الخميس، فبراير 18، 2010

نحو مؤتمر وطني مناهض للتطبيع

راسم عبيدات

....لا نعتقد أن عقد مؤتمر وطني لمناهضة التطبيع،من شأنه أن يخلق موقف موحد جمعي شعبي ورسمي وحتى فصائلي من قضية التطبيع،ولكن ما نهدف إليه هو إيجاد حالة توافقية فلسطينية، ثوابت وخطوط حمراء ومرجعيات واضحة ومحددة من ولما لهذه القضية الهامة والخطيرة من تداعيات ذات تأثيرات عميقة تطال الوعي والثقافة والوجود الفلسطيني،فنحن ندرك جيداً أن الساحة الفلسطينية منقسمة سياسياً ومنفصلة جغرافياً،وهذا له تداعياته ومخاطره لجهة نظم موقف متطابق من هذه القضية،فصحيح أن المفاهيم من هذه القضية الجوهرية مختلطة باختلاط المواقف والمنطلقات والمصالح،ولكن ما هو صحيح ومهم أن العامل الحاسم في هذه القضية المفصلية والجوهرية هو الناس والجماهير التي تحتاج الى التواجد بينها من أجل فصل موقفها عن موقف السلطة وأحزاب التطبيع،فالسلطة المكبلة بالاتفاقيات السياسية والاقتصادية هي بلدوزر التطبيع الممنهج،والأحزاب والقوى السياسية الفلسطينية بمختلف ألوان طيفها السياسي، موقفها من هذه القضية فيه الكثير من البهوت وعدم الوضوح وعدم الجدية،أي أن مناهضة التطبيع في أوساطها،ما زال على شكل جنين يحبو،ويبقى من السهل تفريغه من محتواه.

وفي الورشة المحدودة التي بادرت إلى إقامتها لجنة الدفاع عن الأراضي المحتلة فلسطين والجولان بتاريخ 23/1/2010 في مقر اتحاد لجان العمل الصحي بالبيرة وبحضور معظم القوى الوطنية وغياب فتح وحماس رغم دعوتهما،وحضور وفد من الجولان وعدد محدود من المناهضين للتطبيع،كورشة عصف ذهني تكون مقدمة لعقد مؤتمر وطني مناهض للتطبيع،تسعى لعقده لجنة الدفاع عن الأراضي المحتلة فلسطين والجولان في النصف الثاني من شهر نيسان القادم، تشارك فيه كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني وطنية وإسلامية والإتحادات الشعبية والنقابات والمؤسسات الأهلية والمنظمات غير الحكومية المناهضة للتطبيع،بغرض الخروج بموقف توافقي ورؤيا موحدة ومرجعيات واضحة من هذه القضية المفصلية،بحيث ترسم حدود وتضع خطوط واضحة تشكل سداً منيعاً أمام كل من يحاول اختراق هذا الموقف أو الالتفاف عليه أو يحاول تفريغه من مضمونه.

وقد لمسنا من خلال الورشة أن الجميع ضد التطبيع بعموميته،وإن برزت بعض التباينات والمسافات حول من هو الشكل الرئيسي للتطبيع فالبعض اعتبر التطبيع السياسي هو الشكل الرئيسي والخطر الداهم والجدي،في حين رأى آخرون ذلك الخطر في التطبيع الثقافي،وبغض النظر عن صوابية وجهة النظر هذه أو تلك،يتوجب علينا حتى نحسم الموقف وننحاز لهذه الرؤيا أو تلك، أن نحدد مفهوم التطبيع ومخاطره ومظاهره وما هي الإستراتيجيات أو الرؤى التي يجب استخدامها في مناهضة التطبيع،وأيضاً بسبب حالة التوهان والإنفلات التطبيعي واختلاط المفاهيم الوطنية،غابت المرجعيات،بل وأصبحت الساحة الفلسطينية أقرب إلى السوق"والبزنس" الكل يتاجر يبيع ويشتري لمصالحه وحسابه الخاص بلا ضوابط وبلا مرجعيات، يختلق الحجج والذرائع لممارساته وانتهاكه السافر للثوابت والخطوط الحمراء ويغلف ذلك بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني،بحيث أضحى التنسيق الأمني يدخل في صلب تلك المصالح.

واستناداً لذلك فأنني أعرف التطبيع بالمفهوم العام مع الاحتلال الإسرائيلي والذي بدأ الحديث عنه مع توقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979 هو"إقامة علاقات سياسية،اقتصادية،ثقافية،واجتماعية واكاديمية طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل قبل تحقيق السلام الشامل والعادل،وبالتالي فإن التطبيع مع إسرائيل يعني قيام علاقات طبيعية في واقع وشروط غير طبيعية.

ومن الهام جداً القول بأن التطبيع مع إسرائيل بعد أوسلو،قد اختلف بشكل كبير جداً عن مرحلة ما قبل أوسلو،فأسلو كبل الجانب الفلسطيني بالكثير من القيود السياسية والاقتصادية على وجه الخصوص،فعلى سبيل المثال لا الحصر،يحظر على الطرف الفلسطيني القول العدو الإسرائيلي،واستبدال ذلك بالطرف الآخر،وعدم وصف من يسقطون بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بالشهداء،ولعل الجميع يذكر الوقاحة الإسرائيلية،عندما اتهموا الرئيس عباس ورئيس وزرائه فياض بالتحريض ودعم وتشجيع"الإرهاب" والمقصود المقاومة،وذلك لكون الأول وافق على إطلاق اسم الشهيدة دلال المغربي على أحد الميادين في رام الله،والأخر وصف المقاومين الثلاثة الذين اغتالتهم إسرائيل بدم بارد في مدينة نابلس عقب قتل مستوطن إسرائيلي في طولكرم بالشهداء،وكذلك في الجغرافيا الفلسطينية،يحظر على الفلسطينيين في منهاجهم الدراسي،القول بأن مدن عكا ويافا واللد والرملة وغيرها من مدن الداخل الفلسطيني مدن فلسطينية،كما أن اتفاقية باريس الاقتصادي،تلزم الطرف الفلسطيني بإقامة المشاريع الاقتصادية المشتركة،وكذلك إقامة علاقات بين المؤسسات والاتحادات الشعبية الفلسطينية والإسرائيلية وغيرها.

ان الداعين إلى التطبيع مع إسرائيل عرب وفلسطينيين،ينطلقون في دعوهم بأنه علينا أن نكون واقعين وعقلانيين وأن نتعامل مع الواقع،وأنا أرى أن مرد ذلك يعود الى ثقافة الهزيمة،ثقافة الإستسلام والتسليم بالأمر الواقع،والتي أرسى دعائمها المغدور السادات بالقول أن 99% من أوراق الحل بيد أمريكا وإسرائيل،ومن جاؤوا بعده من قيادات النظام الرسمي العربي،صاروا على نفس النهج،وأرسو مدرسة تطبيعية عنوانها الخنوع والاستسلام،مدرسة التفاوض من أجل التفاوض،وأي تفكير أو بحث خارج عن هذا الإطار،هو تطرف وعدم عقلانية وواقعية و"إضرار بالمصالح العربية"،ونحن شهدنا الهجمة الشرسة التي شنها النظام الرسمي العربي على دعاة نهج وخيار المقاومة على الساحة العربية بدءً من حزب الله وزعيمه سماحة الشيخ حسن نصر الله والذي وصفوه بالمغامر وأبعد من ذلك، وكذلك فصائل المقاومة الفلسطينية.

اذاً،التطبيع هنا يصبح آلية سياسية وثقافية واقتصادية تستهدف القفز عن الجذور والأسباب التاريخية للصراع وأيضاً التعامل مع نتائج الأمر الواقع باعتبارها معطيات طبيعية،بمعنى تكريس نتائج الحروب العدوانية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني والأمة العربية والقبول بتلك النتائج باعتبارها حقوق إسرائيلية مكتسبة.

ولعل أخطر ما تحمله وتهدف إليه سياسة وثقافة التطبيع هو فرض التعامل مع إسرائيل كدولة طبيعية وكأن الصراع معها انتهى،وهذا جوهر ما قامت عليه خطة الرئيس الأمريكي "أوباما" وقف الاستيطان مقابل التطبيع الشامل مع العالم العربي،أي تشريع وتكريس الاحتلال وتأبيده،وأبعد من ذلك توفير الغطاء السياسي والثقافي لذلك الاحتلال ،ونزع الأبعاد السياسية والثقافية والأخلاقية عن شرعية النضال الفلسطيني لإنهاء الاحتلال.

ومن هنا فإنني أجد مبادرة لجنة الدفاع عن الأراضي المحتلة فلسطين والجولان،لعقد مؤتمر وطني مناهض للتطبيع في النصف الثاني أو الثلث الأخير من شهر نيسان القادم،مبادرة على درجة عالية من الأهمية،لما لقضية التطبيع من أهمية وخطورة وتداعيات على الوعي والثقافة والوجود والمشروع الوطني الفلسطيني،على كل القوى السياسية الفلسطينية وطنية وإسلامية،أن تشارك في هذا المؤتمر بفاعلية وبشكل مقرر من خلال فرز ممثليها للجنة التحضيرية المنوي تشكيلها لعقد هذا المؤتمر،من أجل تحديد المرجعيات والاتفاق على أشكال النضال لمواجهة التطبيع ومهام العمل التي يجب الاتفاق عليها والتي تخدم حقوق الشعب الفلسطيني والمرتبطة بهذا الصراع،وكذلك تحديد مظاهر التطبيع من أجل العمل على مواجهتها ورسم استراتيجيات العمل لمناهضة التطبيع على المستويات الفلسطينية والعربية والدولية.

ليست هناك تعليقات: