السبت، ديسمبر 01، 2007

من ذاكرة الأسر 13

راسم عبيدات
الأسيران القائدان فخري البرغوثي"أبو شادي" ونائل البرغوثي
شموع على طريق الحرية

.....نعم إنهم رموز وعناوين للنضال الوطني الفلسطيني ، وأحد اهم دعائم ومرتكزات الحركة الأسيرة، بل سنديانات هذه الحركة، وأنا شخصياً أعتبرهم البوصلة والهادي والمرشد لجموع الأسرى المناضلين، ففي الوقت الذي أوجدت فيه أوسلو عند الكثير من المناضلين حالة واسعة من الإحباطات وفقدان الثقة والقهر الداخلي، وفقدان البوصلة والإتجاه،فإن هؤلاء العملاقة ورغم مرور أكثر من تسعة وعشرين عاماً على إعتقالهم، لم يبدو لحظة تراجع أو ندم أو أسف على ما قدموه من نضالات وتضحيات، بل وشهادة لهم وللتاريخ والنضال، فهم ليسوا من المتهالكين على ان يفرج عنهم من خلال صفقات ما يسمى بحسن النوايا الإسرائيلية، بل يطمحون أن يجري الأفراج عنهم ، بعد هذه السنوات الطويلة من النضال والمعاناة ، في صفقة مشرفة ترفع رؤوسهم، ويستقبلون فيها إستقبال الأبطال والعظماء، وهم بحق عملاقة وعظماء ومنصهرون حتى نخاع العظم في قضايا وهموم شعبهم، فالقائد المناضل فخري البرغوثي"أبو شادي"، فكما ضرب سماحة الشيخ المجاهد حسن نصر الله أروع دروس النضال والتضحية، وما يجب أن يكون عليه من قدوة ومثال لجيشه وشعبه وحزبه، فأولاده إنخرطوا في النضال جنب إلى جنب مع باقي أبناء الحزب، حيث نال أحدهم الشهادة وجرح الآخر، وبالمقابل "أبوشادي" لم يكن رأسماله سوى ولدين شادي وفادي الذي تركه والده نطفة في أحشاء أمه، ولم يرى الحياة بعد،"وأبو شادي" ترجم بالفعل والممارسة القائد في الميدان، بل قال أنا وما املك من مال وعيال للثورة وليس للثروة، فولداه شادي وفادي تشربا النضال،وتربيا على نفس المباديء والمفاهيم والقيم التي تربى عليها الوالد، الثورة تأخذ ولا تعطي، وآمن شادي وفادي أن حسن النوايا وترك الأسرى تحت رحمة الإسرائيليين وأجهزتهم الأمنية وتصنيفاتهم،لن يقود بالمطلق لتحرير الأسرى،وهو يحتاج إلى مناضلين أشداء، وقيادات تمتلك الإرادة وتضع مسألة تحريرهم على رأس سلم أولويات أولوياتها، ويلتحق شادي وفادي بالنضال والمقاومة، ويدخلان السجن ويلتقيان بالوالد بعد أكثر من ربع قرن، ويجتمعان معاً في قسم ح غرفة 29 ، ومشهد اللقاء بينهما مهما حاولت توصيفه، لن تستطيع نقل أو وصف حرارته ودفء المشاعر فيه، دموع يخالطها شعور بالعز والفخار، والوالد يتفقد أولاده من قمة الرأس وحتى أخمص القدم، وكأنه يقول لهم، لقد كنتم كما أردت، وها أنا أشعر بأن رأسي يطاول السماء بكم، وكم من مرة زرت "أبو شادي" وأولاده في الغرفة، وكم مرة قلنا له " بطلعلك يا عم إنفش ريشك، إولادك عندك "، بس السكن في الغرف على أساس عشائري مرفوض، وكم مرة كان يقول لي مازحاً"مش عيب عليك تنحبس على لحمه ، قلي هي لحمة جدي وإلا خروف،" سبعة عشر شهراً يا "أبو شادي" على لحمه، كيف لو على شيء ثاني، كان أبدوك، و"أبو شادي" كان من أكثر المناضلين الداعين إلى إعادة الهيبة والإعتبار إلى الحركة الأسيرة ،وإلى أن تتكاتف وتتوحد جهود كل المناضلين من أجل مواجهة إدارة القمع الصهيونية، والتي تشن حملات قمع متواصلة ضد الحركة الأسيرة، وتقوم بسحب منجزاتها ومكتسباتها بشكل منظم ومبرمج، وهو أيضاً من المناضلين الذين دعو إلى، أن تكون الحركة الأسيرة بعيدة عن كل الخلافات التي تحدث في الخارج ، فالعدو في المعتقلات يتربص بالجميع، وهو لن يرحم أحد ولن يفرق بين حماس وفتح أو جهاد وجبهة، فالكل عنده فلسطيني ومستهدف، بل سيستغل أية خلافات بين أطراف الحركة الأسيرة، من أجل ان يرفع من وتيرة قمعه ضد الحركة الأسيرة، ويسحب منجزاتها ومكتسباتها التي عمدت بالدم ومعانيات الأسرى، وعدد لا بأس به من الشهداء.
أما الأسير المناضل نائل البرغوثي، والذي أشد ما يكره في حياته المحسوبيات والفساد، والقيادات غير المناضلة والتي تصل إلى مناصبها ومراكزها بالتسلق والرياء والنفاق الإجتماعي وكل أشكال وأنواع التآمر والشلليات والعشائرية والجهوية، والبرغوثي الذي كان على زمن الإشتراكية ،والمد الإشتراكي في المنطقة، والموقف السوفياتي الداعم لحركات التحرر والشعوب المضطهدة يكنى بأبو جهل، بعد الأسلمة وتراجع الإشتراكية أصبح يكنى بأبي النور وأبو النور هذا، أختار في أزمة حركة فتح في عام 1983، ان يكون ضمن الحركة التصحيحية "أو ما يسمى فتح الإنتفاضة"، والتي تطالب بإصلاحات جذرية في صفوف الحركة، ولكن ما حدث من تطورات لاحقه، أقنع أبو النور، كما أقنع الأسير احمد عميره لاحقاً عندما ترك الجبهة الديمقراطية وإلتحق بفدا، مبهوراً بشعارات الديمقراطية والإصلاح والتغير التي طرحها ياسر عبدربه، والذي أثبتت التطورات السياسية اللاحقة، أنها كانت من أجل أن تكون تغطية لإنحرافاته وتراجعاته وتنازلاته السياسيه، وخدمة لمصالح وإمتيازات فئة معينه، ولو إستشار احمد عميرة أبو النور فلربما بقي في تنظيمه ولم يغادره، وأبوالنور وجد أن الشعارات المرفوعة عن الإصلاح ومحاربة الفساد والمحسوبيات والإنحراف السياسي ، ومحاسبة كل المتخذلين في حرب عام 1982 ، لم يكن إلا لذر الرماد في العيون، والمسألة لا تتعدى المصالح والإمتيازات وخدمة لهذه الأجندة أو تلك، او لهذا الطرف أو ذاك، وأبو النور كونه من القيادات المناضلة، والتي لم يفلح المعتقل وطول السنيين بهز قناعاته أو تغيرها، كما فعل في البعض، فأنه ما زال مؤمناً وقانعاً، أنه مهما قدم الطرف الفلسطيني، والذي بعد التطورات الأخيرة، وما أصاب البيت الفلسطيني من إنقسامات وتصدعات عميقة، أفرزت سلطتين وجغرافيتين، لن يحقق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية،فليس العدو فقط بل والعالم أجمع لا يحترم الضعيف ومن يستجدي الحقوق، لأن الحقوق تنزع إنتزاعاً، وأبو النور ليس بالإنسان العدمي ، الذي لا يؤمن بالتفاوض، بل يرى أن التفاوض يجب أن يكون من موقع قوة، وقائم ومستند إلى أسس ومرجعيات، وإلا بدون ذلك فإننا سنستمر في الدوران في حلقة مفرغة، ونصبح كمن يخض الماء، أو يطحن الهواء، ومن يشاهد أبو النور يقود طابور الرياضة الصباحي، يشعر أن أبو النور مازال شباب وفي مقتبل العمر، وهو يحرص دائماً على متابعة كل التطورات السياسية ، من خلال راديو يحمله معه بإستمرار.
"أبو شادي وأبو النور" يؤرخان للحركة الأسيرة الفلسطينية، وشاهدين على عمق المعاناة والمأساة التي تعيشها الحركة الأسيرة الفلسطينية ،حيث القمع الصهيوني المتواصل والمستمر والمتصاعد ، وبالمقابل إهمال وتقصير فلسطيني، لقضية على غاية الأهمية والجدية لشعبنا الفلسطيني فهل التسعة وعشرين عاماً التي قضياها ،هم وغيرهم من الأسرى والمناضلين، كافية للطرف الفلسطيني، لكي يصحو ويقول ، فلتذهب كل الإتفاقيات إلى الجحيم إذا لم تحرر أسرانا، أم تستمر المأساة والمعاناة حتى يصبح أبو شادي وأبو النور في عداد الشهداء.؟

القدس –فلسطين
Quds.45@gmail.com

ليست هناك تعليقات: