الأحد، ديسمبر 16، 2007

من ذاكرة الأسر15

راسم عبيدات
المناضلان مصطفى المسلماني وعماد عصفور
شموع على طريق الحرية

......"أبو الأديب" المسلماني ، عرف السجن أكثر من مرة ، وتعرفه كل معتقلات وسجون الاحتلال وإداراتها، و"أبو الأديب" شديد الإيمان والاقتناع بأن أي عمل سياسي أو جماهيري، حتى يؤتي أكله ونتائجه، لا بد له من إسناد ودعم على الأرض، وعبر فعل كفاحي ونضالي مقاوم ، وبدون ذلك يبقى العمل منقوصاً ، تماماً كما هو حال الشعار غير المقرون بالفعل والترجمة على أرض الواقع، ومن هنا كانت رؤية "أبو الأديب"، وهو أحد كادرات الجبهة الديمقراطية، أنه إذا أرادت الجبهة الديمقراطية ،أن تتبوأ لها مكانة لائقة في الخارطة السياسية الفلسطينية وبين الجماهير، فعليها ان تسند وتدعم نضالاتها الجماهيرية والسياسية بفعل نضالي وكفاحي على الأرض، و"أبو الأديب" رغم انه متزوج وأب لستة اولاد، وعليه التزامات اجتماعية وإنسانية تجاههم ، حيث أن معظمهم شب وكبر في فترات اعتقاله المتعددة، ولم يمضي على تحرره من الأسر فترة طويلة ، حتى اندلعت الانتفاضة الثانية ، و"أبو الأديب" لم يجبن أو يتراجع ولم يغلب مصلحتة الخاصة على المصلحة العامة، بل انه كان من المبادرين والمشاركين الفاعلين في هذه الانتفاضة ، و"أبو الأديب" الذي التقيته وسكنت معه في غرفة 13 في سجن عسقلان ، كان من أكثر الرفاق الذين يصبون غضبهم على العديد من القيادات اليسارية، والتي لم تستطع أن تشكل قوة مثل ونموذج للرفاق ، وبقائها في مواقعها وفي الهيئات القيادية لأحزابها، بحد ذاته يشكل جزء من الأزمة المستفحلة التي تعاني منها القوى اليسارية الفلسطينية، وهي في سبيل مصالحها ومراكزها وامتيازاتها، تبهت من دور وصورة التنظيم ، حيث أن سقف استعداداتها لا يرتقى إلى مستوى استعدادات القواعد والكادرات، وكم من مرة اختلف أبو الأديب مع العديد من هذه القيادات، والتي كنا نتفق على أن تكلسها وتحجرها سبب جوهري في عدم مغادرة أحزابها لأزماتها، وأبو الأديب كان يرى أن الرد على جرائم ومجازر الاحتلال بحق شعبنا ، بالضرورة أن يرتقي إلى مستوى الحدث والفعل، وانخرط في العمل الكفاحي ، وكان ضمن إحدى المجموعات التي نفذت العديد من العمليات النوعية ضد جنود ومستوطني الاحتلال، وقد اتهمت مجموعته بقتل ابن كهانا ، ذلك المتطرف العنصري الذي قتل في أمريكيا ،وزعيم حركة"كهانا حي" الإرهابية ، والتي كانت تدعو إلى قتل العرب ، و"أبو الأديب" رغم أنه حاد المزاج إلا أنه إنسان يمتاز بالمرح وحسن المعشر، حيث أتذكر أننا كنا نخوض نقاشات طويلة في الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية والنظرية والاعتقالية ، وكان أحد أكثر النماذج اليسارية قدوة له وإيمان به ، هو الرفيق أحمد قطامش، وأبو الأديب من أشد الداعين إلى وحدة القوى الديمقراطية ، وأذكر أن" أبو الأديب" رفض في العديد من جلسات محاكمته الوقوف للقضاة الصهاينة، وفي إحدى جلسات المحكمة سأله القضاة ، عن سبب قتله لابن كهانا ، فرد عليهم بالقول أنتم تقولون أنكم تحاربون "الإرهاب" ، وأنا أقوم بهذه المهمة ، فابن كهانا إرهابي، ولهذا قمت بقتله ، وفي جلسة أخرى قيل له ان ابن كهانا يحمل الجنسية الأمريكية ، وهو مطالب بدفع تعويضات للأمريكان بأكثر من 250 مليون دولار، وكان رد أبو الأديب عليهم، الحكومة الأمريكية التي تتنكر لحقوق شعبنا والداعم الأول والأخير لإسرائيل في جرائمها بحق شعبنا ، بدلاً من أن تبارك هذا العمل ، تريد مني أن أدفع تعويضات ، حقاً إنها مفارقة عجيبة غريبة ، وتثبت بشكل قاطع وملموس أن أمريكيا ، هي دولة الإرهاب والداعم الأساسي له.
أما المناضل عماد عصفور"أبو العبد" ، والذي كان ضمن مجموعة "أبو الأديب" ،فهو يجسد المناضل الحقيقي، بطيبته وصدق انتماءه، وهو إنسان هاديْ إلى أبعد الحدود ، وعندما سكنا معاً في معتقل عسقلان ، كنا نمارس لعبة"الدمينو"، والتي لم يكن "أبو العبد" متمرساً فيها، ولكن "أبو العبد" ، والحق يقال كان إنسان وحدوي ، وبرى أن الحركة الأسيرة يجب أن تكون موحدة وقوية لكي تستطيع مواجهة إدارات السجون ، والتي إستشرست وأخذت تشن حملة شرسة على الحركة الأسيرة لسحب منجزاتها ومكتسباتها التي عمدت بالنضالات والدماء، "وأبو العبد" ، كان دائماً يقول لي يا ترى يا أبو شادي ، "بيض الليالي يهلين" ، ونخرج من هذه الأكياس الحجرية، وكنت دائماً أقول له،ان الرهان فقط على أبناء شعبنا ومناضليه الحقيقيين، والذين يضعون قضية الأسرى على سلم أولوياتهم ، وعلى كل إذا ما تحررت يا أبو العبد من المعتقل، فإنه يسعدني ان أحتفل بك في قمة رأس بيت جالا، وفي مطعم الافرست المطل على مدينة القدس، والتي أصبحت محاطة بالأسوار والجدران، ناهيك عن تعرضها للأسرلة والتهويد ، والقدس يا أبو العبد الوصول إليها اليوم ، ليس بالأمر السهل والهين، لا للزيارة ولا للعبادة ولا للعلاج ، وما تسمعه من أقوال طنانة وشعارات رنانة عن أن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية الأبدية ، ليس له أي سند حقيقي في أرض الواقع، بل مجرد"هوبرات" إعلامية وشعارات لدغدغة المشاعر والعواطف،
وأبو العبد الفلاح المنحدر من قرية يعبد في جنين القسام، هو قولاً وفعلاً ينتمي وينحاز لفكر الطبقة العاملة ، ورغم حالته الصحية المتردية ، والتي فرضت عليه التوجه شبه الدائم لمستشفى سجن الرملة ، إلا أنه لم يتخلى عن دوره وواجبه تجاه أبناء الحركة الأسيرة ، وفي إحدى القمعات التي تعرض لها سجن عسقلان في سنة 2003 ، كان الرفيق عماد عصفور في طليعة الأسرى الذين تصدوا لقوة القمع الإسرائيلية، وكاد ان يفقد حياته في تلك القمعه من شدة ما تعرض له من ضرب على أيدي وحدة قمع السجون المسماة "بالنحشون"، حيث مكث في المستشفى فترة طويلة ، "وأبو العبد"، كنت أنا والدكتور المسلماني من الأسرى الذين يقيم معهم "أبو العبد" علاقة مميزة ، وكان لا يترك فرصة ويعرف فيها، أن هناك معتقلين منقولين إلى المعتقل الذي نحن فيه ، او يمكن لهم أن يلتقوا معنا في " معبار" سجن الرملة إلا ويبعث لنا الرسائل معهم، و"أبو العبد " يفيض مشاعر وحنان ، وكان مغرماً في أغاني ماجدة الرومي ، وهو دائم الترديد لمقطع من أغانيها " والمطر الأسود في عينيه" ، ورغم القيد والأسر فهو مفعم بالأمل والابتسامة لا تفارق وجه الطفولي ،وكذلك فهو من الأسرى الذين يهتمون بتطوير قدراتهم وملاكاتهم الثقافية، ودائم الحنين والشوق للزوجة والإطفال، والذين يحلم لهم ولكل أبناء شعبنا أن يتربوا ويعيشوا بحرية وكرامة كباقي أبناء الشعوب الأخرى.
"وأبو الأديب وأبو العبد" ، هم من النماذج الثورية المخلصة ، والتي ترى أن الثورة لا يمكن لها أن تحقق أهدافها بدون توحد كل قواها المناضلة مهما كبر أو صغر حجمها ودورها، وهم من أشد دعاة وحدة اليسار والقوى الديمقراطية ، هذه القوى التي يرون أن عليها في هذه المرحلة جداً خطيرة من حياة شعبنا ،الكثير من المهام،منها أن تخط لها طريقاً ونهجاً يترسخ في عمق الوجدان الشعبي ، وأن تلعب الدور المأمول منها في إعادة اللحمة والوحدة لجناحي الوطن، فالتاريخ والشعب لن يرحمها ، إن تخلت عن هذا الدور وهذه المهام.

القدس –فلسطين

Quds.45@gmaul.com

ليست هناك تعليقات: