش . اما الان فان هذه الانواع من الضربات يمكن ان تقع حسب قرار القائد الجديد للقيادة المركزية الجنرال ديفيد بيترايوس" . ونسب ليك الى احد المصادر الاستخبارية تشبيهه الامر الذي اصدره بوش باضفاء الصفة الرسمية على "طريقة شيكاغو" حيث يدخل احد المتعاركين "بندقية الى عراك بالسكاكين" .

لقد حان الوقت لكي تكسر الجريمة الاميركية في السكرية ومثيلتها في وزيرستان الباكستانية يوم الخميس الماضي الصمت العربي المطبق على جرائم الحرب الاميركية المماثلة التي لم تتوقف لحظة منذ الاحتلال ضد المدنيين العراقيين والافغان دون ان يرتفع صوت عربي رسمي احتجاجا ، ولو على استحياء ، ليفكر حتى بان تبادر المجموعة العربية العتيدة في الامم المتحدة باقتراح ان يتدخل مجلس الامن الدولي او في الاقل ان تسجل الجمعية العامة احتجاجا على استهتار الاحتلال الاميركي بارواح المدنيين خصوصا وان هذا الاحتلال يتستر ب"شرعية الامم المتحدة" نفسها ليتواصل في البلدين ، وعلى الاخص في العراق ، حتى نهاية العام الحالي في الاقل ، قبل ان يمنحه من جاءوا به ومن جاء بهم الى العراق "شرعية عراقية" بديلة عبر توقيع ما يسمى تضليلا ب "الاتفاقية الامنية" وما هي سوى اتفاق لاستبدال الشرعية الاممية المفروضة اميركيا بشرعية عراقية ستكون بالتاكيد مفروضة اميركيا ايضا بدليل التهديدات التي اطلقها مؤخرا رئيس هيئة الاركان الاميركية الاميرال مايكل مولن ووزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس بوجوب توقيع هذه الاتفاقية قبل نهاية العام والا فان "اوخم العواقب" تنتظر حكومة نوري المالكي في المنطقة الخضراء ببغداد اقلها وقف الحماية التي توفرها قوات الاحتلال لهذه الحكومة ومسؤوليها ليقفوا وجها لوجه امام الرفض الشعبي العارم للاتفاقية وللاحتلال الذي سيطيل توقيعها عمره !

كما حان الوقت لكي يتوقف "الانحناء العربي امام عاصفة" الاحتلال الاميركي للعراق وافغانستان وتتوقف سياسة الاسترضاء العربي لواشنطن في العراق سواء بالصمت على جرائم حربها هناك ، ام باضفاء شرعية عربية على حكومة المنطقة الخضراء التي تستمد شرعيتها بل ووجودها ذاته من الاحتلال نفسه وكذلك على وجود قوات احتلالها في القطر الشقيق الذي سبق لخادم الحرمين الشريفين وصفه ب"اللاشرعي" اما عبر "التنسيق الامني" كما حدث في مؤتمر وزراء داخلية دول الجوار في الاردن الاسبوع قبل الماضي او عبر تبادل السفراء والقائمين بالاعمال ، خصوصا وان "الحرب الاقتصادية الخفية" الكامنة وراء الازمة المالية العالمية التي قال الملك عبد الله بن عبد العزيز مؤخرا انها تستهدف"زعزعة هذه النعمة" التي حبا الله بها العرب نفطا هي حرب قد بدات فعلا على العرب باحتلال العراق .

ان بيان الامانة العامة لجامعة الدول العربية الذي "ادان" جريمة الحرب الاميركية في الجزيرة السورية واعلن "التضامن" اللفظي مع سوريا واعتبر ان انتهاك سيادتها "لا يساعد على الاستقرار في المنطقة ويفتح الباب لتوترات جديدة ويدمر مصداقية التحرك نحو السلام والاستقرار في العراق وجواره" وطالب "باجراء التحقيق اللازم ... ومحاسبة الجهات المسؤولة" لا يزيد على كونه "رفع عتب" مخجل وبدا كانه مترجما عن احد البيانات التي اصدرتها دول محايدة لا بيان منظومة من المفترض انها راعية للامن القومي العربي والا ما معنى ، على سبيل المثال ، ان يتجاهل البيان كون العراق المحتل كان قاعدة الانطلاق للعدوان وان "يخجل" من تسمية الولايات المتحدة كمسؤولة عن العدوان وان يتجنب التطرق الى "الاتفاقية الامنية" الاميركية – العراقية المزمع توقيعها باعتبارها اطارا قانونيا لتحوبل العراق الى قاعدة لاعتداءات اميركية مماثلة ، في الاقل كمدخل يذكر الدول العربية بانه حان الوقت كذلك لكي يكون لها راي في هذه الاتفاقية وموقف منها بعد ان اظهر العدوان على سوريا بصورة دموية المخاطر الاقليمية المترتبة على توقيعها ، في الاقل حتى لا تظهر ايران غير العربية اكثر حرصا من العرب انفسهم على تجنيبهم مخاطرها بمعارضتها الواضحة والصريحة لها دون لف ولا دوران بغض النظر عن دوافعها واهدافها من هذه المعارضة !

وحتى لا تظلم الجامعة العربية لا بد من التذكير بان موقفها يعبر عن الموقف العربي العام لدولها الاعضاء وهو الموقف الذي يحاصر الرفض السوري للاحتلال الاميركي لعمقه العراقي الاستراتيجي الذي حاصر سوريا بين احتلالين في موقف لا يتمناه أي عربي لاي قطر عربي ، وهذا الرفض يتميز عن الرفض الليبي بانه الوحيد الذي له مصلحة حيوية ترتبط مباشرة بامنه الوطني في انهاء الاحتلال الاميركي للعراق اليوم قبل غدا ، لكن الحصار العربي له اضطره لمجاراة سياسة "الاسترضاء" العربية وهي مسايرة اثبتت جريمة حرب السكرية ان نتائجها عكسية تماما وانه حان الوقت لمراجعة سورية بل عربية شاملة لهذه السياسة التي ترفضها المقاومة العراقية وتحذر الدول العربية صراحة من التورط العربي فيها لكنها بالنسبة لسوريا "كالبالع سكين" كما اتضح ، مثلا ، من بيانين لقيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي و"امانة سر" القيادة العامة للقوات المسلحة" العراقية في التاسع والعشرين من الشهر الماضي اقتصرا في تعزيتهما في شهداء السكرية على "الشعب السوري الشقيق" دون القيادة السورية في رسالة عتب غنية عن البيان .

واذا كان البيان الاول قد ذكر بتحذيرات الحزب المبكرة من ان الغزو الاميركي "لا يستهدف العراق وحده وانما يستهدف أقطار الامة العربية كلها وفي المقدمة منها سوريا" ، وقال البيان الثاني ان قوات الاحتلال الاميركي بهذا العدوان على سوريا انما "تمارس اول اهداف" الاتفاقية الامنية التي تريد جعل العراق "قاعدة انطلاق للعدوان على الاقطار العربية" ، .. اذا كانت التحذيرات الواردة في هذين البيانين لا تحظى باهتمام رسمي عربي كاف لاسباب واضحة ، واذا كان رد الفعل الايراني المحذر ايضا يثير الشكوك عربيا بسبب علاقة التضامن المميزة بين ايران وبين سوريا في مواجهة التهديدات الاميركية للبلدين ، فان ردود الفعل التركية على العدوان الاميركي على سوريا جديرة بالمتابعة وربما تعطي للتحذيرات "البعثية" العراقية الاهتمام العربي الذي تستحقه .

وردود الفعل التركية لا توضح فقط ان العراق يتحول الى قاعدة اميركية للعدوان على جيرانه بل توضح ايضا ان كردستان العراق تتحول الى قاعدة اميركية لتابيد الاحتلال الاميركي للعراق نفسه بقدر ما يساعدها هذا الاحتلال في التحول الى قاعدة كردية – اميركية – اسرائيلية تهدد جيرانها السوريين والاتراك والايرانيين .

ففي الثلاثين من الشهر الماضي على سبيل المثال كتب سيدات لاسينر وسيرين ميوتوس مقالا نشرته "ذى جورنال اوف تيركيش ويكلي" جاء فيه ان حزب العمال الكردستاني بدا يستخدم ارض العراق "قاعدة لمهاجمة تركيا" وقد وصل عدد "الارهابيين المسلحين الى ستة الاف في العراق ، تحت سيطرة الولايات المتحدة ، ويعبر حزب العمال الكرستاني الحدود العراقية ويستهدف المدنيين في تركيا ... ولم تفعل الولايات المتحدة الا القليل جدا لمحاربة ارهابيي هذا الحزب بالرغم من ان حزب العمال الكردستاني مدرج على لائحة الارهاب الاميركية باعتباره جماعة ارهابية ، ولم تقتل الولايات المتحدة او تجرح او تاسر ارهابيا واحدا من هذا الحزب في العراق حيث يوجد لها اكثر من (150) الف جندي ... ويمكننا بسهولة ان نستخلص من هذه الحقائق ان الغارة التي شنتها الولايات المتحدة داخل الاراضي السورية متذرعة بالارهاب كحجة تتناقض مع السياسات الاميركية نفسها تجاه البلدان الاخرى" ليس لان هذه الغارة "تنتهك مبدأ اساسيا من مبادئ القانون الدولي بل لانها ايضا ارتكبت جرائم حرب باغتيالها للمدنيين" .

ان الحوامات الحربية الاميركية التي هاجمت السكرية قرب البوكمال ، لتحول طعم حياة اهلها الامنين الى علقم ، لم تنتهك السيادة السورية فقط بل انتهكت انتهاكا فاضحا ميثاق الامم المتحدة والقانونين الدولي والانساني وقدمت الدليل الدامغ على ان القلعة – السفارة الاميركية الاكبر في العالم التي تبنيها قوات الاحتلال في المنطقة الخضراء ببغداد لن تكون الا الدماغ المخطط لتحويل العراق الى قاعدة اقليمية للعدوان على المنطقة تهديدا وتجسسا وتخريبا وانتهاكات عسكرية لتسقط واشنطن بنفسها جملة من ادعاءاتها الاعلامية ليس اولها الادعاء بان غزوها للعراق سيضع نهاية لاعتداء العراق على جيرانه وليس اخرها ادعاء ان اتفاقية تنظيم وجود قوات الاحتلال الاميركي في العراق ، المسماة تضليلا ب"الاتفاقية الامنية" ، تضمن عدم تحويل العراق الى قاعدة اميركية للعدوان على هؤلاء الجيران .

والولايات المتحدة بعدوانها على سوريا انتهكت المادة الثانية من ميثاق الامم المتحدة التي تنص على تحريم استخدام القوة او التهديد باستخدامها ضد سيادة الدول الاعضاء الا بموافقة الدولة المعنية ، وقد نص الميثاق في مواده (39 – 51) على استثنائين رئيسيين لهذا التحريم ليس منهما ما يجيز جريمة الحرب الاميركية في السكرية ، اولهما ينيط بمجلس الامن الدولي مهمة تقدير الاسباب الموجبة لهكذا استثناء وثانيهما في حال "الدفاع عن النفس" وقد نظمت المادة (51) هذه الحالة ، وفي حالتنا هذه يكون لسوريا لا الولايات المتحدة الحق في الدفاع عن النفس بموجب ميثاق الامم المتحدة .

*كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com*



ليست هناك تعليقات: