الاثنين، فبراير 22، 2010

تهديد نصر الله أم صراخه ؟

سعيد علم الدين
ان من استمع الى خطاب حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله مساء الثلاثاء 16-2-2010، الذي ألقاه كالعادة المستجدة بعد حرب تموز عبر الشاشة العملاقة مهددا، بقصف البنى التحتية في إسرائيل، متوعدا تحقيق ذلك بجمل:
نارية ملتهبة، مكهربة متفجرة، مستفزة مستنفرة، مسارعة متسارعة، متتالية متلاحقة، متعالية غير مبالية، عنترية على الطريقة الحماسية العربية، حيث كان صوته يعلو تدريجيا بعد كل جملة من طبقة صوتية الى طبقة اعلى، ونبراته تتصاعد بعد كل كلمة من نبرة حادة الى نبرة اشد، وتهديداته ترتفع بعد كل حرف من وتيرة صارمة الى وتيرة اقوى، حسب قوة وسرعة ومدى شهاب 1، وشهاب 2، وشهاب3، وشهاب 4 الى اخر الشهب وهو يطلق جمله على وقع صواريخه:
"إذا ضربتم مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي في بيروت فسنضرب مطار بن غوريون، وإذا ضربتم موانئنا فسنقصف موانئكم، وإذا ضربتم مصافي النفط عندنا فسنقصف مصافي النفط عندكم، وإذا قصفتم مصانعنا فسنقصف مصانعكم، وإذا قصفتم محطات الكهرباء عندنا فسنقصف الكهرباء عندكم".
غير ابهة بقوة ردع العدو المدمرة، مؤكدا أن الحزب يملك القدرة على مجابهته والنيل منه وردعه،. حيث اعد له نصر الله ما استطاع من قوة وجبروت وصواريخ بالآلاف التي تصل حتما بدقة متناهية، إلى كل الأهداف وستكسر في اسرائيل الاضلاع والموانئ، والمصانع وراس تل ابيب، والمطارات وديمونه والاكتاف.
هذا الكلام الصريح من نصر الله هو اعتراف بخرق القرار 1701 وهو بالتالي مبرر كاف لكي تنتفض الصقور على الحمائم في اسرائيل وتتحضر للحرب القادمة مباشرة دون ذرائع وأعذار. وسيستطيع نتنياهو على وقع تهديدات نصر الله العسكرية، عسكرة المجتمع ووضع قرار الناخب الاسرائيلي في جيبه الصغرى. وما راحت الا على حزب العمال والكادحين الطيبين من اجل السلام في اسرائيل.
لقد فاق نصر الله وبغرور أخَّاذ واعتزاز ما بعده اعتزاز كل من سبقه وكل من سيلحقه من عناترة محاربة وازالة اسرائيل ومن وراء اسرائيل عن الخارطة بطبشورة الاستاذ.
متفوقا وبامتياز على الحاج أمين الحسيني واحمد الشقيري، وعبد الناصر وعبد الحكيم عامر، والشيشكلي والأتاسي وصلاح جديد دفعة واحدة، والقذافي وثورة الفاتح والجماهيرية وملك ملوك افريقيا، والبكر وصدام حسين وعزت الدوري، وعائلة الاسد مجتمعة الاب والابن والحفيد القادم يحبو على رجليه من البعيد لاستعادة تفاح الجولان، وياسر عرفات وخالد مشعل واحمد جبريل وابو اللطف العنيد في استعادة مجد فتح الثوري التليد وابو موسى الانتفاضي ذو الوزن الثقيل وباقي الأبوات والأبواق فرسان الكلام الاشداء على بنات وابناء اسرائيل، وهل ممكن ان ننسى في هذا القبيل شاكر العبسي وفتح الاسلام في البارد ستان وجماعات الاخوان واسامة الهربان والظواهري الخرفان.
هؤلاء جميعا حولوا العرب بحناجرهم العالية الصدحاء ابى من ابى وشاء من شاء الى ظاهرة صوتية ثورجية جوفاء لا تستطيع النيل الا من احرار العرب الشرفاء في انقلابات واغتيالات ومؤامرات وتفجيرات ودكتاتوريات عاثت فسادا وخرابا ليس له انتهاء.
وكانوا هؤلاء ابطال خير امة اخرجت للناس كلما قرعوا طبول الحرب او قرقعوها انفختت علينا بالطبع مآس وويلات وهزائم نكراء، ومن جميع الأرجاء.
وما النصر الا من الله!
فانتظروه يا اولي الألباب الى ان يهبط عليكم بالبراشوت المقدس متى يشاء من السماء الزرقاء!
المشكلة ان اسرائيل ومنذ عام 48 لم تسمع من ابطال العرب الا التهديدات الصارخة بالصوت العالي والنبرة العنترية بالحرب الشعبية التحريرية التدميرية الجماهيرية الثورجية البعثية القومجية الاخوانية الاسلامية والشاملة المفتوحة الطويلة الامد، اما هي فكانت تهزمهم وتردعهم في كل مرة بصمت ودون ضجيج ودون التبجح بالكلام. وعندما تبجح ليبرمان مهددا بتغيير نظام بشار زجره فورا نتنياهو معتذرا من دكتاتور الشام.
وما زال صراخ الثوار العرب في التحرير يلعلع بالعالي حتى لقبنا حقا عند البعض بطبل فارغ لا يبالي.
ويأتي اليوم من يتابع نفس الصراخ وعلى وقع الشهب المتلألئة بالصواريخ الشهباء. وكأنه لم يسمع صراخ الشعب اللبناني ونحيبه في حرب تموز نتيجة مغامراته الغير محسوبة التي أدت الى قتل وجرح الالاف وهجرة الملايين.
وكأننا بالصراخ والتهديد سنخيف اسرائيل، التي ستعيد لنا قرية الغجر والاراضي المحتلة عند مطلع الفجر، وتقيم دولة فلسطين السيدة العربية المستقلة. وماذا يحصل دائما؟ العكس تماما حيث انها بصراخنا وتهديداتنا تحصل على مزيد من العطف والدعم العالمي، رغم كل ما ترتكبه من تجاوزات واخطاء وتعنت واجرام بحق الفلسطينيين.
والدليل كيف انه ردا على تهديدات صدام حسين وصواريخة الفاشلة حصلت على مليارات من الاسلحة المجانية ومنها هدية سخية بقيمة ملياري دولار باتريوت من المانيا.
وكاننا لا ولن نتعلم من الدروس!
ولا عجب ان تقع بعد ذلك قنابل وصواريخ العدو على الرؤوس ونصرخ متباكين على خسارة الارواح والنفوس كما حصل في حرب غزة المسكينة المحاصرة برا وبحرا وجوا واسرائيليا وعربيا ودوليا.
وماذا حققت حماس من تهديداتها بتحرير كامل حبات تراب فلسطين وطردها من اجل تحقيق هذا الهدف السامي السلطة الفلسطينية من غزة؟
على اساتذة المقاومة وصارخيها ومقاوميها ومشاعلها ومشعليها وصواريخها ومفجريها الاجابة على هذا السؤال الوجيه!
ويرد احدهم صارخا: الصمود في وجه العدو.
واجاوب: الصمود باللحم الحي ووجع وآلام ومعاناة الشعبين اللبناني والفلسطيني يعتبر كارثة علينا وليس على العدو!
هذا الذي استطاع من خلال ديمقراطيته ان يبني دولة علمية قوية عصرية تصنع وتبيع احدث انواع الاسلحة في العالم ومنها طائرة ايتان الاحدث من دون طيار. حتى ان روسيا العظمى تشتري السلاح الحديث من اسرائيل.
ويصرخ اخر وهل تريدنا ان نستسلم؟
لا علينا ان نواجه المشكلة الفلسطينية التي تعقدت جدا من خلال سياساتنا الفاشلة وصراخنا العالي وتهديداتنا المجلجلة ومنذ عام 48 بعقلانية ودراية وسياسة ناضجة واستراتيجية واضحة واستفادة من التجارب وفكر مستنير وفهم لقوة العدو وطبيعة الصراع معه، وليس بصراخ الثأر الذي يعود على اسرائيل بالقوة ويرمينا وراء النهر.
ولكن هل يقصد نصر الله بتهديداته حقا العدو الاسرائيلي؟
وعلى من يتعنتر قائد الأمة المتحفزة نوويا وذمياً لقيادة الكرة الارضية واسلمتها امميا: شعوبا ودولا وقبائل من قم على الطريقة الخامانائية في الاستبداد بالشعوب الإيرانية؟
هل يتعنتر حقا على العدو الذي يحتل الغجر ومزارع شبعا وهضاب الجولان؟
ومن يهدد ويتوعد حقا بطل المقاومة؟
هل يهدد ويتوعد حقا الصهاينة، الذين طردوا الفلسطينيين ويريدون رغم انف العالم كل فلسطين من البحر الى النهر دون ترك شبر واحد لاصحاب الارض الشرعيين المشردين في بقاع الكرة الارضية؟
اسئلة تدفعنا الى التساؤل والتحليل عن حقيقة ظاهرة حسن نصر الله وحزبه المسمى حزب الله والذي يدعي المقاومة. هذه المقاومة التي لا نرى لها اثرا بعد عام 2000 سوى انها مقاومة في وجه قيام الدولة اللبنانية، ومقاومة في فرض نفسها بقوة السلاح الميليشياوي على الشعب اللبناني وجره كارثيا الى اهدافها المستحيلة التحقيق، ومقاومة في ارهاب احرار لبنان وكل من يشير الى سلاحها الغير شرعي بالبنان.
فمستورد ثورة ملالي الفرس الى لبنان قلبا وقالبا:
بالشادور والبندقية، والصاروخ والتقية، وصور خامنئي والخمينية المرفوعة على الاراضي اللبنانية اكثر من الايرانية، والتفرقة بالفتنة المذهبية، واختراق الطوائف الاخرى بالدس وهمة الحرس الثوري بالاغتيالات، ورافع شعارات تحرير فلسطين والقدس من صهاينة الرجس، وحامل شعار المقاومة الى ابد الابدين حتى ولو جلبت للبنان الخراب والدمار والنحس، لم تكن تهديداته الصاروخية موجه في حقيقة الامر الا لكل من يطالبه بتسليم سلاحه للدولة اللبنانية.
وحسن نصر الله يتكهرب ويفقد اعصابه في كل مرة يطالبه زعيم لبناني بتطبيق القرارات الدولية وانهاء دويلته المذهبية المعرقلة لقيام دولة لبنانية ديمقراطية قوية تستطيع الدفاع عن نفسها. وهو وليس غيره من ظل يقف سدا منيعا في عودة الجيش اللبناني الى الجنوب بعد انسحاب اسرائيل عام 2000، الى ان طرد بعد حرب تموز بالقوة من الجنوب.
وهو اليوم يمارس وبعناد نفس الخطأ في عرقلة الدولة عن النهوض من كبوتها، وابقاء لبنان ساحة للتصفيات، والهيمنة على القرار الوطني الحر، وجر الشعب اللبناني الى ما لا يريده.
رغم ان الشعب اللبناني رفض اطروحات نصر الله ومقاومته وسلاحه وحروبه وعبثه بمستقبله، ديمقراطيا حضاريا جماهيريا في كل الانتخابات والمناسبات اخرها بمئات الالاف الذين تظاهروا تعبيرا عن تعلقهم بثقافة الحياة ورفضهم لثقافة الموت في 14 شباط.
وسيدفع حزب الله ثمن هذا الخطأ المخالف جوهرا وشكلا للشرعية الدولية والعربية واللبنانية.
ولن يصح الا الصحيح المبني على المنطق والحكمة وارادة الشعب والصدق والوطنية والعقل ولو بعد حين!

ليست هناك تعليقات: