الخميس، سبتمبر 17، 2009

عين على ميتشل، وأخرى على مشعل

د. فايز أبو شمالة
ما زال السيد عباس صامداً، ووفياً لتصريحه العلني القائل: لا لقاءات مع "نتانياهو" ولا استئناف للمفاوضات قبل التجميد الفعلي للبناء في المستوطنات، وما زال "نتانياهو" صامداً على مبدئه بضرورة تواصل الاستيطان المقلص فوق أراضي الضفة الغربية، ولم يتراجع عن قناعاته السياسية في حتمية فرض رؤيته في الحل على الفلسطينيين، والعرب، ولن يتراجع عن التزامه الوطني بالدفاع عن السيادة اليهودية على أرض إسرائيل الكاملة. فهل معنى ما سبق أن كلا المتصارعين يشدا حبل التحدي حتى النهاية؟ وهل يعني تراجع طرف عن مواقفه بداية لمسلسل الانهيار والتراجع عن جملة المواقف، أم أن السياسة أخذ وعطاء، وسيصير إلى تسوية يجمد فيها "نتانياهو" التوسع الاستيطاني مؤقتاً، ليقبل بذلك السيد عباس؟
من البداهة أن المفاوضات لا تبدأ على الطاولة، وإنما المفاوضات حاصل قوة الحضور لكل طرف، وتأثيره السلبي على الآخر، ومدى تمسكه بثوابته، وقدرته على الصمود أثناء الحشر على طاولة التفاوض، ولذا فإن أي انحناء في موقف السيد عباس أمام صلابة "نتانياهو" سيعتبر بداية انهيار، وانكسار الموقف الفلسطيني الرافض لاستئناف المفاوضات قبل التجميد النهائي للمستوطنات، لأن العودة للتفاوض تحت علم المستوطنين، يعني المزيد من التسليم بضياع الأرض، وقد أوصلت تجربة التفاوض مع تواصل الاستيطان في العشر سنوات الماضية إلى مضاعفة عدد المستوطنين ثلاث مرات، ولم يتحرر شبر من الأرض.
يشير واقع الحياة الحزبية في إسرائيل إلى أن "نتانياهو" قد تحصن في معركته التفاوضية بأحزاب اليمين الإسرائيلي، وضم إليه حزب العمل، وحظي بدعم شمعون بيرس، في جبهة داخلية متماسكة قادرة على عدم الانصياع للإرادة الأمريكية، وهذا ما يفرض على السيد عباس أن يحتمي بجبهة داخلية فلسطينية متماسكة، وقادرة على تحمل الضغط الأمريكي، والدولي الذي سيقع عليه مع أول اتفاق أمريكي إسرائيلي على التجميد الجزئي، والمؤقت للاستيطان، وهنا تبرز أهمية المصالحة الفلسطينية التي ستمد السيد عباس بالصلابة وقوة الموقف الذي يحول دون الانكسار، وإذا كان جورج ميتشل يسعى لتحقيق لقاء بين السيد عباس وعدوه الإسرائيلي المغتصب لأرضه "نتانياهو" وسينجح في ذلك مها تأخر الوقت، فإن الأولى، والأسبق أن يتم اللقاء بين السيد عباس، وخصمه السياسي الفلسطيني السيد "خالد مشعل". وما يعنيه مثل هكذا لقاء فلسطيني من رسالة متعددة الأبعاد.
تحت بصر الرئيس الأمريكي "بيل كلنتون"، وأمام وسائل الإعلام العالمية تدافع الرئيس الفلسطيني أبو عمار مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "أهود براك" على بوابة مؤتمر "كامب ديفيد" الثاني سنة 2000، وراح كل منها يدفع الآخر كي يسبقه في الدخول من البوابة، ووصل الأمر إلى حد استخدام القوة الجسدية. كان المظهر الخارجي يوحي بتسابق كل منها على احترام الآخر، ولكن جوهر التدافع يؤكد أن كل منها يسعى إلى فرض إرادته على الآخر بالقوة قبل بدء التفاوض. ولما كانت بُنية أبي عمار الجسدية أضعف من بُنية أهود براك، فقد انهزم بمرارة في معركة التدافع، ودخل القاعة مقهوراً تحت دفعات أهود براك، ليكون رده على طاولة المفاوضات مزيداً من الصلابة.
فهل سيواصل السيد عباس صموده، وإلى متى؟
fshamala@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: