السبت، سبتمبر 26، 2009

الانتخابات البرلمانية المقبلة هل تصحح المسار السياسي في العراق؟

ابراهيم زيدان

وسط اجواء من الحذر والترقب والتشكيك تتحاور الكتل والاحزاب السياسية للخروج بتحالفات وائتلافات للانتخابات البرلمانية المقبلة التي ستجرى في كانون الثاني من العام المقبل 2010 لاختيار مجلس نواب جديد للعراق ، فقد عبر رئيس الوزراء نوري المالكي عن خشيته من التأثير في توجهات الانتخابات البرلمانية المقبلة وتحريفها لصالح أجندات خارجية لا تخدم المصلحة الوطنية العراقية ، محذراً من "خطورة المشاريع الاختراقية الخارجية"، كما حذر ايضا من حصول حالات تلاعب بنتائج الانتخابات، مؤكدا ان مواقف حازمة ستتخذ بحق من يتعمد تزويرها او التأثير على خيارات وحرية الناخب.

كما حذر زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر من محاولة الاحتلال الأمريكي التدخل لتزوير انتخابات مجلس النواب العراقي ، وتغيير نتائجها لصالح أطراف معينة ، ودعا الصدرالعراقيين إلى الوقوف صفا واحدا من أجل إبعاد أمريكا وتدخلاتها العلنية والسرية في الانتخابات التشريعية المقبلة، لكي لا تتكرر المأساة التي حدثت في الانتخابات السابقة مرة أخرى مشددا على الابتعاد عن الطائفية والحزبية المقيتة في الانتخابات المقبلة.

وحذر رئيس المجلس الإسلامي الأعلى السيد عمار الحكيم من وجود جهات داخلية وخارجية تعمل على تفتيت وتمزيق الوحدة الوطنية قبيل انطلاق الانتخابات العامة التي ستجرى في العراق، وقال الحكيم "نعتقد إن هناك أجندات يمارسها البعض داخل البيت العراقي وخارجه لتفتيت وحدتنا وتمزيق صفوفنا".

بينما اتهم قائد قوات الاحتلال الامريكية الجنرال( رايموند اوديرنو) ايران مؤكدا انها ما زالت تدرب وتجهز المسلحين المتمردين العراقيين، وقد حولت تركيزها مؤخرا لتؤثر في الانتخابات العراقية المقبلة، وممارسة " نفوذ ناعم " على البلد المجاور ذي الأغلبية الشيعية على حد وصفه ، فيما اكد الرئيس جلال الطالباني اهمية الانتخابات المقرر اقامتها مطلع العام المقبل معتبرا اياها «مفصلية» بالنسبة لمجمل العملية السياسية. اما النائب مثال الآلوسي فقد رأى ان الانتخابات النيابية المقبلة ستتسم بكونها مقترنة بصراع عقائدي تخوضه قوى سياسية عراقية ترتبط بجهات خارجية، وأوضح الآلوسي ان المشكلة الأساسية هي وجود صراع عقائدي في الانتخابات البرلمانية المقبلة وهذه العقائد كلها مستوردة لم تنضج في الساحة العراقية ، منتقدا الليبراليين العراقيين الذين وصفهم بالضعفاء لأنهم لا ينتمون إلى أجندة إقليمية دينية كانت أو مخابراتية وأن الأحزاب الليبرالية تخوض صراعا غير متكافئ على الساحة السياسية العراقية، بسبب ضعف الدعم الدولي لهامشددا على ان الانتخابات المقبلة ستكون معقدة، مقارنة بانتخابات عام 2005 التي كانت مبسطة أكثر رغم وجود الهوية الطائفية.

وقال الدكتور طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية ان ( قائمة التجديد ) التي سيدخل بها الانتخابات بوصفه رئيسها ” تضم مختلف مكونات وطوائف الشعب العراقي وجاءت استجابة لحاجة ستراتيجية وطنية تتمثل في اخراج العراق من المأزق التاريخي عندما تبنى نظرية دولة المكونات”، مبينا انه ليس للقائمة “ارتباط باي حزب او تكتل سياسي”.

ويمكن القول ان المرحلة المقبلة في العراق هي كما وصفها نائب الرئيس الاميركي جوزيف بايدن ب_«المصيرية» ، خاصة وان مراقبين يشيرون الى وجود مخطط سعودي للتأثير على الانتخابات البرلمانية تسعى من خلاله السعودية التي اوضحت للامريكيين ولشخصيات اقليمية انها لن ترضى ابدا بالمالكي رئيسا لوزراء العراق مجددا ، ولذلك من المحتمل كما يعتقد المراقبون ان يتم استهدافه شخصيا جسديا او معنويا بشكل اكبر في المرحلة القادمة ، فهي تسعى الى اقامة تحالف سني عربي – كردي في مواجهة الشيعة ، ويكون علاوي وبعض اعضاء القائمة العراقية وشخصيات شيعية مماتبقى من حزب الفضيلة ومن الاخرين الذين سيتم شراؤهم بالمال اعضاء في هذا التحالف ، وبعض هؤلاء المراقبين اشار الى ان حزب الفضيلة كان قد فتح خطا للاتصال بالسعودية عبر وفد من اعضائه زارها عام 2007 ، والصراع كما تراه السعودية في العراق هو بين اهل السنة و الشيعة الذين تسميهم (الروافض ) وبالتالي لاترى سببا لانقسام اهل السنة الى عرب واكراد ، غير ان المشكلة الاساسية التي تواجه مثل هذا التحالف هي ان الثمن الاساسي له يتمثل باقناع السنة العرب بقبول المطالب الكردية في كركوك الامر الذي لاتميل له التيارات السنية القومية لاسيما تلك المدعومة من سوريا ، وهناك محاولات هدفها عقد صفقة سورية سعودية بهذا الاتجاه الا ان احتمالها ضعيف لان لدى سوريا مخاوفها الخاصة من اتساع الجغرافية الكردية في العراق ، والمشكلة الاخرى هي ان دخول علاوي في تحالف مع الاكراد سيضعف الفرصة في الحصول على اصوات في الشارع العربي السني والشيعي ، ولذلك سيكون هناك ميل لزجه بقائمة منفردة تضمن له الحصول على حصته المعتادة من الاصوات الشيعية والسنيةالتي تتراوح حسب ظنهم ما بين 5-10% ثم دخوله في تحالف لاحق مع الاحزاب السنية والكردية وبعض الشيعة ليكون مؤهلا لمنصب رئيس الوزراء .

ويشير المراقبون ايضا الى حصول السعودية من الامريكيين على الضوء الاخضر لتكثيف تدخلها في العراق مع توفير الغطاء الاستخباراتي ، وقد اخذ التغلغل السعودي يتكشف اكثر من خلال فتح قنوات مع العديد من السياسيين العراقيين الذين يمثلون القوميتين والطائفتين الرئيستين في العراق . بينما لم تتضح بعد طبيعة رد الفعل الايراني في ظل انشغال دولة الفقيه في صراعها مع الاصلاحيين لكن من المحتمل كما يرى البعض ان تتخذ ايران احد سبيلين ، اما فتح قنوات اتصال مع الامريكيين تقبل بموجبها التعاون المطلق معهم والتراجع عن رعاية الجماعات الموالية لها ، او انها ستحاول تصدير ازمتها الداخلية وتصعيد دعمها للجماعات المرتبطة بها عسكريا والقيام بعمليات ضد الامريكيين وتصفيات للمرتبطين بالسعودية داخل العراق .

كل هذا الصراع الدولي يجري على ارض العراق في ظل الاحتلال الامريكي في وقت استبعدت الكتل البرلمانية العراقية المصادقة على «مشروع قانون الأحزاب» خلال الفصل التشريعي الحالي، ورجحت تأجيله لما بعد الانتخابات التشريعية المقرر اجراؤها مطلع العام المقبل ، فضلا عن وجود تجاذبات سياسية باتجاه تبني القائمة المفتوحة التي دعا اليها المرجع الديني السيد علي السيستاني والامم المتحدة وشخصيات سياسية دولية في الانتخابات هذه المرة بينما ترغب اطراف اخرى باعتماد نظام القائمة المغلقة ، ويشار ايضا الى أن قانون الانتخابات النيابية فيه العديد من النقاط الخلافية، منها طبيعة النظام الانتخابي والدوائر الانتخابية وهناك من يطالب بوضع خاص لمحافظة كركوك.

واتهم نواب عراقيون أحزاباً كبرى من دون تسميتها بعرقلة اقرار «قانون الاحزاب» لأنه «سيفضح مصادر تمويلها»، فيما حمّل آخرون البرلمان المسؤولية «لعدم جديته في اقرار أي قانون وانشغاله بالدعاية الانتخابية والسجالات السياسية». فقد إتهمت الكتلة الصدرية في مجلس النواب العراقي بعض الكتل السياسية التي لم تسمها بمحاولة تعطيل اقرار قانون الانتخابات الجديد والذي يعتمد القائمة المفتوحة. وقال احمد المسعودي المتحدث باسم الكتلة ان بعض الكتل السياسية تحاول تعطيل عمل مجلس النواب ومن ثم تعطيل اقرار قانون الانتخابات الجديد الذي يعتمد القائمة المفتوحة والاخذ بقانون الانتخابات السابق الذي يعتمد القائمة المغلقة . وأوضح أن الهدف الرئيس لمحاولة هذه الجهات السياسية لتعطيل مشروع قانون الانتخابات الجديد هو عدم اعتماد القائمة المفتوحة والتي تقلل من حظوظ فوز هذه الكتل بالانتخابات البرلمانية المقبلة .. مشيرا الى أن هذه الكتل تحاول استهلاك الوقت المتبقي من الفصل التشريعي الاخير دون اقرار القوانين المهمة من قبل مجلس النواب وخاصة قانون الانتخابات لاعتماد القانون السابق الذي يعتمد القائمة المغلقة التي تصب في مصلحتهم الشخصية وقال النائب عن الكتلة الصدرية ايضا ( علي الميالي ) ان بعض الكتل السياسية ( لم يسمها ) لكنه وصفها “بالمتنفذة في البرلمان وتقف أمام تشريع قانون الاحزاب لانها ستكون ملزمة بالكشف عن مصادر تمويلها في الانتخابات”، وقال الميالي ان “الاحزاب المتنفذة في البرلمان تقف امام تشريع قانون الاحزاب الذي يجبرها بالكشف عن مصادر تمويلها في الانتخابات، الامر الذي يؤكد ارادتها بالابقاء على قانون الانتخابات القديم للبقاء في السلطة سواء الحكومة او البرلمان” ، وكانت الحكومة العراقية قد أرسلت مشروع «قانون الأحزاب السياسية العراقية» الى البرلمان قبل أشهر لكنه لم يُناقش أو يُعرض للقراءة الأولى بسبب الخلافات الكثيرة عليه بين الكتل السياسية، على الرغم من تأكيد كل القوى السياسية «الحاجة الماسة إلى هذا القانون لأنه سينظم العملية السياسية والديموقراطية في البلاد» ، وأكد النائب عن «حزب الفضيلة» وعضو اللجنة القانونية في البرلمان كريم اليعقوبي أن «بعض الكتل السياسية لا يملك رغبة حقيقية في تمرير قانون الأحزاب»، منوهاً الى «عدم رغبة هذه الكتل في تمرير القانون ، لأنه سيكشف المصالح المالية للأحزاب وبخاصة تلك الموجودة في السلطة، والتي تحصل على التمويل إما من أموال الدولة أو من الخارج» ، وقال إن «مشروع القانون فيه ضوابط لتشكيل الأحزاب ويجبرها على كشف كل أملاكها وتقديم حسبات مالية. كما ينص على خضوع الأحزاب إلى الرقابة المالية. وهذه النقطة تشكل المشكلة الاساسية في عرقلة القانون لأن مصادر تمويل بعض الاحزاب ستنفضح في حال إقراره» ، وأضاف أن «العقبة الثانية الأساسية هي أن مسودة القانون تجعل من الحزب منظمة تابعة لأمانة مجلس الوزراء، وهذا لا يمكن قبوله من كل القوى السياسية لأن دور الدولة يجب أن ينحصر في الرقابة المالية فقط وعدم التدخل في عمل الأحزاب أو محاولة مصادرة إرادتها» ، وتابع أنه «وعلى الرغم من أهمية اقرار القانون كونه ينهي التدخلات الخارجية ويقلل الضغوط الاقليمية على بعض الاحزاب. إلا أنني لا أتوقع إقراره خلال الفصل التشريعي الحالي لأنه يحتاج إلى موافقة كل الكتل البرلمانية ، بينما حمّل القيادي في «حزب الدعوة /جناح المالكي» النائب علي الأديب البرلمان المسؤولية لعدم «جديته في تشريع القوانين». وأعرب الأديب عن «ثقته في عدم قدرة البرلمان على تشريع قانون الأحزاب خلال هذا الفصل التشريعي لأنه ليس جاداً وليس لديه الارادة لتشريع اي قانون». وأوضح أن «المعركة الانتخابية بدأت وجميع النواب والكتل البرلمانية مشغولة بها، وهي ليست مهتمة بتشريع قانون الاحزاب» ، ونفى الأديب «وجود اية معارضة من أي حزب للقانون»، متهما «هيئة رئاسة البرلمان هي من تعرقل القانون لأنها لم تقدمه الى النواب حتى الآن للاطلاع عليه ومناقشته وإجراء التعديلات».

وستشهد الانتخابات المقبلة مشاركة وجوه سياسية جديدة مستقلة كالاعلامي عزيز سلطان الشمري الذي يراهن على اندحار المشروع الطائفي في العراق وضرورة مشاركة الكفاءات العراقية الواعية المثقفة التي تعتز بانتمائها للعراق في بناء بلدها على اساس وطني بعيدا عن التخندقات الطائفية والعرقية قائم على اساس احترام الانسان مهما كانت ديانته او قوميته او طائفته واحترام حرية الرأي والمعتقد في ظل دولة تحترم القانون وتقدس الدستوريكون فيه جميع العراقيين متساوين وتكون فيه الكفاءة والوطنية والنزاهة المعيار الاساس في تولي المناصب الحكومية ، ومثله يستعد رجل الاعمال العراقي خليل البنية لدخول المعترك السياسي عبر خوض الانتخابات التشريعة المقبلة من باب الاقتصاد من خلال تيار "الحياة" الذي شكله حديثا ، مؤكدا رغبته في نقل تجربة رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري الى بلاده ، ويضيف "نحاول ايجاد مخرج لما اصاب العراق من تدمير ونريد نقل تجربة رفيق الحريري في لبنان الى العراق".

ومع كل الاستعدادات والتحضيرات التي تقوم بها الاحزاب والكتل السياسية الا ان «هناك حالا من النفور الشعبي من الانتخابات النيابية المقبلة رغم حملات التحشيد للجماهير من بعض القوى السياسية صاحبة النفوذ والسلطة، التي تحاول من خلالها حث الناخبين على التصويت لمصلحة قوائمهم الانتخابية وفقا لسياسات الترغيب والترهيب» كما يرى النائب المستقل وائل عبد اللطيف .

ويؤكد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ، «أن الوقت مناسب الآن لتبدي القيادات العراقية مسؤوليتها والترفع عن الخلافات والمصالح الضيقة لتثبت لشعبها، أن السيادة تأتي مع المسؤولية والمساءلة ولإعادة حياة العراقيين إلى طبيعتها وقيام المؤسسات بعملها» ، الا ان ذلك يصطدم ورغبة الكتل والاحزاب السياسية الكبيرة في عدم اقرار تعديلات قانون الانتخبات التي ارسلتها الحكومة الى مجلس النواب ولاقانون الاحزاب الذي سيفضح تمويل هذه الاحزاب .

وأخيرا ان قانون الانتخابات لعام 2005 لم يعد يلبي طموح ولا اشتراطات الانتخابات الحالية بسبب افتقاره لضوابط اساسية يجب ان تتوافر لدى الكتل السياسية فضلا عن مفوضية الانتخابات التي لاتستطيع ان تصل الى نتائج حقيقية في ظل هذا القانون، واضاف ان قانون الانتخابات يشير الى القائمة المغلقة في حين ان هناك مطالبة جادة لتفعيل موضوع القوائم المفتوحة ، كما قال النائب سليم عبد الله الجبوري المتحدث باسم جبهة التوافق العراقية ، لافتا الانظارإلى ان القوائم المغلقة تتيح للأحزاب الكبيرة ان تضع الأسماء التي تريدها كيفما تشاء مما يعني ان تصويت الناخب يكون بناء على ميله للعنوان الكبير.

* صحفي وكاتب عراقي

ليست هناك تعليقات: