الأربعاء، سبتمبر 30، 2009

بين النووي الإيراني و الإسرائيلي: أين العرب؟

السيد محمد علي الحسيني

مازالت تداعيات وسجالات المواقف الدولية والاقليمية المتباينة بشأن الکشف عن مواقع نووية إيرانية جديدة مستمرة ومافتأت العديد من اوساط القرار الدولي تلمح بشکل او بآخر الى ضرورة إنتهاج الخيار العسکري کالسبيل الافضل لحسم الوضع مع إيران، في حين أنه مازالت هنالك أيضا(أغلبية دولية الى حد ما) تجد ان الفرصة سانحة للتمسك بالخيار السلمي لمعالجة الملف النووي الايراني وتصر على أن تقديم محفزات وبدائل مجزية لطهران سوف تساعد على حلحلة المسألة بدون أية تکلفة(حربية)مکلفة ومرهقة للغرب.

وفي الوقت الذي تلمح الادارة الامريکية(کعادتها دوما)الى الخيارات الاخرى ضد إيران کإشارة قوية للخيار العسکري، فإنه ليس هنالك في الافق من سياقات وإتجاهات ودلائل واضحة وعملية تساعد على تکوين ولو مجرد فکرة خاصة عن سيناريو حقيقي لضربة أمريکية أو أمريکية ـ غربية أو حتى إسرائيلية أو أمريکية ـ إسرائيلية للمنشئات النووية الايرانية، ومع أن اسرائيل تسعى في هذا الخضم(کعادتها أيضا)للصيد في الماء العکر وعلى حساب الدول العربية بشکل خاص والدول الاسلامية بشکل عام، فإنها تصر على أن تکون طرفا في أية مسألة تتعلق بمعالجة أو حسم الملف النووي الايراني خصوصا عندما يکون الامر خلف الابواب المغلقة وبعيدا عن الاضواء والصحافة.

وإذا ماکانت اوساطا سياسية تسعى بين الفينة والاخرى الى إثارة زوابع وسيناريوهات وهمية وإفتراضية لتوجيه ضربة جوية إستباقية للمنشئات النووية الايرانية، کمسعى منها لإثارة الرعب والقلق داخل اوساط القرار الايراني حتى يتم توظيف ذلك کورقة ضغط لحظات الجلوس على طاولة المفاوضات، فإن الذي هو مؤکد لحد الان ان طهران قد خبرت وبذکاء هذه المناورات الوهمية وباتت ترد عليها ببالونات إستعراض عضلات وقوة وحتى التلميح بعزمها على الاستمرار قدما في مشروعها النووي المقلق للمنطقة والعالم، ومن هنا، وحسب ما تراه العديد من الاوساط السياسية والاعلامية في المنطقة والعالم، فإن الخيار الوحيد المتاح حاليا لإيران من جهة والدول الغربية من جهة أخرى، هو خيار طاولة المفاوضات وسلة المحفزات التي على المجتمع الدولي أن يقدمها لطهران والتي يبدو ان الايرانيين يريدون أن يجروا الدول الغربية بشکل عام والولايات المتحدة بشکل خاص، الى مفاوضات أکبر واوسع من مفاوضات(سلة المحفزات)، إذ يسعى الايرانيين وبقوة وعزم الى جعل المفاوضات خاصة(بالشراکة او تقاسم وتوزيع النفوذ)، وليس هنالك من شك ان الکيان الصهيوني قد تلقف هذا المسعى الايراني وخبره منذ أمد يعود الى أکثر من بضع سنين، وهو يريد أيضا أن يکون طرفا اساسيا في أية لعبة تقاسم أو إعادة توزيع النفوذ في المنطقة بإعتباره(عامل توازن)کما يرى نفسه وقطعا لم ولا ولن يکون کذلك أبدا وانما هو بؤرة توتر وإثارة الفتن والقلاقل في المنطقة والعالم ، على ان الذي يبدو جليا هو ان الدول الغربية وعند إبرامها أية صفقة سياسية ـ إقتصادية ـ أمنية مع طهران سوف تحرص وبقوة على إشراك الاسرائيليين من أجل عدة أهداف متباينة قد تکون أهمها وأخطرها بالنسبة للعرب بشکل خاص، هي إعادة التفاهم والتنسيق الاسرائيلي ـ الايراني من جهة والتنسيق الغربي ـ الايراني ـ الاسرائيلي من جهة أخرى. وفي ضوء هکذا محصلة، سوف يکون العرب الخاسر الاکبر وسيجدون أن کل الذي تم الاتفاق عليه أمور تعود وتتعلق بهم أساسا قبل غيرهم خصوصا عندما تکون على حساب مصالحهم وأمنهم القومي الذي نرى أن إختراقه إيرانيا ـ إسرائيليا هدف حيوي يتم العمل الدؤوب من أجله ليل نهار وان الذي سيتم الاتفاق عليه خلف الابواب المغلقة قد يکون بالدرجة الاولى شأنا عربيا خالصا يتقاسمه غير أصحابه الحقيقيين، وانه وفي خضم هذا الوضع المقلق والبالغ التعقيد، نجد أنه من المهم والحيوي جدا ان يتدارس العرب الموقف وفي ضوء مختلف المواقف والتحسبات وعلى کافة الاصعدة والمستويات حيث أنه لو سنحت الفرصة وامتلکت إيران أيضا السلاح النووي وصارت قوة نووية إقليمية الى جانب إسرائيل، فإن العرب ومن دون أدنى شك سوف يکونون بين الکماشتين الايرانية والاسرائيلية وفي ضوء ذلك تتم فرض العديد من الخيارات المختلفة على العرب والتي قطعا سيکون أحلاها مرا، لن يکون من هنالك من طريق أمام العرب سوى الخضوع والانصياع للإبتزازات والتطاولات الاسرائيلية والاقليمية بحقهم وهو أمر لايتقبله او يستسيغه المحتوى الداخلي للشخصية العربية ومن هنا فإننا نرى بأن تکون هنالك مواجهات لن تکون مجدية في النهاية للعرب لعدم التکافأ في ميزان القوى، کما أن الغرب لو رضخ وقدم التقنية النووية السلمية على طبق من ذهب لإيران(وهو إحتمال وارد)، فإن إيران الى جانب الفائدة التي تحصل عليها من هذا الجانب، فإنها ستدخل حتما في لعبة الادوار وتوجيهها والتي لن تکون أيضا لخدمة وصالح العرب، وعليه، فإننا في المجلس الإسلامي العربي في لبنان نجد الحاجة ضرورية و ملحة من أجل أن يتنبه القادة العرب الى کل هذه الاحتمالات ويدرسونها قبل أن يفوت الاوان وان يعملوا في ضوء المستجدات والتداعيات التي تستوجبها مصالح العرب وامنهم القومي وان بروز إيران نووية کما برز قبلها الکيان الصهيوني نوويا، يستدعي بروزا عربيا نوويا رادعا من أجل مصالح الاجيال العربية الآتية، کما أن إستخدام التقنية النووية لأغراض سلمية هي الاخرى ضرورة ملحة للأمن القومي والاجتماعي العربيين سيما واننا نعلم بأن نضوب النفط سيخلق مشاکل عويصة في مجال الطاقة للدول العربية ومن هنا فإنه من الضروري جدا تدارس هذه المسألة ومعالجتها بالاسلوب الامثل الذي يحفظ مصالح وطموحات الامة العربية.
*الامين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان.
alsayedalhusseini@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: