الخميس، فبراير 18، 2010

لنكن يداً واحدة في التصدي للظواهــر الشــاذة فــي قدسنــا العربيــة

ندى الحايك خزمو


القدس .. كم وددت أن أطوي صفحة الحديث عنها، بعد أن تعرضت في عدد كبير من مقالاتي الى ما تمر فيه من مشاكل ومخاطر وتهويد واعتداءات الخ... كم وددت أن لا أجد مبرراً للحديث عنها على أمل أن تتحسن الأوضاع فيها.. ولكني أجد نفسي في كل مرة اعود الى فتح هذه الصفحة من جديد وأنا أشاهد الأوضاع تتدهور كل يوم في هذه المدينة المقدسة..

أذكر أنه في أيام الشهيد فيصل الحسيني أن انتشرت ظاهرة السرقة بشكل ملحوظ في مدينة القدس وضواحيها، فما كان من أبو العبد الا ان تحرك فوراً بتأليف لجان حراسة كانت تجوب أحياء المدينة على الدراجات النارية مما أدى الى تقويض هذه الظاهرة، وبالتالي أشعر المواطنين بالأمن والأمان بعد أن كان الخوف يتملكهم من هذه السرقات، وبخاصة وبأنه في بعض حالات السرقة تم الاعتداء على من كانوا يتواجدون في البيوت.. هذا مثال فقط على ما كان يفعله ابو العبد الذي أخذ على عاتقه العناية بشؤون المواطنين المقدسيين، ولم يأل جهداً في سبيل حمايتهم والدفاع عنهم وعن ممتلكاتهم عبر الوقوف بالمرصاد لكل من كانت تسول له نفسه العبث بأمن المواطنين أو الاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم، او افتعال المشاكل التي كان يتصدى لمرتكبيها بكل حزم مما أدى الى حين وقف العديد من الظواهر السلبية التي كانت قد بدأت تنتشر بين ظهرانينا .. ورغم ان الاحتلال اعترض على لجان الحراسة إلا أن الشعور لدى مفتعلي المشاكل والمعتدين بأن هناك عيناً ساهرة على أمن المواطنين ردعهم عن الاستمرار في غيهم وزعرنتهم.. ولكن بعد فيصل الحسيني عادت الأوضاع لتتدهور، وهذه المرة بشكل كبير جداً، بحيث باتت القدس مرتعاً للفاسدين وتجار المخدرات ومزيفي الأراضي والمعتدين، لأن هؤلاء لم يجدوا من يتصدى لهم بحزم رغم النداءات المتكررة للوقوف يداً واحدة في محاربة هذه الظواهر..

فكم دعوت الى حل مشاكل القدس التي انتشرت في المدينة مثل النار في الهشيم تأكل الأخضر واليابس فيها .. كم صرخت بأعلى صوتي منادية بضرورة التحرك وردع من يفتعلون المشاكل بها لضمان عدم تكرارها، ولكن وللأسف ففي كل مرة يطبطب الموضوع ولا حل ناجع للمشاكل مما يزيد من انتشارها كانتشار السرطان في الجسد الغض كله فيهتك به ..

كل يوم نسمع عن مشكلة جديدة تحدث في القدس .. وصلت الى حد القتل والاعتداءات الجسدية على فلان وعلان ولأسباب تافهة، فتضيع حياة شبان وتحترق قلوب عائلات ويتيتم أطفال لا لشيء سوى لسوء فهم بسيط يتحول في لحظات الى معركة حامية الوطيس. وكأنه لا يكفي القدس ما تعانيه من الاحتلال وهجماته ومخططاته التهويدية للمدينة واعتداءاته على سكانها بهدم بيوتهم وتهجيرهم وترحيلهم وسحب هوياتهم والضرائب و.. وما تتعرض له الأماكن المقدسة من استباحة ومحاولات لتدميرها، كأنه لا يكفي المدينة كل ما تعانيه من الاحتلال لنكمل نحن الباقي بخلافاتنا ومشاكلنا التي جعلت من القدس حارة كل من يده له ، القوي يأكل الضعيف ، بل هي غابة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى..

العنف بات الطابع الغالب لمجتمعنا المقدسي ..النقاش غاب عنه ليستبدل بالعصا والسكين والجنزير والبلطة، بل بالمسدس.. فلتان لا يجد من يقوضه .. وغليان لا يجد من يبرد ناره .. لا سلطة أمنية تتصدى لهذه الظواهر السلبية في مجتمعنا المقدسي ، سوى رجال اصلاح يحاولون حل كل خلاف على حدة، ولكن ما من قانون يوقف المعتدين حيث ان الشرطة الاسرائيلية في غالبية الحالات تقف موقف المتفرج على جراحاتنا وتتلذذ بخلافاتنا ولا تتدخل الا بعد أن يستفحل الوضع وتحدث جريمة قتل، والحجة كما جاء على لسان الناطق باسم الشرطة الإسرائيلية شموليك بن روبي بعد الحادثة الأخيرة في القدس بين عائلتين من السواحرة ووادي قدوم حيث قال: " عادة لا نتدخل في نزاع عائلي أو عشائري لأن أفراد الشرطة يصبحون هدفا لحجارة المتشاجرين، لكن في هذه الحالة كان علينا التدخل لوقف القتال على رغم المجازفة، ولقد ساعدنا الطرفين بتدخلنا لأن النار كانت ستحرق كل المنطقة".

ربما نستوعب ما يفعله الاحتلال في المدينة ، فهو عدونا ولا نستغرب منه أي موقف أو أي اعتداء، ولكن لا يمكن للعقل أن يستوعب ما نفعله نحن بأيدينا بعدم الوقوف بحزم أمام المشاكل ومفتعليها، وأمام ما يتعرض له مجتمعنا المقدسي من فساد بكل أنواعه، فنحن لا نتحرك الا نادراً لمنع ما يجري في المدينة من بلاوي ومصائب ..

كم نبهت الى خطورة الأوضاع في المدينة وما سينتج عنها من ضرب لبنية المجتمع المقدسي فيصبح لقمة سائغة للاحتلال، ولكن ما من مجيب!! .. كم قلت بأننا يجب أن نتحرك قبل أن نعض أصابع الندم على ما سيجري فيما لو استمرينا في اهمالنا لمشاكلنا، ولكن كنت، وبكل أسف أقولها، كمن يصرخ في بئر عميق لا يسمعه أحد .. وكم من مرة قيل لي انك تبالغين في وصف ما يحدث في القدس ، ولكن ها هي الأصوات تخرج أخيراً لتنبه لما سبق ونبهت له من الصمت المطبق على ما يجري وما نتج عنه من استفحال للوضع الى درجة أصبح فيها سكان المدينة غير آمنين على أنفسهم، ليس من الاحتلال فقط، وانما من أنفسهم.. فها هو محافظ القدس يشدد على وجود الفلتان الأمني في القدس، وعدم انضباط المجتمع ويعزو ذلك للضعط الذي يؤثر على تصرفات الناس فيها، بالاضافة الى الخلط الثقافي وتأثير اسرائيل السلبي على ثقافتنا، وعدم احترام الكبار والأخذ برأيهم ، وعدم مقدرة الوجهاء ورؤساء العائلات السيطرة على ابنائهم في تنفيذ قراراتهم ، وفساد الاخلاق في المجتمع وانعدام التربية ..

وبعد.. فمتى نصحو لما يجري في المدينة المقدسة التي أسأنا لقداستها بعدم الحسم فيما يتعلق بمشاكلها وبالفساد المستشري فيها .. القدس في خطر .. ليس خطر التهويد فقط ..وليس خطر الاحتلال فقط.. وانما الخطر الأكبر هو أنفسنا وسكوتنا على ما يجري، وعدم العمل بشكل جدي وفعال من أجل اعادة القدس الى سابق عهدها .. وبذلك نحافظ على ثقافتها العربية وعلى أماكنها المقدسة وعلى بيوتها وأراضيها و...

قلت في احد مقالاتي ، مرة واحدة تصدوا للمعتدين.. لقنوا أحدهم درساً فيتعلم الآخرون، ولكن لا حياة لمن تنادي فإلى متى؟!! وماذا ننتظر ؟!!

نحن لا ننكر أن هناك من يحاولون العمل من أجل القدس، ولكن يداً واحدة لا تصفق، والمطلوب أن نكون جميعاً يداً واحدة في محاربة هذه الظواهر الشاذة التي تسيء الى مجتمعنا وتدمر مدينتنا ..



* كاتبة وصحافية في مجلة البيادر المقدسية

ليست هناك تعليقات: