الأحد، سبتمبر 13، 2009

خطتي للسلام بعد 5 سنوات من نشرها للتطبيق 100 % وفورا

د. أفنان القاسم
باريس

عندما تكون على بصيرة مما يدور من حولك، عندما تعالج موضوعا عن بصيرة، عندما لا تترك الهوى يضرب على بصيرتك، تكون نافذ البصر، تكتب الحدث قبل وقوعه، وتجعل من الحدث الذي لم يقع بعد مشروعا ممكنا، إنه التاريخ بانتظار أن يغدو تاريخا، أن يتحقق، وهذه هي حال خطتي للسلام التي ما ابيضت لها شعرة واحدة بعد سنين من كتابتها، وكأنها كتبت اليوم لناس اليوم، وعن هموم اليوم، وكأنها ما كانت إلا ليكون اليوم يومها، الظروف تبدلت من أجل تطبيقها، والشروط غدت شروطها، كنت إذن وأنا أكتبها لا أعلم أنها مستقبل التفاوض وضوء الحل بعد كل ذلك الظلام الطويل، الحل وقد غدا ضوءا... سيقف القارئ على ما يدعى لدى الإغريق بالكهانة، ومع ذلك، فالنص لا ينتمي إلى أمور الغيب، إنه نص سياسي بأتم معنى الكلمة، ولكن ربما معجزته اليوم تكمن في انتشالنا والعالم العربي من الكارثة، وربما معجزته اليوم أيضا أن يُقرأ وأن يُفهم وأن يُقبل وأن يُطبق وقد فعلت السياسة فينا ما فعلت من اغتراب عنا وعن غيرنا، وقد دمرتنا السياسة، وجعلت منا أعداء فيما بيننا، وقد قتلت فينا السياسة الثقة، وشككتنا في أمرنا فما بالك في أمر غيرنا، وفهمه هو لها، وقدرته هو على القبول. وعلى كل حال ها هي الخطة بين يدي الجميع، وهي كما قلت أكثر من مرة ورقة عمل لا أكثر لمؤتمر بال للأكاديميين والمثقفين الفلسطينيين والعرب والباقين في الزوايا الأربع للعالم من أجل تأسيس دولة فلسطين، ولكنها ورقة عمل استثنائية من أجل حل استثنائي (أنقر على العنوان لقراءة باقي المقال).

ستذهب نسخة من الخطة إلى أوباما وساركوزي وبراون وبوتين وعبد الله ابن آل سعود وعبد الله الثاني ونتنياهو وعباس، لماذا هؤلاء دون غيرهم؟ عليك أن تقرأ الخطة لتعرف، وإذا كان هناك رد فعل من واحدهم أو كلهم ايجابي أو سلبي، فلن يحول ذلك من عقد مؤتمر العقل الفلسطيني، لأن هذا المؤتمر هو المخول بالتفاوض.

أطالب الجميع بالمساهمة في النقاش منذ اليوم وبالترويج للخطة، معها أو ضدها يجب أن يقرأها أكبر عدد من الناس يجب إرسالها إلى كل المواقع وكل المنتديات.

أخبرني أحد الأصدقاء من عرب 48 أن هناك من الأدباء لا يعرفني ومن الأدباء المخضرمين رغم بيع كتبي عندهم وإعادة طباعة بعض أعمالي، وفي الوطن العربي هناك من يظنني من المدللات، لهذا سأنهي مقالي بهذا التعريف:

أفنان القاسم
أستاذ سابق في جامعة السوربون والجامعات المغربية والأردنية
أديب ومفكر فلسطيني
http://www.parisjerusalem.net/


نوعام شومسكي

أنا أهم إسهام في ميدان اللسانية النظرية للقرن العشرين وخطة أفنان للسلام أهم إسهام في ميدان السياسة العملية للقرن الحادي والعشرين، أنا أريد تجاوز المقاربات البنيوية للإستغراقية والسلوكية في الكلام الطبيعي وخطة أفنان تريد تجاوز المقاربات السياسية للفلسطينية واليهودية في التاريخ المادي، إنها الفصل الناقص من فصول التوليد والتحويل عندي، النظام في الفوضى، الوضوح في الغموض، السهم في حقل الإشارة، الوصول، البلوغ، الحل لأعظم مسائل الوجود، النيزك، البيرق، العلامة النحوية التي وجدتها أخيرا على نافذة ثورتي الشومسكية، لهذا سأكون أول الذاهبين إلى بال...
**

ترجمة النص الكامل للفصل الخاص ب"خطتي للسلام" لأفنان القاسم
الخطة
إجعلها طريقك لتأسيس دولة فلسطين...
أهدي خطة السلام هذه إلى جارتنا في نابلس، يهودية ذات جمال ساحر، وإلى تلك الفتاة الإسرائيلية بسنيها الإحدى عشرة التي تشبه ابنتي إيناس، والتي كانت في روبرتاج على القناة الخامسة الوحيدة في صف من عشرين تلميذ وتلميذة الموافقة على العيش مع الفلسطينيين. أهديها أيضا إلى ذلك الصبي الذي قتل بين ذراعي والديه برصاص الجنود الإسرائيليين تحت جدار في غزة.
باريس أفريل 2004
أُرسلت هذه الخطة إلى جان-بيير رافاران، رئيس وزراء فرنسا السابق، في الأول من سبتمبر 2002 في رسالة مسجلة مع وصل الإستلام، وسنة فيما بعد في 7 سبتمبر 2003 إلى هوارد اتش ليه، السفير الأميركي في باريس، فلم يتفضل لا الواحد ولا الآخر بالرد عليّ، علما بأن هذه الخطة أُرسلت إلى رئيس وزراء فرنسا وليس موريتانيا وإلى سفير الولايات المتحدة الأميركية وليس بنغلاديش. ومع ذلك، لجسامة الموضوع، فالمسؤولون عن هذين البلدين من بلدان العالم الثالث كانوا سيجيبونني بأدب وكياسة، ومن طرف هاتين القوتين العظميين لا شيء! لأن لا الموساد ولا السي آي إيه ولا الدي اس تيه في ظهري، وليس عندي صاحب بنك سويسري يمول خطتي كما كانت حال ياسر عبد ربه ويوسي بيلين، ولم اجعل من كوفي أنان مؤتَمَنَاً على أسرار المباحثات. ليس لي سوى شخصي المتواضع ولكن كل شعبي معي، لأن الأمر يتعلق بحقوقه الوطنية والأخلاقية والإنسانية التي أدافع عنها أكثر من أي شخص آخر في الوجود والتي أدفع بروحي من أجلها. ولهذا السبب، لأني المدافع عن شعب بأكمله، بقيت الأبواب مغلقة في وجهي، على عكس عبد ربه وبيلين اللذين جرى استقبالهما في العالم أينما ذهبا بما في ذلك مكتب موشيه قصاب، الرئيس الإسرائيلي السابق. عجبا من هؤلاء الغربيين الذين لا يختلفون في السلطة في شيء عن زملائهم الشرقيين! يتبدل وجه السلطة وتبقى في عمقها واحدة!
وزعت هذه الخطة على كل الصحف الكبرى لو موند، ليبيراسيون، لو كانار أنشينيه، لو فيغارو، لومانيتيه، فرانس سوار، تيموانياج كريتيان، لو موند ديبلوماتيك... ولا واحدة، أقول ولا واحدة قبلت بنشر ولو مقطع واحد أو اثنين من هذه الخطة، فهي آتية من شخص "غير معروف" نشر على الرغم من ذلك بالفرنسية أكثر من ثلاثين كتابا! وهو أمر أكثر خطورة من عدم جواب رئيس وزراء في حملة انتخابية دائمة والذي بالنسبة له استمالة صوت متردد في الحي الشعبي العربي باربيس أكثر أهمية من حياة وكرامة شعب بأكمله، أو من عدم جواب سفير أميركي يعتبر نفسه في عطلة دائمة بمدينة النور، أمر أكثر خطورة لأنه يصيب في القلب حرية التعبير. هذه الحرية المقدسة التي تفرض على وسائل الإعلام أن تحترم وتنشر أي خطاب كان، وأياً كان الرأي الذي يقوله مع الحد الأدنى من المنطق. أقول الحد الأدنى من المنطق حتى وإن غاب الحد الأقصى من الموضوعية، وإلا ما الفائدة المتوخاة من مصطلح "حرية" في مفهوم "حرية التعبير"؟
ولكن ها نحن ذا، في الشرق تُكَمُّ الأفواه التي تصبو إلى الحرية والكرامة وفي الغرب أيضا طالما مارس هؤلاء المحرِّرون والصحفيون هؤلاء المحتكِرون للكلمات الرقابة والرقابة الذاتية تحت ذريعة لا أدري من أي معيار هي، وطالما سهر هؤلاء الحراس "للأخبار والحريات" هؤلاء الأبواق الرديئة في سوق الديمقراطية على مصالح الدولة، وآخر قضية جوبيه (رئيس وزراء فرنسي آخر سابق) يستقيل لن يستقيل (من منصبه كرئيس لبلدية بوردو بسبب تورطه في فضيحة الرواتب الوهمية) التي كرست تعليق بوجاداس واستقالة مازيرول الصحفيين في القناة الثانية ملأى بالدلالات.
باريس أفريل 2004
استهلال
من أجل غسيل ليس بعده غسيل لصحوننا وطناجرنا وسكاكيننا وملاعقنا وشُوَكِنا، يحتاجنا ذلك إلى السائل الصابوني "موسيو بروبر" نسخة شرق-أوسطية. يكفي أن يُخترع، أن يُتخيل. وللخروج من الطريق السياسي المسدود الذي نوجد فيه، سألجأ إلى خيالي الخصب، هذا أمر طبيعي، ولكني سآخذ بعين الاعتبار كل عنصر من العناصر التي تساهم في الوصول إلى مخرج مقبول. أولا وقبل كل شيء هناك حاجة ظاهرة أو خفية تحت تعرجات الوعي حتى هذه اللحظة، عندنا وعند الإسرائيليين للوصول إلى تفاهم نهائي لا نقيصة فيه. وبينما هم يغلقون أبراجهم الزجاجية على أنفسهم، التكنوقراطيون الأوروبيون وزملاؤهم الأميركيون الذين تقول عنهم الصحف إنهم وبشكل دائم في صدد إعداد "خطة سلام"، خطة سلام حسب التصوير البطيء كما يبدو، لم يتمكنوا أبدا من التقاط هِرْمِسيّةِ (لفظ مرادف لكلمة الكيمياء السحرية) مسألةٍ كمسألتنا. والبرهان على ذلك "خارطة الطريق" التي تَضَلّ الطريق تماما مثلما رأينا في فصل سابق. وحده ابن المنطقة، من يشعر بالألم الذي يعاني منه الشعبان الضحيتان يمكنه ذلك، سيعمل مدفوعا بروحه المستقلة وانتمائه إلى الأغلبية "الصامتة" في الأراضي المحتلة والمهجر العاشقة للسلم والمحرومة إلى اليوم من التأثير في الأحداث، لن يضيع في نقاش دلالي لا فائدة منه حول مصطلح "قابلية الحياة" لدولة فلسطينية، وسيتصرف وفي ذهنه الصورة التي لا تُنسى لناطحتي سحاب نيويورك المنهارتين، وسيتحرك باسم الواجب المقدس الذي هو واجبنا جميعا لحماية الإنسانية. وبينما هو يعرف بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 أن عصرا جديدا يبدأ ليس عصر الحرب والعسكر ولكن عصر سلام الناس العاديين، سيقبل بالحق، بكل الحقوق التي تعود على كل طرف. قبل هذه الأحداث والحروب المُفْجِعة التي تلتها، ما كنت لأقبل ما أقترحه أنا بنفسي اليوم، ما كنت لأجرؤ على النظر إلى الأشياء وجها لوجه والغوص في المستقبل الأبعد عمقا لأمتينا العربية واليهودية. فليحمل كل واحد نصيبه من المسؤولية، وفي المقدمة أولئك الذين ينتمون إلى الجيل المدعو "المحب للحرب"، جيلنا الذي ألهبه العنف ووسمته الحرب. أما بخصوص طريقتي فيما سأقوم به، فيجب الإشارة إلى ما يلي:
على الرغم من طاقة "موسيو بروبر" لن أدخل في التفاصيل، سأكتفي بإثارة الاهتمام وإشعال الحماس عن طريق أفكار سيعود تعميقها فيما بعد إلى مختصين قانونيين، اقتصاديين، اجتماعيين، تاريخيين، وأشخاص آخرين من العقلاء أصحاب الخطاب الحصيف.
سأعدد كل النقاط المختلف عليها التي سأجد لها الحل المناسب إجابة مني على ما ينتظره الطرفان، إجابة كاملة لا تقريبية، نعم كاملة. إنه لمن الممكن عندما نريد إرضاء الجميع.
الإتحاد المشرقي
صرح عبد الله الثاني ملك الأردن أنه "لا يريد أن يسمع كلاما عن التزام مع الفلسطينيين قبل إقامة دولتهم". وغالبا ما أثار شمعون بيريس تشكيلة اقتصادية مستقبلية تجمع كل دول المنطقة، وكان يُضَمِّنُ بداهة أن نكون نحن الفلسطينيون جزءا منها عندما تتحدد هويتنا. في الغرب، نادت فرنسا، بلدا من بين البلدان الأولى، بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل كشرط أول لكل حل، ولا يتوقف الرئيس الأميركي عن تكرار أنه مؤيد لإنشاء دولة خاصة بنا وضامنة لإسرائيل، ونحن بالطبع الأوائل الذين نريد ذلك ونرغب فيه. لقد قاتلنا وضحينا بآلاف من أبنائنا من أجل ذلك، ولا نريد أن نسمع كلاما عن اتحاد اقتصادي أو غيره، ثنائي أو غيره قبل أن ترى دولتنا النور. ومع ذلك، يجب على كل شيء أن يبدأ من هنا.
في الواقع، قاعدة الحل النهائي ليست "غزة وأريحا أولا"، "الضفة الغربية والقدس ثانيا"، أو أي شكل دَوْلي (من دولة) آخر، ثنائي الهوية كما كان ينادي به إدوارد سعيد، ولكن "الإتحاد أولا". إنه المفتاح. إنه من أجل الإجابة على أماني الواحد والآخر لهذين الشعبين –الفلسطيني والإسرائيلي- واللذين ارتبط مصيراهما بأرض واحدة وتاريخ واحد واقتصاد واحد، ومن أجل التلطيف من ضراوة الواحد في تمسكه بالأراضي المحتلة، وخاصة من أجل السماح لتحقيق هذا الحلم حلم الأسلاف الذي يسكن الواحد والآخر بأن يكون في "بيته" في فلسطين –كل فلسطين- الإتحاد برأيي هو أحسن الحلول وأنصفها كشكل دَوْلي. معه ستحل كل المسائل، كل الخلافات، كل المصائب، رغما عن الموقف الأرثوذكسي لكل الذين يشكرون الله الذي فصل إسرائيل عن باقي الأمم. وفيما يخص تسميته، لدينا بالطبع الخيار بين الإتحاد المشرقي على غرار الإتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة المشرقية مع أني شخصيا أفضل التسمية الأولى. سأترك كل بلد يحكم نفسه على صدر إتحادية يسيّرها مبدأ أساسي: "الإنفصال في الإتحاد". وبعبارة أخرى، أنا من أجل إنشاء سوق مشتركة، على عكس أوروبا، تَنْفَذُ في الحال إلى ميادين أخرى فوق-اقتصادية آخذا بعين الاعتبار، وهنا كأوروبا، خصوصية كل أمة. لماذا في الحال؟ لأن المنطقة لا يمكن لها الانتظار أكثر مما انتظرت وصفات سحرية، ولأن كل الوسائل ستوضع موضع التنفيذ من أجل إقامة هذا الإتحاد ذي الوجوه المتعددة. وعند الاقتضاء يمكن لدول أخرى الالتحاق بالاتحاد كالولايات المتحدة الأميركية أو فرنسا. لم يكن البحر الأبيض المتوسط عائقا على الإطلاق، وسيكون رابطا دوما لبناء المجتمع الجديد. لم يكن الإسلام عدوا وراثيا للغرب على الإطلاق، بعض المسلمين ربما، الإسلام أبدا. لقد أثبت ذلك الوقف الكامل للحرب في لبنان، وتصور الهيمنة السامية العليا المطلقة لأمة على أمم أخرى سيتبدل في القدرة على التحرر والفعل دون إرغام ولا ضغط أو إكراه، سنتحرر من عبء الدكتاتورية، سيمكننا إشراك المنطقة مع الحداثة، سنُظهر أخيرا أن الإتحاد بين الشرق والغرب ليس أمرا مستحيلا.
المظاهر المختلفة للإتحاد
طبعا وبالتأكيد إنشاء سوق مشتركة بين إسرائيل، فلسطين، الأردن، والعربية السعودية، نعم، العربية السعودية التي جئنا كلنا منها، سوق شرقاني (صفة لاتحاد الشعوب الشرقية)، سيكون رأس الحربة لمجموعة اقتصادية موسعة تشمل بلدان أخرى من بلدان المنطقة في المستقبل. وهذه المَنْطَقَة (régionalisation) لن تبدل شيئا من الفضاء الجغرافي. أما الفضاء الإقتصادي، فسيخضع لتشكيل كامل، وازدهار الإتحاد يكمن في تطوره، لأن من يقول مَنْطَقَة يقول تطور كل المجتمعات التي تشكل هذا الإتحاد، وهكذا سنضع حدا لحقبة الحرب الطويلة المنحوسة من أجل بداية عهد سلام ورخاء.
وإذا وضعنا جانبا واقع أن العربية السعودية مهدنا جميعا، لماذا هذا الإختيار؟
على عكس تصور الحرب والتفريق للإدارة بوش، يجب على العصر الجديد البادئ بأحداث وورلد تريد سنتر أن يضع حدا لكل عمل عسكري ولكل تقسيم. في حركة لعولمة العدالة والحق، يجب النزوع إلى تعزيز الروابط بين بلدان فقيرة وبلدان غنية، الوسيلة الوحيدة والأوحد لوضع حد للإرهاب والعنف. العربية السعودية بلد غني، وعلى أي حال، في استراتيجية ترمي إلى توحيد كل بلدان المنطقة، ستكون جزءا من هذه البنية الإقتصادية الجديدة إن عاجلا أم آجلا. نقول نفس الشيء عمن ينتمون إلى "أهل الذمة"، بمعنى غير-المسلمين، والحالة هذه اليهود والآخرون المسيحيون المعترف بهم من طرف الإسلام الذي يحترمهم.
***
من الواجب القول إن الفضاء النوعي هو فضاء مؤات لازدهار الإنسان. سنطبق في كل دول الإتحاد قوانين الحياة الإجتماعية ذاتها، ليؤدي ذلك إلى المدرسة، الضمان الإجتماعي، الصحة، أوقات الفراغ، الأخوّة، التضامن، الحب، باختصار الحرية، سنكبح جماح الإستغلال، سندافع عن الإنتاجين الزراعي والصناعي، سننظم الرواتب. اقتسام اقتصادي عادل يتضمن سياسة اجتماعية حقة، وفقط هكذا لن نخضع لقانون السلع الأوحد.
الثقافة:
في المادة الثقافية، الإحترام الكامل لخصوصية كل دولة سيكون مضمونا، إلا أن دراسة العبرية كالعربية بصفتهما لغة ثانية سيجري تنفيذها، إذ يعتبر تعلم لغة "العدو" في إسرائيل والأردن وفلسطين شيئا حسنا. وحسب تربويينِنَا القدامي، يساعد ذلك على فهم بسيكولوجية العدو لمواجهته بشكل أفضل! من الآن فصاعدا سيكون تعلم لغة الآخر مصدر إثراء ونفع ثقافي، سيدخل الأَدَبَان العربي والعبري في ازدهار جديد، وستَعني الثقافة تأكيد الشخصية الفردية والكونية في آن، ستكون مرادفا للتفتح. ولن يكون هناك ما يستوجب الإنتزاع الثقافي أو التأقلم الثقافي: كل القيم الثقافية ستُحترم، الهوية الثقافية ستُحفظ. التوحيد اللغوي أبدا لن يكون على جدول الأعمال.
حقوق الإنسان، الحرية، والديمقراطية:
سيكون احترام حقوق الإنسان قاعدة كل فعل سياسي مشترك على المحفل الدولي أو بشكل منفصل داخل كل بلد. ومن ناحية أخرى، سيشجع الإتحاد معايير مشتركة مع الإحتفاظ بنظام الحقوق الوطنية. وهكذا ينهل الشكل السياسي بتنوعه قوته من المؤسسات الديمقراطية. العربية السعودية، مهدنا المشترك، ستشرع دون تأخير في القيام بعملية دَمَقْرَطَة لمؤسساتها الدَّوْلية (من دولة) الدينية والشعبية، وسيكون الأردن أقل خجلا في مبادراته. وستتبع فلسطين مثال إسرائيل في فصل الرئاسة عن السلطة الحقيقية التي في يد رئيس الوزراء. هكذا ستصان حرية الدين، الإختيار السياسي، العمل على صدر أحزاب سياسية، التعبير، الصحافة، وكل الحريات الأخرى.
المظاهر الأخرى:
فلنقل بصراحة، في فضاء سياسي حيث الأقلمة (من إقليم) تعود إلى سيادة مقتسمة، يمكننا إضافة مصراع قانوني (عدالة لأيٍّ كان يتطلع إلى عدالة أكثر اتساعا، إقليمية ولِمَ لا عالمية، الإرهاب يحتم ذلك)، وإضافة مصراع عسكري ( جيش يدافع عن نفسه في حالة عدوان خارج عن الإتحاد ويدافع عن غيره، جيش الإحتلال سيرى نفسه وقد غدا جيشا متعدد الجنسيات وشعبيا)، مصراع بيئوي (فعل مشترك للعيش باتفاق مع قوانين الطبيعة)، مصراع سياحي (منطقة جميلة كمنطقتنا يمكنها جذب كل سياح العالم)، مصراع إداري (جهد متزايد لإزالة البيروقراطية وتسهيل معاملات المواطنين اليومية وكذلك المعاملات بين الدول)... إلى آخره.
الخصومات والنزاعات
لنر مع إقامة الإتحاد كيف يستطيع "موسيو بروبر"، هذا الجني العبقري، الوصول إلى حل النزاعات والخصومات، وذلك باعتماده على القرارين 242 و338.
القدس:
عاصمة الإتحاد. ستبقى موحدة.
عاصمة إسرائيل (القدس الغربية) وعاصمة فلسطين (القدس الشرقية)، سيكون عليها اقتسام للسلطات والمسؤوليات في إطار البلديتين. ستصان أماكن العبادة كما كان حالها دوما من طرف المؤمنين أنفسهم وجمعياتهم الدينية، تحت السيادة الفلسطينية في مجموع عُصَيْمَتِها (sous-capitale) وتحت السيادة الإسرائيلية في مجموع عُصَيْمَتِها. ستسهر على هذه الأمكنة شرطة بلدية مشتركة.
الخط الأخضر:
هو حدود إسرائيل عام 1967 وقد حددت نهائيا واعتُرف بها، إلا أن الخط الأخضر هذا يمثل رسما وليس حاجزا. كالإتحاد الأوروبي ستُفتح حدود البلدان الأعضاء للإتحاد المشرقي لتَحَرُّك جماهيرها. ستُحبى غزة والضفة، وبمصطلحات أخرى، دولة فلسطين في حدودها الني حُددت نهائيا واعترف بها اتصالا أرضيا تحتيا. لن يكون هناك ممر تحت السيادة الإسرائيلية للربط بين غزة والضفة، لن يكون هناك حق نظر إسرائيلي على تحركات المتاع والناس في نقط العبور، لن تكون هناك محطات إنذار أو قواعد مراقبة. فقط نقاط استدلال مشتركة يمكن إنشاؤها، لأن كل الإتحاد على امتداده سيكون مفتوحا للكل. إسرائيل مع فلسطين، مع الأردن، مع العربية السعودية، ومع كل الأعضاء الآخرين في المستقبل، والعكس بالعكس. سيضع الإتحاد حدا لعزل هذا أو ذاك من بلدانه، والتجاور بين هذا أو ذاك لا يمثل خطرا.
ضرورات الأمن:
لإسرائيل كما هو الأمر لفلسطين ولكل الدول أعضاء الإتحاد قوة الدفاع الإسرائيلية ستمثل قوة مضافة لقوتها وضمانا للإسرائيليين وللفلسطينيين وللدول الأعضاء الأخرى في الإتحاد. ومع ذلك، كيف يمكن ضمان أمن إسرائيل والاتحاد نهائيا، خاصة في حالة ما إذا كان الإتحاد سيضم في حضنه دولة أخرى إقليمية أو من خارج الإقليم، الولايات المتحدة الأميركية مثلا أو فرنسا أو أي قوة عظمى أخرى غربية؟ ليست هذه البلدان مضطرة إلى الانضمام إلى الإتحاد وإنما إلى فضاء معين من فضاءاته المتعددة. باتحادها مع جيش الإتحاد، سيكون هذا أحسن ضمان للأمن، لإسرائيل وللدول الأخرى الإتحادية. وبعيدا عن كونها معاهدة ثنائية بسيطة، ستكرس الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ودول كل الغرب نفسها قلبا وقالبا للإتحاد. إذن لا قوة متعددة الجنسيات أم غيرها، ولكن قوة داخلية مندمجة تماما.
حق العودة:
ستتم عودة رمزية إلى إسرائيل، وهذا يتعلق بالفلسطينيين الذين سيصبحون مواطنين تحت علم نجمة داود، وسيأخذ باقي السكان الفلسطينيين المهاجرين خلال حرب 48 تعويضا ماديا جيدا جدا يساعدهم على تغيير حياتهم إلى أفضل هناك حيث يقيمون. الأمر نفسه فيما يخص السكان اليهود الذين تركوا البلدان العربية، إلا أن، وعلى غرار الإتحاد الأوروبي، سكان كل دولة عضو في الإتحاد المشرقي أحرار في اختيار أين يعملون وأين يعيشون حتى في إسرائيل. هناك أميركان وفرنسيون وطليان وبولونيون... يعملون ويعيشون في إسرائيل من غير أن يمس وجودهم السمات الخصوصية لهذه الدولة لا من بعيد ولا من قريب، وهكذا سيكون حال الفلسطينيين. لصيانة الأنظمة التشريعية والسمات الخصوصية الدينية أو العرقية لكل دولة، وأول الدول إسرائيل، هؤلاء السكان أنفسهم (أولادهم، أولاد أولادهم وكل الأجيال التالية) لن يُحْبَوْا حق المواطنة (صفة المواطن) والحقوق المدنية الأخرى إلا في بلدهم الأصلي.
ومن ناحية ثانية، كل من اضطره الأمر إلى أخذ طريق المنفى عام 67 سيكون على يقين من إمكانية العودة إلى دولة فلسطين.
المستوطنات:
عليها أن تُدرس واحدة واحدة: التي تمثل امتدادا أرضيا مع المدن والقرى الفلسطينية تبقى تحت السيادة الفلسطينية وضمنيا تحت سيادة الإتحاد حيث ستلعب إسرائيل بخصوصها دورا أساسيا، المستوطنات الأخرى ستهدم. وسيطبق النظام نفسه الذي لمهاجري 48 مع سكانها. المستوطنون (وكل اليهود في العالم لا يزعجني الأمر إطلاقا) سيكون لهم الحق في العمل والاستقرار أينما يشاؤون في فلسطين وفي الإمتداد الآهل بالسكان للإتحاد. ستُرفض لهم حقوق المواطنة والحقوق المدنية الأخرى. هكذا هم يشبعون ميلهم الديني ويساهمون في إنشاء الإتحاد وسعادة الإنسان دون اغتصاب لأرض أو هوية.
سيُعلن قيام الدولة الفلسطينية في نفس الوقت الذي يُعلن فيه قيام الإتحاد.
ها هو الأساسي من خطتي.
كل شيء ممكن وجاهز للحل في حضن اتحادنا المشرقي، اتحاد منذور للأمن والرخاء لكل دول المنطقة. لن يجري إنشاؤه، كسنوات الستين، لرمي اليهود في البحر أو العرب في الصحراء. الإسرائيليون كالفلسطينيين سيكونون راضين، المتطرفون كالمعتدلين، ولكن خاصة شعوب المنطقة، وحدها الضامن لسلام عادل ودائم. سيهيئ إرسال ملاحظين أميركيين وفرنسيين تحت وصاية هيئة الأمم المتحدة، وهذا لمهمة محدودة في الزمان والمكان، الطريق نحو حياة سوية في غزة وفي الضفة، يتبع ذلك العودة إلى طاولة المفاوضات الثنائية والرباعية التي يجب أن تشارك فيها كل القوى المعارضة. دون مشاركتها، ستبقى الحالة متزعزعة، وتنظيف الأرضية مؤقتا، ستعود الريبة إلى القلوب جدارا بين المعسكرين حليفي المستقبل والشريكين. ولن يتم التوصل إلى حل إذا لم يكن قائما على الوحدة بين الشعوب، بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني أولا، ومساواة الحقوق. الفلسطينيون ليس لهم أي حق. شعب من المتسولين ينعم بحقوق، ليس الفلسطينيون! على الضمير الوطني الإسرائيلي وكذلك الضمير الوطني الفلسطيني أن يتحملا مسؤوليتهما في هذا الإتجاه: الإتحاد.
ترجمة الدكتورة بريجيت بوردو – مونتريال
* أفنان القاسم: خطتي للسلام، الإتحاد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ص ص 101-116، دار لارماطان، باريس 2004.
أستاذ سابق في جامعة السوربون والجامعات المغربية والأردنية
أديب ومفكر فلسطيني
www.parisjerusalem.net

ramus105@yahoo.fr



ليست هناك تعليقات: