الأحد، فبراير 07، 2010

مستقبلنا السياسي في ظل حركة التاريخ

سامي الأخرس
دائماً التاريخ لا يغيب لحظة واحدة كونه الشاهد على سير الأحداث وتقلباتها, والعمليات الفعلية لحركة التغيير إن حدثت, ودرجة الجمود إن لم تحدث, حيث إن التاريخ شاهد أساسي, وركيزة حيوية في عملية التنبؤ والتحليل, وخاصة في المناطق الأكثر اشتعالاً منذ أزمان عديدة, وهي تلك التي تعتبر بؤر للتوتر, ومسرحاً للصراع سواء صراع الحضارات والثقافات, أو الصراع الاقتصادي, وغيره من أنواع الصراعات بين القوى المتعددة منذ خلق الخليقة.
ومن خلال التاريخ يتضح أن منطقتنا الشرق أوسطية هي المنطقة الأكثر حظاً في التاريخ من حيث الصراعات, ومن حيث اللااستقرار, وهو ما يعتبر من أكثر المناطق إثراءً في التعرف على الثقافات والصراعات وكذلك الحضارات, حيث القارئ والباحث بتاريخ هذه المنطقة يتبلور لديه تصوراً إجمالياً عن حركة التاريخ وجدليته, ويصبح لديه ثقافة زاخرة تؤهله على التحليل والتنبؤ, وكذلك ربط الأحداث ببعضها البعض لاستخلاص نتائج هامة مستقبلية.
ولكي لا نسترسل في الاستعراض التاريخي, والاستناد على إحداثياته فإن المقصود هنا الارتكاز لعملية الحراك التاريخي المستمرة في المنطقة منذ زمن (قرون) طويلة, وخاصة كما أسلفت في منطقتنا "الشرق أوسطية", وهي نفس عملية الحراك القائمة حالياً سواء على المستوى المحلي لكل قطر من أقطار المنطقة, أو على المستوى الإقليمي العام وهو الجزء من التحولات والمؤثرات الدولية الأكثر وضوحاً ضمن الحيز التاريخي والجيو سياسي.
فمنطقتنا الشرق أوسطية ومنذ منتصف القرن الماضي تشهد تحولات في البني والمفاهيم الجيو سياسية, وكذلك في البنى والتركيبات الأثنية في المنطقة, كان أهمها على الإطلاق غرس الدولة الإسرائيلية بعيداً عن بعض المصطلحات مثل "اليهودية والصهيونية" على المنطقة الشرق الأوسطية, من جميع النواحي, سياسياً, واقتصادياً, وجغرافياً, وثقافياً, وهي فكرة استعمارية انشطارية الهدف منها تناثر هذه القنبلة لتصيب بشظاياها كل الأقطار والبلدان في المنطقة, عبر العديد من الوسائل والأدوات المتعددة, إنها حقيقة لا مفر منها, ولا إيجابيات لإنكارها, وهذا الفهم العام جسدته حرب أكتوبر 1973م التي اعتبرت حرب تحريكية, أكثر منها حرب تحريرية, فهي قد حققت أهدافها في زمن قياس من حيث تحريك الوعي العربي الذي كان مصدوم من الهزائم التي أفقدته فلسطين وبعض الأجزاء من بلدان المنطقة, والفكر التحريري الذي خلقته القوى العربية الثورية آنذاك, فكان ضرورة إحداث حدث تحريكي يحرف بوصلة الوعي العربي والإسلامي عامة, فكانت حرب أكتوبر 1973م, حرب الانتصار الأول والأخير على دولة إسرائيل, انتصار توقف عند حدود معينة ليٌحدث تحولاً في الوعي العربي الذي قادة أنور السادات لحتمية قطعية بوجود الأمر الواقع الذي لا يمكن إزالته في الأمد القريب, وهو ما تحقق جزئياً بمعاهدة سلام مع مصر انتظرت عشرون عام أخرى لحرب تحريكية أخرى لتغيير جزء آخر من درجة الوعي العربي والإسلامي, وتتمدد القنبلة الانشطارية في بعض البلدان المجاورة, ويصبح لديها العديد من الممثليات الدبلوماسية بصيغ عديدة .
الخلاصة من الاستعراض السابق في الإطلالة على الأحداث التي تحرك الركود والجمود في الوعي, والذي حدث في مناسبتين أولهما حرب أكتوبر 1973م, وثانيهما حرب 1990م ضد العراق, تبعتها حرب احتلال العراق وإعادته لعصور التخلف والتشرذم. وفي ظل هذه الأحداث كانت عملية التهيئة والتأهيل تسير متوازية وفق المخطط الاستراتيجي, وخاصة على المسار الفلسطيني الذي بدأ بتصدع منذ القضاء على م . ت .ف في لبنان 1982م, وبدء عمليات الاغتيال الداخلية للعديد من الرموز الوطنية أمثال خليل الوزير, صلاح خلف....الخ, وما انتهيت إليه الأمور من عملية تهيئة معقدة لدخول معترك أوسلو وتشكيل السلطة الفلسطينية التي لم يمض من عمرها سوى ستة سنوات فقط, ليتم إعادة صياغة المنطقة من جديد بعد ما خذل ياسر عرفات خطتهم وتراجع لينضم من جديد لصف شعبه وقضيته, بعدما أدرك أن المؤامرة كبيرة وخطيرة فكانت الحتمية السياسية تفرض البحث عن البدائل, وهي جاهزة دوماً ومرسومة ولا تحتاج لجهد أو عناء سوى بإعادة عملية التهيئة والتأهيل, والتي مارسها رئيس وزراء إسرائيل آرئيل شارون بالانسحاب من غزة عام 2005م وفق مخطط غاية في التعقيد, ولكنه ليس ضبابي أو سري فغاياته وأهداف معلومه منذ قبل الانسحاب رسمياً, وبدأت فصائل الضغط تتعرض لذات المصير الذي تعرضت له فصائل الضغط في لبنان 1982م, حتى أصبحت أسوار غزة وقلاعها عرضة للتفتت, وغابت كما غابت م . ت.ف في دهاليز السياسة والمصلحة الوطنية العليا, وبدأت في دهاليز مختلفة تؤدي لغرفة مغلقة تنتج من ظلامها أوسلو وأخواته, وهو ما حدث في حرب 2008م التي بدأت تتضح معالمها وتستكمل فصولها, وما عملية اغتيال الشهيد محمود المبحوح الأخيرة سوى قراءة في التاريخ وأسفاره التي تحدثت عنها في بداية هذا المقال أو التحليل,ألا وهي تعيد للأذهان مشهد اغتيال "صلاح خلف" في القواعد الخلفية غير المرتبة, وتنذر بمستقبل ضبابي بعض الشيء, ولكن بدأت تتضح له بعض المعالم, لا يخرج أفضلها عن طرق الأبواب الخلفية لغرفة غزة المظلمة وإيقاد شمعة خافتة بمشروع جديد لن يكون بأفضل الأحوال أحسن من مشروع أوسلو.
وعليه فالقراءة في الواقع الحالي والتطورات التي تحدث في المنطقة برمتها, وفي الجزء الأكثر توهجاً في فلسطين يستقرء أحداث مستقبلية عديدة على مذبح وطن اسمه فلسطين, ومنطقة اسمها شرق أوسط ثنائية القطبية تتحدد معالمها في المطبخين الإسرائيلي (تل أبيب), والإيراني (طهران) مع مناوشات مصرية – سعودية كمحاولة لخلق توازن ما في المعادلة الأكثر تعقيداً بعد سقوط بغداد .
بالمآل النهائي إن ما نضعه ما هو سوى قراءة لبعض خيوط الأحداث والمرحلة التي ندور في رحاها الآن, وضمن سلسلة الرسائل التي يتم تقديمها يومياً كعملية حراك غير مباشر تنبأ بالعديد من المتغيرات الحتمية التي ستغير من وعينا ومفاهيمنا لاستقبال حدث ما في زمن ما.

ليست هناك تعليقات: