السبت، سبتمبر 26، 2009

أنفاق غزة المظلمة أضاءتها الارادة- 2

أحمد عــدوان

لم تعد الأنفاق الممتدة بطول الشريط الحدودي الواصلة بين الاراضي المصرية (مدينة رفح ) والفلسطينية سراً ، أو شئ يمكن استهجانه فالمصريون يعرفونها والفلسطينيون كذلك بل المجتمعات العربية والدولية تتناول الأنفاق في عناوين الأخبار حتي ولو مر عليهم مر الكرام ، بل أصبحت الأنفاق حديث الصغار قبل الكبار حيث أن الغالبية العظمي والتي تباشر العمل في عتمه تلك الانفاق هم من شريحة الأطفال ، ولم يعد الطفل بعد معرفة الأنفاق طفلاً فأصغر عامل في تلك الأنفاق يمتلك ثروة يمكن أن تؤمن له حياته نظرا للمرابح التي تدر من العمل فيها 0

ولم يردع هؤلاء الاطفال والشبان أو كل من له صله بالأنفاق من موت أحد اصدقائهم أو المخاطر التي تجتاح طريقهم ، التوقف عن العمل بالرغم من الخطورة البالغة التي تواجههم من أحتمال أنهيار النفق علي رؤس أحدهم أو أطلاق الغازات السامة من قبل الجانب المصري وفتح صهاريج المياه التي تغمر الأنفاق بغرض ردمها ، والمشاكل التي تواجه الأنفاق كثيرة حيث أنها وما زالت ملاحقة سارية بالتفجير والأغلاق والتفتيش وممنوعة من قبل الحكومة المصرية وتعمل علي تمشيط الشريط الحدودي بمعاونة أجهزة أمريكية حديثة الصنع يمكن أن تحدد اماكن الانفاق بسهولة ويسر ،إلا أن مرارة الحياة وشدة الحصار جعلت كل الصعوبات هينة أمام لقمة العيش والاستسلام لنظرية المعد الخاوية 0

والصورة تنعكس أيضا علي الجانب المصري حيث النفق له فوهتان أو كما يسميها العاملون فيها ( العين) أولها في الجانب الفلسطيني وطرفها الاخر في الجانب المصري حيث يتواجد ما يسمي (بالأمين ) يعمل علي توفير القائمة المرسلة له من الجانب الفلسطيني ويعمل أهالي منطقة رفح سيناء علي تأمين البضاعة المطلوبة وقد نجد أن العين الاخري للنفق تتواجد في بيوتهم ولا يخفي الامر علي كثير منا مدي المخاطر التي تقع أيضا علي العمال أو أصحاب الانفاق في الجانب المصري حيث تعتبر مدينة رفح المصرية نطاق عسكري مغلق أشبه بثكنه عسكرية ،بعد دخول الفلسطينين وكسر الجدار ويتكاثف وجود الامن المصري علي الشريط الحدودي لتامينه من محاولة التسلل من وإلي القطاع 0

وقد كثرت في الأونة الأخيرة القبض علي العاملين في الأنفاق وأصحابها وتحويلهم إلي النيابة العامة وقد تصل محكوميات أحد المضبوطين إلي الخمسة عشر سنة غير مصادرة الأملاك ، ويجد الكثير من العاملين في الأنفاق من كلا الجهتين عوائق كثيرة قد تكون حائلا في اتمام وصول الصفقات ومنها حجز الكمائن المنتشرة برفح الناقلات التي تصل سرا الي العيون أو القبض علي المخازن التي يوفرها أهالي رفح سيناء لتخزين البضاعة المراد توصيلها للقطاع عبر تلك الأنفاق لكن المبالغ التي يجنينها الاهالي في الجانب المصري والعاملون فيها والأرقام الفلكية الكبيرة قد تجعلهم يتناسون كل المخاطر 0

وتتسع تلك البضائع وتتعدد أشكالها وصورها حسب الحجم والكمية المراد دخولها ولم تعد المواد مقتصرة علي السلع الغذائية بل توسعت حتي وصل الأمر إلي دخول الاف الرؤس الماشية من أغنام وأبقار ودرجات نارية وأسمنت والوقود وقد ذكرت أحدي المصادر ، انه يتم تقطيع السيارات الحديثة ويتم تهريبها وتجميعها في الجانب الفلسطيني وقد شددت الحكومة المصرية الخناق في الأونة الاخيرة علي تهريب السيارات لأن ما يصل القطاع منها مسروق أو سيارات بدون أوراق رسمية جعلت ذلك مبررا لأصحاب الأنفاق في أدخال الكثير منها دون رقيب 0

ويعتبر النفق في كثير من الأحيان سلاح ذو حدين ،فهو الغاية لكسر الحصار الذي يزيد عن السنتين أو أكثر بعد فوز حركة حماس في الأنتخابات الأخيرة ،وتدهور الحال بعد الحرب الصهيونية التي طالت الأخضر واليابس ليجعل الحصار حصارين من أغلاق للمعابر وعدم ادخال السلع الضرورية في حين كان القطاع أحوج الي ذراع تمتد له الأيادي لانتشاله من حاله مزرية وحالات أنسانية من أطفال رضع ومرضي هم احوج إلي فتح المنافذ والمعابر لتوفير حاجتهم الأساسية من ملبس ومأكل ، لكن شدة الحصار ولدت من رحمها ما يسمي عند الكثير في قطاع غزة (المعجزة الربانية) أن الهمهم الحفر في الصخر والأرض ليبلغوا ما من شانه أن لا يركعهم ويذل رقابهم أمام اعتي الات الحصار في القرن الحادي والعشرين 0

وعلي النقيض الأخر الويلات التي واجهها الفلسطينيون من المشقة البالغة في حفر تلك الأنفاق والتي يصر الكثير بتسميتها أنفاق الموت ، التي أودت بحياة الكثير من العاملين فيها سواء كانوا شباب أو أطفال لجئتهم الحاجة إلي العمل في تلك الأنفاق بدلا من التسكع علي أرصفة الطرقات في قطاع بات فيه العمل عملة نادرة ، وأتخد الكثير من منتقدو حماس تحميلها مسئولية ما يحدث في عتمه الأنفاق ، ويسميها الكثير منهم (أنفاق الموت)هذا المصطلح ليدلل علي مدي تفريط حماس وتقصيرها في قطاع غزة تحت مسميات سياسية يتخدها طرفا الصراع في فلسطين فتح وحماس للاعداد للحملات الانتخابية القادمة 0

لكن ما لا يمكن أن يؤخذ بالعين المجردة أن الأنفاق صداع يدق في رأس إسرائيل بل و كابوس مخيف يضج نوم القائمين علي حكومتها ، من شاهد حرب إسرائيل الأخيرة علي قطاع غزة وأستهداف الشريط الحدودي الفاصل بين مصر والقطاع تتمثل أمامه صورة واضحة أن الأنفاق صداع نصفي في رأس إسرائيل لم تجد له أقراص مهدئة أو حتي علاج مؤقت يسكن من حدة الألم بعد أن بائت محاولة القصف بأطنان الصواريخ ، تحت ذريعة ان الأنفاق يمر من خلالها سلاح يغذي المقاومة حتي أن الهواجس أصبحت في أن ينتقل هذا المشهد من حفر الأنفاق ،الي أراضي الضفة الغربية ليتسلل إليها الفدائيون الفلسطينيون لتنفيذ عمليات تمس الكيان الصهيوني في عقر داره 0

اخيرا لا يمكن ان ننتقد الشعب الفلسطيني وهو يدافع عن أخر الحصون وذرات الكرامة المتبقية لكل عربي من المحيط إلي الخليج انه حفر في الصخر والتراب ليوفر ما يقيم به صلبه في حين يتم فتح المعبر له بالقطارة وأذلاله عليها ، وبدلاً من أضاعة الوقت في جدال عبثي بين مشروعية الأنفاق وعدمه وما بين أحقية مليون ونصف المليون محاصر في تنفيس كربته من خلال تلك القنوات كان من الأحري علينا ألتماس طريق ممهد مضيء يأخذ بيد الثكالي والأطفال والمهدم بيوتهم إلي غد مشرق لأعادة إعمار غزة لكن يا تري من يفهم المعادلة 0
ahmed_3dwan@hotmail.com
فلسطين

ليست هناك تعليقات: