الجمعة، ديسمبر 14، 2007

عندما جُنَّ جنونُ عون

سعيد علم الدين
التفاوض مع عون مضيعة للوقت. وكيف سيتفاوض الإنسان مع من يقول: أنا أو الفوضى ، أنا أو الخراب ، أنا أو الطوفان ، أنا أو الحرب ، أنا أو لا أحد !؟
وكيف سيتفاوض الإنسان مع من يفرض نفسه فرضا على رئاسة الجمهورية دون مراعاة للعبة الديمقراطية ولحقوق الأكثرية ولمصلحة الشعب وكرامة الوطن مدعوما من حلف شيطاني سوري إيراني وميليشيات إلهية إرهابية ليس لها صدق وأمان !؟
ولهذا فقيام الحزب اللاهي المتورط حتى بنات أذنيه وصبيان عينيه وثقبي أنفه ولحيته وعمامته وبكامل جبته ومن ورائه نظام الاغتيال السوري ونظام إجرام الملالي بتكليف ميشال عون تمثيل الأقلية للتفاوض مع الأكثرية على انتخاب الرئيس المقبل بدل نبيه بري، إنما يدل دلالة واضحة على محاولة مكشوفة منهم لإضفاء صفة الزعيم المسيحي الأوحد والبطريرك السياسي الأكبر لواجهتهم المسيحية تضليلا للرأي العام. خاصة بعد أن فشل عون فشلا ذريعا بدعوته القادة المسيحيين لمرجعية الرابية، حيث لم يأته إلا بخجل بعض النواب والوزراء السابقين والذين لا يشكلون أي زعامة سياسية وليس لهم أي ثقل سياسي وتأثير شعبي. الهدف الأول من ذلك ترويج عون كرئيس وحيد للجمهورية بدعم مطلق ممن ذكرت بعد أن وضعوا شتى العراقيل أمام العماد سليمان.
ومن هنا يأتي اغتيال الشهيد اللواء الركن فرنسوا الحاج بالدرجة الأولى ترهيبا للعماد سليمان لكي يتراجع عن موضوع الرئاسة. وليتم بالتالي فتح طريق بعبدا لعون بدماء الشهيد فرنسوا الحاج. وليؤكد هو على ما نقول فقد أعلن: أن جريمة اغتيال اللواء الحاج جاءت "فيما قائد الجيش مرشح لرئاسة الجمهورية. وكأنه يقول لقوى 14 آذار: لو لم ترشحوا سليمان وقبلتم بي رئيساً لما وقع الاغتيال! ومستطردا إذا أصريتم على سليمان فلقد أعذر من أنذر!
ليس هذا فحسب، بل وكعادته في الابتزاز سيقول للأكثرية في مفاوضاته التي يبشر بها: أنا اعترف بشرعية حكومة السنيورة ودستوريتها بشرط أن تعترفوا أنتم بي رئيسا وحيدا للجمهورية وتنتخبوني. وإذا مشت هذه المعادلة والتي هي سلته الوحيدة في التفاوض عندها ستستقيل الحكومة ويقوم عون كرئيس بانقلاب يتم فيه الهيمنة على السلطة والتسلط على لبنان بدعم من الحزب اللاهي والحلف الإلهي لتعطيل المحكمة الدولية ووضع شتى العراقيل في وجهها. فهدف الحلف الإلهي الأول من فرض عون رئيسا للجمهورية هو رفضه للمحكمة الدولية ومحاولة إيجاد بديل كمحكمة لبنانية على شاكلة محاكم عضوم البائدة. دليلنا على ذلك إشارة عون بعد اجتماع استثنائي للتكتل العوني، بعيد اغتيال الحاج، إلى قوله أن "المحكمة الدولية كلفت الكثير من الشهداء". وكأنه يمهد لعملية وقف مفاعيلها في لبنان إذا أصبح رئيساً! وسيقوم فورا بالإفراج عن الضباط المتورطين كما يريد نصر الله ولن يسلم المطلوبين للعدالة الدولية وسيعلن أن القرار الدولي 1559 قد طبق، لكي يبقى لبنان ساحة صراع ومزرعة عصابات دون نهاية.
اما الهدف الثاني لوضع عون في الواجهة فهو لي ذراع الأكثرية ومحاولة زعزعة تماسكها. ونحن بدأنا نسمع من جنبلاط لغة هادئة لينة يدعو فيها للوفاق وبأي ثمن. وماذا إذا كان ترئيس عون هو الثمن يا سيد جنبلاط؟
الثمن يجب أن لا يكون على حساب المحكمة ودماء الشهداء والتراجع عن ثوابت 14 آذار الوطنية الاستقلالية السيادية التي لا تقدر بثمن.
أما الهدف الثالث فهو إظهار عون كمنقذ وحيد لهذا الوجع اللبناني الممزوج بالدماء والقادر على حل الأزمة اللبنانية المفتعلة وإعادة الإمساك بالأمن ووقف مسلسل الاغتيالات. هذا الهدف يلتقي مع هدف الاغتيال الأخير.
وفي الوقت نفسه يعتبر عون اليوم هو المنقذ الوحيد للنظام السوري والمتورطين معه من اللبنانيين وغيرهم من مطرقة المحكمة.
وإلا فإن مخططات الحلف الشيطاني المذكور ستتابع طريقها عبر أدواتها في لبنان لعرقلة انتخاب رئيس للجمهورية حتى يبقى الفراغ سائداً لأطول فترة ممكنة يستطيعون من خلالها استغلال أي ظرف للخراب والاغتيال وزرع الفتن وجر البلد إلى الفوضى. فالنظام السوري لا يريد أن يسمع كلمة محكمة ويريد ابتزاز العالم بموضوع رئاسة الجمهورية. وإيران تريد اللعب بورقة استقرار لبنان لابتزاز أمريكا وأوربا حول ملفها النووي ولإجهاض العقوبات الجديدة.
ومن هنا يأتي طرح عون موضوع التفاوض مع الأكثرية وبأسلوبه العسكري الفج كمضيعة للوقت بعد أن أضاع بري الوقت الكثير. عدا أنها محاولة عرض للقوة بعد أن صرح فاروق الشرع، أن: "أصدقاء سوريا في لبنان ومنهم عون الآن هم في وضع أقوى وأصلب من أي وقت آخر".
عون المدعوم سوريا سيفاوض الأكثرية من خلال منطق فاروق الشرع البعثي الشمولي وسيظهر صلابته وقوته ليفرض نفسه رئيسا بالبلطجية.
على الأكثرية المدعومة لبنانيا وعربيا ودوليا ودستوريا وشعبيا أن تحزم أمرها وتقوم بأسرع وقت وبحكم القانون وكما ينص الدستور ودون العودة إلى بري الشبه مستقيل من رئاسة المجلس، بتعديل الدستور وانتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية. وعلى الباغي ستدور الدوائر!
لقد هدر بري الوقت الكثير ليوصل لبنان بمخطط مرسوم إلى هذا الفراغ الرئاسي. وهو الذي كان يعلن طوال الوقت أنه وراء البطريرك صفير، بأمر صغير من أسياده في دمشق وقم قفز من خلف البطريرك وصار وراء عون.
وإذا كان التفاوض مع بري المحامي المحنك السلس أوصل إلى هذه النتيجة البائسة فإلى أين سيوصل التفاوض مع من يفرض نفسه وشروطه كأوامر عسكرية على الشركاء! وكأن زعماء لبنان الكبار الذي يقدمون من صفوفهم الشهداء ألوية تحت قيادته يحركها كيفما يشاء.
بل أن وضع عون في بوز المدفع السوري الإيراني الهدف منه أيضا تهميش الأكثرية النيابية ومعها القرار اللبناني الحر أكثر والأحرار من الزعماء المسيحيين أكثر وأكثر. عون هو أحد المستفيدين الأساسيين من كل الاغتيالات وأعمال الشغب والاعتصام والفوضى، وإلا لما شارك بها وهو يعرف ضررها الاقتصادي الكبير للبلد المنهك من الحروب. فهو من تحدث عن ترحيل الحكومة بالقوة إذا لم ترحل بالمليح. ماذا يعني ذلك سوى تصفية أعضائها! وتم بعدها اغتيال الشهيد الوزير بيار الجميل. وماذا فعل عون خالف موقفه المبدئي من الحكومة الغير دستورية وهجم كالمهووس وبكل وقاحة وبلا أخلاق مقتنصا بمساعدة آلهة المخابرات السورية مقعده الانتخابي وكأن الاغتيال جاء بالدرجة الأولى لمصلحة عون.
هذا يعتبر قمة في الخيانة والنذالة والخسة، كيف لا وهناك أحرار يستهدفون ولا يتراجعون، بل ويقدمون الروح استشهادا من أجل استقلال لبنان وحريته وديمقراطيته وسيادته ويأتي شخص استغلالي كعون لا هم له: لا سيادة ولا استقلال ولا كرامة وطن ولا شهداء سوى اقتناص مقعد من هنا والقعود على الكرسي مشبع بالدماء البريئة من هناك.
وإذا كان لحود مُقَنَّعا فعون قد أسقط القناع ويهذي هذيان أبناء الشوارع والرعاع للوصول إلى كرسي الرئاسة على أكتاف الشهداء الذين يقدمون الأرواح من أجل استقلال لبنان.
حتى أن في هذيانه لم يعد يحترم مرجعية بكركي. فبعد أن أشار البطريرك صفير إلى سوريا وإيران بالإصبع جن جنون عون قائلا "هناك مراجع لا تريد أن تفهم، وكأنهم لا يعيشون في هذا العالم، فلا يزالون يتهمون سوريا وإيران"، واتهم هؤلاء بما سماه "العطل الفكري"، معتبراً أنهم "يريدون لعب الدور الأول، لكن عن جهل... وقد يكون لا نية سيئة لهم لكنهم يدخلون على الخط ويلعبون بعقل الرأي العام بأكاذيب للتضليل والخربطة على مساعينا للوصول الى حلول".
هذا كلام أولاد شوارع. يا عيب الشؤم على هكذا تربية! ويريد أن يصبح رئيسا للجمهورية!

ليست هناك تعليقات: