الأربعاء، سبتمبر 09، 2009

فستان غزة فوق الركبة

د. فايز أبو شمالة
كان فستان غزة فوق الركبة، وقلَّ أن تجد امرأة في غزة تجاوز عمرها الخمسين عاماً لم تلبس الفستان فوق الركبة بشبرٍ، وكانت شوارع غزة تضج بمنظر النسوة اللائي هفهف شعرهن، وتعطّر بالأنوثة، وراح يتَسفَّع تحت الشمس كعشبٍ اختلفت ألوانه، إنهنَّ نسوة غزة اللائي كنّ ينتظرن التحرير، والعودة إلى فلسطين، وهنّ يمشين بطابور الفتوة بفساتين مفتوحة من الخلف، تحاكي تضاريس الجسد، وتشفُّ عن أعالي الصدر، وتحتضن الحلم بالنصر. فجاءت هزيمة 1967 لتكشف أن التحرير يحتاج إلى الإنسان المعبأ بالإرادة، والأيمان، وأن الجندي الإسرائيلي الذي يدوس بحذائه على شرف الأمة العربية قد حشا صدره بالحقد، والكراهية، والتسليم للمعتقد اليهودي القائل: أن هذه الأرض قد ورثها عن أجداده، وأنه يعود إليها كي يقيم شعائر دينه، وأن من عليها من عرب فلسطينيين ليسوا إلا لصوصاً معتدين.
بعد الهزيمة استحت غزة على شرفها، وخجلت من نفسها، ولملمت ما ظل من كرامتها، وسترت عورتها، فلم تعد تفوح في شوارع غزة رائحة العطش النسائي، فهي تزكم أنوف المقاومين، وخجل الفستان أن يرتفع فوق ركبة بنات غزة، كي لا يفضح الضعف العربي أمام عين الجنود الإسرائيليين، التي تقززت من المهزومين، لقد انتشر بين فتيات غزة، وطالبات المدارس لباس أسود اسمه "قنعة وداير"، كانت تبدو فيه نساء غزة كل سنوات السبعينات وكأنهن "الفقمة" المنتشرة على شواطئ المحيطات.
جاء الجلباب إلى غزة مع بداية انتشار التعليم الجامعي مطلع الثمانينيات، وبدا أنه أخفَّ وطأةٍ من "القنعة والداير"، وأكثر سترة للفتاة، وفيه جمال شجع على انتشاره قبل أن تنتشر حماس، أو أن تكون قد تواجدت سياسياً على أرض قطاع غزة، ليظل الجلباب اللباس الذي يستر روح فتيات غزة وهن يشاركن في الانتفاضة، ويشتبكن مع العدو، ولسان حالهن يقول: لا بهرجة مع الاحتلال، ولا تبرج مع الهزيمة، ولا فجور مع اغتصاب الأوطان.
قبل ذلك كان ثوب المرأة في فلسطين يمتاز بجمال تحسد عليه الفلسطينية الممشوقة القامة، كان ثوباً مطرزاً بالحرير! ثوب يستر المرأة، ويكشف عن رونقها البديع، كان الثوب بتفصيلة واحدة وإنما بعدة ألوان تنزلق على مفاصلة أغصان الحرير، ورثته فتاة مدينة المجدل "سما" عن مدينتها التي اشتهرت بصناعته، وقد أصرت أن تستعرض بهذا الثوب الفلسطيني المطرز، وأن تنافس اليهود في الاحتفال الذي جرى في ولاية "فلوريدا" بأمريكا، وأن تحبط سعيهم للسيطرة على تفاصيل المشهد من خلال أكاذيبهم عن دولة إسرائيل.
كانت الدهشة، والانكسار بادٍ في أعين اليهود، وكان الإعجاب الأمريكي المبالغ فيه بالثوب الفلسطيني يعبر عن شماتة، ويفضح رواية اليهود الكاذبة عن فلسطين.
والله لو كنت إحدى فتيات غزة لما ذهبت إلى الجامعة، ولما قبلت الزفاف إلا بالثوب الفلسطيني الأبيض الموشى بالحرير!.
فأين هي الفلسطينية المبادرة، والجريئة، والأولى التي سيؤدي الجميع لها التحية؟.
fshamala@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: