الثلاثاء، سبتمبر 22، 2009

الورقة المصرية للمصالحة والتحفظات المتوقعة

حسام الدجني

تقدمت جمهورية مصر العربية بورقة تتضمن رؤية القاهرة لإنهاء الانقسام الفلسطيني, وعودة الوحدة الوطنية إلى النظام السياسي الفلسطيني, وتم تسليم هذه الرؤية إلى الأطراف الفلسطينية, على أن تتم جولة حوار مرتقبة وشاملة بعد عيد الفطر السعيد لمناقشة هذه الورقة, ومناقشة تحفظات الفصائل الوطنية والإسلامية.

يشكل الانقسام غدة سرطانية تنهش في مكونات النظام السياسي الفلسطيني, بعد أن كانت إسرائيل تمثل غدة سرطانية, ولكنها نجحت من التشافي من هذا المرض, حيث تتعالى يوماً بعد يوم الأصوات المطالبة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني, بل وصل الحد إلى التطبيع المباشر وبأشكال مختلفة, سواء كان هذا التطبيع عبر القنوات الرسمية أو غير الرسمية, وتدنى سقف المطالب العربية من إنهاء الاحتلال إلى تجميد الاستيطان أو وقف مؤقت للاستيطان.

تشمل الورقة المصرية للمصالحة الوطنية خمس نقاط هي:

1- "الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني :
ستجري الانتخابات التشريعية و الرئاسية و انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني في النصف الأول من العام القادم بدلا من كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠ كما يطالب الرئيس عباس وحركة "فتح" على أن- تكون انتخابات المجلس الوطني بالنظام النسبي الكامل وتكون انتخابات التشريعي بالنظام المختلط 25 % دوائر و 75% نسبي ونسبة الحسم ٢٪ وان يتم تقسيم الوطن إلى 16 دائرة انتخابية 11 في الضفة الغربية و 5 في قطاع غزة و أن يتم إجراء الانتخابات بإشراف عربي و دولي لضمان الشفافية و النزاهة .

2- الأمن:
تشكيل لجنة أمنية عليا بمرسوم رئاسي من الرئيس محمود عباس ويتم الاتفاق على ضباط مهنيين بالتوافق يخضعون لإشراف مصري وعربي وتتولي هذه اللجنة مهمة أعادة بناء الأجهزة الأمنية على أساس مهني بمساعدة مصر وإشرافها على أن يكون هناك ضمان وظيفي لكل الموظفين العموميين. وفور التوقيع على الاتفاق يتم البدء باستيعاب 3000 عنصر من الشرطة و الدفاع المدني والأمن الوطني في قطاع غزة ويتزايد هذا العدد تدريجيا وصولا لإجراء الانتخابات على أن يضمن المصريون و العرب مستلزمات إعادة بناء الأجهزة الأمنية.

3- المعتقلون:
فور توقيع الاتفاق يتم تحديد قوائم المعتقلين وفق الوضع الحالي وتسليم القوائم لمصر ولمؤسسات حقوقية وقانونية متفق عليها ويقوم كل طرف بالإفراج عن المعتقلين الموجودين لديه قبل تنفيذ اتفاق المصالحة وبعد عملية الإفراج يسلم كل طرف قائمة بالأسماء التي يتعذر الإفراج عنها .

4- اللجنة الخاصة بتنفيذ الاتفاق:
تتولى هذه اللجنة المساعدة في تنفيذ الاتفاق و تنسيق المهام و التعامل مع الجهات المعنية المختلفة لتهيئة الأجواء للانتخابات و إجراء المصالحات الوطنية والتحضير و البدء بإعادة اعمار غزة .

5- الحكومة:
تتضمن الورقة اقتراحا بتشكيل لجنة مشتركة تشرف على تصريف الشؤون الحكومية في الضفة والقطاع بحيث لا يؤدي ذلك إلى تكريس الانقسام."

كي يتم انجاز المصالحة الوطنية لابد من توفر إرادة سياسية وفكر سياسي وتربية حزبية تقبل بالآخر وترغب بالعمل المشترك والذي قد نصل به إلى الهدف الرئيس وهو التحرير وإنهاء الاحتلال.

وعند قراءة الورقة المصرية نلاحظ أن مصر عملت جاهدة على أن تكون حيادية, حيث مثلت الورقة نتائج جولات الحوار مع الفصائل الفلسطينية, وأخذت في عين الاعتبار نقاط الخلاف ووضعت حلولاً وسطا ترضي الجميع, ولكن على ما يبدو أن الحركة الوطنية الفلسطينية لها بعض الملاحظات, والتي قد تكون منطقية من وجهة نظر هذا الفصيل أو تلك الحزب, ولكنها ستكون في حال فشل الحوار الوطني مدمرة للمشروع الوطني الفلسطيني, ولكننا ثقتنا بفصائلنا كبيرة وبإذن الله ستتوج جولة الحوار القادم بالتوصل إلى اتفاق يعيد وحدة القلوب ويعيد المحبة بين الناس, ويوحد شطري الوطن, ويوحد جهود الجميع في تحقيق طموح شعبنا في بناء أركان دولته المنشودة, وعاصمتها القدس الشريف.

ستختلف تحفظات الفصائل على الورقة المصرية من فصيل إلى آخر, فجميع الفصائل الوطنية والإسلامية ترغب في أن تحقق الورقة المصرية تطلعاتها ومصالحها, لذا ستختلف رؤية الفصائل الفلسطينية بناء على ذلك, فمن المتوقع أن تحمل حركة فتح بعض الملاحظات منها:
1- ملف الانتخابات, ستضغط حركة فتح على أن تجري الانتخابات في اقرب وقت ممكن وتحديداً قبل أن تنجز حماس صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل, حيث أن هناك مؤشرات ترجح فوز حركة فتح في حال جرت الانتخابات في موعدها, كذلك ستعمل حركة فتح على تعديل قانون الانتخابات وتقليص عدد دوائر الوطن, وكذلك تقليص نسبة الحسم حتى تعطي فرصة أمام الحركات والأحزاب الصغيرة المتحالفة معها إلى التمثيل السياسي في البرلمان الفلسطيني.
2- أما في ملف الأمن فقد توافق حركة فتح على ما ورد في الورقة مع بعض المناورات التكتيكية.
3- في ملف المعتقلين لن يكون لفتح أي تحفظات في حال وصلت باقي الملفات إلى الالتقاء, على الرغم من أن هذا الملف يخضع لتدخلات إقليمية ودولية ومرتبط ارتباطا وثيقاً بتفاهمات أمنية قد يترتب عليها تداعيات على السلطة الفلسطينية, لذا يتطلب انجاز هذا الملف دعماً مصريا وعربياً لتمريره وإنجاحه.
4- لن تختلف القوى ومنها حركة فتح على اللجنة الخاصة بتنفيذ الاتفاق.
5- أما ملف الحكومة فستحمل حركة فتح مجموعة من التساؤلات والتحفظات كون هذه النقطة مبهمة إلى حد ما, فما هو شكل هذه اللجنة وما هي نسبة حركة فتح فيها, وأين موقع حكومة سلام فياض من ذلك اللجنة, وهل ستكرس اللجنة عملياً الانقسام.

فصائل منظمة التحرير ستركز في تحفظاتها على ما يلي:
1- تطبيق التمثيل النسبي الكامل في الانتخابات المقبلة, وعقدها في موعدها.
2- في ملف الأمن, ترفض فصائل منظمة التحرير التقاسم الوظيفي للمؤسسة الأمنية بين فتح وحماس.
3- في ملف الحكومة, ستنقسم فصائل منظمة التحرير في رؤيتها إلى برنامج الحكومة فمنها من يتوافق كلياً مع رؤية حركة فتح ومنها من يتحفظ على أي جزئية تفقده دوره الوطني, وتكرس الانقسام.

حركة المقاومة الإسلامية حماس ستحمل تحفظات منها:

1- في ملف الانتخابات ستطلب حركة حماس ضمانات دولية بالتعامل مع الحركة في حال فازت في الانتخابات المقبلة, كذلك ستطلب حماس إلى زيادة نسبة الحسم, وتهيئة الأجواء المريحة في الضفة الغربية مما يمكنها من مراقبة العملية الانتخابية خوفا من أي عملية تزوير قد تطيح بحركة حماس وتفقدها الشرعية السياسية والشرعية الدستورية.

2- الأمن, من المتوقع أن يشهد هذا الملف الجدل الأكبر, فهو سيكون له النصيب الأوفر من التحفظات التي تحملها حماس, حيث ستطلب حماس إدراج الضفة الغربية في أي عملية إصلاح امني, كي تتمكن الحركة من مراقبة الانتخابات المقبلة ومن تعزيز تواجدها الأمني والشرطي في الضفة الغربية, كذلك ستعمل الحركة على إضافة كلمة وطنية بجانب مهنية, لان حركة حماس لا تمتلك الكادر المهني (خريجو الكليات الشرطية والحربية) إلا أعداد قليلة, ومعظم ضباط حماس الحاليين والذين يسيطرون على قطاع غزة هم خريجو مدرسة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي, لذا ستركز حماس على الأجهزة المهنية والوطنية لضمان أكبر عدد من كوادرها في الأجهزة الأمنية الفلسطينية, ومن الممكن أيضا ان تتحفظ حماس على مسمى السيد الرئيس محمود عباس, كون الحركة لا تعترف بشرعية الرئيس, كونه أنهى ولايته الدستورية, لذا يعتبر الإقرار بالمرسوم الرئاسي هو بمثابة اعتراف ضمني بكل المراسيم التي اصدرها الرئيس ورفضتها حركة حماس.

3- المعتقلون: سيكون تحفظ حماس هو تحديد جدول زمني يتم بموجبه الإفراج عن المعتقلين السياسيين, على أن يكون ذلك قبل موعد الانتخابات بمدة لا تقل عن ستة شهور.

4- ملف الحكومة, قد تحمل حركة حماس تحفظاً, حول دور حكومة الدكتور سلام فياض في هذه اللجنة بما يضمن عدم شرعنة حكومة الدكتور فياض.

حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين, ستعمل جاهدة على تقريب وجهات النظر ودعم الدور المصري, ودعم موقف فصائل المقاومة, من اجل الوصول إلى حالة إنهاء الانقسام والتفرغ للاحتلال, كون حركة الجهاد الإسلامي لم تشارك ولن تشارك في الانتخابات لانها من وجهة نظرها احد إفرازات اتفاق أوسلو.

في الختام نتمنى على الراعي المصري أن ينجح في إنهاء الانقسام, كذلك نتمنى على فصائلنا الوطنية والإسلامية الاتفاق على توافق وطني استراتيجي, يمحي من ذاكرتنا المرحلة السابقة ويعزز لغة الحب والتسامح والتداول السلمي للسلطة وتجريم وتحريم الاحتكام إلى السلاح مهما كان الحدث.

كاتب وباحث فلسطيني
Hossam555@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: