الثلاثاء، ديسمبر 25، 2007

عن أي سلام يتحدثون ؟؟!!


د. عدنان بكريه
ما يحصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة من تكثيف لعمليات الاستيطان ومصادرة الأراضي يبرهن على أن اسرائل ورغم تظاهرها الشكلي بحرصها على فتح آفاق الحوار إلا أنها بخطواتها الكارثية هذه تنسف أية فرصة للحوار وتسد طرق السلام بجدران المستوطنات الصهيونية التي تقام على مرأى ومسمع من العالم وخاصة الدول الراعية لعملية السلام .
لم يمض شهر على انفضاض لقاء انابوليس بصيغة المتعددة حتى بدأ البلدوزر الإسرائيلي بتجريف آلاف الدونمات التابعة للمواطنين الفلسطينيين بهدف بناء المستوطنات عليها أما الهدف الغير معلن يبقى أكبر من مجرد عمليات توطين وتوسيع ليصل إلى حدود فرض واقع ديموغرافي استيطاني يُصَّعب عملية الإخلاء مستقبلا فيما لو تم التوصل إلى اتفاقات نهائية بين الأطراف وعليه قد تتمكن إسرائيل من الحفاظ على بؤرها الاستيطانية التي ستكون بمثابة (مناطر ) إسرائيلية مستقبلية بقلب الكيان الفلسطيني .
إن ما حذرنا منه سابقا ودائما وهو عدم جدية الطرف الإسرائيلي في إيجاد مخرج للوضع القائم يبدو الآن جليا للعيان من خلال إخلال إسرائيل بالمبادئ الأساسية لأية حوار ومفاوضات حول الحل النهائي ،إذ لا يمكن الحديث حول مفاوضات سلمية في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بزرع أشواك المستوطنات على طريق المفاوضات وفي الوقت الذي تهدد فيه باجتياح قطاع غزة وإبقاء الحصار على ما هو عليه .
إن سياسة التجويع والترويع التي تنتهجها إسرائيل ضد شعبنا الفلسطيني يجعل مجرد الحديث عن السلام أمر مضحك وغير واقعي.. فأي سلام يجب أن يسبقه إبداء حسن نوايا وإيقاف كل المظاهر التي تكرس الاحتلال مثل الاستيطان والحصار والتهديد والوعيد ! وما هو ظاهر على الأرض الفلسطينية يقطع الشك باليقين بان إسرائيل غير ذاهبة نحو السلام والمفاوضات بل نحو تكريس السيطرة على الأراضي الفلسطينية وشحن الأجواء في المنطقة واستفزاز الطرف الفلسطيني دون رقيب أو حسيب !
إسرائيل تسعى من خلال تكثيف الاستيطان إلى قطع الطريق أمام إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وهي لن تدخر جهدا في سبيل إفشال كل محاولات العودة إلى طاولة المفاوضات في ظل غياب المطالبة العربية والدولية بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في لقاء انابوليس .
لقد كان واضحا منذ البداية على أن الطرف الإسرائيلي يسعى جاهدا إلى جر العالم العربي إلى التطبيع معها دون قيد أو شرط.. وحتى لو تم التطبيع فليس هناك ما يلزم إسرائيل على دفع استحقاقات العملية السلمية كونها لا تجنح للسلام الحقيقي بل تنادي بسلام جزئي مشروط بفتح العواصم العربية أمامها.
إن الرؤية الإسرائيلية للسلام لا تتعدى إقامة حكم ذاتي فلسطيني لا يشمل القدس وحق العودة بالمقابل إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية مع العالم العربي وإغلاق ملف القضية الفلسطينية نهائيا..لذا فهي معنية ببقاء حالة الانقسام الفلسطيني ... معنية بوجود كانتونات فلسطينية لا أكثر ... محافظات مقطعة الأوصال لا تتمتع بشرايين الحياة وغير موصولة بأي عالم آخر ! هذا هو التوجه الإسرائيلي للسلام والحل .
إن الرهان على الولايات الأمريكية وإسرائيل هو رهان فاشل.. إذ لا يمكن الانتظار بان تتنازل إسرائيل عن القدس وتسمح بعودة لاجئي شعبنا إلى ديارهم.. فقد أعلنها أكثر من مسؤول إسرائيلي بان الحل الجذري لقضية الشعب الفلسطيني لا يتعدى منح القيادة الفلسطينية صلاحيات إدارة بلدية كبيرة أو محافظة على حد تعبيرهم وبالنسبة لقضية اللاجئين فمن الأفضل وحسب تعبير المسؤولين الإسرائيليين القبول بالتعويض وتوطينهم داخل الدول العربية !! هذه هي الرؤية الإسرائيلية الشاملة للحل .
إسرائيل تريد التخلص من العبء الثقيل التي تشكله الضفة وغزة فهي تسعى لرمي هذا العبء عن كاهلها من خلال منح السلطة الوطنية حكم ذاتي إداري لا أكثر وهي تحاول استحداث قيادات مهادنة تسير في ركب المحتل كما كانت روابط القرى في السبعينات .. تريد التخلص من العبء الاقتصادي الذي تشكله الضفة وقطاع غزة لذا تسعى وبكل الوسائل إلى تفعيل الدبلوماسية العالمية والعربية لإقناع الطرف الفلسطيني للقبول بما تطرحه من حلول هشة لا تلبي أدنى ثوابت الحق الفلسطيني .
إن ما نخشاه بأن تتبنى بعض الأطراف العربية الرؤية الإسرائيلية للحل وتقوم بتفعيل ضغوطاتها على الطرف الفلسطيني .. وما نخشاه أكثر أن تقبل بعض الأطراف الفلسطينية ما تطرحه إسرائيل في إطار صفقة تطيح بحق العودة والقدس الأمر الذي سيشعل الشارع الفلسطيني من جديد ويعزز حالة الانقسام القائمة !
في ظل الحراك الدبلوماسي القائم والهادف إلى نسف ما تبقى من ثوابت الحق الفلسطيني مطلوب من الإخوة في حركتي فتح وحماس تجاوز كل الخلافات القائمة واللجوء إلى طاولة الحوار الأخوي النابع من المصلحة الفلسطينية العليا لتفويت الفرصة على المآرب الإسرائيلية التي تحاك وبمشاركة بعض الأطراف العربية .. ودون ذالك سنجد أنفسنا في بحر من المؤامرات والضياع... سيكون من السهل على إسرائيل ضرب أركان الحل والتهرب من دفع استحقاقات العملية السلمية المزعومة .
إن استمرار الوضع الفلسطيني المنقسم على ما هو عليه سيجعل إسرائيل تستسهل ابتلاع الحق والإتيان بحلول هشة تتجاوز الحقوق الفلسطينية وتقفز عن ثوابتنا الوطنية .. وحدة الشارع الفلسطيني من شأنها أن تصّعب مهمة إسرائيل وقد تجعلها عاجزة عن إجتياح قطاع غزة ... من هنا فان ما هو مطلوب فورا تدخل كل الفصائل الفلسطينية لإنهاء حالة الانقسام السائدة وإعادة المياه إلى مجاريها... فشعبنا لم يعد يحتمل المعاناة والحصار المفروض والذي يزداد يوما بعد يوم.
إننا نخشى أن يصل المواطنين المحاصرين في غزة إلى التمني بعودة الاحتلال.. لا حبا بالاحتلال بل بحثا عن تأمين لقمة العيش والخروج من الحصار المفروض ولألا يصل المواطن لهذه المرحلة .. على قيادة شعبنا أن تسعى لفك الحصار المفروض.. وهذا الأمر لن يحصل إلا إذا عادت اللحمة إلى أبناء شعبنا
الدكتور عدنان بكريه / فلسطين / الجليل

ليست هناك تعليقات: