الأحد، فبراير 28، 2010

هوية الشخص وثقافة الآخر

زهير الخويلدي

" لو غابت صورة "الشرق" المسبقة لجاء من الباحثين والنقاد والمفكرين والبشر من لا يولون لضروب التمييز العنصري والعرقي والقومي الأهمية التي يولونها للجهد المشترك في سبيل تعزيز التواصل والترابط البشري"1.

توطئة:

لقد فرض مشكل الهوية نفسه في السنوات الأخيرة على الجميع وبقوة وأصبح يتدخل حتى في الطرق البسيطة للناس في التفكير والفعل والشعور. وازداد الأمر حدة بعد تفجر العولمة واحتدام الحروب بين الأديان والصراع بين الثقافات. وقد تنزل على المقياس الاجتماعي في صورة الهوية الثقافية وعلى الصعيد الفردي في شكل الهوية الشخصية. ومن هذا المنظور أصبح لفظ الهوية مصطلحا باهتا ومفخخا ويتطلب اتخاذ مسافة نقدية معه. إذ يقود التناول الثقافي إلى اعتبار الهوية اعتبارا ماهويا ويسبب مواجهات ونزاعات تبدو البشرية في غنى عنها من أجل تجاوز حالة العنف وتوطيد أركان السلم. كما يسند التناول الفردي فكرة الجوهر إلى موجود شخصي حيث ينظر إلى الأنا على أنه اسطوانة تدور حولها كل معطيات الوجود الذاتي في حركة دائمة. في هذا الإطار تعالت الأصوات من أجل الشروع الجدي في تحقيق الذات واكتشاف الوجود الشخصي الباطني أو الأصيل وقد رسم التصور البنائي بشكل جدي الرهانات ووضع الحدود بالنسبة لقضية الهوية سواء الجماعية أو الفردية .

إن التفكير النظري يلعب هنا دورا أساسيا من أجل التحرر من التصورات المشتركة والأحكام االمسبقة الجوهرانية والقطع مع أسطورة الحميمي والكيفيات الخاصة التي غذت صدام الثقافات ووقفت وراء تصنيفات محور الشر ومحور الخير. إن الاستغراق في التفكير في شرطنا الانساني واتخاذ الوقت الكافي لذلك يكشف عن زيف الحركة العائدة إلى الأصل الأول ووهم القول بوجود كائنات منعزلة وأشياء خالصة وأعراق نقية. يزداد الرهان قيمة عندما يكون رفض الآخر هو الشرط الذي ينبغي توفيره من أجل إثبات الهوية والمحافظة على تماسك الثقافة الخصوصية وصيانتها من كل اختراق أو تهديد خارجي. لكن المفارقة التي ينبغي الإشارة إليها هي أن الآخر في زمن الأنترنت والعولمة وبعدما وقع اعتباره يشكل تهديدا افتراضيا ظل دائما غير مفهوم ووقع رسمه في شكل كاريكاتوري من أجل المسارعة بتحديد هويته.

إن حصول الأنا على كم هائل من المعلومات هو أمر ضروري من أجل فهم الغيرية الثقافية والاجتماعية للآخر. وان إثبات الهوية ليس بالأمر الهين بل مسألة دقيقة ومطلب شائك لاسيما وأن الهوية ليست لأمرا قابلا للتحديدات بشكل نهائي بل تظل محل بناء سواء على المستوى الجماعي أو الفردي. وربما الرهان النظري يتمثل في معرفة الآليات والخلفيات المنطقية التي تسمح ببناء الهويات الثقافية والشخصية. إن قضية الهوية تثار داخل الفلسفة وعلم الاجتماع والعلوم السياسية والأنثربولوجيا وعلم النفس التحليلي وتجرى النقاشات الحادة بين المختصين ولكن هدف الجميع هو وضع حد التمثلات التي تسلم بوجود طبيعة هوياتية وهوية واحدة لحياة الأشخاص والمجموعات. فهل الإصرار على امتلاك هوية شخصية بالنسبة للأفراد والاعتراف بواقع تعدد الثقافات بالنسبة للجماعات يمثلان عائقا يحول دون بناء الحضارة الكونية؟

ماهي المسلمات والفرضيات الضمنية التي ترتكز عليها الخطابات والقرارات بشأن قضية الهوية؟ ما الفرق بين الثقافات القومية والحضارة الكونية؟ ألا توجد مفارقة في حرص البعض على الأصالة والمحافظة على الخصوصية والبحث عن طرق التحديث ومواكبة العصرنة وتبني وجهة نظر العقلانية العلمية والتقنية؟ ألا يجب التخلي عن الماضي الثقافي القديم من أجل القيام بالتحديث؟ أم أن الأمر يتعلق بايقاظ ثقافة قديمة نائمة من أجل المساهمة في صناعة الكونية؟ ماذا يحدث عندما تلتقي ثقافات متنوعة ومختلفة؟ هل يؤدي ذلك إلى صراع الهويات وتصادم الخصوصيات والتقاتل بين الجميع أم أن اللقاء يكون تفاعليا توليديا؟ لكن كيف يكون التقاء ثقافات متنوعة ممكنا؟ وما مصير قيم بعض الهويات عندما تصطدم بقيم ثقافات أخرى غازية ومتطورة؟ هل تموت بعض الخصوصيات من جراء العولمة أم أن عدة ثقافات تحافظ على نواتها الخلاقة؟ فما الذي يمثل الجوهر الإبداعي في أية ثقافة؟ وضمن أية شروط يمكن لهذه الإبداعية أن تستمر؟ وهل انفتاحها على الآخر يهددها أم يثريها؟ وهل من حل بالنسبة للهويات لمشكلات التواجد مع الآخر في العولمي؟ وماذا يعني أن تكون لك هوية عالمية وأن تفكر وتتصرف كمواطن عالمي أي باعتبارك كسموبوليتيا؟

ما نراهن عليه هو تفادي المقاربة الانعزالية الانفرادية للهوية التي ترى الكائنات البشرية أعضاء في جماعة واحدة وتقوم بتمييزهم على أساس لغوي أو ديني أو عرقي وثقافي، والتوجه نحو بناء فهم أوضح لتعددية الهوية الإنسانية من أجل أن يسود الانسجام والوئام والتفاعل بين مختلف الخصوصيات.

الهوية الشخصية:
" هنا مفهوم الشخص بوصفه غاية في حد ذاتها يأتي ليقيم التوازن مع مفهوم الإنسانية لأنه يدخل في صياغة الأمر المطلق نفسه التمييز بين شخصك وشخص كل بشري آخر. مع الشخص فقط تأتي التعددية"2.

لا تقتصر الهوية على ما يدركه الإنسان من ذاته بل تفيد بقاء الشخص هو عينه على الرغم من تغير الأحداث التي تطرأ عليه بناء على شعوره وتذكره للماضي ، إن الإنسان يملك هوية خاصة به على امتداد حياته حتى في ظل مروره بمراحل متعددة وخوضه لتجارب مختلفة. وتتمثل الهوية الشخصية للإنسان في وعيه بذاته وعند لوك في "اعتبار نفسه بمثابة الهوهو بوصفه شيئا واحدا في أزمنة وأماكن مختلفة وما يفعله بدافع الإحساس فقط بأفعاله الخاصة لا ينفصل عن الفكر بل يبدو ملازما له تماما."3

إن المقصود هو أن الهوية ليست جوهرانية ماهوية كما هو الأمر عند أرسطو ولا تقوم على تعالي الأنا أفكر عن العالم وعن الجسم المادي كما هو الشأن عند ديكارت بل متعينة في المادة وتقوم على تمايز الأفراد عن بعضهم البعض وتلازم بين الإحساس والفكر، ويضيف في السياق نفسه:"بما أن الإحساس يصحب دائما الفكر وأن كل امرئ يكون هاهنا هو عينه ما يسميه الذات عينها كما أنه يتميز عن أي شيء آخر يفكر فمن هذا الناحية فقط تكون الهوية الشخصية."4

يترتب عن هذا أن الإنسان يتميز عن الشخص، فالإنسان يمثل عضوية لا تختلف هويته عن هوية أي إنسان آخر، بينما الشخص هو محمول على ماهو مادي ونفسي معا بما يمكنه من أن يعتبر نفسه هو هو. هنا يرفض لوك التصور الميتافيزيقي الذي يختزل الهوية الشخصية في النفس ويعتبرها جوهرا لاماديا ويرفض كذلك التصور الفيزيولوجي الذي يماثل بين الأنا والعضوية. من أجل توضيح فكرته يفترض لوك أمير تنقل ذاكرته وتزرع في جسد اسكافي مما يثير الإشكال التالي: هل نكون أمام أمير يجد نفسه سجين جسد اسكافي أم نحن أمام اسكافي يعتبر نفسه أميرا؟

لقد كان الجواب على النحو التالي: إن الموجود المتشكل من جسد الاسكافي وذاكرة الأمير هو في نفس الوقت الإنسان عينه الذي يمثله الأمير والاسكافي لكونهما يمتلكان نفس الجسد ومادمت الذاكرة مستمرة الحضور بينهما. إن التذكر هو أساس استمرارية شعور الأنا باستمراريته لأنه يستلزم بقاء الأنا المتذكر هو عينه. نستخلص من ذلك أن الهوية الشخصية تحيل على ما تختص به الذات من تفرد ووحدة وتشمل الوعي بالذات وتمثل الفرد لها وبالتالي تعني حقيقة الشيء أو ما يكون به الشيء نفسه ، فهي حقيقة الشخص المشتملة على صفاته الجوهرية العينية وتشير إلى الخصوصية والوجود الفردي الذي لا يقع فيه اشتراك. ما يجدر ملاحظته هنا هو "أن نفهم الوجود الخاص هو أن نتموقع سلفا في ما وراء الخاص- وأن نرتبط بماهو خاص هو أن نعرف دوما بواسطة ماهو كوني".5

هكذا تقترب الهوية الشخصية من الهوية الذاتية والعينية وترتبط بالوحدة والتماثل والتطابق والمساواة وقد عبر معجم روبارت عن ذلك بتأكيده على أن الهوية تدل على الميزة الثابتة في الذات وركز على ماهو متماثل سواء تعلق الأمر باستمرارية الفرد مع نفسه أو مع الأشياء الخارجية.

إذا أردنا التوضيح أكثر فإننا نسمى هوية كل ما يتعلق بالتصورات الماهوية سواء تعلق الأمر بالمقاربات الذاتوية التي تفهم الهوية على أنها أنا ماهوي موحد وباطني أو بالمقاربات الموضوعية التي تفهم الهوية على أنها ماهية جماعية أو ثقافية مطروحة على الأفراد.

ينبغي أن نتخلى عن ايديولوجيا التمركز على الذات ونعترف بوهمية الأنا المحض أو المجرد ونشرع في مواكبة التطورات الفكرية التي قادت إلى تفادي التعامل مع الهوية الشخصية على أنها جوهر موحد منفصل عن العالم. إن الخطأ الذي وقعت فيه التصورات الفلسفية الحديثة هو أنها فصلت الفرد عن العالم المادي والاجتماعي واعتقدت في وجود نواة ثابتة وأولية وجوهرانية تحدد طبيعة الكائن البشري. في هذا الإطار ظهرت أفكار داخل الفلسفة وعلم النفس التحليلي وعلم الاجتماع تحاول تفنيد الذاتوية الفلسفية وترفض تعالي الأنا المطروح بكونه مقولة متعالية وتتحرك ضمن باراديغمتين أساسيتين:

الباراديغم الأول ناضل ضد التصورات التي تنظر إلى الهوية الشخصية على أنها جوهر باطني ويمثله كل من ماركس ودوركايهم ويفكر في الهوية ليس باعتبارها حائزة على طبيعة باطنية وأصلية لكائن بل على العكس من ذلك بوصفها حصيلة اندراج هذا الكائن البشري ضمن مجتمع معين وتمثل بطريقة ذاتية أساليبه في الشعور والفعل والتفكير.
الباراديغم الثاني يتجه نحو توخي مسارات بنائية للهوية من خلال منظورية تفاعلية وبعيدة كل البعد عن الماهوية ولكنه لا يغالي في طلب اندماج الكائن البشري بالحياة الاجتماعية بل يتخذ مسافة منها ويضعها موضع حوار وجدل ويكتفي بإعادة وضع الإنسان في العالم وإعادة نمذجة البعد الاجتماعي. هنا يظهر الكائن البشري بوصفه فاعلا قادرا على تشييد فضاء بينه وبين السندات الهوياتية التي يعتمد عليها من أجل إبداع هويته.
إن الهوية المتناولة في معناها الفردية تبدو اليوم مجرد مقولة فضفاضة لأنها متمفصلة بالنسبة إلى المعرفة العالمة والفكر اليومي إلى ثلاثة أفكار قوية هي: الوحدة والجوهر والباطنية. إن جهدنا سينصب على إظهار أن هذه الأفكار الثلاثة ليست معطيات طبيعية لوجودنا بل قوتها مستمدة من تخمين بعض النظريات ومن تمثلات فلسفية قديمة. إن المنظورات الماهوية بعيدة كل البعد عن الحقيقة وغير قادرة على الصمود أمام التطورات الملاحظة في مجال العلوم الاجتماعية خاصة والإنسانيات عامة. على هذا النحو "إن معنى الحياة والهوية لا يصدران إذن بأي شكل من جوهر ما قبل هوياتي"6.

إن الهوية الشخصية هي مشابهة لنوع من البناء الموجود سلفا والذي يقطنه الأنا ويفصله عن الهويات الفردية المنغلقة على ماهية معينة. إن العمل على إدراج الإنسان في العالم الذي يحيط به يعني المرور من وضع التعالي إلى حالة المحايثة والقول بأن الأنا المتعالي الذي ينظر إلى نفسه على أنها جوهر مفكر لم يعد يعني شيئا كبيرا. لقد فقد الهوية الشخصية مع هيوم ولوك وفرويد قداستها وأوليتها واندمجت بطريقة أو بأخرى مع الحركة اللامتناهية للعالم. إن إفراغ الهوية الشخصية من كل حمولة يعود إلى استحالة تحولها إلى فراغ وان مسار العلمنة هذا تقوم به الفنومنولوجيا الاجتماعية والوجودية وينتهي بمنح دور للغير في انبثاق الوعي بالذات. يمكن إضافة معاني الوحدة والباطنية إلى فكرة العلاقة بالعالم خاصة عندما يعرف الشخص الانساني بأنه بنية تتصف ببعض التساوق المفتوح وفي نفس الوقت باطنية لا تقبل النفاذ بشكل جزئي. إن الكائن البشري بشكل أو بآخر هو انفتاح على العالم.

"إن الهوية ليست مسألة شخصية فقط. إذ يجب أن تعاش في العالم عبر حوار مع الآخرين وطبقا لوجهة نظر الشارحين البنائيين فأنه من خلال هذا الحوار تولد الهوية. لكنها ليست الوسيلة التي تخبر بها الهوية. فمن وجهة نظر ذاتية تكتشف الهوية داخل الشخص نفسه وهي تعبر عن الهوية في وجود الآخرين. وتعثر الذات الداخلية على موطنها في العالم من خلال المشاركة في الهوية الجماعية.وغالبا ما يعبر عن هذا التوحد بعبارات رفيعة وغامضة وتنضم نفسي الحقيقية إلى الحياة الروحية للمجتمع"7. لكن كيف تتحقق الهوية الاجتماعية من خلال التعرف على الذات عن طريق الخارج وربطها بجملة من الأنظمة المشتركة مع الآخرين؟ وما دور الثقافة في شد أعضاء المجتمع الواحد وفي تمييزه عن المجتمعات الأخرى؟ ما السر في أن الهوية يمكن أن تكون مصدرا للعنف والاستبعاد من جهة ومصدر للثراء والثقة من جهة أخرى؟ فماذا يجني الناس من وراء إصرارهم على الانتماء إلى هويات؟ وهل الهوية شر أم خير؟

التعددية الثقافية:
"الهوية تدرك من خلال المشاركة في الثقافة... وان المفاهيم المتعلقة ببناء الهوية وتلك الخاصة بالثقافة ولدتا معا."8

يصعب تدقيق مفهوم الثقافة وذلك للاتجانسه وتعقيده وتضخم دلالاته وتنوع رسومه إلى حد حديث البعض عن عولمة الثقافة والصناعة الثقافية وثقافة إضاعة الوقت. لكن يسهل علينا ربط الثقافة بالإنسان لأن الثقافة مفهوم أناسي تجعل الإنسان ذاتا متناهية قبلة للتشكيل إلى ملا نهاية لها ومنفتحة على العالم ومجبرة صنع ذاتها والعالم في كل مرة ولأن "الإنسان كائن ثقافي بالطبع وهو لا يصبح إنسانا إلا بفضل الثقافة "9، و"بذلك تتوسع الثقافة لتشمل الشروط المادية والروحية والاجتماعي والسياسي من المنتجات ومن ذلك أشكال مختلفة من الحياة ومن مجالات المخاييل. فالثقافة تشكل جسد الإنسان وهي في نفس الوقت ثمرة من ثمرات هذا التشكيل وهي تنتج في الأعراف والتجديدات تغيرا وتواصلا بين الماضي والحاضر والمستقبل...إن الثقافة حركية وهي ممارسة وعملية. والثقافة ليست واحدة بل كل واحدة منها تشمل العديد من الثقافات."10

إلى وقت قريب ثمة إجماع بشأن موضوع الثقافة وأصبح هذا المفهوم هو العملة الرائجة وتم الاتفاق على أن الثقافة ليست مسألة عرق بل مكتسبة وغير متوارثة جينيا وتتقدم بشكل مطرد وبمعدل متسارع وتتعلق بالأفكار والقيم والرموز التي تعبر عن رؤية للكون وعن الفضيلة والجمال ضمن تنظيم جمعي للفكر. لكن على الرغم من أن الجميع يتحدثون اليوم عن الثقافة فأنهم لا يتطلعون إلى تبعات القول بالهوية الثقافية ويتجاهلون الإحراجات المتعلقة بالتعددية الثقافية. وقد انعكس عن ذلك اتجاه النقاش بشأن الهوية الثقافية نحو السياسة وبدأ الكلام عن الثقافة بماهي شأن سياسي وأكد البعض من أن الثقافة هي الأقدر على معالجة المسألة السياسية الكبيرة وذكروا بأن الاعتراف بالتعددية الثقافية هو حركة تدعو إلى التغيير.

تتضمن الهوية الثقافية كل ماهو مشترك بين جميع أفراد المجتمع مثل القواعد والمثل والقيم. ولكن إذا بنيت على أساس الوحدة والتطابق والتماثل تصبح الهوية الثقافية هوية ثابتة تلغي إمكانية التغير في الزمان وتتشكل نواة صلبة تحدد تاريخها وملامحها الخاصة وتسعى إلى المحافظة عليها والوفاء إليها. لكن الهوية الثقافية لا تفهم دائما في إطار المطابقة التامة مع الذات الجماعية بل يمكن أن تتحقق في سياق التفاعل مع المباين والمختلف والمغاير من الهويات الثقافية الأخرى ويمكن أن نتحدث هنا عن التثاقف وعن الهوية بينثقافية في وضعية التلاقح والتخاصب بين خصوصيات متنوعة وثقافات متعددة.

في هذا السياق يقول أودمند هوسرل:"أكون مع ثقافتي دائرة أولية لثقافة أجنبية يمكنني أن أبلغها، مع أولئك الذين يشاركونني مشاركة مباشرة، بنوع من تجربة الآخر"11.

ظهر مصطلح التعددية الثقافية للتمييز أولا بين الثقافة الرسمية التي تدعي الرفعة والسمو وترتبط بالنخبة وتتشكل في الدوائر الضيقة للأرستقراطية وفي صالونات البرجوازية وبين الثقافية الشعبية الجماهيرية التي تمتد من الفلكلور إلى الفن البروليتاري وتعامل بتعاطف من قبل الناس الذين يحرصون على المحافظة عليها وتوريثها وتتوجه نحو مقاومة الهيمنة المسلطة عليها من طرف ثقافة الاستهلاك والقوة القمعية للطبقة الحاكمة وتدحض شرعيتها وتطعن في الريادة الأكاديمية للثقافة الرسمية وتحس بأن عليها واجب مدني لفضح العولمة الامبريالية والتغريب الثقافي لدول الأطراف والسلطة البطرياركية.

لقد مثلت التعددية الثقافية فرصة سانحة من أجل كشف مخاطر العولمة على النسيج المجتمعي والبيئة واستقرار الشعوب واستمرارية الخصوصيات وعبرت عن مشكلات مقلقة وتحديات أكثر تدميرا تجاه الثقافات المحلية والسعي المتزايد نحو اعتماد نموذج ثقافي واحد للتعرف علة نمط الحياة الحضاري في أي بقعة من المعمورة. بيد أن حركة التعددية الثقافية عرفت اتجاهين: الأول هو تعددية ثقافية الاختلاف multiculturalisme de la différence يتجه نحو الداخل ويأخذ مصلحة الخصوصية الذاتية بعين الاعتبار ويتبنى الخطاب المدحي الافتخاري من أجل تعزيز شعور ثقافة معينة بالعظمة والتفوق ويجعل من ذلك سبيلا للمحافظة على بقائها واستمرارها.

الاتجاه الثاني هو تعددية ثقافية النقد multiculturalisme critique يتجه نحو الخارج متأثرة بالدراسات الثقافية ويناضل ضد التماثل والهوية ويسعى إلى إعطاء حقوق للأقليات ويكشف عن ضعف الخطاب الأغلبية السائد وصمته وتهميشه لبعض الفئات ويحاول تفكيك التحيز الثقافي للطبقة الاجتماعية السائدة ولذلك لا يرى في وجود تنوع وفوارق في الخصوصيات داخل نفس المجتمع أي خطر يهدده بالتقويض بل ينظر إلى ذلك أنه عامل عادي ومصدر اغتناء وقوة. من هذا المنطلق تنبنى التعددية الثقافية على خطاب يدعو إلى التكافؤ بين الخصوصيات والمساواة في اعتبار الرموز والقيم الخاصة بالهويات الصغيرة في تكوينية الهوية الكبرى للمجتمع ويؤكد الاختلاف ويدعو إلى إجماع ثقافي والمشاركة في نشر الحضارة الكونية. في السياق نفسه يقول آدم كوبر:"تترجم التعددية الثقافية هذه الافتراضات في صورة برنامج سياسي يؤكد الاختلاف وقيمته ويبحث عن منح كل مجموعة ثقافية قدرا مناسبا من حق تقرير المصير وصوتا مساويا في الشؤون الجمعية"12.

إن التعددية الثقافية هي قيمة لا يمكن إنكارها لأن محافظات الجماعات على نفسها لا يكون بتعزيز القواسم المشتركة التي تربط بينها بل بقدرتها على إحداث اختلاف حقيقي وإبراز التنوع الداخلي.

غير أن التعددية الثقافية تؤثر على سياسات الهوية والاختلاف وتتبنى التمييز الايجابي وتصبح سياسات البلدان مملاة من قبل الهويات الثقافية ولا يجد الفرد احتراما لقيمه وخصوصيته إلا في السياق الثقافي الملائم له ويطالب بالتضحية بذاتيته ومحليته من أجل إرساء دعائم هوية مجتمعية مستقلة. إن ماهو مطلوب في مجتمع متعدد الثقافات هو التوقف عن إسناد الهوية إلى بيولوجيا بدائية وتركيزها على احترام الاختلاف وانصهار الآفاق واغناء التنوع وبالتالي يجب احترام الاختلاف الثقافي وتعزيزه."إن التنوع هو عامل أقل تأثيرا في عزل المجتمعات عن العلاقات التي توحدها"13

إن التطرق إلى الهوية الجمعية هو أمر مهم من أجل التضحية بالمصالح الفئوية لمصلحة التماسك الثقافي ومن أجل التعالي على منطق الهوية الشخصية وتركيزها على الحقوق الفردية وتسببها في الاضطرابات العرقية والتوتر الاثني نتيجة الشعور بالحرمان وسوء المعاملة والتمييز. كما أن الثقافة هي دوما الجسر الذي يربط الأفراد بهوياتهم وينبغي ألا نبنيها على العرق حتى لا ننحدر إلى الجوهرانية.

إن الثقافة هي التي تمنح الشخص هويته ولكن كل من الهوية والثقافة يتشكلان بحرية. إن الهوية تبدو مسألة اختيار ثقافي شخصي وحتي إن كان للشخص هوية أصلية جوهرانية تنبع من الشخصية الجمعية التي ينتمي إليها فأنه يستطيع أن يندمج في هوية ثقافية جديدة بفضل قدرته على التأقلم والتكيف.

ننتهي إلى أن كل ثقافة هي متعددة الثقافات وأن القيم متغيرة من ثقافة إلى أخرى ولذلك لا يجوز قياس المجتمعات بقياس واحد وأن غالبية الناس ينظرون إلى الآخرين على أنهم أقل منهم شأنا ويصرون على اختلافهم عنهم ورفعتهم وتفوقهم ويشتركون في القدرة على التعلم والاستيعاب والاقتباس وما يتقاسمونه هو الذي ينتج الخلافات بينهم وما يختلفون فيه هو الذي يساعد في نهاية المطاف على توحيدهم. فكيف تتحول الثقافة إلى سلسلة من العمليات التي تقوم بهدم منطق الملة الجماعية وإزالة الهوية الشخصية وتعمل على بناء الكونية الإنسانية ؟ وكيف يمكن أن يلعب الإحساس بالهوية دورا حاسما في جعل العلاقة مع الآخرين قوية ودافئة ويجعلنا نفكر في بعضنا البعض ويساعدنا على تجاوز حياتنا المتمركزة حول أنفسنا؟

الحضارة الكونية:
"إن هوية مشتركة مع الآخرين في الجماعة الاجتماعية نفسها يمكن أن تجعل حياة الجميع تسير بشكل أفضل بكثير...ولذلك ينظر إلى الشعور بالانتماء إلى جماعة إنسانية ما باعتباره أحد مصادر الثروة."14

لا يتوقف انتماء الإنسان إلى هوية على مسألة إدراك الذات ولا على اختياره لهذا النمط من الحياة أو تلك الوظيفة وليس الأمر مسألة تقليد أو محاكاة أو وفاء للأصل بقدر ماهو إبداع وانجاز للذات ، إذ بمجرد أن يحصل المرء على قسط قليل من الوعي حتى يكتشف أنه ينتمي إلى عدة دوائر مثل الوطن والطبقة والايديولوجيا والمهنة والدين ونمط الحياة والهواية وهذه كلها تمنحه هويات متعددة ومتناقضة وتجعله موجود مع العديد من الأغيار في عالم مشترك ويندفع معهم دون أن يدري في تيار كوني هو الحضارة.

لكن ما الفرق بين الكونية والخصوصية؟ وماهي نوعية العلاقة القائمة بينهما؟

إن الخصوصية هي الميل الذي تبديه جماعة معينة نحو المحافظة على مميزاتها عن المجموعات الأخرى وهي أيضا موقف تتخذه مجموعة أو اثنية معينة بحرية من أجل التحرر والاستقلال والانفصال عن البقية وغالبا ما تقع النزعات الخصوصية في القومية والمحلية والجهوية والفئوية.

أما الكونية هي مذهب يعتبر الواقع هو الكل وهو الوحدة الشاملة التي تضم جميع الأفراد بشكل كوني وهناك العديد من النظريات الكونية في الفلسفة والدين والسياسة. في الدين هي النزعة التي ترى أن مبادئها عالمية وأن الله يريد خلاص جميع الناس وبالنسبة إلى السياسة فهي المبدأ الكوني الذي يقر بأن الشكل الوحيد من أشكال السلطة الشرعية تكمن في موافقة الجميع.وأما الشمولية المؤسساتية فترى أن جميع الشعوب يجب أن تكون ممثلة في إدارة شؤون العالم بطريقة عادلة (العولمة الديمقراطية). أما الكونية الجمهورياتية فهي التي تطالب بالجمهورية غير قابلة للتجزئة باعتبارها النموذج المثالي للجميع حيث كل المواطنين متساوون في الحقوق.

إن الكونية هي المبدأ القائل بأن المعتقد والرأي والفكرة يكون لها مدلولا عالميا، وهي أيضا النهج الفلسفي للإنسانية الذي يوجب احترام جميع المواطنين والثقافات في العالم عن قناعة واختيار وهي توجه يختلف عن الكونية الدينية والسياسية التي تحاول أن تكون مفروضة بطريقة فوقية. من هذا المنطلق فإن الكونية تحافظ على الخصوصية والاثنان يتكاملان ويعززان بعضهما البعض. فما الذي يميز الحضارة العالمية؟

يشير بول ريكور إلى ستة مميزات للحضارة العالمية وهي:

الإيمان البشرية برسالة العلم والنظر إلى العقلانية العلمية على أنها ذات قيمة موضوعية ومعيار بقية المعارف ويبرهن على ذلك بقوله:"إن العلم يظهر ضربا من الوحدة من جهة الحق تحكم كل الخصائص الأخرى لهذه الحضارة".
الإجماع على صلاحية النموذج التقني على المستوى التطبيقي والنظر إلى عملية التحديث على أنها امتلاك للأدوات والآلات بالأساس لاسيما وأن "الإنسان عبارة عن حيلة كونية" وأننا أمام كونية فعلية للإنسانية. فكلما ظهر اختراع في أي نقطة من العالم إلا وكان موعودا بانتشار كوني".
القول بوجود سياسة عقلانية وتقنية واحدة قادرة على إنهاء النزاع في العالم وامتصاص العنف وكل أشكال اللامعقول وتوطين السلم والتسامح وذلك بنشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان والموطنة، إذ يقول ريكور:"إن أحد وجوه عقلانية الإنسان وفي ذات الوقت أحد وجوه كونيته هو تطور دولة تراهن على الحق وتنمي وسائل التنفيذ على شكل إدارة".
التأكيد على أهمية التنظيم الإداري في تقدم الشعوب وتجاوز وضعية التعثر نحو وضع التحضر وذلك بتفعيل دور المؤسسات ووضع قيم النزاهة والحياد واللاتحيز في خدمة الأفراد والجماعات، ويبرهن على ذلك بقوله:" حينما نرى السلطة قادرة على إرساء وظيفة عمومية وجسم من الموظفين يعدون القرارات وينفذونها ...نكون باختصار أمام دولة حديثة وهاهنا مظهر معقول للسياسة التي تخص الآن بإطلاق كل شعوب العالم".
وجود اقتصاد عقلاني كوني يقوم على تقسيم عالمي للعمل وعلى تشجيع الاستثمار وفتح الأسواق وتوحيد عملات التداول ويرجع بالأساس إلى البورصات وتلعب فيه الشركات متعددة الجنسيات دورا بارزا حيث تزال الحواجز الجمركية وتخفف الضرائب ولا يكون فيه رأسمال مقيد بوطن، إذ يقول هنا:"يمكن أن نتحدث عن علم وعن تقنية اقتصادية ذات طابع دولي، مندمجة في غائيات اقتصادية مختلفة والتي تخلق في الآن نفسه طوعا أو كرها ظواهر تقارب تبدو آثارها حتمية".
المظهر الأخير من الحضارة العالمية هو نمط الحياة وأسلوب الوجود المتغلغل في الثقافة والأكل والمسكن واللباس والترفيه والإعلام والذي يقع نشره وفرضه بالقوة الدعائية والإشهار على كافة أرجاء المعمورة وهو نمط حياة غربي أمريكي بالأساس يقوم على الاستهلاك والرفاه وحب الذات وذلك لأنه:" توجد ثقافة استهلاك ذات طابع عالمي تطور نوع من الحياة ذي طابع كوني".
هذا التمييز الأخير بين العالمي والكوني يلفت النظر إلى قيمة الحضارة وتأثيرها على الإنسان والطبيعة لاسيما وأن"إنسانيتنا المشتركة تتعرض لاعتراض وحشي شرس عندما تضيق الاختلافات بيننا لتصبح نظاما تقسيميا واحدا من تصنيف قوي مفرد"15. فهل هذا يعني أن التوجه نحو العالمية هو أمر قسري مفروض يقود الثقافات القومية إلى حتفها الطبيعي والانقراض التاريخي وأن البقاء سيكون للأصلح؟

إن الحضارة الكونية التي بنيت على أساس التراكم الكمي في الوسائل والتحول في الأدوات التقنية والتقدم العلمي في السيطرة على الطبيعة والإنتاج المادي قد ضاعفت العلاقات الإنسانية وطورت إنسانية واحدة ودفعت الإنسان إلى الاعتراف بالإنسان عن وعي وحرية وبالتالي مثلت خيرا كليا من جهة بعدها الانساني أثبته ريكور بقوله:"الكونية هي بحد ذاتها خيرا والوعي بإنسانية واحدة بذاتها يمثل شيئا ايجابيا." ويبرهن ريكور على هذه الخيرية والقيمة الايجابية للكونية من خلال حجتين:

- الأولى هي حالة حصول الجموع على خيرات أولية وبلوغهم إلى الرخاء والرفاه وتحرر الحاجة التي يعيشها عدد كبير من سكان العالم موزعين على مختلف القارات والبلدان والطبقات والتي حدثت لأول مرة في التاريخ .

- الثانية هي بلوغ عدد كبير من الناس حالة الرشد وتجاوزهم حالة الحرمان واللامبالاة وشعور جموع من البشرية بقيم الكرامة والاستقلالية وقدرتهم على التصرف في مصيرهم وتحكمهم في صنع تاريخهم الخاص بهم. "انه من اليقيني أن عددا متزايدا من الناس يبلغون اليوم هذه الثقافة الأولية التي تمثل مقاومة الأمية وتطوير أدوات الاستهلاك والثقافة الأساسية وجهها اللافت".

لكن كيف مثل هذا التطور طابعا متناقضا؟

ينقد ريكور توجه الحضارة الغربية نحو فرض نموذجها على المعمورة ويعتبر أن العولمة أضرت بالجانب الانساني للكونية وحولته إلى عالمية تسلطية ويبرر بذلك بكشفه عما تعانيه الخصوصيات من تهديد بالاختراق والتفكك الداخلي والذوبان ويرى أن"ظاهرة العالمية تمثل بالتزامن مع رقي البشرية ضربا من التدمير البارع لا للثقافات التقليدية فحسب...بل للنواة الخلاقة للحضارات العظيمة وللثقافات الكبيرة". والسبب هو وقوع الغرب في نوع من التمركز العرقي والثقافي قاده إلى الاعتقاد أنه الأفضل ، هنا يبرز ريكور وهم المركزية الثقافية الأوروبية بقوله:" إن كون الحضارة الكونية قد انبثقت منذ القديم عن بيت أوروبي غذى وهم أن الثقافة الأوروبية كانت من جهة الحق والأمر الواقع ثقافة كونية".

من الأسباب الأخرى التي جعلت ريكور ينبه من مخاطر الحضارة العالمية هي الإفراط في التصنيع وتخريب الطبيعة واعتماد المعالجة التقنية في كل شيء وإبداع وسائل التدمير الذاتي وتزايد أدوات الفتك بالنوع البشري وفي ذلك يقول:"إن الخطر النووي يزيد من وعينا بوحدة النوع البشري هذه بما أننا لأول مرة يمكن أن نشعر بأننا مهددون في أجسامنا وبصورة شاملة".

لقد ارتكبت الحضارة العالمية العديد من الأخطاء في تعاملها مع الثقافات القومية ومارست نوع من التنظيم العنيف للعالم وتعاملت مع البشر كأدوات تجارب ولم تحترم ما تحتويه خصوصياتهم من رمزية وانتهت إلى إخفاق سياسي وهيمنة اقتصادية وأججت النزاعات بين الثقافات والاحتقان بين الجماعات عبر عنه ريكور كما يلي:" إننا نشعر بصورة جيدة أن هذه الحضارة العالمية الواحدة تمارس في الآن فعل التلف أو التآكل على حساب الإرث الثقافي الذي صنع حضارات الماضي العظيمة".

من هذا المنطلق يتمثل الوجه السلبي للحضارة العالمية في تعميمها لحالة التصحر الثقافي ونشرها لنموذج الاستهلاك وحضارة البضاعة المجانية وما أدى ذلك من تهديد بعرقلة محاولات التحديث وتعطيل مشاريع الخروج من التخلف وطمس معالم الشخصية الوطنية والرفع من نسب الاستغلال الاقتصادي والاحتكار إذ ما يوجد" في كل مكان وعبر العالم هو الفيلم الرديء نفسه وآلات صرف النقود نفسها والأخطار ذاتها من مادة البلاستيك والألمنيوم. التواء اللغة الحاصل بالدعاية نفسه، الخ... كل شيء يحدث كما لو أن الإنسانية ببلوغها الجماعي ثقافة الاستهلاك تكون قد توقفت عند درجة من التخلف الثقافي".

يحذر ريكور من هذا المطب الكبير الذي قد تقع فيه الإنسانية عندما تتبنى خيار العولمة الاقتصادية دون احتراز أو نقد والذي يؤدي إلى الاحتكار الثقافي وإقصاء الغيرية وتبني نظرة متحفية خيالية للخصوصيات المباينة بقوله:" يمثل انتصار ثقافة الاستهلاك المتماثلة كونيا والمجهولة بالكامل الدرجة الصفر لثقافة الإبداع وستكون الريبية على صعيد كوني والعدمية المطلقة في انتصار الرفاه". إن العولمة لم تتمكن من التخفيف من معاناة البشر بل حاولت إقحام الأدوات بالقوة في المجموعات ومارست التحديث القسري والتعنيف الرمزية للدوائر الإتيقية وأحدثت تصادما بين الوقائع والمثل وبين القيم والوسائل.

إن الموقف الذي يتخذه ريكور حول هذه القضية واضح وصريح ويعبر عنه كما يلي:"ما برحنا وعلى نحو أكثر جدية منذ أن أعاد أدرنو وهوركيايمر تأويل فلسفة التنوير نشكك في كون هذه الحقبة فجرا في التقدم في الوجود الذي حظي بالاحتفال والتغني. وبداية حكم العقل الأداتي والقوة التي أعطيت لعقلنة إحكام القبضة على الدول باسم العالمية وقمع الاختلافات باسم الدعاوي البروميثوسية كل ذلك علامات ووصمات يراها الجميع على تلك الأزمنة الواعدة بالتحرير بطرق كثيرة."16

إن اكتشاف التعدد الثقافي قد يوقع في الغربة ويسبب الضياع في العالم ويحيل الخصوصية إلى عالم الغيرية ويقترن اكتشاف الذات بفقدان الخصوصية مادامت هي نفسها إفراز من إفرازات التفاعلات بين عناصر غريبة عن بعضها البعض، وفي هذا يقول ريكور:"قد يصبح فجأة من الممكن أن يوجد أكثر من الآخرين وأن نكون نحن أنفسنا آخر من بين الآخرين".

" هناك قضيتان متميزتان أمامنا في هذا الشأن. الأولى هي الاعتراف بأن الهويات ذات بنية تعددية متينة وأن أهمية هوية واحدة لا تتطلب بالضرورة محو أهمية الهويات الأخرى"17.

فماهي الاستتباعات المترتبة عن القول بالتنوع بين الثقافات القومية؟ هل يعني ذلك التخلي عن الطموح نحو بلورة قيم مشتركة وصناعة كونية إنسانية؟ كيف نتجنب اقتران الدخول في العقلانية العلمية والتقنية السياسية بالتنكر للقيم التقليدية والموروث الثقافي؟

خاتمة:
"الأمر الغريب حقا أنه توجد ثقافات ولا توجد إنسانية واحدة قط."18

إن اللقاء الثقافات الأخرى يكون امتحانا خطيرا بالنسبة إلى أي ثقافة ومغامرة مخيفة ولكنه يكون مثمرا إذا ما وقع التحضير له وتهيئة الظروف لنجاحه وخاصة إذا ما كان ذلك نتيجة حب الاطلاع والتحمس لمعرفة القديم والحنين إلى الماضي وكان أيضا ثمرة من ثمرات العلم ذاته وممارستنا للتسامح تجاه الأغيار.

إن الفكرة المركزية التي تنشد إليها الرقاب المترددة بين الانتماء إلى الخصوصية والتطلع إلى العالمية هي أن تحالف الثقافات يكون الطريق الملكي نحو بلوغ الأفق الكوسموبوليتيCosmopolitique .

يعرف ريكور الثقافة بأنها مركب قيم وجملة تقييمات ويرى أننا إزاء عدة ثقافات وليس إزاء ثقافة واحدة وبالتالي نحن أمام تبدل للقيم والمعايير من ثقافة إلى أخرى وهو ما اصطلح عليه بالنسبية الثقافية، فهل يعني ذلك الدخول في العدمية واستحالة وجود معايير توافقية وأسس مشتركة بين الثقافات؟

إن خصوصية معينة يمكنها أن تتحمل ملاقاة الثقافات الأخرى وان اللقاء بين الثقافات يمكن أن يكون خلاقا وتوليديا ولا تلفيقيا غائما إذا ما توفرت مجموعة من الشروط وهي:

محافظة كل ثقافة على قدرتها التجديدية من خلال احترام قانون التراكم الهادئ للأدوات والوفاء لنواتها الإبداعية وعدم الاكتفاء بتأويل الأشكال الرمزية الخارجية والطبقة السميكة من الصور.
دور المثقفين في التجديد والإبداع وفي الانفتاح على الثقافات الأخرى والاستفادة من الوافد هو دور حيوي ومصيري إذ" يجب أن ينهض كاتب ومفكر وحكيم وروحاني لدفع ثقافة والمجازفة بها من جديد في مغامرة وفي خطر كلي."
التشجيع على الإبداع الفني وتوفير الحرية اللازمة لتنمية روح معارضة المألوف والثورة على السائد والتخلص من الوعي الزائف وإحداث الصدمة والتضليل وصناعة الفضيحة، لاسيما وأن "الإبداعات الفنية الكبيرة تبدأ داوما ببعض الفضائح".
تمكن ثقافة من امتلاك القدرة على استيعاب المعقولية العلمية والسيطرة التقنية على الطبيعة والتخلص من كل أشكال الخرافة والسحر وتحقيق الانسجام مع مظاهر التحضر وذلك بنزع القداسة عن الطبيعة واحترام الوقت وقيمة الحياة ووضع الإنسان في العالم وإدخاله في التاريخ. "وحدها الثقافة التي تكون قادرة على استيعاب المعقولية العلمية يمكنها أن تحافظ على بقائها وتولد من جديد ووحده الإيمان الذي يدعو إلى فهم الذكاء يمكن أن يقترن بعصره."
الوفاء للأصول والإيمان بقدرات الذات على الاستمرار لا يعني الوقوع في استنساخ ثقاة الماضي وإنما الانطلاق منها واستثمارها من أجل التأصيل وإعادة البناء على أسس جديدة وممارسة إبداعية متفتحة ومرنة.
التواصل بين الهويات البشرية ممكن لأن الذي يجمع بين الإنسان والإنسان هو أكثر مما يفرق خاصة إذا ما تشبث الجميع بالانتماء إلى النوع البشري كعروة وثقي وكان رهان الجميع هو إثبات إرادي لهوية الإنسان، لاسيما و"أن غرابة الإنسان عن الإنسان ليست غرابة مطلقة".
أهم وسيط بين الثقافات هو الترجمة لأنها الكفيلة بتحقيق حسن الضيافة اللغوية بين الإنية والغيرية وتأويل العلامات اللغوية والتراثية لخصوصية معينة إلى كل لغات العالم وكما يقول بول ريكور هاهنا:"الاعتقاد في إمكانية الترجمة هو الاعتقاد في إمكانية التواصل".
الوسيط الثاني بين الثقافات هو القدرة على التأويل والفهم بالتعاطف والتخيل للثقافات الأخرى وذلك بالانفتاح على الغيرية واعتمادها كشرط وجودي لمعرفة الذات،وذلك بأن" أكون آخر في نفس الوقت الذي أبقى فيه أنا نفسي".
اعتماد اتيقا النقاش بين الكائنات العاقلة وخوض تجربة حوار عميقة بين الخصوصيات من تحمل اللقاء وإضفاء معنى عليه من أجل تحقيق التقارب الإبداعي والتفاهم السلمي بين كل الفرقاء الذين يوجد بينهم تناغم أصلي إذا ما كان غائب عنهم أي اتفاق.
يجب ألا يتحول الوفاء للخصوصية إلى حالة من الاغتراب في الجذور وتقوقع على الذات ودوران فارغ حول المنابع الأصلية والإيمان بان اللقاء المثمر مع الآخر هو من قبيل الإمكان التاريخي وليس مجرد حلم طوباوي .
بناء الذات هو المقام الأول ونقط الارتكاز الأصلية في كل حوار بين الذوات وتحالف بين الخصوصيات والتقاء للثقافات لاسيما وأنه"لكي يكون لنا آخر غير ذاتنا يجب أن يكون لنا ذات".
خلاصة القول أن الثقافة الحية الوفية لجذورها التي تعيش حراكا إبداعيا أدبيا وفلسفيا هي القادرة على تحمل اللقاء بالثقافات الأخرى وتتجنب التصادم والمجابهة وإحداث بواعث خلاقة وتخاصب دلالي منتج.

كما أن راهنية التقاء الثقافات اليوم لا ترتبط بالتلفيقية الغائمة أو تقع في ممارسة الإسقاط التاريخي بل التغلب على النزعة الريبية التي تفضي إليها النسبية الثقافية وعلى دغمائية الحقيقة الواحدة التي يقودنا إليها منطق الملة والتفكير في تخطي عتبة الحوارات الجدية والحقيقية بين الجميع من أجل مقاومة صدمة الغزو والهيمنة وحل مشكلات التواجد ضمن رؤية فلسفية تكون بمثابة خلاصة تجارب الشعوب.

عندئذ "يجب أن أقابل التلفيقات الغائمة بالتواصل أي بعلاقة درامية أثبت فيها ذاتي في منبتها بالتناوب واستسلم لخيال الآخر وفق حضارته المغايرة". لكن لماذا اشترط ريكور العودة إلى الأصول الإغريقية والعبرية المسيحية حتى يكون المفكر الأوروبي الغربي مخاطبا كفئا في الحوار الكبير للثقافات؟ ألا يعيدنا هذا الشرط إلى الانغماس في التراث والتشبث بالهوية التطابقية أم أن الأمر يقتضي تفقد الذات وإعداد الهوية التنوعية الاختلافية المغرمة بالتواصل مع العالم الخارجي؟ وكيف يفضي هذا التواصل إلى تشييد المشترك العمومي القادر وحده على ضمان الحق الكوسموبوليتي؟

المراجع:

Emmanuel Levinas, in Anthologie, les grandes questions de la philosophie, Textes réunis et présentés par Marie-Reine Morville, Delagrave Edition, 2001

Edmund Husserl, méditations cartésiennes, traduction Emmanuel Levinas, Vrin poche, réédition en 2000.

John Locke, Identité et Différence, Coll-point 1988.

Hervé Marchal, l’identité en question, Ellipses Edition Marketing S.A.2006

Paul Ricœur, Histoire et vérité, Editions, Le Seuil, Paris, 1955.

إدوارد سعيد، الاستشراق، المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة محمد عنائي، دار رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة 2006

أمارتيا صن، الهوية والعنف، وهم المصير الحتمي، ترجمة سحر توفيق، عالم المعرفة 352 يونيو 2008.

آدم كوبر، الثقافة، التفسير الأنثربولوجي، ترجمة تراجي فتحي، سلسلة عالم المعرفة عدد349 مارس 2008.

بول ريكور: الذات عينها كآخر، ترجمة جورج زيناتي، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى بيروت.2005.

بول ريكور، الزمان والسرد، الزمان المروي، ترجمة سعيد االغانمي ، دار الكتاب الجديدة المتحدة، بيروت، طبعة 2006.

كريستوف فولف، علم الاناسة، التاريخ والثقافة والفلسفة، نقل أبو يعرب المرزوقي، الدار المتوسطية للنشر. الطبعة الأولى2009 .

كاتب فلسفي

ضوء أخضر عربي يجب أن يطفأ

نقولا ناصر


(لم يعد مقبولا عربيا أن يسوغ أي عدوان إسرائيلي جديد نفسه بضوء أخضر عربي فالحرب الكلامية سواء بين العرب أو بين الفلسطينيين يجب أن تتوقف)


لقد نقلت واشنطن المواجهة الغربية التي تقودها مع إيران من الاشتباك الدبلوماسي إلى مرحلة فرض المزيد من "العقوبات"، وهي إذا كانت تجهد حاليا لكي تمنع دولة الاحتلال الإسرائيلي من الانفراد بهجوم على المنشآت النووية الإيرانية فإنها تفعل ذلك لأن أي هجوم كهذا سوف يستدرج مواجهة عسكرية مع إيران تهدد طهران بتوسيعها لتشمل الوجود والمصالح الحيوية الأميركية في المنطقة مما يعني جر واشنطن إلى مواجهة عسكرية مع إيران تختار تل أبيب وطهران، لا واشنطن، زمانها ومكانها.

وتستغل تل أبيب عدم استعداد واشنطن لفتح جبهة عسكرية إيرانية ثالثة تضاف إلى حربيها على العراق وإيران لابتزاز المزيد من الدعم العسكري الأميركي "لأمن" إسرائيل، وتضغط على الإدارة الأميركية لكي تكون العقوبات التي تسعى واشنطن من أجل تشديدها على إيران عقوبات أميركية - أوروبية "تشل" إيران ولا "تؤلم" النظام الحاكم فيها فقط، إذا ما حالت معارضة العضوين الدائمين الروسي والصيني اللذين يتمتعان بحق النقض "الفيتو" دون إضفاء شرعية مجلس الأمن الدولي على عقوبات كهذه، كما حث وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك نظيره الأميركي روبرت غيتس بعد اجتماع الرجلين الأخير في واشنطن على ذمة رويترز الخميس الماضي.

ولم تتخل إسرائيل طبعا عن تحريضها على مهاجمة إيران لأن مهاجمتها هي "أحد خيارين سيئين" ولأن مهاجمتها ليس خيارا أسوأ من حصول إيران على سلاح نووي، كما قالت السفيرة الإسرائيلية في واشنطن غابرييلا شاليف (ذى جويش ديلي فوروورد بتاريخ 24/2/2010)، لا بل إن إسرائيل في إلحاحها على هذا الخيار تخاطر باندلاع "في النهاية بأزمة أميركية – إسرائيلية محتملة" لأن "إسرائيل أكثر استعدادا من الولايات المتحدة لاستعمال القوة العسكرية" كما كتب جيفري ولورينغ وايت الباحثان في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أحد أذرع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الممول من الكونغرس.

لكن الأهم من ذلك أن تل أبيب تحرض واشنطن في هذه الأثناء على تجريد إيران مما يعتبره الحليفان أذرع فلسطينية ولبنانية لإيران إلى أن تقرر واشنطن إما إعطاء ضوء أميركي أخضر لإسرائيل بمهاجمة إيران منفردة أو تقرر بأن الوقت قد حان للدخول في مواجهة عسكرية أميركية مع إيران، أي ان تل أبيب تحث واشنطن على منحها ضوءا اخضر لمهاجمة قطاع غزة ولبنان طالما واشنطن مصرة على أن يبقى الضوء الأميركي احمر ضد اي هجوم إسرائيلي منفرد على إيران.

وهذا التحريض الإسرائيلي يجد آذانا اميركية صاغية كون الحليفين متفقين على تصنيف حركة "حماس" في قطاع غزة وحزب الله في لبنان، اللذين يقودا المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، كمنظمتين "إرهابيتين"، وهنا مكمن الخطر الذي يهدد بعدوان إسرائيلي جديد إما على القطاع أو على لبنان أو على كليهما.

وفي هذا السياق، فإن موقف القيادة المفاوضة لمنظمة التحرير الفلسطينية وسلطة الحكم الذاتي المفترض أنها تقودها في الضفة الفلسطينية المحتلة لنهر الأردن الذي يعتبر حماس "خارجة على القانون" وبأنها "انقلاب على الشرعية" بكل ما رافق ذلك من اتهامات للحركة بأنها تخدم أجندة إيرانية وبانها أدخلت السلفية والقاعدة إلى غزة إلى غير ذلك من النعوت الناجمة عن الانقسام الفلسطيني الراهن، وكذلك موقف القوى اللبنانية التي تعتبر حزب الله خارجا على الدولة اللبنانية، ومثل ذلك الدعم العربي لمثل هذه المواقف، هي مواقف من الصعب -- مهما افترض المراقب حسن النية السياسية – تفسيرها بأنها لا تصب في خدمة الدعاية الإسرائيلية – الأميركية، وبأنها ليست ضوءا أخضر عربيا ليس من المستبعد أن تكرر دولة الاحتلال الإسرائيلي استخدامه لتسويغ أي عدوان جديد تشنه على القطاع او على لبنان أو على كليهما، كما فعلت خلال عدوانها على لبنان عام 2006 وعلى غزة عام 2008 – 2009.

وقد آن الأوان لإطفاء هذا الضوء الأخضر العربي والفلسطيني.

إن الموقف الذي أعلنه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس المصري حسني مبارك أثناء زيارته لمصر أوائل شهر شباط / فبراير الماضي، بأنه يعتبر التهديدات الإسرائيلية للبنان تهديدا للحكومة اللبنانية ككل وليس تهديدا لشخص أو لحزب بعينه، هو موقف قد حان الوقت لتعريبه و"فلسطنته"، لفظيا في الأقل، وانعقاد القمة العربية المقبلة في ليبيا هو المناسبة الملائمة لتعريبه، وهو موقف توجد حاجة ماسة ملحة بصفة خاصة لتبني المفاوض الفلسطيني له بلغة فصيحة قاطعة جامعة مانعة قبل القمة وخلالها، فلم يعد مقبولا عربيا، بل من المعيب سياسيا وأخلاقيا، أن يسوغ أي عدوان إسرائيلي جديد نفسه بضوء أخضر عربي تعكسه اتهامات الحرب الكلامية المتبادلة الدائرة بين العرب أو بين الفلسطينيين.

فهذه الحرب الكلامية يجب أن تتوقف.

والمراقب يرصد مؤشرين إلى أن مثل هذا العدوان هو احتمال واقعي تماما، كحرب إسرائيلية بالوكالة عن أميركا ضد ما يعتبره الطرفان أذرعا فلسطينية ولبنانية لإيران. وقد لاحظ المراقبون أن العديد من معاهد الأبحاث الأميركية والإسرائيلية كانت تجري مؤخرا محاكاة بالكمبيوتر للحرب المحتملة ومنها معهد بروكينغز بواشنطن، ومركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية بجامعة هارفارد، ومعهد دراسات الأمن القومي بتل أبيب.

وأول المؤشرين الاتصالات الأميركية – الإسرائيلية المكثفة الجارية مؤخرا والتي لا يجد المراقب اي علاقة لها باستئناف "عملية السلام" الفلسطينية – الإسرائيلية، ويلاحظ بصفة خاصة أن النشاط الدبلوماسي الأميركي في المنطقة قد تكثف وتسارع عشية القمة العربية المقبلة في ليبيا، في إشارة لا يمكن الخطأ في تفسيرها بأنها تستهدف "المشاركة" في وضع جدول أعمال هذه القمة بحيث تخدم الاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية في المنطقة.

ففي بداية الأسبوع الثاني من شهر آذار / مارس الجاري سوف يتوج هذا النشاط بجولة يقوم بها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، من المتوقع خلالها أن يعرج على السلطة الفسطينية في زيارة "رفع عتب" على الأرجح، ومصر والأردن، في أعقاب الجولة الخليجية الأخيرة لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وزيارات مماثلة، بخاصة لتل أبيب، قام بها كل من وزير الدفاع روبرت غيتس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأدميرال مايكل مولين، ومستشار الأمن القومي جيمس جونز، ومدير السي آي إيه ليون بانيتا، ونائب وزيرة الخارجية جاكوب ليو، ناهيك عن جولات المبعوث الرئاسي جورج ميتشل.

وخلال الأيام الأخيرة اتفق الأميركيون والإسرائيليون على استئناف "الحوار الاستراتيجي" بين الطرفين، ولهذا الغرض وصل يوم الثلاثاء الماضي إلى تل أبيب في زيارة تستغرق ثلاثة أيام نائب وزيرة الخارجية جيمس شتاينبيرغ من أجل "إظهار التزام الولايات المتحدة المستمر بأمن إسرائيل"، كما قال، وسوف تشارك في هذا "الحوار" وكيلة وزارة الدفاع ميشيل فلورنوي، والنائب الأول لمدير الاستخبارات القومية ديفيد سي. جومبيرت وممثلون عن وزارتي الدفاع والخارجية.

ولمعظم هؤلاء مهام عسكرية واستخبارية بصفة رئيسية تستبعد أن يكون لزياراتهم أي علاقة ب"عملية السلام" التي يستخدمونها جميعا غطاء لتسويغ "حوارهم الاستراتيجي"، بينما تؤكد زياراتهم لإسرائيل شبهة التنسيق الأميركي – الإسرائيلي لشن حروب عدوانية جديدة في المنطقة بقدر ما تطرح أسئلة جادة حول "علم" الولايات المتحدة بجرائم انتهاك سيادة الدول العربية الصديقة لواشنطن بعمليات الاغتيال الإسرائيلي خارج القانون لقادة المقاومة لهيمنة الطرفين على المنطقة، وفي هذا الإطار كان من المثير للشك عدم استخدام من ارتكبوا جريمة اغتيال محمود المبحوح في دبي لجوازات سفر أميركية "وصمت" واشنطن المريب على هذه الجريمة وهي التي لا تفوت حدثا في العالم دون أن تعلن موقفا منه.

أما المؤشر الثاني فيتمثل في ردود فعل إيران وسوريا وحزب الله وحماس على هذه الاستعدادات الحربية، فزيارة الرئيس الإيراني الأخيرة لدمشق لا يمكن تفسيرها إلا في هذا السياق، ومثلها تحذير وزير الخارجية السوري وليد المعلم للإسرائيليين أوائل الشهر الماضي بان لا يختبروا تصميم سوريا وبأن الحرب إن نشبت هذه المرة فإنها سوف تنتقل إلى مدنهم، وكذلك تحذير الرئيس السوري بشار الأسد في اليوم نفسه من أن إسرائيل تدفع المنطقة نحو الحرب، وكان تحذير زعيم حزب الله اللبناني في السادس عشر من الشهر في الإطار نفسه.

وبينما أكد هؤلاء جميعا أنهم لا يسعون إلى الحرب، بدليل هدوء الجبهة السورية طوال سنوات والتزام حزب الله بوقف إطلاق النار منذ عام 2006 والتزام حركة حماس بالتهدئة منذ ثلاث سنوات تقريبا بالرغم من خرق إسرائيل لها بعدوانها على قطاع غزة قبل ما يزيد قليلا على سنة، فإنهم لم يتركوا مجالا للشك في توجسهم من سعي إسرائيل الحثيث لها. إن تحذيراتهم للإسرائيليين تندرج في باب تنبيههم إلى أنهم سوف يدفعون ثمنا فادحا لأي عدوان جديد تشنه دولتهم وأن أي عدوان كهذا لن يكون دون ردع أكثر مما تشير هذه التحذيرات إلى كونهم ساعين لأية حرب يعرفون قبل غيرهم أن موازين القوى فيها ليست لصالحهم.

* كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*



هل حقا يستحقون اصواتنا؟

كفاح محمود كريم

لقد كان ثمن اصوات الناخبين ايام الدكتاتوريات لا يعني اكثر من وريقات صفراء مسلوبة الإرادة، يتم دحسها في صناديق مغفلة يراقبها موظفون حكوميون وامنيون مكلفون برصد من يخرج عن خارطة الطريق المعدة لكل الناخبين من أبناء الشعب والأمة لانتخاب القائد أو التابعين له من المناضلين و ( المستقلين ) الأشاوس، وربما لا تعني ايضا في نهائيات اللعبة إلا تمثيليات إعلامية يتسلى بها الحزب القائد والرئيس الضرورة وملحقاته من المناضلين التابعين واجهزة الاعلام المختلفة ومنظمات الجامعة العربية التي عاهدت الله على تزكية كل الانتخابات والاستفتاءات لدى اعضائها يسارا ويمينا، ودائما أختام التزكية الخضراء التي تصف الانتخابات بالنزيهة والعادلة والمنصفة جدا حاضرة مع مندوبيها أينما حلوا أو ارتحلوا!

ومن ذلك أدرك المواطن الناخب أن ذهابه الى صناديق الاقتراع من عدمه لا يؤثر إطلاقا على نتائج الانتخابات بل يؤثر على أمنه الشخصي ورزق عياله ومستقبلهم مع النظام، ولذلك كنا نشاهد طوابير طويلة وفي غاية النظام أمام عدسات التلفزيون والمراقبين الدوليين المدعوين من قبل ( أمانة سر القطر ووزارة الإعلام المؤدلجة ) يرافقهم الرفاق في مكتب المنظمات الشعبية ( المخابرات ) من حي الى آخر ومن قرية الى مدينة ليشهدوا عظمة الديمقراطية في ( عهد الحزب والرئيس القائد )، وخاصة اولئك المراقبين الدوليين القادمين من كوبا وكوريا الشمالية وسريلانكا وبنغلاديش وجيبوتي؟

وخلال هذه العقود الطويلة من الإرهاب والاستبداد والاستكانة وتغييب الآخر وتحريم الرأي وتسطيح عقول الأهالي ( وخصوصا لدى الشرائح الأوسع من السكان في الأرياف والأحياء الفقيرة ) وسلب إراداتهم وسحق أي مقاومة تذكر، تفشت الاتكالية واللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية وانحلال مفهوم المواطنة وتقزيمه في قرية او عشيرة او بيت من البيوتات، حتى اصبح الوطن لا يعني اكثر من تلك الحدود الضيقة التي لا تتجاوز القرية او المحلة، وقد اثبتت الأحداث بعد انحلال الدولة ومؤسساتها وهروب ( الرئيس القائد العام ) والحكومة في نيسان 2003م، تداعي كثير من تلك المفاهيم والشعارات الكاذبة التي كان يطبل ويزمر لها النظام طيلة ما يقرب من اربعين عاما عجاف، حتى تحولت قطاعات واسعة من الأهالي في غضون ساعات الى مجاميع من السراق والسلابة، ينهبون ويسلبون اموال الدولة ونفائسها حتى يخرج عليهم صدام حسين في واحدة من خطبه المرسلة من أعماق تلك الحفرة المعروفة، فيحل لهم كل ما سرقوه ونهبوه من أموال الدولة ومخازنها، ولكي يتحول الكثير منهم بعد اقل من سنتين الى حيتان كبيرة ليس في المال والسحت الحرام فقط بل حتى في السياسة ومؤسسات الدولة الجديدة التي استطاعوا اختراقها عبر القطار الأمريكي ثانية.

واليوم وبعد ما يزيد على نصف قرن من الانظمة الدكتاتورية المتتالية التي انتجت العديد من الحروب المدمرة، وعشرات الألاعيب السياسية التي تمخضت عن إنتاج مجالس مشوهة وعرجاء تحتلها أفواج من المنافقين والسراق والمنتفعين وهزازي الرأس والاكتاف، يتوجه الناخبون العراقيون للمرة الثانية خلال خمس سنوات لانتخاب ممثليهم الى مجلس النواب الذي شاهدنا فعالياته وسلوكيات اعضائه ومجموعة القوانين والتعديلات التي انجزها خلال دورته مقارنة مع ما حصل عليه اولئك الأعضاء، الذين حشرتهم القوائم المغلقة وساقتهم الى مقاعد لا يفقه معظمهم معناها إلا من خلال تلك الامتيازات التي كادت أن تمسخ انسانية اغلبيتهم، بل تسببت في دفع افواج اخرى من المعاقين وطنيا واجتماعيا وفكريا وثقافيا من أبطال الحواسم التي أعقبت سقوط النظام، للتهافت الى تلك المقاعد طلبا للماء والكلأ ولكن هذه المرة تحت شعارات براقة تتبناها كتل سياسية وتدعمها احزاب وعشائر وشيوخ ساهموا بكل جدارة في كل الدبكات والأهازيج والمناسبات؟

لقد كانت الدورة السابقة رغم كل ما فيها من عيوب ومن اعضاء معاقين افضل مما شهدته البلاد خلال النصف قرن الأخيرة في مجال المؤسسات التشريعية وهي بالتالي بكل سلبياتها وايجابياتها تأتي في التقييم كدورة اولى لبرلمان عراقي منتخب بشكل حقيقي، وان كان الكثير من اعضائه لا يمثلون إلا انفسهم وارادات من رشحهم من القوائم وليس الشعب، وفي هذه الدورة التي يتنافس فيها الآلاف من المرشحين يتبادر الى اذهاننا الكثير من التساؤلات وربما في مقدمتها:

كم كانت الفائدة المرجوة من الدورة الاولى في انتقاء وتشخيص المرشحين من قبل كتلهم السياسية؟

وتحت أي اعتبارات تمت عملية الترشيح؟

وهل حقا إن هؤلاء المرشحين ذاهبين الى حيث القيم العليا ومصالح البلاد والعباد؟

وهل هم فعلا خير من يمثل الاهالي في تاريخهم وانتمائهم ووطنيتهم وأخلاقياتهم وثقافتهم ومصداقيتهم والمكان الذي سيشغلونه لأجل الوطن والشعب اولا؟

وأخيرا وليس آخرا يبدو هذا السؤال صعب ومحير ايضا:

( هل حقا يستحقون اصواتنا؟ )

هؤلاء المرشحون الى مجلس النواب العراقي؟

سأترك السؤال والإجابة لكل ناخب قبل أن يصل صندوق الاقتراع !

kmkinfo@gmail.com



نحو فضاءات جديدة

أحمد زكارنة


لأننا نؤمن بأن الكلمة أداة من أدوات الحياة والموت، تماما كالرصاصة التي تخرج فتنهي حياة طرف وتنقذ أخرى، كانت فكرة إنشاء صحيفة "العروبة نيوز" كصحيفة إخبارية متخصصة، بعد مرور عامين من ولادة صحيفة ومنتديات العروبة، ذاك الجنين الذي اختمر في العقول ليصبح قابلا للولادة التي قدر لها أن تكون في الخامس عشر من شهر شباط فبراير عام 2008.

وكون الإعلام بكل وسائله، فنّا عزيزَ المذهب، جم الفائدة، نبيل الغاية، يحمل أمانة الرسالة، انصب جل تفكيرنا في الارتقاء من مجرد موقع إلكتروني يجمع الغث والثمين، إلى مصاف الروافد المؤثرة على المشهد الثقافي بكافة أبعاده الأدبية، والسياسية، والاجتماعية، محاولين الخروج من عنق زجاجة اللبس الواقع ما بين الحرية الفكرية، والفوضى المؤدلجة، فالأولى ترتقي بالوعي الجماعي لتضع لبنة راسخة نحو بناء وطن معافى.. والثانية لا تحاول حتى الخروج من زنزانات العقلية الحزبية المقيتة، ولا يتبقى أمامها إلا أن تعلي صوت المصالح الحزبية على المصالح الوطنية، تارة باستخدام هالة عقائدية، وأخرى برفع شعارات ذات صبغة وطنية، وكأننا في الحالتين بشاهدِ الزور وهو يضع الوطن برمته على قارعة الطرق الملغومة.

هنا ثمة ما نحاول قوله، في لحظة اختراق واعية لمتطلبات خشبة المسرح الآيل للسقوط.. من خلال فتح نوافذ جديدة للرأي الحر المدعوم بالفكر الجاد والمعلومة الموثقة.. رأي نراه لا شك يجاهد في كسر التابوه المستوطن داخل عقولنا دون إذن مسبق، نحو ثقافة متحركة لا تعرف الثبات.

ولا ننكر في هذا السياق أننا من دعاة الحداثة المتمسكة بمبادئ تراثنا الجميل وعقيدتنا السمحة، نعم متمسكون بالحداثة كرافد أساسي لدوران عجلة قطار الثقافة نحو فضاءات جديدة بإمكانها أن تكتسي كافة ألوان الطيف المصاحب للممارسة الفكرية، في محاولة منا للوقوف على تخوم الحقائق الغائبة أو المغيبة عمداً، وبناء المواقف عليها.
ليس من باب الترف الفكري، وإنما هو حلم ندّعي أنه سيُعنَى أولا وأخيرا بالعمل الجاد باتجاه أن يصبح واقعا ملموسا يحمل همّ الأمتين العربية والإسلامية في كل بقاع الأرض، على نحو لا يتوقف أمام بوابات السرد المسرحي لمشهد التأريخ، وإنما يصوغ مع غيره من المشاريع الثقافية الأخرى فعلا دراماتيكيا مشاركا في رفد صياغة الوعي الجماعي.

من هنا نقول إن صحيفة "العروبة نيوز" http://alorobanews.com/news/، ستحاول جاهدة توسيع دائرة الحراك الثقافي الذي لا يتقيد بشريحة مثقفة دون غيرها، وإنما ستكون بلا شك نافذة مشرعة للجميع يطل من خلالها على كل حقيقة، وإبداع، ورؤى، شرط ألا نتخطى حدود الممكن والمتاح في سياق الاختلاف مع الآخر.

كاتب وإعلامي فلسطيني
رئيس تحرير صحيفة العروبة نيوز

ردا على مقالة المحامي الكويتي راشد الردعان: كاتبات..جسد

د. صلاح عودة الله

"كاتبات..جسد"..هذا هو عنوان مقال للكاتب الكويتي المحامي راشد الردعان ونشر في صحيفة الوطن الكويتية يوم أمس, وفيه يشن هجوما عنيفا على المجتمع الذي يبرز الكاتبات اللواتي يتناولن في مقالاتهن وكتاباتهن الأمور التي تتعلق بالمرأة والجنس والانحرافات وجسد الرجل والى غير ذلك من الأمور الأخرى, بينما يهمل هذا المجتمع الكاتبات اللواتي يتناولن في كتاباتهن الأمور التي تلعب دورا ايجابيا في الأمور الحياتية, فأصواتهن لا تكاد تخرج من الجامعات والمدارس, ويتهم وسائل الاعلام المختلفة بنشر وترويج هذه القضايا.
وقد تناول الكاتب مقالة الكاتبة السعودية نادين البدير"أنا وأزواجي الأربعة" كخير مثال لامرأة تدعو الى نشر الرذيلة في المجتمع.
والى الكاتب المحامي المحترم أقول, انني على ثقة بأنك لم تقرأ بموضوعية مقالة نادين البدير, فهي لم تقم بالمطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة من حيث تعدد الزوجات, ولكنها أرادت اثارة أعصابهم بهذه الطريقة, لأنهم يسمحون لأنفسهم فعل كل شيء بالمرأة ويتخذونها كوسيلة نقل يمكن تغييرها في أية لحظة..فهذا رجل أنعم الله عليه بالمال يقوم بالزواج من أخرى دون وجود أي سبب يذكر, فقط لمجرد التغيير والمتعة الجسدية, مخالفا بذلك حتى تعاليم النصوص القرانية التي حددت شروط تعدد الزوجات.
وبالعودة الى اتهام وسائل الاعلام بالترويج لهذا النوع من الكاتبات, أود أن أسأل المحامي المحترم, لماذا لا تقوم بالتهجم على الكتاب أشباه الرجال الذين يقومون بمحاربة المرأة واهمال دورها في مجتمعاتنا؟..أليست المرأة هي نصف المجتمع وعماده؟..أين موقفك من بعض الكتاب الذين يطالبون بقمع وتصفية المقاومة العربية والاسلامية في كل مكان..هل أذكرك بمقالة الهاشم والذي دعا فيها رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق أولمرت بضرب حركة حماس ومقاومتها بالكيماوي, في الوقت الذي كان الكيان الصهيوني يشن مجزرته الوحشية على قطاع غزة.
لماذا تصرون على النظر الى القشرة وتتركون اللب؟..عليكم بقراءة الواقع بموضوعية والتعامل مع الأمور بدرجة عالية من العقلانية والشفافية..العيب فينا وليس في زماننا, وما لزماننا عيب سوانا..هل أصبحت قيادة المرأة للسيارة فاحشة, بينما يحق لرجل أن يقوم"بامتلاك" أربع نساء في ان واحد؟..لماذا تصرون على ابقاء مجتمعاتكم ذكورية وبامتياز؟..لماذا لا تقوموا بمهاجمة أشباه الرجال الذين يجولون ويصولون في بلاد الغرب وباراتها, ليلطخوا بذلك سمعة العروبة والاسلام؟. نعم لاطلاق الحريات التي تتناسب وطبيعة العصر الذي نعيشه, الحريات التي تمنح كل ذي حق حقه, ولا تتعدى على حريات الاخرين..نعم لدور فعال للمرأة وفي كافة المجالات, فنحن في عصر يغزو فيه الغرب الفضاء الخارجي ولا نزال نتمسك بعادات وتقاليد بالية لا تزيدنا الا ذلا وتراجعا.
عليك يا عزيزي بمهاجمة كل من تسول له نفسه التطاول على حركات المقاومة العربية والاسلامية, بدلا من أن تشغل بالك وذهنك في كاتبة كتبت ما كتبته, لأن هذا الأمر متروك للقارءات ولن يقمن بفعل ما طالبت به وان كان قصدها مغايرا لما فهمته أنت وغيرك..القضايا المصيرية أهم ويجب معالجتها وعلى الفور..فهل نحن بصدد قراءة مقال لك تهاجم فيه أصحابك المتصهينين؟.
-القدس المحتلة

مقدساتنا وارثنا في تراثنا في حوزة هيئة التراث الاسرائيلية



المحامي لؤي زهير المدهون
عضو اللجنة الوطنية – حزب فدا
Loayzohir@gmail.com



كثيرة هي الجرائم التي تمارسها قوات الاحتلال ضد ابناء شعبنا الفلسطيني ، ولكن الاخطر هو اعتدائها على المقدسات الاسلامية والمسيحية ، وتهويدها للقدس وكل معلم اسلامي بهدف طمس الهوية العربية والاسلامية عن مدينة القدس والخليل ، إن الاجراءات الاخيرة التي قامت بها دولة الاحتلال الاسرائيلي بضم الحرم الابراهيمي الشريف في الخليل ومحيط مسجد بلال في بيت لحم لم تكن مستغربة من قبل ابناء شعبنا الفلسطيني كنتيجة لحالة الصمت العربي والاسلامي على مجريات الاحداث داخل الاراضي المحتلة ، الا من بعض الاجراءات الضعيفة المنددة هنا وهناك من قبل بعض المسئولين الرسميين ، واحيانا كثير تكون بصفاتهم الشخصية لا الرسمية .
إن اعمال القرصنة التي تقوم بها دولة الاحتلال لم تتوقف منذ سرقة الاراضي الفلسطينية ومساومتنا على ما تبقى منها ، ولكنها الان تتمادي في اعمال القرصنة من أجل تغيير التاريخ بتزييفه من خلال سرقة الاثار الفلسطينية وتهويدها حيث لم تعد عملية التهويد في مدينة القدس وحدها ، بل طالت اثارنا وارثنا في تراثنا الوطني العربي والاسلامي بل حتى التاريخي ، ومحاولتها اسرلة وتهويد ارثنا التراثي والفكري والمعماري ، لتصبح معركتنا مع الاحتلال ليست حرباً عسكرية فقط بل حرباً ثقافية وحضارية إنها حرب وجود وتراث ، فلم تكل هيئة التراث القومي الاسرائيلي ولم تمل منذ تأسيسها العمل على سرقة تراثنا الوطني والترويج له في المحافل الثقافية الدولية كتراث وطني للشعب اليهودي ، في خطوة اسرائيلية لطمس تراثنا الفلسطيني حتى الكوفية الفلسطينية رمز الكفاح والنضال الفلسطيني كوفية الثوار ، كوفية الشهيد الخالد ياسرعرفات التي أًصبحت رمزا لفلسطين في المحافل الدولية ، لم تكن لتسلم من حالة التزييف بتقليد المصمم الصهيوني "موشيه هاريل" للكوفية الفلسطينية" بتغيير لونها للأزرق والأبيض وبتصميم تطريزاتها على شكل نجمة داوود ، في واحدة من المحاولات الاسرائيلية لسرقة التراث القومي الفلسطيني بعد ان سرقت الزى الفلسطيني، والتراث الشعبي والأمثال الفلسطينية التي قالت ان أصلها يهودي، حتى الاكلات الشعبية الفلسطينية لم تسلم من ادراجها ضمن المؤكلات الشعبية اليهودية ، اضافة إلى اقتلاع البلاط القديم من مناطق متفرقة في سوق خان الزيت بالبلدة القديمة في القدس المحتلة ونقله إلى مناطق مجهولة واستبداله بأخر ، وعمليات النهب الواسعة وبوتيرة عالية لحجارة البلدة القديمة بالقرب من الكنيسة القبطية والكنيسية الحبشية في مدخل سوق العطارين ، وسرقتهم قبل اشهر لحجارة القصور الاموية لاستخدامها في تزيف وتزوير تراثنا الوطني ، والان تتمادي في اعمال القرصنة لتطول مقدساتنا العربية والاسلامية ، لتيقنها بأن الرد العربي والاسلامي لن يخرج من طور التنديد والشجب والاستنكار ومطالبة المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي .
أن الاجراءات الاسرائيلية بضم المقدسات إلى قائمة التراث اليهودي لم تكن عبثا وانما استمرارا للنهج الصهيوني بسلب كل مؤشر وكل دليل على كينونة الشعب الفلسطيني على هذه الارض المباركة ، و كخطوة أولى لجس نبض الشارع العربي والاسلامي لخطوات اكبر واعظم من المتوقع ان تباشر بها حكومة الاحتلال ، حيث متوقع ان يتم افتتاح اكبر كنيس يهودي على بعد خمسون مترا فقط عن المسجد الاقصى يسمى " معبد الخراب " ، اضافة كون السادس عشر من مارس القادم وفقا لتنبؤات رجال الدين المتطرفين من اليهود هو يوم استهداف المسجد الاقصى بتدميره وبناء هيكلهم الثالث المزعوم على انقاض المسجد الاقصى.
إن الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة وخاصة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" مطالبة بالتدخلَ "الفوريَّ" لوقف تنفيذ القرار الإسرائيلي، وحماية المواقع الأثرية التراثية الفلسطينية من التزييف، والحيلولة دون نقل ملكيتها إلى سلطة الاحتلال أو ادراجها إلى قائمة التراث القومي الإسرائيلي في اليونسكو ، والزامها لدولة الاحتلال باحترام القانون الدولي ، وخاصة وان دولة الاحتلال بصدد تقديم طلب رسمي إلى اليونسكو بإدراج مقدساتنا العربية والاسلامية وارثنا التراثي إلى مجموعاتها التراثية في المنظمة الدولية في خطوة منها إضفاء الشرعية الدولية على قرصنتها وسلبها لتاريخنا وارثنا في تراثنا ومقدساتنا الاسلامية والمسيحية ، مستغلة الوضع القانوني للاراضي الفلسطينية وحالة النزاع القائمة ، والتي نرى فيها انتهاكا صارخا لكل المواثيق والمعاهدات الدولية و لأحكام القانون الدولي الإنساني وبشكل خاص اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 و التي لا تجيز لسلطات الاحتلال العبث بالمواقع الدينية والتراثية في المناطق التي تحتلها أو الاستيلاء عليها أو اعتبارها من ممتلكاتها التراثية ، و اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح لعام 1954. ‏
إن المتوقع من منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" مراعاة الوضع القانوني للاراضي الفلسطينية وللقدس بإعتبارهما من الاراضي المحتلة عام 1967 وعدم قبل الطلب الاسرائيلي في حال عرضه على جدول اعمل اجتماعات لجنة التراث العالمي ، تماما كما ردت في الماضي طلبا اسرائيليا بضم جبل صهيون في القدس ضمن قائمة التراث الاسرائيلي ، مؤشرة في اسفل الطلب المقدم من الحكومة الاسرائيلية "عدم البت بالطلب حتى إشعار آخر يحدد وضعية القدس ضمن القانون الدولي أو إلى اتفاق كافة الأطراف المعنية على اقتراح موحد لتسجيل المدينة" .
إن ما عبرت عنه الامم المتحدة في بيانها عن قلقها البالغ ازاء اعلان اسرائيل ضم الحرم الابراهيمي في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم, مشيرةً إلى أن "هذه الخطوة الإسرائيلية زاد من حدة التوتر في المنطقة مبينا أن الموقعين لهما أهمية تاريخية ودينية لجميع الديانات السماوية" ليس كافيا في ظل رفض إسرائيل الاستجابة إلى القرارات والنداءات العالمية بالحفاظ على دور العبادة والأماكن التراثية في فلسطين وعدم تهويدها بوصفها رموز مشتركة للأديان السماوية الثلاثة ، وفي ظل تجاهلها لكافة القرارات الصادرة عن الامم المتحدة وخاصة قرارات الجمعية العامة ومجلس الامن الدولي ونخص القراران 242 ، 252 ، حيث بات الحل الاوحد لحماية تراثنا وارثنا في تاريخنا بموافقة المجتمع الدولي والامم المتحدة بإقامة الدولة الفلسطينية التي تعطينا الحق للانضمام إلى قائمة الدول الموقعة على اتفاقية 1972 لحماية التراث الثقافي والطبيعي ، وتسجيل مواقعنا التراثية والاثرية ، نظراً لعدم السماح للاعضاء المراقبين والكيانات السياسية دون الدولة كاملة السيادة التوقيع والانضمام إلى مثل هذه الاتفاقيات .
إن الاطراف السامية الموقعة على وثيقة جنيف الرابعة مطالبة بعقد مؤتمر لاتخاذ الاجراءات اللازمه لضمان احترام اسرائيل للاتفاقية في الاراضي الفلسطيينية المحتلة ، وتوفير الحماية الفورية لهم وحقوقهم المادية والمعنوية والثقافية والتاريخية ومقدساتهم ، اضافة إلى ذلك فجالياتنا العربية والاسلامية في الدول الاوروبية والامريكية والاسيوية مطالبة بوضع أليات مقننة ومدروسة من أجل حماية ارثنا الوطني ، وكذلك الحكومات العربية ووزارات الثقافة العربية مطالبة العكوف على إعداد خطة عربية لمجابهة هذا التحدي الكبير ، و اتخاذ موقف عربي موحد بتوقيع الاتفاقيات الثنائية مع الدول الاوروبية والاسيوية والافريقية بحماية التراث العربي الفلسطيني من محاولة الاسرلة والتهويد ، واقامة المراكز الثقافية الدائمة والمهرجانات والمعارض الفنية الخاصة بالفلكلور الفلسطيني ، وهذا يتطلب جهدا دبلوماسيا كبيرا من قبل الوزراء المعنيين و الصرف بسخاء على مثل هذه النشاطات التي من شأنها أن تحمي ولو جزءا بسيطا من ارثنا الوطني من محاولات طمسه وتحريفه ، كما نرى بتحرك الشعوب العربية والاسلامية والاحزاب السياسية ومنظمات حقوق الانسان المعنية والمنظمات والمؤسسات المهتمة بالحفاظ عل التراث العربي والاسلامي اتجاه الاصدقاء وانصار القضية الفلسطينية ولكل حركات التحرر في العالم الغربي ضرورة لوقف هذا العدوان المستمر ضد مقدساتنا وارثنا في تراثنا .

السينما المصرية معانا ولا علينا

أحمد عدوان

لم أفكر في يوم من الأيام أن أتناول ورقة وقلم لأكتب عن فيلم من الأفلام التي تعرض في السينما المصرية ، لأننا جميعاً نعرف فحوي المواضيع التي تحاكينا فيها السيناريوهات الأستهلاكية وما تبتغيه من خلال المشاهد المبتذلة ، من مرابح ومكاسب دون مراعاة لشعور المشاهد وخدش الحياء العام واستنزاف جيب المشاهدين دون الخروج بفكرة حسنة ، لكن هذه المرة سمح لي قلمي بان أكتب لأنه تعود دوماً أن يكتب ويتكلم عن فلسطين وطالما هناك ما يخص بلادنا الحبيبة فلا بد أن يكون لنا رأي وباع وبصمة ،وصلني رسالة علي البريد الألكتروني تحثني علي تحميل الرابط من احدي المنتديات المتخصصة للافلام لمشاهدة فيلم (ولاد العم ) التي بعد التحميل بجودة ونقاء ما يسمي في مصطلحات الحاسوب (دي في دي ) لفت نظري عنوان الفيلم فوجدتني غرقت في ساعة ونصف من المشاهدة لأخرج متسالأ هل فيلم أولاد العم معانا ولا علينا !!! .

قصة الفيلم شيقة للغاية وتجعلني أدعو كل قراء مقالي لتحميل الفيلم أو جلبه من خلال (فلاشا) من أحد الأصدقاء ، لأن الفيلم يستحق المشاهدة كونه يتحدث عن قصة واقعية تخص فلسطين وحدودها ومصر وعلاقتها مع اسرائيل ،ولم يشطح بنا كما عودتنا السينما المصرية في الأونة الأخيرة من تكرار ممل ومن مظاهر مبتذلة أثرت علي جيل باكمله كثقافة (اللمبي ) وغيره من تلك الأفلام التي يحاول تغليب البانجو والحشيش والأجساد العارية علي القضايا المصيرية المهمة .

تدور احداث الفيلم باختصار شديد حول الم المخابرات والجاسوسية من خلال أحد ضباط المخابرات المصريين الذين يحاولون استعادة فتاة مصرية، اختطفها جاسوس إسرائيلى بعد أن تزوجته دون أن تعلم هويته ويتضح فيما بعد عن تورط ذلك الصهيوني في اعمال تخريبية في مصر وزرع شبكات تجسس في الأراضي المصرية لكن هنا يثيرنا سؤال هل( دانيال )واحد في مصر، ام أكثر من صهيوني يريد تخريب وزرع الفتن في أرضنا العزيزة مصر ومحاولات الصهاينة الأخيرة من أقامة مولد أبو حصيرة ألاخير بالقوة لهو خير مثال علي مدي صلف اليهود ورغبتهم في زعزعه الأمن المصري الداخلي وأحراجها أمام العالم.

ولأجادة الضابط المصري اللغة العبرية يخول لدخول إسرائيل والقيام بالمهمة ، وعبور الضفة من خلال جدار الفصل العنصري بمعاونة أحد المقاولين الفلسطينين يتمكن من الدخول ، وكانت أول مواجهة له مع شاب فلسطيني معارض لسياسة مصر يحدث حوار هو أشبه بين الحوارات التي تدور بين الشباب في مصر وفلسطين ينتهي أخيراً بمشاجرة بين الأثنين دون أن نعلم من الخطأ ومن الصح ، وهو أنعكاس للحالة العربية في الوطن العربي أجمع فكل طرف يلقي التهم علي الطرف الأخر في التفريط وضياع حقنا في القدس الشريف وفلسطين كاملة وهو ما يعيق تقدم أي بادرة أمل نحو وفاق عربي شامل .

ولا تزال تلك الشابة المصرية المختطفة تعاني من الصدمة بعد مضي سنين من العيش مع ضابط الموساد الاسرائيلي علي أرض مصر دون أن ترشدها فطنتها وذكائها المصري إلي معرفه زوجها يهودي الي بعد تخديرها وأختطافها هي وطفليها في المياه الاقليمية بين مصر وإسرائيل وسحبها من الأراضي المصرية (زي الشعرة من العجين ) .إذا هنا من الذي يهدد الأمن المصري وقد شهد شاهد من أهلها ويسعدني لو أن أحد هؤلاء المتشدقين اعلاميا الذين يتباهون بالأمن القومي المصري ويتشدقون به ليل نهار أن يتابعوا مثل هذا الفيلم مع انها ليست حالة وحيدة بل حالات عديدة وكثيرة وما خفي كان أعظم وإن كان هؤلاء المتشدقون يعلمون بأن اسرائيل هي الخطر الأكبر علي أمن مصر فتلك مصيبة وأن كانوا لا يعلمون فالمصيبة اكبر .

ينتقل الضابط الصهيوني الي بيته بصحبه زوجته ويعيشون فتره طويله يتحدث أطفالها العبرية بعد ألحاح والدهم الصهيوني بل ويتلون التوارة ويحتفلون بأعيادهم ، ولا تزال تلك المصرية البريئة المصدومة المغدورة بين فكي الأسد وخيارين أحلاهما مر أما ان تترك اولادها وتعود لمصر أو ان تتهود وترضي بواقعها المر الذي لا يرضاه مؤمن ، هنا يثيرنا أن التثقيف العربي والاسلامي مهم للاجيال الحالية التي تشهد تنازلات عربية بالمجان للاحتلال الصهيوني وترقب رؤسائهم بعد كل مجزرة صهيوينة يقبلون الأحتلال علي مسمع ومرأي من الجميع لابد من التثقيف وغرس معني الكرامة والوطن والدين في عقول الشباب والأطفال الصغار قبل ان تتبدل المعايير لأن عدونا يتعلم معني التوارة ويتعلم أيضا عن ديننا ليعرف نقاط ضعفنا ومداخلنا ليتسني له السيطرة علينا فمن الأولي تعليمهم مكر أسرائيل أم تحبيبهم في (الحمص الأسرائيلي والشمينت ) .

يدخل الضابط المصري للكيان ويقابله أعوانه هناك لتسهيل عمله وأثناء تجهيزه لبعض الأمور يصادف فتاة فلسطينية يطاردها الاحتلال الصهيوني فيأويها ويحميها منهم في طريقة أشبه بأفلام (جيمس بوند) ويبدو أن السينيما المصرية أصيبت بحمي أفلام (هيوليود) ، وفيما يلي يكتشف أنها من المقاومين فيحبط عمليتها في مقهي ليلي مثقلا أياها بالعبر والمواعظ عن ضرورة بقائنا أحياء لنثبت لهم عن قوتنا ، ويتضح أخيرا انها تقتل بيد رصاص الاحتلال فهل هي رسالة أن الأنظمة العربية لا تريد أنجاح اعمال المقاومة أم ما هي العبرة من ذلك !!

وفي مواصلة الأحداث ينجح البطل السوبر مان الذي يذكرني بقوة (سبيدر مان) من قتل الصهيوني دانيال ومن العودة بالفتاة المصرية وطفليها ويا ليته جلب الاعداد الغفيرة من الشباب والشابات العرب والمصريين في اسرائيل معه ، كان حينها قد حقق الأرقام القياسية وما عاد هناك (باتمان ولا سيبدر مان ولا غيره ) ومع نظره مليئة بالحسرة المرتبكة يودع مصطفي الضابط المصري حدود فلسطين قبل عودته لمصر ليقول أننا سنعود وليس الأن ....مع أن المثل الشهير يقول لا (تؤجل عمل اليوم للغد ) .

لكن المهم والأجمل أن هناك استشعار والتماس مشترك بيننا كعرب ان فلسطين ليست للفلسطينين وحسب وأنه مهما اخطاء الفلسطينيون فانهم علي النقيض الأخر مقاومون واستشهدوا ولم يفرطوا في ذرة تراب واحد من أراضيهم بل دافعوا وقتلوا وهدمت بيوتهم علي رؤسهم عندما استشعروا ان دمائهم رخيصة امام تراب الوطن الغالي وحرب غزة الأخيرة هي خير مثال وخير شاهد علي صدق الحديث وتلقم كل مزاود علي بسالة وشجاعة اهل فلسطين وتصديهم للمحتل الغاصب

فيلم اولاد العم لم يكن الا انطباعا عن تصور العربي البعيد عن أرض فلسطين ولم يصور كل الحيثيات الصحيحة بل اكتفي بجزء بسيط وتسليط للضوء علي حسب المزاج وكيفما أراد أن يكون له الحاكم والحزب ولا يمكن أن يكون أكثر من ذلك هو فيلم موجه للحكام ان لا تانبوا أنفسكم ودعكم من لوعة الضمير هذا أن وجدت وما تفعلوه هو عين الصواب والناس من ورائكم ، وسيأتي يوم للعودة لكن متي الله اعلم فلا تهلكوا أنفسكم في الخلاص من أسرائيل (أحنا قدها وقدود) .!!

، لكن المتعة والحبكة الدرامية ومشاهد الأكشن التي طغت في الفيلم كانت تحمل في طياتها رسائل سياسية أغلبها مغلوطة ومحرفة فمن عنوان الفيلم إلي نهايته كانت هناك بعض المغالطات التي لازالت تصور النظام المصري هو البطل وأن التغاضي الذي يحدث الأن وغض الطرف عن الكثير من القضايا الداخلية لا يمثل تخليا واضحا عن فلسطين وأهلها بل هو عمل مشرف يلزم الجانب المصري الألتزام بالمعاهدات وعلي رأسها كامب ديفيد ، وكأن الجدار المصري الذي يدق في باطن الأرض هو عمل مشرف طالما أحد الفلسطينين يساهم في بناء جدار الفصل العنصري،وأن المقاومة قتل وجرم لأننا بحاجة إلي أن ننتظر ليقتلونا هم لن يكون هؤلاء الصهاينة المعتدين أولاد عم لنا ولو قبلوا أقدامنا ولو قتلونا لأجل ان يركعونا لنقبل بهم ولو حاولوا مهما حاولوا فلن يكون لنا فيهم شفقة ولا رحمة حتي نخرجهم من ديارنا هؤلاء اولاد قردة وخنازير وليسوا أولاد عمومة وستبقي المقاومة فوق الجميع .

أخيراً أعتقد أن الفيلم بالرغم من كل الحشد الا انه لا يختلف عما سبق من الافلام التنويمية التي تستخدم الساعة المتأرجحة لتنويم المشاهد مغناطيسيا و يبقي الحال كما هو عليه من حيث التفكير والأعداد والأخراج ورضا النظام الحاكم فالسينما هي اللسان والمتحدث الرسمي بأسم النظام والمسبحة بحمده لم يختلف شئ سوي الكثير من الاكشن و الكثير من الانفاق ولا يزال يبرق تساؤلاً كبيرا موجه للسينما المصرية هل هي معنا أم علينا ؟؟

السبت، فبراير 27، 2010

إستمرار الفساد في أندونيسيا يقوض شعبية يودويونو

د. عبدالله المدني

بعد أشهر من إعادة إنتخابه للمرة الثانية كرئيس لكبرى الديمقراطيات الإسلامية في يوليو من العام المنصرم، تواجه أحلام الرئيس الإندونيسي “سوسيلو بامبانغ يودويونو” في إقامة إئتلاف وطني جامع مآزق وصعوبات كثيرة مصحوبة بأسئلة عديدة حول مدى كفاءة حكومته وجديتها في مكافحة الفساد المستشري في اوصال البلاد.

أحد مصادر تلك الصعوبات جاءت من محاولة يودويونو التوفيق ما بين قوى ورموز سياسية متضادة في أهدافها وأيديولوجياتها وطموحاتها وطرق تفكيرها ، وذلك على نحو ما فعله غداة فوزه في الانتخابات الرئاسية، أي حينما عمد إلى تقوية نفوذه في البرلمان عبر عقد تحالفات سياسية، تلتها تشكيل حكومة وزعت حقائبها على مختلف الأحزاب السياسية التي دعمت ترشحه للرئاسة، ناهيك عن الشخصيات الانتهازية التي غيرت مواقفها بمجرد شعورها بأن النصر سيكون حليف الرجل لا محالة.

وهكذا رأينا تايكونا للمال والأعمال مثيرا للجدل مثل "أبورضا البكري" الذي تولى في أكتوبر الماضي قيادة حزب "غولكار" الذي حكم البلاد زمن الديكتاتورالراحل سوهارتو، بل الذي نافس يودويونو على الرئاسة في الانتخابات الأخيرة، يكافيء مع أربعة من زملائه بحقائب وزارية. علاوة على ذلك منح يودويونو حقيبة وزارية هامة مثل وزارة تنسيق الشئون الإقتصادية إلى "حتا راجاسا"، وهي شخصية إسلامية معتدلة من رموز حزب " بارتي أمانت ناسيونال" الإسلامي أو حزب الأمانة الوطني الذي كان قد أسسه زعيم جماعة "المحمدية" والرئيس الأسبق للبرلمان "أمين ريس"، وذلك على الرغم من الأداء السيء لهذه الشخصية في كل ما أوكل إليه من مناصب رسمية سابقة ما بين عامي 2001 و2004 مثل وزارة النقل ووزارة الأبحاث والتكنولوجيا. وتعليقا على هذا، كتبت الصحافة الإندونيسية واصفة حكومة يودويونو الحالية بأنها خليط من الإصلاحيين والمحافظين، ومن الساسة والتكنوقراط، ومن العلمانيين والإسلاميين.

غير أن يودويونو، الذي كان وقتها في ذروة مجده المتحقق من حصوله على تخويل جماهيري كاسح، رد قائلا بأنه عمد إلى ذلك من أجل تمرير أجندته وسياساته في البرلمان والتي تتمحور حول الإصلاحات الإقتصادية والمالية ووسائل جذب رؤوس الأموال الأجنبية، ومكافحة البيروقراطية المستفحلة والفساد المستشري، وتطوير الأجهزة الرقابية والأمنية. وبعبارة أخرى كان الرئيس الفائز يمد يديه وقتذاك إلى الجميع من موقع قوة، قبل أن تضعف مكانته وشعبيته بفعل الفضائح الناجمة من تدخل بعض أركان إدارته في مهام المفوضية العامة لإجتثاث الفساد، والتي كان من معالمها التزوير وإنفاق ما يقارب 7 بلايين روبية (750 مليون دولار) من المال العام من أجل إخراج أحد المصارف المحلية من عثراته المالية في العام الماضي.

الأمر الغريب الذي توقف عنده المراقبون طويلا هو أن حزبي "غولكار" و "بارتي أمانت ناسيونال"، بدلا من أن يسندوا ظهر يودويونو بإعتباره حليفا لهما في البرلمان وشريكا لهما في الحكومة، إنتهزا هذه الواقعة للتشويش على صورته وشعبيته، وذلك بإنضمامهما إلى المعارضة وترديدهما لما رددته الأخيرة.

الأغرب من ذلك أن حزب "غولكار" المتمرس منذ حقبة سوهارتو البائدة على الفساد والنهب زعم بأن ما أنفق من المال العام لإخراج المصرف المذكور من عثراته تجاوز كثيرا ما أعلن عنه، وأن الفارق تم نهبه لصالح حزب الرئيس(حزب إندونيسيا الديمقراطي)، وهو ما أنكره يودويونو بشدة مع مطالبته بإجراء تحقيق شفاف لتبرئته وحزبه من هذه التهمة الشنعاء التي لطخت بالفعل سمعته.

وإذا كان ما قالته رئيسة الجمهورية السابقة وزعيمة المعارضة الحالية "ميغاواتي سوكارنو بوتري" من أن تلك الأموال المنهوبة قد أنفقت على حملة الرئيس يوديونو الإنتخابية ولعبت دورا حاسما في فوزه بأصوات أكثر من 60 بالمئة من الناخبين، يبدو مفهوما بإعتباره تهويشا وتبريرا منها لخسارتها في المعترك الإنتخابي، فإن ما لا يمكن ايجاد مبرر له – سوى توجيه ضربة ليودويونو على أمل العودة لحكم أندونيسيا مرة أخرى وبالتالي إستعادة الإمتيازات الذهبية المفقودة – هو قيام حزب متحالف مع رئيس البلاد وشريك له في الحكم كحزب "غولكار" بقيادة حملة لتشويه صورته وسمعة حزبه الحاكم.

على أن مطالبة الرئيس يودويونو بإجراء تحقيق شفاف لئن أدت إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية مكونة من 30 مشرعا، للنظر في القضية، فإن الإشكالات والخلافات السياسية الموجودة على الساحة ما بين الداعمين لللبرلة الإقتصادية بقيادة وزيرة المالية الإقتصادية الموهوبة "موليان إندرواتي" (حاصلة على درجة الدكتوراه في الإقتصاد من جامعة إلينوي الأمريكية) و نائب الرئيس وحاكم المصرف المركزي السابق "بوإيديونو"، و بين خصوم الإنفتاح الإقتصادي الواسع بقيادة "ابورضا البكري" الذي حقق ثروات طائلة من الأنشطة الإحتكارية وبنى لعائلته إمبراطورية أعمال ضخمة أثناء الحقبة السوهارتية شملت الإشتغال في التجارة والزراعة والصناعة والسياحة والشحن والتعدين والانشاءات والإعلام والصيرفة والتأمين، قبل أن يتعرض لخسائر بسبب الأزمة المالية العالمية، قد سيست القضية و أرخت بظلالها عليها بصورة جعلت أحلام يودويونو في تحقيق إجماع وطني حول أجندته تتبخر أو تتضعضع. الأمر الآخر الذي أثر في نفس الإتجاه سلبا هو تنازع السلطات والخلافات والإحتقانات الموجودة ما بين الشرطة والسلطات القضائية و قضاة المحكمة الدستورية ورجال الأعمال المتنفذين.

وربما هذه النتيجة المحبطة هي وراء ما يتردد في الإعلام الإندونيسي المتمتع بهامش واسع من الحرية منذ سقوط سوهارتو من أن يودويونو لم يعد كما كان يوم فوزه الكاسح، بمعنى أنه فقد الآن الأمل وبالتالي صار يعبر عن ذلك بالمواقف العصبية والغضب السريع من أي نقد لإدارته، وكأن الجميع يتقصده شخصيا ويحاول النيل منه، متناسيا أن ما يجري هو ضريبة الديمقراطية، وأن بلاده قد خطت خطوات راسخة على هذا الصعيد خلال سنوات العقد الماضي، وأن شعبه قد بلغ الرشد وصار بفعل حركة المجتمع المدني وتنظيماته الكثيرة قادرا على تكوين رؤيته الخاصة للأحداث وبالتالي التأثير في مجريات الأمور بإستقلالية.

نعم ! لقد نجح الجنرال المتقاعد يودويونو في وضع بلاده على الطريق الصحيح من بعد سنوات عجاف من الأزمات والإحتقانات في أرخبيل مترامي الأطراف، مقطع الأوصال جغرافيا، متنوع الأعراق والثقافات، مختل إختصاديا، مسكون بنزعات إنفصالية وجهوية حادة.

غير أنه إلى الآن لم يجد علاجا مناسبا لداء بلاده المزمن وهو الفساد المستشري في مفاصل أجهزة الشرطة والخدمة المدنية، على الرغم من محاولاته ووعوده الكثيرة، وتقديمه للعشرات من مسئولي الدولة للمحاكمة بتهم إستغلال الوظيفة العامة من أجل الكسب الحرام، بل وتسميته يوما في ديسمبر من كل عام كيوم وطني لإجتثاث الفساد، وهو المناسبة التي إستغلها خصومه مؤخرا للتظاهر بأعداد غفيرة في شوارع جاكرتا للتنديد بما قيل أنه فضائح وإستغلال للنفوذ من قبل مسئولين في إدارة الرئيس نفسه مثل والد زوجته "أوليا فوهان" المسئول القيادي في المصرف المركزي، بل وأيضا مسئولين في لجنة إجتثاث الفساد نفسها، وذلك في إشارة إلى نائبي رئيس تلك اللجنة "بابيت ريانتو" و "تشاندرا حمزة" الذين أعتقلا بتهمة الإرتشاء وإستغلال السلطة، قبل أن يفرج عنهما لعدم كفاية الأدلة.

لقد اعادت التظاهرة المذكورة إلى الإذهان ما حدث أثناء إنتفاضة الشعب ضد ديكتاتورية سوهارتو في عام 1998 ، بل كان يمكن أن تتطور إلى شيء مشابه، لولا هطول الأمطار الغزيرة التي فرقت الجموع المتظاهرة، ولولا خطاب التهدئة الذي ألقاه يودويونو إلى شعبه مساء ذلك اليوم الماطر من التلفزيون الرسمي.

في ذلك الخطاب بدا الرئيس مصمما على المضي قدما في تنفيذ سياساته، بدليل إعلانه "الجهاد" دون هوادة ضد الفساد والإرهاب معا وبنفس القوة، خصوصا وأن تلك التطورات جاءت متزامنة مع إكتشاف خلية تابعة للميليشيات الإسلامية كانت تتدرب في أحد المعسكرات النائية على إغتياله عبر إجادة التصويب باستخدام صورة لرأسه وصدره.

وكان من الطبيعي أن تشكل هذه الهموم والمنغصات الكثيرة إحباطا لدى يودويونو، خصوصا مع وصف الصحافة الأجنبية له بأبي الفساد منذ تسرب أخبار قضية المصرف المتعثر المشار اليها آنفا، ناهيك عن تراجع موقع أندونيسيا في قائمة الشفافية العالمية من المركز 137 إلى 111، وعدم تضمين الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" لأندونيسيا في جولته الآسيوية الأخيرة التي شملت اليابان وسنغافورة والصين وكوريا الجنوبية. ليس هذا فقط ، بل أدت تلك الهموم إلى فقدان الرئيس لثقته بأقرب المقربين منه بمن فيهم وزيرته المفضلة "أندرواتي" بدليل أنه لم يصطحبها معه في زيارته الرسمية إلى أربع من دول الإتحاد الأوروبي في ديسمبر المنصرم.

إلى ذلك و ربما بسبب التطورات نفسها، ألغى يودويونو زيارة كانت مقررة له إلى أستراليا،الشريك التجاري الإقليمي الأهم لبلاده، حيث قيل أنه خاف ألا تنجم الزيارة عن نتائج إيجابية لجهة الملفات الحيوية التي تهم الجارتين، وعلى رأسها ضخ الإستثمارات الأسترالية في الإقتصاد الإندونيسي، ومكافحة الإرهاب، ومعالجة مسألة التسلل إلى الأراضي الأسترالية من البوابة الإندونيسية والتي يقوم بها لاجئون متجمعون على الأرض الإندونيسية من أفغانستان وسريلانكا وبنغلاديش و بورما وغيرها.

جملة القول أن يودويونو رغم كل ما لحق بعهده الرئاسي الثاني من إنتكاسات، لا يزال زعيما صلبا وقادرا على تمرير سياساته في البرلمان بفعل التحالفات التي عقدها. أما صور الفساد التي ألقت بظلالها على عهده فلا يد له فيها، كونها ناجمة عن مشكلة قديمة يساعد على إستمرارها فساد الجهتين المعنيتين بمكافحتها وهما جهازي القضاء والشرطة.



د. عبدالله المدني
باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
تاريخ المادة : فبراير 2010
البريد الإلكتروني: elmadani@batelco.com.bh


قدسنا ليست بخير يا عرب ويا مسلمين

راسم عبيدات

......كم نداء وكم صرخة وكم رسالة وكم استغاثة وكم بيان وجهنا لكم،أنظمة وأحزاب وجامعة دول عربية ومنظمة مؤتمر اسلامي ولجنة قدس ومؤسسات وجمعيات وهيئات وأفراد،بأن القدس تضيع،والاحتلال يواصل مسلسل تهويدها وأسرلتها ليل نهار،ولا يضيع دقيقة واحدة من أجل تغير طابعها ومعالمها العروبية والإسلامية،ويضخ ويرصد لذلك مليارات الدولارات من الحكومة ومن الجمعيات الإستيطانية ومن كل أثرياء يهود العالم،حتى الذين منهم يملكون ويديرون نوادي القمار وبيوت الدعارة وشبكات الجنس،يوجهون أموالهم من أجل تهويد القدس،أما أنتم فالسيمفونية المشروخة التي مللنا سماعها منكم،منذ أحرق المتطرف الصهيوني روهان المسجد الأقصى في آب 1969، تتكرر بشكل دائم نشجب ونستنكر ونطالب المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية،بإدانة الإجراءات والممارسات الإسرائيلية في القدس،ومصير تلك المطالبات والمناشدات غير المسنودة بالفعل والعمل الأدراج وأرشيف الهيئات الدولية.

نقول لكم الاستيطان في القدس يلتهم الأخضر واليابس،تقولون لنا المفاوضات والمبادرة العربية هي الحل،ونقول لكم هدم المنازل العربية لم يعد فردياً،بل يطال أحياء بأكملها،كما هو الحال في حي البستان في سلوان،ونفس اللازمة نجدد تمسكنا بالسلام والمبادرة العربية الصالحة لكل زمان ومكان،نقول لكم إنهم يقتربون من الأقصى ويمهدون لهدمه،فإنفاق تحفر من تحته ومن حوله،وساحاته تنتهك يومياً وتقام فيها الصلوات التلمودية،وحتى ترتكب المعاصي في تلك الساحات،والبلدة القديمة تغلق لمدة عامين من أجل ما يسمى بالترميمات،وشريان الحياة يقتل فيها،ويضطر تجارها لهجرها ونقل مركز حياتهم الى خارجها،وبما يعني طرد وترحيل لعشرات آلاف المقدسيين من القدس،وجوابكم توجهنا الى اليونسكو والمجتمع الدولي لإدانة الممارسات والإجراءات الإسرائيلية في القدس،ورفعنا العتب عن أنفسنا وكاهلنا وكفى الله المؤمنين شر القتال.

القدس تعزل عن محيطها الفلسطيني جغرافياً وديمفرافياً،وتحاصر اقتصادياً وتجارياً،وحتى شوارعها تعبرن، وتحيط بها جدران الفصل العنصري من كل الجوانب والاتجاهات،وأحزمة استيطانية في القلب من بلدتها القديمة وحوضها المقدس وقراها الواقعة داخل ما يسمى حدود بلدية القدس،بحيث غدت وتغدو تلك القرى والبلدات جيوب معزولة عن بعضها البعض في محيط يهودي،وجوابكم أصحاب الفخامة والجلالة والسمو من ورؤساء وملوك وأمراء،في البيان الختامي للقمة المنتظرة في سرت أو طرابلس بليبيا،هو أنهم يدينون بأقصى العبارات وبيانات الشجب والاستنكار العابرة للقارات،ما تقوم به إسرائيل من ممارسات وإجراءات بحق القدس والمقدسيين،ويدعونها لتطبيق مقررات الشرعية والقانون الدولي بحق القدس،كما أنهم يؤكدون على أن الحل هو بالضغط الأمريكي والدولي عليها من أجل قبول مبادرة السلام العربية،ووفق ما تقترحه عليها من شروط وتعديلات.

نقول لكم إسرائيل ضمت الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح إلى مواقعها الأُثرية،في سطو وتزوير واضحين للتراث العربي والفلسطيني،وتمهيداً لبروفة قادمة بحق المسجد الأقصى،من تقسيم وهدم،وأنتم تقولون أصحاب الفخامة والجلالة والسمو ينظرون بقلق بالغ لما أقدمت عليه إسرائيل من انتهاك صارخ للقانون الدولي والسطو والتزوير على وللتراث العربي والفلسطيني،وفي المقابل ترون بأن وقف عملية التطبيع مع إسرائيل أو طرد سفرائها وإغلاق ممثلياتها التجارية والاقتصادية في البلدان العربية والإسلامية التي تقيم معها علاقات،خطوات من شأنها "الأضرار بالمصالح العربية والاسلامية".

يا عرب ويا مسلمين لا نعرف متى تغضبون؟ حرق الأقصى ولم تغضبوا،اغتصبت عاصمة الرشيد وشاركتم في احتلالها ولم تغضبوا،حوصرت غزة وما زالت تحاصر بهمتكم وجهودكم وقصفت بكل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً،إن لم يكن بمشاركتكم فبصمتكم ولم تغضبوا،لبنان القذائف التي سقطت عليه تعادل في قوتها وشدتها وعددها اربعة أضعاف القذائف التي استخدمتها إسرائيل في حرب تشرين 1973 ولم تفلح لا دموع السنيورة ولا رجاءات ومقولات نبيه بري عن العرب والعروبة في استثارة هممكم أو تحريك مشاعركم وعواطفكم المتحجرة والمتلبدة،بل كنتم تنتظرون وتحثون إسرائيل على تصفية المقاومة وفي المقدمة منها حزب الله،وكأن المقاومة بصمودها وانتصاراتها كانت تعريكم وتكشف عوراتكم حتى من ورقة التوت التي كانت تسترها،وتغطي عجزكم وتخاذلكم وتامركم.

يا عرب ويا مسلمين قدسنا ليست بخير،ومطلوب منكم في القمة القادمة،والتي نرى أنها لن تكون سوى اجترار وتكرار ممل لخطابات وديباجات من الإنشاء والطباق والجناس والخطب والشعارات،عن دعم صمود القدس والمقدسيين على الورق،ودون أي ترجمات عملية أو خطوة عملية ترتقي الى مستوى الحد الأدنى من المطلوب عربياً وإسلاميا تجاه القدس والمقدسيين،أن تغادروا لغة الشعارات والخطابات مرة واحدة،وأن تتعلموا أن تمتلكوا الإرادة والقرار وتقولوا لا واحدة مدعومة بالفعل.

تعلموا من "نتنياهو" فهو قال لا لأوسلو ولا لخارطة الطريق ولا لوقف الاستيطان أو تجميده لا سراً ولا علناً ولا لعودة اللاجئين ولا لإزالة الكتل الاستيطانية الكبرى ولا لدولة فلسطينية كاملة السيادة ولا لخطة أوباما،وقال نعم لدولة يهودية خالصة،ونعم للقدس عاصمة أبدية لإسرائيل،ونعم لتكريس الاحتلال وتشريعه،أما أنتم فقلتم لا للمقاومة نهجاً وخياراً وثقافة،ونعم للمفاوضات من أجل المفاوضات،ولا بديل عن تلك المفاوضات حتى لو كانت مارثوناً غير منتهي،أو نهجاً عبثياً وعقيماً.

يا عرب ومسلمين الاحتلال ربما وصل الآن الى الفصل الأخير في مسألة حزم السيطرة والسيادة على القدس،فهو يفرض الوقائع على الأرض،ويريد إخراج القدس من دائرة الصراع أو أي تسوية سياسية قادمة،ولا يكترث لا لشعاراتكم ولا خطبكم ولا شجبكم ولا استنكاركم،ولا حتى المجتمع الدولي من خلفكم،فهو يدرك طبيعة وحجم ردات فعلكم،والتي لا تتعدى أيام التعزية الثلاث في الميت عند العرب،كما يدرك أن جعبتكم فارغة وجيوشكم وأسلحتكم ليست للمعارك والحروب وتحرير الأوطان،بل للاستعراض والتخزين وقمع الشعوب والحروب الداخلية.

لكن لا بأس يا عرب ويا مسلمين،فنحن المقدسيين،رغم ضخامة وبشاعة الهجمة التي نتعرض لها،مصممون على التشبث بأرضنا والصمود عليها،والدفاع عن وجودنا وهويتنا وتاريخنا وتراثنا وقوميتنا ومقدساتنا بكل ما نملكه من إمكانيات متواضعة،وواجبنا أن نواصل مخاطبتكم ومطالبتكم بتحمل دوركم ومسؤولياتكم تجاه القدس والمقدسيين،فلربما نذكر إن نفعت الذكرى ولربما تغضبون ونحن واثقون بأن الاحتلال بممارساته واجراءاته،لم يترك لكم أي خيار أو مجال سوى مغادرة نهج التفاوض والاستجداء نحو المقاومة والغضب،نحو نصرة القدس والمقدسيين.

الدور السعودي في وحدة الصف العربي

السيد محمد علي الحسيني

لعبت الظروف الذاتية و الموضوعية التي مرت بالوطن العربي خلال العقود الماضية و تداعيات و إنعکاسات کل ذلك على المشهد السياسي العربي، دورا لم يکن في خطه العام إيجابيا وانما مال الى حد ما نحو سلبية تجاوزت أحيانا الخطوط المألوفة. وبقدر ماکانت وحدة الصف العربي خلال مطلب ملح تستوجبه العديد من العوامل، فإن تشتت الصف العربي في نفس الوقت کان أيضا مطلبا ملحا و بالغ الاهمية بالنسبة لأعداء العروبة و الاسلام و المتربصين بها شرا، وکلما کان هنالك شرخ او فجوة او خلل معين في الصف العربي، فإن الاعداء کانوا بنفس مقدار و حجم ذلك يستفادون منه و يوظفونه لخدمة أهدافهم و اجندتهم السياسية.


ولسنا في صدد ادانة هذا النظام العربي او الاشادة بذلك النظام العربي، بقدر مانحن بصدد البحث في مقدار الضرر المتسبب من وراء حدوث حالات إنفراط او خلل في الصف العربي و إنعدام فرص الحوار و التشاور الاخوي بحثا عن الحلول الناجعة لمختلف القضايا و المشاکل و الازمات المطروحة على الساحتين العربية و العالمية، ويقينا ان القادة و الزعماء العرب قد تنبهوا لاحقا الى هذا الامر و تيقنوا من خطورته على مسألة الامن القومي العربي، ومن هنا فقد بدأ القادة و الزعماء العرب ومنذ عقد الثمانينيات تحديدا، يمنحون مسألة وحدة الصف العربي أهمية إستثنائية و يسعون للم شمل البيت العربي ودعم أسسه و بنيانه لمواجهة أية أخطار محتملة.


ومع تقديرنا للحرص و الشعور بالمسؤولية الذي أبداه العديد من القادة و الزعماء العرب بهذه المسألة، لکن التوقف عند الدور السعودي الذي بدأ بالتبلور و التقدم و الاضطراد منذ عهد الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله و من ثم شهد تقدما ملحوظا في العهود اللاحقة غير أنه قد وصل الى مستوى أقل مايقال عنه ممتاز في العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي أعطى أکثر وقته و جل همه للمسائل المرتبطة بالمسلمين و العرب و قد ظهر جليا بأنه قد أولى قضية وحدة الصف العربي أهمية إستثنائية لم ترقى إليها العديد من القضايا الاخرى، والملاحظ بهذا السياق، أن العاهل السعودي قد تعمد أن يبدي منتهى اللين و التسامح مع الاشقاء العرب في سبيل إيجاد فرص التلاقي و التواصل ونبذ الفرقة و الخلاف و کل مايصب بذلك الاتجاه، وقد ترجم خادم الحرمين الشريفين سعيه الحميم هذا بخطوات عملية و مشهودة على أرض الواقع ساهمت بقوة في تقريب وجهات النظر و إيجاد أرضية ملائمة لإنطلاق جهد عربي جماعي مشترك يخدم آمال و تطلعات الامة العربية. وفي الوقت الذي کانت مختلف الاوساط و الدوائر السياسية تراهن على تشتت و وهن الصف العربي للإنقضاض على هذا البلد العربي او ذاك، فإن الجهد المبارك الذي بذله العاهل السعودي بهذا الخصوص قد أتى أکله و ثماره على أفضل مايکون، حيث إنتهت تلك الاوساط و الدوائر السياسية الى حقيقة أنه من المحال إنجاز عمل سياسي يقود الى إضعاف او إسقاط نظام عربي آخر(خصوصا بعد الذي جرى في العراق)، وان التقارب السعودي السوري وکذلك التقارب السعودي السوداني، والخطوات الاخرى المشابهة بنفس السياق، قد أثبتت للعالم أجمع أن العرب لم يعودوا لقمة سائغة لأعدائهم و ان العقل السياسي العربي طفق يفکر و يخطط لأفضل الطرق و السبل لصيانة النظام العربي و بالتالي الامن القومي العربي من أية تهديدات او مخاطر محتملة.
اننا کمرجعية سياسية للشيعة العرب إذ ننظر للدور البارز لخادم الحرمين الشريفين بمنتهى الفخر و نعتبره علامة و مؤشر بالغ الايجابية في رسم معالم طريق جديد لمستقبل أفضل للأجيال العربية يضمن من خلاله و بسببه نجاح العرب في الحصول على حقوقهم و وضع حد لتربص الاعداء و طموحاتهم الشريرة، فإننا في نفس الوقت واثقون من أن المستقبل المنظور سيشهد بعون الله و عنايته تقدما کبيرا بهذا الخصوص.
*المرجع السياسي للشيعة العرب.

alsayedalhusseini@hotmail.com



عاصفة قرار رئيس حكومة الإحتلال بضم الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم لم تهدأ بعد

فادي الحاج
جرائم قوات الاحتلال لا تعد ولا تحصى, وهي لا تتوقف ضد الشعب الفلسطيني لا بل تزداد حنكةً ووعرةً بحق الانسان والمكان. يد الدنس واللؤم والغدر التي لاتعرف سوى الترهيب والتطاول على المواطنيين الابرياء وتدمير الممتلكات والله يحفظ الشعب المقاوم ويحفظ هالبلد وأوفيائها ، لكن للأسف الصهاينة المتطرفة أعداء للحياة وللخُلُق والإنسانية بكافة أشكالها ، لا ينبغي أن يعيشوا بين البشر لأنهم سرطان يجب استئصاله من جذوره. الاسرائليون اصحاب الفكر الضال لايؤمن مكرهم يجب ان لا يمنحوا اي فرصه سلام فعقولهم مؤدلجه لايمكن تطهيرها من تلك الافكار القذره. نقول لكم ايها الاسرائليون اننا جميعا فلسطنيون ومسلمين سنتحد معا لحفظ أمن وطننا من فتنتكم وغدركم وطمعكم. ونسأل الله أن يكفيناكم بما يشاء وهو السميع العليم وأن يرد كيدكم في نحوركم ويجعل تدبيركم تدميرا عليكم ان الله على كل شيء قدير احفظ بلدنا فلسطين وبلاد المسلمين من كل شر. وعداً أن نبقى الصدى لصوت لا للظلم المدوّي في أرجاء الدولة الأسترالية، دولتنا هذه التي تُعتبر واحدة من الدول المشاركة في صناعة القرارات الدولية، وسنعمل لتحويل معارفنا قوةً ضاغطة على صنّاع القرار الأستراليّ يكون له الأثر الإيجابيّ في خدمة الشعب الفلسطيني و قضيته.

فإن فجر الحرية لقريب وسيبزغ من أزقة البلدة القديمة في الخليل ونابلس كما في سائر أنحاء هذا الوطن المقاوم "فلسطين"، وصولا إلى أزقة البلدة القديمة بالقدس عاصمة فلسطين الأبدية". "في كل صلاة تقام في الحرم الإبراهيمي وفي كل أذان يرفع ما يؤكد على ارتباط الشعب العربي عامةً والفلسطيني خاصةً بهذا المكان، إن الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة الإسرائيلية بضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح، واعتبارهما جزء من الأماكن التراثية اليهودية هو انتهاك لكل القوانين والأعراف الدولية،فهذا السطوا على التراث الفلسطيني يؤكد أن هذا المكان جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1967 كما قطاع غزة والقدس الشرقية، وكل المدن والبلدات والقرى لشعبنا الفلسطيني التي ستقوم عليها دولة فلسطين المستقلة، وفي قلب مدينة القدس العاصمة الأبدية للشعب الفلسطيني".

fadiozy@yahoo.com.au

نبيه بري يكتسح التاريخ ونجاد المريخ

سعيد علم الدين

هذا وقد استقبلت اسرائيل أحمدي نجاد في زيارته الى دمشق، وهو الذي يهددها بمناسبة ومن دون مناسبة، وفي الذهاب والإياب، وعلى الطلعة والنزلة، بشعار ازالتها عن الخارطة: استقبالا حافلا جدا، وعمليا جدا، وحارا جدا، ومهددا جدا ومن دون رفع أي شعار، ولكن أين؟
في منطقة مخلب ايران الحاد الجارح الذي يحركه كما يشاء الولي الفقيه من قم. أي في الجنوب اللبناني.
فاقضت مضاجع اهل الجنوب، البؤساء بلا مظلة جوية بشارية نجادية الهية تحميهم من الاستكبار الصهيوني الامريكي، مستكبرة عليهم بطيرانها الحربي الاستفزازي الذي لم يكن ليهدأ لا ليلا ولا نهارا، وقام بشكل متواصل على ارهابهم واخافة اطفالهم بضجيجه المرعب، وغاراته الوهمية، وتحليقة المكثف والمنخفض فوق رؤوسهم مذكرهم قبل ان ينسوا، بكارثة تموز التي قتلت وجرحت منهم الالاف وشردت المليون في استعراض واضح ومرئي ومسموع لقوة اسرائيل الضاربة.
وذلك لافهام حسن نصر الله ويزبك وقاووق ونبيه بري ومن ورائهما بشار ونجاد والمرشد الاكبر حامي الحمى خامنئي ومعهم المعلم وليد وزير خارجية النظام الممانع العتيد وصاحب مقولة الزعران، بان هؤلاء الزعران هم اسياد الساحة بضجيج طائراتهم المدمرة الرادعة وليس برفع الشعارات الفارغة والابتهالات الغير واعدة والتهديدات الزائفة.
ومن يركز النظر على عيني نجاد يرى زوغانهما بوضوح، وروغان عقل صاحبهما، في تعبير يقيني عن وكذب ونفاق وزيف ما يرفعه من شعارات مضللة ستينية خشبية اللغة بالية بائدة اثبتت عقمها امام شعوب المنطقة المنكوبة بقادة من امثاله، فغدت حتى ما يدعيه من وعود الهية كلمات فارغة لا تنطلي الا على السذج والجهلة والجموع الغائبة والمغيبة والمخدرة الغوغائية التائهة.
حتى ان صعود نجاد بصاروخ سجيل الى سطح المريخ لفرض ولاية الفقية هناك اسهل للتصديق والتحقيق عند الناس الواعية والعارفة من ثرثراته بازالة اسرائيل.
وبينما اسرائيل منكبة يوميا على بناء الملاجئ المجهزة بكل ما يلزم والمكيفة على اخر طراز لحماية شعبها ورعايته، ووضع الخطط الحربية والتدريبات المستمرة واختراع احدث الطائرات بدون طيار، والقيام بمناورات سرية واخرى علنية تحضيرا لزعرانها في شن الحرب القادمة التي يرفع شعاراتها ويبشر بها يوميا نجاد ونصر الله ونعيم قاسم بدعم من بقية جوقة المحور الايراني السوري في تحرير كل فلسطين، فَقَعَنا الاستيز نبيه بري تصريحا " أخو محلوشي أي اخو اختو" ومن العيار الثقيل فاق به كل رؤساء البرلمانات العرب الأموات منهم قبل الأحياء، والنائمين قبل المستيقظين، والمرددين لشعارات الزعيم قبل المصفقين، والْمُعَيَّنين من قِبل حكامهم قبل المنتَخبين، والديمقراطيين قبل الشموليين.
وهل هناك ديمقراطيون؟
وهل بري ديمقراطي ويحترم التبادل السلمي للسلطة؟
وهو الجالس رئيسا على كرسي البرلمان منذ عقدين من الزمان دون استراحة ودون انقطاع حتى الآن، بفرض من نظام الوصاية السوري سابقا عندما كان حاكم لبنان، والان بقوة سلاح حزب الله أداة ايران.
هذا مع منع وزجر وقمع ترهيب وحتى تهديد أي مرشح شيعي اخر ينافس الاستيز ملك البرلمان على احتلال المكان. ولو حتى على عينك يا ديمقراطية بني فرس او عربان!
وذلك لانه زلمة النظام السوري واداة الملالي المطيعة في تنفيذ اجندتهما الفظيعة في دحر الاستكبار العالمي انطلاقا من بيروت، ونحر الحرية والعقلانية انتصارا لثقافة الاستبداد والموت، وتعطيل وعرقلة وضرب أي خطة لتحقيق السلام طبعا. والمضرة في الوقت نفسه للديمقراطية اللبنانية والمخربة للنظام البرلماني الحر، والمعطلة لنتيجة الانتخابات والمعرقلة لقيام دولة المؤسسات والقانون والشفافية، والمشجعة للفوضى دعما لبسط سلطة الدويلات والميليشيات وحملة السلاح واصحاب المربعات على حساب الدولة الجامعة لمكونات الشعب والجيش اللبناني، والمستباحة من قبل ادوات المحور الايراني السوري لقرار الحرب والسلم وبالتالي للقرار الوطني الحر.
هذا مع العلم انه خلال فترة العقدين التي اشرنا إليهما تم تبادل سلمي للسلطة العديد من المرات على صعيد رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء. أما على صعيد رئاسة مجلس النواب فهي محجوزة للاستيز الى ان يحين موعد الخلخلة الكبرى والاهتزاز للمحور الشمولي المقاوماتي الواقف على قدم واحدة والمبني على رقيق الزجاج.
وهكذا فقد فقعنا الاستيز نبيه بري تصريحا مقاوماتيا ثورجيا ممانعا حربجيا مذكرا بكل القبضايات من الشموليين مكتسحا بضربة استاذ اكثر من 60 سنة من تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي المرير في الرد المناسب على اجرام اسرائيل، وكأننا يا شيخ نعيم:
لا رحنا ولا جينا ولا شِمَّتْنا العِدا فينا،
ولا راحت علينا ولا خسرنا أراضينا!
ولا تسببنا بتدمير لبنان في تموز الحزينا
ولا دعونا جنود بني صهيون الملاعينا
للفتك بغزة فوق رؤوس المساكينا
وكاد القَسَّامُ ان يزلزل العدو ويحمينا
الا انه ويا لاسف الآسِفينا
ساهم في تقسيم أهل فلسطينا
وكفانا مزايداتٍ واستهبالاً للملايينا
واللهم من اطماع الصهاينة الجشعينا
ومن حقد ملالي ايران واذنابها نجينا
وكان الاستيز نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني الى أبد الآبدين قد قال مزايدا على العرب أجمعين وحتى على اصحاب القضية الأصليين:
أن "الرّد على هذه الجرائم الاسرائيلية ضد الانسانية لا يمكن أن يستمر عبر بيانات الإدانة والإستنكار بل يجب أن يستدعي موقفاً عربياً يستعيد قرارات مكتب مقاطعة إسرائيل ويلغي كل عمليات التطبيع ويعيد القضية الفلسطينية الى جذورها التاريخية والسياسية كقضية شعب وحقوق إنطلاقاً من عقد قمة عربية تأسيسية في مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة وليس أي عاصمة أخرى".
هو هنا يغمز وبوضوح من قناة القذافي والقمة العربية التي ستعقد في آذار المقبل في ليبيا. ولا ادري لماذا لا يطالب بري بمحكمة دولية تعمل على حل لغز تغييب الامام موسى الصدر.
وهل ستوافق ايران على محكمة كهذه؟
فالامام المغيب كان يطالب بقيام الدولة اللبنانية لجميع طوائفها، ولبنان كوطن نهائي لابنائه، وهذا ما يخالف مشاريع حزب الله وايران في تحويل لبنان الى ولاية فارسية.
ويتابع بري قائلا: " وذلك بهدف تحقيق إجماع الأمة وحشد طاقاتها وإمكانياتها بمواجهة التحديّ الإسرائيلي العابر لحدود أقطار عربية بالتهديدات بالعدوان وبلغ ذروته في محاولة إقتلاع الشعب الفلسطيني".
عجبا وكأن الشعب الفلسطيني ما زال يعيش معززا مكرما مرتاحا في حيفا ويافا وصفد واللد وبئر السبع وعسقلان وإيلات وكل فلسطين التاريخية ولم يقتلع من ارضه بعد، ولم يشرد في بقاع الارض!
عجبا وكأن الأمة لم تحشد طاقاتها وامكانياتها وجيوشها ومجاهديها وابطالها وجنرالاتها وصواريخها وابواتها وابواقها ومشايخها قبل وخلال حرب 48 وما تبعها من حروب معطوفة على اللاءات الثلاث في مؤتمر الخرطوم بعد هزيمة حرب 67 : لا للصلح، لا للتفاوض، للاعتراف! الى ان استدرجنا اسرائيل: يلا يلا ! لاحتلال بيروت عام 82 وعيون اساتذة وابوات ومنظري الحرب الشعبية الطويلة الامد على طريقة آل اسد جاحظة، وبقية الهزائم والنكبات والكيلومتر 101 ، والسلام المنفرد، واوسلو واستجداء المفاوضات مع اسرائيل من قبل رئيس النظام السوري لا تحتاج الى ملاحظة !
عجبا وكأن مكتب مقاطعة إسرائيل الطيب الذكر الجليل والذي استمر يقاطعها من جيل الى جيل معلنا الحرب عليها اقتصاديا عشرات السنوات وبشكل صارم من كل الدول العربية والاسلامية ايضا قد ادى الى خنق هذا الكيان المسخ الذليل الى درجة ان اسرائيل اصبحت بنجاحات مكتب المقاطعة تلقب ببنغلادش الشرق الاوسط من شدة الفقر الذي اصابها بسبب حصار العرب الاقتصادي لها.
مع ان العكس هو الذي حصل حيث انه خلال كل سنوات المقاطعة المباركة والتي ما زالت الكثير من الدول العربية تتبع ممارستها، كان تاثير ذلك على الاقتصاد والمجتمع والسياسة في اسرائيل كتأثير ذبابة تغط على ظهر الفيل.
والعجب العجاب، لما سيحمله الضباب عندما يريد بري: "ان يعيد القضية الفلسطينية الى جذورها التاريخية والسياسية كقضية شعب وحقوق"
يريدنا بري ان نعود القهقرى دون حساب لما قدم من تضحيات جسام الى المربع الأول من الصراع:
اي تيتي تيتي متل ما رحتي متل ما جيتي!
أي الى نقطة الصفر التي حولتنا الى اصفار على شمال، بسبب التخبط والعجز وقلة الفعل والحال وانطلاق افة سفك الدماء وثقافة الارهاب بقيادة المجاهدين الابطال.
عجبا وكانه حتى الان لم تنعقد مؤتمرات قمة عربية كرمى لعيون القضية وفي تحرير كامل تراب فلسطين ومواجهة الكيان اللعين.
وماذا كانت نتائج كل المؤتمرات العربية وقراراتها سوى استعراض اعلامي واقوال دون افعال. ولكن المؤتمر الذي يدعو إليه الاستيز سيخرج الزير من البير الذي سيزيل اسرائيل حسب الخطة النجادية الالهية. صح النوم!
ما يقوله بري ما هي سوى مزايدات مضرة جدا وغير عقلانية في هذا الظرف العصيب الذي تتكالب فيه قوى الجهالة والعمالة والنذالة على زعزعة استقرار الدول العربية في تمهيد الطريق للطامعين لتحقيق طموحاتهم في السيطرة على مقدرات الشعوب العربية.
ودعا بري مؤتمر الإتحاد البرلماني العربي الذي ينعقد قريباً في القاهرة الى "إيجاد آليات لتنفيذ قراراته السابقة لدعم الشعب الفلسطيني وليس تكرار بياناته والاكتفاء بالاحتجاج وتأكيد تضامنه مع أشقائنا في الأرض المحتلة بانتخاب فلسطين لرئاسة الاتحاد لإطلاق أوسع حملة برلمانية على المستوى الدولي من أجل حقوق الشعب الفلسطيني وأمانيه".
ان من اغلق البرلمان اللبناني وقمع ارادة الناخب اللبناني، وحارب الاكثرية البرلمانية واحتل بيروت بقوة السلاح والارهاب والابتزاز وشلل الزعران خدمة للمشروع الايراني الشمولي، هو اخر من يحق له الكلام عن الدعوة الى حملة برلمانية وبكلام هو غير مقتنع به وبفائدته.
وعليه قبل أي شيء ان كان صادقا فيما يقول ان يطالب بقيام برلمانات عربية حرة ديمقراطية تعبر عن ارادة الشعوب قبل ان يثرثر بمزايدات يعلو ضجيجها الطيران الحربي الاسرائيلي فوق الجنوب.

هذا الحصار العربي للمقاومة

نقولا ناصر

منذ كانت الحركة الوطنية الفلسطينية "كفاحا مسلحا" و"ثورة" ــ وحدت عرب فلسطين في الوطن تحت الاحتلال وفي الشتات وفي مخيمات اللاجئين في المنافي ومنحتهم هوية وطنية ضاربة جذورها عميقا في التاريخ العربي الإسلامي لوطنهم وفاردة أجنحتها على امتداد وجود الهوية العربية الإسلامية لأمتهم في العالم ــ انكشف عجز الحاضنة العربية الإسلامية لهذه الحركة عن احتضانها وعجزها عن تحمل مسؤولياتها تجاهها بحيث بدأ التنصل من المسؤوليات القومية العربية والإسلامية بذرائع كان أولها اتهام الحركة الوطنية الفلسطينية بالسعي إلى "توريط" الدول العربية والإسلامية وهي غير مستعدة في مواجهة مع دولة المشروع الصهيوني في فلسطين تختار هذه الدولة أزمنة معاركها وأمكنتها، وبالتالي انفجرت مواجهات فلسطينية – عربية لم تتوان دولة الاحتلال الإسرائيلي عن تغذيتها بعدوانها العسكري المتكرر في حروب توسعية اتخذت من الحركة الوطنية الفلسطينية حجة تتذرع بها لشنها.



وتمخض "الحوار" الفلسطيني – العربي الدموي المسلح عن شبه إجماع عربي على "تجريد" الحركة الوطنية الفلسطينية من سلاحها ومن حرية حركتها في محيطها العربي الإسلامي ومن حقها في التواصل الشعبي مع جماهير الأمة بحجة تجريد دولة الاحتلال الإسرائيلي من ذرائعها لشن حروبها التوسعية، وارتفعت الأصوات العربية الرافضة "للتوريط" واعدة عرب فلسطين بدعم مقاومتهم للاحتلال إن هم حصروا هذه المقاومة داخل وطنهم المحتل. واستجابت الحركة الوطنية الفلسطينية، مختارة أو مكرهة لا فرق، وبالرغم من الانقسام الفلسطيني الراهن فإن قطبي الانقسام مجمعان على حصر المقاومة للاحتلال في الأراضي المحتلة -- مع أن دولة الاحتلال ما زالت تعتبر العالم كافة ساحة صراع ضد الحركة الوطنية الفلسطينية، وهي لا تتورع عن ممارسة هذا الصراع حتى في انتهاك صارخ لسيادة دول عربية تعاهدت معها على الصلح أو اختارت السلام كخيار استراتيجي لها، وهو خيار أجمعت عليه كل دول جامعة الدول العربية ومنها منظمة التحرير الفلسطينية، كما أثبتت مجددا جريمة اغتيال محمود عبد الرؤوف المبحوح التي ما زالت مضاعفاتها تتفاعل ضمن سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة—ونتيجة لذلك دخلت القيادة الفلسطينية إلى الأرض المحتلة بشروط مجحفة قادت إلى الوضع الراهن الذي تجد فيه نفسها أمام طريق مسدود، مقاومة وتفاوضا.



وتتأكد الحركة الوطنية الفلسطينية اليوم أن ذريعة "التوريط" كانت حجة، وأن "الوعد" بدعم المقاومة إن انحصرت في الداخل كان وعدا خلبا، وأن "الخيار الاستراتيجي" العربي كان هو الخيار منذ البداية، وأن بقاء الأنظمة السياسية العربية كانت له دائما الأولوية على فلسطين وقضيتها ومقاومتها، وأن هذه الأنظمة تقاوم اليوم المقاومة الفلسطينية في الداخل بقوة أكبر مما قاومتها وهي في الخارج، ليكتشف عرب فلسطين مجددا انهم في "تكييف" نضالهم الوطني مع معطيات العجز العربي والإسلامي إنما تعرضوا لخديعة عربية وإسلامية تاريخية زادت العرب والمسلمين عجزا على عجز، وحاصرت الحركة الوطنية الفلسطينية في مأزقها الراهن الذي تفتقد فيه الدعم العربي الإسلامي لها في التفاوض وفي المقاومة على حد سواء، وكانما تتعمد هذه الأنظمة تكفير عرب فلسطين بالعروبة والإسلام ليظل خيارهم الوحيد هو الاستسلام لشروط دولة الاحتلال الإسرائيلي.



والجدل العربي الدائر حاليا حول تمثيل عرب فلسطين المحتلة في مؤتمر قمة جامعة الدول العربية نهاية الشهر المقبل في ليبيا يعكس على أفضل وجه حقيقة أن الاجماع العربي للأنظمة السياسية الحاكمة هو إجماع منحاز انحيازا سافرا للتفاوض ضد المقاومة، وليس -- حسب الادعاء الذي تروجه هذه الأنظمة – انحيازا للممثل "الشرعي" للشعب الفلسطيني الممثل كحكومة في الجامعة العربية، فهذه حجة ساقطة بالكاد تنجح في التغطية على حقيقة الرفض العربي الرسمي للمقاومة والانحياز العربي الرسمي الصريح للمفاوض الفلسطيني حتى لو لم يكن ممثلا "شرعيا" لشعبه. ومع أن كل الشرعيات الفلسطينية قد انتهت ولايتها، فإن التمديد المصطنع لهذه الشرعيات بتخريجات دستورية وقانونية لا تحظى بالمصداقية لدى عرب فلسطين أنفسهم ليس تمديدا مقنعا كفاية لتسويغ تفضيل أي مؤتمر عربي، سواء على مستوى القمة أم على مستوى أدنى، لإحدى هذه الشرعيات المنتهية ولاياتها على أخرى.



وربما يجد بعض الفلسطينيين -- ممن أعمتهم العصبية "الفصائلية" التي تفاقمت في ظل الانقسام الوطني الراهن -- عزاء في رفض الزعيم الليبي، معمر القذافي، المضيف للقمة العربية المقبلة، استقبال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أثناء زيارته الأخيرة لليبيا، على ذمة القدس العربي اللندنية، أو في عدم توجيه الدعوة إلى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، الفائزة فوزا شرعيا في انتخابات السلطة، لحضور القمة، لكن يغيب عن الجميع أن رفض استقبال عباس ورفض دعوة مشعل إنما هو رفض يعكس حقيقة ان الوضع الرسمي العربي قد أصبح -- عامدا متعمدا أو بحكم الأمر الواقع دون تعمد -- مستهترا بكل ممثلي الحركة الوطنية الفلسطينية، سواء المقاومة أم المفاوضة لا فرق، وأن هذا الاستهتار يعكس في نهاية المطاف الحضيض الذي انحدرت إليه القضية الفلسطينية عربيا بعد سنين طويلة طالما ادعت الأنظمة العربية خلالها بمركزية هذه القضية عربيا مجاراة لنبض شعوبها التي ما زالت تعتبرها القضية المركزية للأمة.



وهذا الاستهتار يفسر فشل كل الجهود العربية لانجاز المصالحة الفلسطينية، لأن الجهد العربي عندما كان جادا تمكن من التغلب على "الشروط الخارجية" التي كانت تحول دول المصالحة اللبنانية على سبيل المثال، لكن هذا الجهد ما زال عاجزا عن التغلب على العقبة الرئيسية التي ما زالت تحول دون إنجاز المصالحة الفلسطينية والمتمثلة في الشروط الخارجية للجنة الرباعية الدولية، وهي في الأصل شروط دولة الاحتلال الإٌسرائيلي، بل ربما يكون في وصف هذه الجهود العربية "بالعجز" إجحاف بالحقيقة، لأن هذه الجهود لا تريد التغلب على شروط الرباعية الدولية كونها متساوقة مع تلك الشروط، ومنحازة لها، وهي جهود تنصب على إنجاز المصالحة الفلسطينية طبقا لتلك الشروط فقط، وهي كذلك جهود تنسجم مع انحياز الموقف الرسمي العربي إلى خيار التفاوض ضد خيار المقاومة، سواء داخل فلسطين المحتلة أو خارجها، مما يؤكد مجددا بأن عقدة المصالحة الفلسطينية ما زالت عربية، ومما يفسر لماذا تبنت القمة العربية السابقة المبادرة المصرية لإنهاء الانقسام الفلسطيني، ويفسر كذلك لماذا يتمسك القطب المفاوض في هذا الانقسام بتلك المبادرة، كما يفسر لماذا تحولت المبادرة المصرية إلى أداة عربية لإحكام الحصار على المقاومة الوطنية الفلسطينية باسم الدفاع عن شرعية فلسطينية تخلت علنا عن خيار المقاومة، بينما كانت المقاومة وسوف تظل هي المرجعية الوحيدة لأي شرعية فلسطينية طالما الاحتلال قائم.



لذلك سوف تظل التوقعات بنجاح الجهود العربية لانجاز المصالحة الفلسطينية قبل أو بعد أو خلال قمة ليبيا العربية مجرد تكهنات وتمنيات، على الأرجح، لا أساس لها في الواقع العربي الراهن، فالحصار – الجريمة المضروب على قطاع غزة هو جزء من هذا الواقع العربي الذي يحاصر المقاومة، ليس في القطاع فحسب بل وفي لبنان والعراق أيضا، ولو تغير هذا الواقع يوما ما فإن الحصار الإسرائيلي سوف يتهاوى في اليوم التالي، لكن لا يبدو في الأفق ما يشير إلى أن هذا الواقع قد يتغير في أي وقت منظور.


* كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*



الجمعة، فبراير 26، 2010

الحضارة الاسلامية




فادي الحاج
اود ان استعرض معكم بعض من حقيقة حضارة المسلمين والعرب في ذكرى المولد النبوي الشريف, كل الاشياء السلبيه التي نسمعها في عصرنا هذا, القرن الواحد والعشرين, نشعر بالفخر الكبير لما انجزه ديننا الحنيف حتى من اوقات العصور الوسطى ونتعلم عن الحضارة الاسلامية المشرفة التي كانت تسمى بما يعرف في الغرب "العصور المظلمة" Dark Ages
هل هناك للعصور المظلمة أىَ علاقة بوقتنا الحاضر؟ فإذا أردنا معرفة ما الأثر الذي تركته العصور المظلمة على العصر الحديث؟ في الحقيقة لم يكن بالتاريخ عصر بهذا الإسم المثير للشفقة. فلا عجب ان نفترض هنا بأن أحداً قد ملأ عقولنا بالمعلومات المعتادة؟ آلاف من السنين الضائعة, فجوة سوداء في التاريخ؟ دائماً كذلك يفترض بنا أن نفكر بأن هذه العصور كانت مرضى ودمار وكثير من الهمج وهدم لمكونات الحضارة الانسانية. حرق وتدمير ولا يوجد أى من الاختراعات التي تنفع الانسانيه أو البشرية؟
الجميع يظن أن الاغريق والرومان اخترعوا كل شيء في العصور الوسطى, ولكن هل فعلاً فعلوا ذلك؟ اتمنى من هذه المقالة الصغيره ان تأخذ المفهوم اعلاه من الظلام الى النور...ومن المحيط الى اليابسة, هناك أشياء يجب ان تعلموها عن ما يسمى ب "العصور المظلمة" Dark Ages او كما يجب أن تعرف ب "العصور الذهبية" Golden Ages
ان كنت تعتقد ان "العصور المظلمه" مظلمة لن تبدو كذالك بعد أن تقراء عن بعض مشاهير الاسلام وعلماء ومخترعين في ذاك الوقت...أنها مسألة منظور من أى جهة يقرأ أو يكتب التاريخ...بالتأكيد كانت هناك اجزاء من الحضارة لم تكن مظلمة بالكامل. ولكن الحضارة التي امتدت من اسبانيا الى الصين, الفتره الذهبية للإكتشافات والإختراعات كانت فوق كل شيء.
انها الحضارة الاسلامية, العلماء والدارسون في مختلف مجالاتهم قاموا بالكثير من أهم الاكتشافات العلمية التي عرفها الانسان في ذلك الوقت. اكتشافات مبنية على علم القدماء ولكن مرتبطة بالعالم الحديث اكثر مما يمكنكم أن تتخيلوا. في كل انواع الاشياء, بعض الامثال منها:
ابن الهيثم: عالم عظيم, افكاره أدت الى صناعة الكاميرا, افكاره أدت إلى اختراع الكاميرا العصريه عن طريق شرح كيف تعمل عيوننا؟ لقد اوجد طريقة لتكبير صورة إلى سطح آخر من خلال ثقب في غرفه مظلمة, تم تسميتها فيما بعد "حجرة التصوير". فكروا في كل ما تم التوصل إليه من وراء هذا الاكتشاف, الكاميرات, السينما كلهم يعملوا بنفس المفهوم.
عباس ابن فرناس: الذي كان دائما يحّملق في السماء مصدقاً بشغفه أن الانسان يمكن أن يطير. لقد كان بالجراءة التي جعلته يحلم بالطيران قبل ألف سنة من "الاخوان رايت", لا يعقل أن نركب طائراتنا اليوم لنسافر بدون أن نتذكر "عباس ابن فرناس"
ابو القاسم الزهراوي: العديدون يسمونه أبو العمليات الجراحية, فلقد قام بعمليات جراحية كثيرة في ذلك الوقت, وفي الحقيقه العديد من الأدوات الجراحية التي اخترعها ما زالت تستخدم في مستشفياتنا الحديثة الى يومنا هذا. فكان يستعمل طريقه معينه لرعاية مرضاه, وعند احتياج المريض للغرز "قطب" كان يستخدم في هذه الحاله شيء يعرف ب "أحشاء القط", من أحشاء الحيوانات. ممتازة في خياطة الجروح الداخلية, جراحيين اليوم ما يزالون يستخدمونها حتى اليوم.
مريم الاسطرلابي: واحدة من أنبغ النساء في عصرها. لقد صنعت "الاسطرلاب المعقد" كلهم متشابهون في الجسم المسطح الطبقي الذي تستطيع أن تحمله في يديك للقيام بالحساب وتحديد الاماكن...اليوم نحن نشاهده على هيئة البوصلة, والاقمار الاصطناعية, تساعد الناس والمستكشفين للسفر ورؤية العالم.
العلم شيء عظيم, هل كنت تعلم صديقي القارىء أن هذه الاشياء اخترعت في "العصور الذهبية" هذه فقط البداية. الآلاف من الاختراعات الأخرى غطت كل مجالات الحياة وفي السنوات التي تلت هذه الظواهر انتقلت إلى أوروبا في العصور الوسطى لذا...لم تكن العصور الذهبية او المظلمه كما يسمونها الى هذا الحد مظلمة في الحضارة الاسلامية.
"الجزري" مهندس ومخترع: لقد صنع بعض الأدوات كمهندس, يفترض انه اكتشاف ذو معنى ومهم جداً, ابتكر جهاز يحول الحركة الدائرية إلى حركة مستقيمة لتضخ في محرك ومضخات. في الحقيقه لا أعرف كيف كانت ستحدث الثوره الصناعية بعد مئات السنين بدون جهاز مثل هذا. ولكن افخر جهد وانجاز قام بصنعه هو "آلة اخبار الوقت" Time Telling Machine, و"ساعة الفيل الاسطورية" أو ما يعرف اليوم ب "الساعه". مجموعة من المكونات مجمعة من عدة ثقافات حول العالم, الهنديه, الاغريقية, العربية, المصريه, الصينية, ساعة موحدة للأمم. لولا هذا الاختراع آلاف الاشخاص كانوا سيتأخرون عن كل شيء.
الرومان, الاغريق, الفينقيون, والثوره الصناعية كلهم لهم الأثر الواضح في عصرنا الحالي, اما العصور المظلمة كما يسمونها في عصر الحضارة الاسلامية ما هي الا العصور الذهبية. لقد أطلعتكم على جزء صغير وبسيط جداً من هذه الفترة الرائعه متيمنناً بذكرى مولد النبوي الشريف, المليئة بالكثير من الاختراعات والعلماء والغير معدودين المتصلين مباشرة بعالمنا الحديث والحاضر. أحني رأسي تعالياً واعتزازاً واحتراماً.

يا رب اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك, اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون. إنشاء الله المولد النبوي الشريف يعود بالخير والهناء على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمين يا رب العالمين.