الاثنين، ديسمبر 03، 2007

الوحدة الوطنية .. هي الرد الفلسطيني على هَوَس الاحتلال


د. عدنان بكريه
إن الرد الفلسطيني على تصريحات قادة إسرائيل الناسفة لأسس الحوار يجب أن تتمثل بإعادة اللحمة للشعب الفلسطيني وبأسرع وقت ممكن وعدم الارتكان إلى تعهدات أنابوليس التي تطايرت عندما وطأت أقدام أعضاء الوفد الإسرائيلي مطار ( بن غوريون ) في تل أبيب .
قيام إسرائيل بالضغط على الولايات المتحدة لسحب مشروع قرارها بشأن رعاية مجلس الأمن للمفاوضات بين القيادة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية يكشف طبيعة النوايا الإسرائيلية الرافضة للحوار حول مستقبل الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.. فإسرائيل ليست معنية بإقحام مجلس الأمن حتى لا تلتزم بتعهدات أنابوليس وحتى يتسنى لها ضرب مبادئ اللقاء الدولي والتهرب من مجرد الجلوس مع الوفد الفلسطيني وتبقي (العصمة) بيدها ويد الولايات المتحدة .. تطلق الحوار وتفضه متى شاءت دون رقيب أو حسيب .
منذ البداية حذرنا من مغبة التفاؤل ودعونا القيادة الفلسطينية إلى الحذر من لقاء لا يمت إلى مبادئ السلام بصلة وذالك من خلال قراءتنا للوضع الإسرائيلي الداخلي الحزبي والانتخابي.. وحذرنا من أن يكون اللقاء لتبييض وجه أمريكا الملطخ بدم الشعوب العربية والإسلامية ووجه إسرائيل الشاحب !! حذرنا من أن يكون أنابوليس مجرد مهزلة أمريكية لإيهام العالم العربي بأنها جادة في حل القضية الفلسطينية وفتح الطريق أمام الحوار الفلسطيني الإسرائيلي... حتى جاءت تصريحات قادة إسرائيل لتثبت بالدليل القاطع تكهناتنا وتبرر تخوفنا من خبث النوايا الأمريكية الإسرائيلية ..فخلال جلسة الحكومة الإسرائيلية لنقاش مبادئ انابوليس أعلن رئيس الوزراء (أولمرت ) بملء فاه الكبير " إن نهاية 2008 ليس موعدا نهائيا ... ولا التزام بجدول زمني بشأن الحوار الفلسطيني وإطلاق عملية السلام ونريد أن نرى جدية الطرف الفلسطيني في القضاء على الإرهاب وتنفيذ مبادئ خارطة الطريق " وبالتزامن مع هذه التصريحات صرحت وزيرة الخارجية ( ليفني ) لإذاعة الجيش الإسرائيلي " إن هذا الاجتماع لا يقيد يد إسرائيل فيما يتعلق بالمسائل الأساسية المطروحة " أي بحق العودة والقدس وحتى إقامة الدولة الفلسطينية !! وفي نفس اليوم يعطي وزير الدفاع الضوء الأخضر للجيش الإسرائيلي لتكثيف العمليات العسكرية في قطاع غزة... من هنا نفهم بأن لقاء أنابوليس لم يكن إلا لقاءا لاستدراج الأطراف العربية للتطبيع مع إسرائيل وهذا ما طرحه (أولمرت ) من على منصة الاجتماع .
إن التحركات الإسرائيلية السياسية والعسكرية تدل على أن إسرائيل كانت تنتظر انتهاء اللقاء الدولي لضرب قطاع غزة ربما الضربة القاضية .. وهذا بالطبع منوط بمقدرة الشارع الفلسطيني على تحمل هذه الضربة والتصدي لها إعلاميا ودبلوماسيا في ظل واقع التمزق الذي يحياه شعبنا والذي سهل مهمة إسرائيل العسكرية والسياسية وحتى الدبلوماسية .. إذ أن وحدة الموقف الفلسطيني والشارع الفلسطيني وإجماعه حول القضايا المطروحة.. كانت ستصعب على إسرائيل مهمتها العسكرية والسياسية وربما تجعلها غير قادرة على ضرب القطاع الآن بالتحديد ، كون حبر أنابوليس لم يجف بعد !
بات واضحا بأن حكومة إسرائيل بدأت حملتها العسكرية ضد قطاع غزة ومما يسهل تنفيذ هذه الحملة الانقسام الفلسطيني الحاصل وما يرافقه من حملات إعلامية متبادلة بين حركتي فتح وحماس وفي هذه الظروف العصيبة التي يمر بها شعبنا.. ولا أعتقد بأن أحدا ينكر بأن ضعف الموقف الفلسطيني نابع من عدم مقدرة الأطراف الفلسطينية على لملمة جراحها والتوحد في حلف متراص ومتماسك على خطوط المواجهة مع أشرس عدو عرفه التاريخ ! وإذا كان الشارع الإسرائيلي بيمينه ويساره قد توحد حول ضرب الحقوق الوطنية الفلسطينية فحري بالشارع الفلسطيني أن يتوحد الآن وبسرعة حول الدفاع عن قضاياه الوطنية وحقوقه المستهدفة ..
نحن لا ننكر بأن هناك خلاف عميق بين أطراف الصراع الرئيسية في الشارع الفلسطيني وفي نفس الوقت نجزم بأن حالة الانقسام من شأنها أن تعمق هذا الخلاف وتجعل إمكانية التصدي للعدوان القادم شبه مستحيلة
لذا فإن ما هو مطلوب الآن القفز عن الصراع العقائدي والفكري إن كان موجودا بالأصل وشحذ كل الطاقات وصبها باتجاه فك الحصار المفروض على شعبنا في القطاع ومنع أي عدوان إسرائيلي محتمل.. لأن من سيدفع ثمن هذا العدوان هو شعبنا بأطفاله ونسائه وشيوخه وبغض النظر عن انتماءاته العقائدية .. فقنابل الجندي الإسرائيلي لن تدقق في الهوية الفصائلية لأي كان !
إن شعبنا والذي دفع مئات آلاف الشهداء على مذبح التضحية الوطنية لا يمكنه القبول بأن يبقى الانقسام الفلسطيني هو المسيطر على مسيرة شعبنا ولا يمكنه القبول بأن يدفع المزيد من أبنائه على مذبح الخلافات الفصائلية الدائرة .
إن ما هو مطلوب من الأخوة في حركة حماس مراجعة أنفسهم وفحص تداعيات الخطوة الانقلابية التي أقدموا عليها على مجمل النضال الوطني الفلسطيني وعلى الانسان الفلسطيني وقابليته للعيش في ظروف معقدة وصعبة ... والمطلوب أيضا من الأخوة في حركة فتح مراجعة الماضي بكل إيجابياته وسلبياته ومحاولة إصلاح الخلل في محركات الحركة وتحديثها بما يتماشى مع الوضع الذي الجديد.
لا يمكننا أن نغمض أعيننا عن الواقع المزري والمنهار الذي يمر به شعبنا ولا يمكننا تجاهل ما يحدث من محاولات إسرائيلية حثيثة للقضاء على ثوابت الحق الفلسطيني ونسف القضية الفلسطينية من جذورها بعد انهيار أسس الوحدة التي كانت قائمة .
إن ما هو مطلوب من أي شعب يمر بمرحلة تحرر وطني أن يتناسى خلافاته العقائدية والفكرية ويعلبها إلى ما بعد مرحلة التحرر وإقامة الدولة.. وهذا ما هو مطلوب من فصائل شعبنا.. ما دام الهدف الحالي هو التحرر وإقامة الدولة المستقلة وإنقاذ الشعب من براثن الاحتلال..وأي طرح لا يؤمن للشعب حقوقه الحياتية والوطنية يبقى منقوص وغير مقبول .
الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وبعكس القيادة يتوق إلى التوحد بوجه الإخطبوط الإسرائيلي وبوجه الجوع الذي بات يقتحم بيوت شعبنا في كل مكان.. وما يوجع القلب بأن الكثير من أبناء شعبنا أصبح يتوق إلى ماضي الاحتلال وربما يتمنى عودته !! نتيجة لقسوة الأوضاع الاقتصادية والسياسية والمعيشية.. هذا واقع علينا أن نعترف به ونعترف بأننا لن نستطيع مقاومة الاحتلال ببطون خاوية .. من هنا فإن مطلب الساعة يحتم جلوس الإخوة ومن كل الفصائل الفلسطينية لصياغة ورسم معالم المرحلة القادمة والتباحث في كيفية التصدي لعدوين
الجوع والاحتلال.. ولا أبالغ إذا تكهنت أنه دون ذالك سيجد الشعب نفسه في حل من القيادة.
الدكتور عدنان بكريه/ الجليل / فلسطين الداخل

ليست هناك تعليقات: