الثلاثاء، سبتمبر 01، 2009

كي لا يفقد الشعب الفلسطيني الوعاء الجامع له

نضال حمد

يصعب على المتابع للشأن الفلسطيني أن ينهي مروره على مؤتمر فتح ونتائجه والطريقة التي عقد بها، والمفارقات التي شهدها على مر أيام انعقاده الطويلة. لذا مازلنا في المؤتمر الذي انهى اعماله في مدينة بيت لحم الفلسطينية المحتلة غير بعيد عن كنيسة المهد، التي كانت القوات الصهيونية المحتلة حاصرت فيها أثناء حملة السور الواقي أبطال المقاومة، وجلهم من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح. قد يسأل سائل أين أصبحت كتائب شهداء الأقصى، فنقول له: أنهتها السلطة. لكن هذا لا يعني أن فتح أصبحت بلا مناضلين شرفاء فهناك بعض الوجوه الفتحاوية التي لم تتلوث بالفساد الإداري والمالي صعدت الى سلم القيادة وفازت بالانتخابات، بالرغم من مواقفها السياسية التي تحتاج لاعادة تقييم وتحديث، كي تنسجم بشكل أكبر مع نبض الشارع الفلسطيني، هذا الشارع الذي لا زال ملتزماً بفلسطين كل فلسطين. فمعيار مصداقية هؤلاء أولاً هو مدى التزامهم بحقي العودة والمقاومة، ومدى مواجهتهم للنهج السياسي الذي يسير فيه رئيس السلطة ومن معه خاصة أن الذين معه هم للاسف أكثرية فتح وإفرازات مؤتمرها السادس.

على هامش المؤتمر كذلك، قرأت خبراً تناقلته وسائل الاعلام جاء فيه أن المقاومين من مبعدي كنيسة المهد، هؤلاء الذين ذهبوا ضحية صفقة بين السلطة والاحتلال، قد احتجوا لأن مؤتمر فتح الذي عقد في مدينتهم وعلى مقربة من منازلهم وبحضور بعض كوادر وقادة فتح الذين عاشوا تلك الفترة عن قرب، قد تجاهلهم تماماً ولم يأت على ذكرهم لا من قريب ولا من بعيد. .. هذا صحيح ايها المبعدون عن دياركم.. لكن تذكروا أن المؤتمر المذكور تجاهل، ملف اغتيال ياسر عرفات، وملفات سنوات طويلة من العمل على كل الأصعدة.. كما تجاهل أيضاً كل العملية السياسية التي عاشتها فتح ومعها فلسطين وشعبها وأمة العرب بين مؤتمرين.. وتجاهل حق ملايين اللاجئين الفلسطينيين بالعودة ولم يأت على ذكرهم ولا ذكر حقوقهم بشكل واضح وجلي. ففي كلمة رئيس فتح السلطة في المؤتمر السادس لم ترد قضية اللاجئين ولو مرة واحدة على لسانه. وبالرغم من هذه الجريمة السياسية والوطنية الكبرى، صفق الحضور وبايعه زعيماً لفتح ولم نسمع لا قبلها ولا بعدها حتى صوتاً واحداً يقف عكس التيار .

لذا يا أخوة التراب والسلاح والألم والأمل، يا أبناء المقاومة لا تنتظروا أي مساعدة عملية من الذين يختطفون المنظمة و السلطة وفتح ويقامرون بمصير الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة والعادلة. بانت الحقيقة وسطعت شمسها في بيت لحم وسوف تتضح أكثر في رام الله بعد أيام قليلة. لأن السائرين في ركب 'الأوسلة والعبسلة' لم تعد هناك حواجز تردهم، ولا أحد يصدهم أو يمنعهم عن المواصلة في لهوهم بالوطن والشعب والقضية. والمحزن أن الشعب الفلسطيني الذي يعاني من ويلات الانقسام والخيانة والتشتت لم يعد قادراً على ما يبدو وفي هذه الأوقات بالذات على تصحيح المسار ولو بحد السيف، كما كان حاله على مر سنوات الثورة المستمرة، هذه التي على نفس المسار وبنفس الوقت كانت ومازالت تواجه بمؤامرة مستمرة.

استحقت فتح عن جدارة وصف ' العمود الفقري للاحتلال الاسرائيلي ' الذي اطلقه عليها الرفيق أسعد ابوخليل كما جاء عنوان مقاله الاسبوعي ... لأنها أصبحت هكذا بالرغم من كل المكياج الذي يحاول الفتحاويون جاهدين، وضعه على نتائج مؤتمرهم السادس. فالنتيجة المنطقية الوحيدة التي توصل اليها المرء بعد مهزلة مؤتمرهم العتيد، أن هذه الحركة هرمت منذ وقعت على اتفاقية أوسلو، ثم سُمِمَت كما سُمِم قائدها الراحل ياسر عرفات، وصولاً الى اعلان وفاتها رسمياً بالضربة القاضية في المؤتمر.

الأنكى من ذلك أننا بعد ايام معدودات بصدد مشاهدة مسرحية فلسطينية جديدة من بطولة نفس أبطال مؤتمر بيت لحم تقريباً. في المسرحية الجديدة يتقن كل ممثل دوره وسوف يقوم بتقديمه على خير ما يرام مقابل أجر زهيد. وسوف لن يتفاجأ مبعدو كنيسة المهد كما ملايين اللاجئين من شعب فلسطين بأنهم لن يذكروا من جديد.. فالمصفقون ومعهم آخرون في اجتماع المجلس الوطني في رام الله، سوف يحضرون لتنصيب الملك على عرش المنظمة. وسوف يبايعونه زعيماً أبدياً إسوة بأشقائه الزعماء في الممالك العربية حتى الجمهورية منها.. فالاجتماع للتنصيب والنصب معاً، والطريقة التي تمت الدعوة فيها لانعقاده غير قانونية وغير صحيحة بدليل أن بند ' القوة القاهرة ' الذي على اساسه تمت الدعوة لعقد المجلس الوطني في رام الله بمن حضر، لا يصح استخدامه في نص الدعوة لأن هناك امكانية متوفرة لعقد دورة المجلس. وبما أنه تتوفر الامكانية لعقده يصبح استخدام بند القوة القاهرة متعارضاً مع اسباب الدعوة. وهذا البند يستخدم في حالات وظروف أخرى كما هو منصوص عليه في قوانين المنظمة. على كل حال يجب القول إن الذي وجه الدعوة معتمداً على هذا البند تجاهل الحقيقة عن سابق إصرار.

على هامش الدعوة لعقد المجلس الوطني الفلسطيني في رام الله قرأت مقالة بعنوان 'الشرعية الفلسطينية في خطر' للقانوني الفلسطيني الدكتور أنيس القاسم، وهو من مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية، رئيس لجنة الميثاق والأنظمة ورئيس اللجنة القانونية في المجلس الوطني الفلسطيني سابقا.

اقتطف هذه الفقرة - النداء من المقالة المذكورة :

'نحث الأخ رئيس المجلس الوطني على اعادة النظر في هذه الدعوة والعدول عنها قبل فوات الأوان، والدعوة بدلا منها إلى اجتماع للمجلس الوطني في دورة عادية لها جدول أعمال شامل يتضمن فيما يتضمن موضوع اللجنة التنفيذية. وواضح أن امكانيات دعوة المجلس للإنعقاد متوفرة، على أن يحدد موعد الإجتماع ومكانه بشكل يأخذ في الإعتبار اتاحة أوسع الفرص لمشاركة أكبر عدد ممكن من الأعضاء فيه.

بهذه الطريقة تعود الحياة لمنظمة التحرير الفلسطينية وتنضبط المسيرة وتتحقق مصلحة عليا للشعب الفلسطيني في توحيد مسيرته لتحرير وطنه واسترداد حقوقه. وأخشى ما أخشاه، اذا استمر النهج القائم حاليا، أن يفقد الشعب الفلسطيني الوعاء الجامع له، أو يفقد الثقة فيه وفي من يمثلونه، وأن تحل الشرذمة محل الوحدة، وستكون هذ الشرذمة أخطر بكثير من الإنقسامات الحالية، لأنها ستكون شرذمة الشعب لا شرذمة الفصائل'.

ترى هل سيجد هذا النداء عند أهل السلطة من يستجيب له... الجواب بالتأكيد لا لأن أهل السلطة حزموا متاعهم وشدوا الأحزمة نحو أوسلو وواشنطن وكامب ديفيد وأنابوليس وشرم الشيخ والعقبة وجنيف ووايت ريفير و ايلات .. فهناك مرابطهم وهناك أقصى مبتغاهم.

* مدير موقع الصفصاف
www.safsaf.org

ليست هناك تعليقات: