السبت، سبتمبر 12، 2009

عمال غزة صمود وسط وعود رمضانية

محمد داود

عندما يستيقظ الضمير البشري على مأساة إنسانية أو انتهاك للقانون الدولي الإنساني؛ لابد أن ندرك أن هناك دوراً رئيسياً لوسائل الإعلام قامت بتحريك هذا الضمير وإظهار الحقائق وترجمتها أمام الرأي العام ومؤسساته الدولية، لأنه عندما يختلط وميض الكاميرا بنبض الأحداث وصرخات العمال الذين يستغيثون؛ وبأحبار الطباعة وبدماء الضحايا تكون الصورة والكلمة قد اكتملت الوصف وهي أقرب إلى الواقع والانحياز للحق والإنسانية، ونحن هنا يقع على كاهلنا حمل الأمانة وإيصالها لذوي الشأن والاختصاص ليقوموا بواجبهم الوطني والأخلاقي والديني المنوط بهم.

وهنا إذ استبشر عمالنا البواسل في قطاع غزة خيراً، وقالوا بأنهم غير منسيون بعد تصريح وزراء حكومة غزة المقالة بأنه سيتم صرف مبلغ مائة دولار على الأقل لكل عامل في قطاع غزة؛ قد تبرعت بها دولة قطر ودول عربية شقيقة نصرةً للعمال المكلومين، وتم الإعلان عن ذلك سلفاً بأنه سيتم صرفها في أول أسبوع من شهر رمضان المبارك، ولكن لم يتم صرفها حتى هذه اللحظة، مما يثير الشكوك حول نية الصرف.

بلا شك أن للصراع السياسي الفلسطيني تداعيات كبيرة وخطيرة لاسيما أنه المتسبب الرئيس في عوز العمال لكل مساعدة أو صدقة وحسنة، لما تركه من أثر على البنية التحتية الأساسية والاجتماعية والاقتصادية والمؤسسات الحكومية العاملة، وأضعفت التضامن على مستوى المجتمع المحلي وتماسكه وتحول دون تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وعمالنا البواسل هم الخاسر الأكبر لأنهم فقدوا أعمالهم بعد إعلان الاحتلال الإسرائيلي عن قطاع غزة إقليماً معادياً عقب سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في الرابع عشر من حزيران 2007م، وعلى إثره أغلق الاحتلال المعابر التجارية ومنع إدخال البضائع والسلع على اختلاف أنواعها للقطاع، مما ذاق شعبنا الفلسطيني الحرمان والأمرين وأصبح يمثل لهم كابوساً إنسانيا؛ً لاسيما بعد منع تزويد القطاع بالوقود والغاز ألازم والسلع الأساسية ومواد البناء، فعاش شعبنا على اختلاف شرائحه عصوراً في القدم.

وهكذا عامين ويزيد وأهلنا في القطاع يعيشون أوضاعاً إنسانية وحياتية صعبة متقشفة،كان نصيب العمال الفلسطينيين الضرر الأكبر جراء الحصار الجائر، حاول البعض التغلب عليه وكسره من خلال إدخال السلع عبر الأنفاق من جنوب القطاع، رغم الكلفة الباهظة التي نتكبدها بشرياً ومادياً، لكنها تبقى محدودة ومحفوفة بالمخاطر كما أسفلنا الذكر ولا تؤدي الغرض.

العمال بقي حالهم المأساوي يراوح مكانه، وحكايتهم تقشعر منها الأبدان بعد أن تحولوا إلى متسولين يبحثون عن لقمة العيش، التي تحارب في إقليم فقير يفتقر لكل مقومات الحياة وسط صراع وانشغال سياسي لقادته على الحكم متناسين أن هناك طبقة وشعب يموت ويتضور جوعاً. فاستبدل دور وأداء هؤلاء العمال الذين عودونا بكفاحهم المرير بأن يكونوا أداة تطور وبناء للدولة، ليصبحوا عبئاً على المجتمع؛ فمنهم من أصبح متسولاً والآخر يبحث عن كابونة هنا أو هناك والآخر مل من تصريحات ووعود الأوهام التي تستغل لشراء الذمم لشحذ الهمم، وهي عوامل تفتح المجال أم تداعيات خطيرة لسمح الله مستقبلاً، من دخول مجتمعنا في عالم الجريمة من أجل البقاء.

إن انتصار إرادة الحياة في قطاع غزة ليس مرده أن عمال غزة بخير وأحوالهم ميسورة، بل لأنهم مسكونون بحب الوطن والحياة، وهم يبقون ألآمهم مكبوتة في الذاكرة ليتمسكوا بصنع الحياة المختلفة على الرغم من كل العناصر وآثار الحرب والعدوان الصهيوني ومخلفاته من حصار ودمار خلال الأعوام الماضية، وهو نوع من الصمود والتحدي.ويستدل ذلك بالتسليم بأن هناك جيلاً كاملاً نشأ وترعرع وسط الحرب والقذائف والموت والدمار من كل جانب، لاسيما أثناء الحرب الشرسة على قطاع غزة مطلع هذا العام، إلا أن الحياة مازالت مستمرة وإرادة هذا الشعب أقوى بكثير من كل الأحزان والجرم والفقر، لكن المسألة تحتاج إلى مؤازرة ودعم بأن يتوفر لهم مقومات الصمود والتحدي حتى نحظى بعطائهم وشموخهم.

كاتب وباحث

ليست هناك تعليقات: