السبت، ديسمبر 15، 2007

في غزة بداية النهاية


د. عدنان بكريه
أتم الجيش الإسرائيلي استعداده لاجتياح قطاع غزة وبشكل واسع.. هذا ما أعلنه قائد الأركان (غابي أشكنازي) وصرح بأن ساعة الصفر تقترب لاجتياح القطاع ومن كل الجهات وبكل الوسائل الحربية البحرية والجوية والبرية ! وكأنه لا يكفي غزة وشعبها الصامد الصابر ما يعانيه من ويلات الحصار المفروض والحرمان والجوع... لا يكفيها ما ألم بها من ألم وبؤس وحصار لا يعلم إلا الله نهايته.
الموت صار نمطا لأهلنا هناك .. والهجرة أصبحت هاجسا يراود الآلاف من شباب غزة الذين ملوا الحياة ولم يعد بمقدورهم الصبر أكثر..لم يعد بمقدورهم الاحتمال أكثر في ظل فقدانهم فرص العمل والحياة الكريمة فالأمن ضاع والاستقرار صار حلما بعيدا لا يمكن تحقيقه في ظل المعطيات الماثلة على الساحة وانقطاع الأمل في إعادة المياه إلى مجاريها بعد الانقلاب الذي أقدمت عليه حركة حماس هناك وبعد أن فقدوا آمالهم بالعودة إلى مرحلة ما بعد الاقتتال الأخوي !
السؤال المطروح.. إلى أي مدى سيحتمل شعبنا الصابر الصامد المعذب كل أشكال القهر والكبت والجوع والتركيع على يد المحتل الإسرائيلي ؟ وكيف بإمكانه الخروج من الحالة التي يعيشها من الجحيم المفروض عليه ؟ وهل بإمكان حركة حماس أن تقاوم الاجتياح الإسرائيلي ببطون خاوية ومقاتلين جياع ؟ وهل بإمكان مقاتلي فتح القتال إلى جانب أخوانهم من حركة حماس ؟بعد القطيعة التي سيطرت على العلاقة بين الطرفين .
التاريخ دل أنه إذا تعرض الشعب لعدوان خارجي فان كل القوى والفصائل تتوحد ولو مؤقتا من اجل صد العدوان الذي يستهدف الشعب... فالرصاص الإسرائيلي لن يدقق في الهوية الفصائلية للمواطنين ولن يتحقق من الانتماء العقائدي للمواطنين ..
من هنا فان ما هو مطلوب تكاتف كل قوى الشعب في حلف متراص ومتماسك للتصدي للعدوان القادم والذي لن يرحم الأطفال والنساء والشيوخ ،بل يبقى هدفه القتل والتدمير والتشريد بغض النظر عن الهوية الفصائلية للمواطن .. إن ما هو مطلوب في هذه الظروف الحرجة التي يمر بها شعبنا تناسي الخلافات الداخلية ولو مؤقتا والتصدي للعدوان الإسرائيلي القادم وإذا لم يكن من اجل حماس أو فتح فلأجل الشعب لأجل النساء والشيوخ والأطفال.. لأجل وصية الشهداء !
فهل سيكون اجتياح غزة بداية نهاية الخلاف الفلسطيني الداخلي ؟ وهل سيكون بداية نهاية الاحتلال ؟
أنا لم أعش في غزة ولم أزر غزة إلا مرة واحدة في حياتي، لكن لغزة ولشعب غزة في قلبي منازل فهي التي قهرت الاحتلال وهي التي قاومت وحملت لواء المقاومة على مر التاريخ.. ويؤلمني ما أراه اليوم وما نشهده من تناقض صارخ بين الإخوة ورفاق النضال ... ويعز علي أن تنتهك شوارع غزة وتتحول إلى شوارع أشباح وتتحول المدينة إلى مخزن ألم وحزن.
مسؤوليتكم جميعا يا أخوتي من حماس وفتح بأن تفتحوا صفحة جديدة من العلاقات التي ترتكز إلى المصلحة العليا للشعب والوطن .. ترتكز إلى نبذ التراشق الإعلامي وشق الطريق نحو حوار أخوي يزيل الأعباء عن كاهل الشعب الفلسطيني ويضع حدا للعبث الحاصل هناك.. ليس من المعقول والمقبول أن يبقى الأمر على ما هو عليه في حين نرى الدبابات الإسرائيلية تتهيأ لدخول المدينة .. في حين نرى القهر والجوع ينتشر في الشوارع هناك .. مسؤوليتكم التاريخية تحتم الجلوس إلى طاولة الحوار ولو من أجل إعلان هدنة مؤقتة .. وهذا أضعف الإيمان وأقل ما نقدمه لشعبنا في الظروف العصيبة التي يمر بها شعبنا.
مسؤولية الفصائل الفلسطينية الأخرى تفعيل دورها في سبيل تقريب وجهات النظر بين الإخوة في حماس وفتح ومحاولة رأب الصدع القائم ولملمة جراح الماضي ،إذ لا بديل عن إعادة اللحمة للفصائل الفلسطينية وأما ما هو مطلوب من فتح تنقية الهيكل التنظيمي من الشوائب .. يعز علينا أن نرى الحركة بهذا الشكل وهي التي قادت النضال الوطني الفلسطيني سوية مع باقي الفصائل وبجدارة واستطاعت أن تحفر تاريخها في ذاكرة شعبنا.. من هنا فنحن نريد لحركة فتح أن تكون معافاة وقوية وان تستعمل قوتها في خدمة الشعب والوطن
وما هو مطلوب من فتح .. مطلوب أيضا من الأخوة في حماس.. التراجع عن الانقلاب الذي أقدموا عليه وصياغة معالم المرحلة القادمة وفق أجندة تحظى بإجماع وطني من كل الشعب الفلسطيني وكل الفصائل فليس من المقبول والمعقول أن تحتكر حماس أو فتح الأجندة السياسية لوحدهما !
إننا نعتصر ألما لما آل إليه وضعنا الفلسطيني الداخلي ولما ترك من تداعيات على مجمل النضال الوطني وعلى وضعيتنا نحن فلسطينيي الداخل ..فأي أزمة تبرز على المستوى الفلسطيني لا بد لها أن تلقي بظلالها علينا وأذكر عندما تم توقيع اتفاقات أوسلو شعرنا نحن بنوع من النصر وغرقنا بالنشوة وحتى أن نظرة اليهودي تجاهنا تغيرت قليلا .. أحسسنا بأننا قاب قوسين وأدنى من إقامة الدولة الفلسطينية.. أمنا التي انتظرناها طويلا وبعد أحداث غزة الدامية.. أحسسنا بالإحباط يلفنا واليأس يغزونا..لأننا بدأنا نفقد الجدار الذي لا بد أن نتكئ إليه مستقبلا .. بدأنا نفقد جزءا من حلمنا وعشقنا .. إن أي انكسار وانحدار على المستوى الفلسطيني يجعل المؤسسة الحاكمة هنا تستفرد بنا وتستضعفنا... نحن أول المتضررين من الحالة الفلسطينية المرضية فرفقا بنا وبشعبنا.. رفقا بغزة الجريحة والتي تنتظر قدرها ومصيرها الغامض !
من حقنا عليكم نحن الجزء الحي والنابض هنا أن نطالبكم بالجلوس إلى طاولة الحوار كرد فعل على النوايا الإسرائيلية المبيتة وعلى الاجتياح الإسرائيلي القادم... من حقنا عليكم أن ترحموا شعبنا وترحمونا من الألم الذي يلازمنا ومن البؤس الذي عمدنا وأصبحنا تائهين.. فيا أخوتي الكبار أليس هناك من خيار ... سوى المآسي والدموع والدمار .
د. عدنان بكريه / الجليل / فلسطين

ليست هناك تعليقات: