الثلاثاء، سبتمبر 29، 2009

شَجْبٌ، واستِنْكارٌ وإضرابٌ


عوني وتد
مرحًى لذكرى الوفاء وعبق الفداء، مرحىً لنسائم المجد ومسك السناء! تسعة أعوام خلت،ودماء شهداء الهبة المباركة ما زالت تسرج للأقصى البهاء, تسع سنوات مضت،وما زالت حروف أسمائهم الطاهرة تكحّل حجارة أسوار القدس"الكالحة"،وتنير سراديب الأنفاق"الحالكة"،علّها تطرح سنابل السنا،وتمحو الذّل عن ارض الإسراء. تسعة أعوام انقضت،ونحن لا نملك غير الذكرى، وبعضاً من الشعارات الموسمية، وكيلاً من التشدق وكماً من نحيب البكاء. ألسنا شعب "البكائين"؟ ورهط "الردّاحين" ؟ شعبٌ لا يقوى محيط ذاكرته المحدودة عن اجتياز أسلاك حريته المسلوبة، وتعجز مساحة طموحات قيادته المحلية عن عبور جدار أحلامه المكبوتة.رهطٌ يقتات أمجاد التاريخ من وريقات "روزنامة" أضحت لا تحمل غير ذكرى،ذكرى لأيامٍ عربية منسيه.وأرقامٍ مدونه تشير إلى نداءات الشجب، والاستنكار والإضراب . "روزنامة"، أرقامها العرجاء هندية ،وحروفها الصمّاء أعجمية،ضاقت صفحاتها بأيامنا ذرعاً فغدونا نلتمس "مفكرة" عربيه، لها ألفٌ وتسع مائةٍ وثمانٍ وأربعون صفحة ميلادية،والف وتسع مائه وسبع وستون سنة هجريهً، ويا ليتها تكفي في وصف وتجسيد شتاء حماسياتنا ،وربيع مناسباتنا ،وصبف ذكرياتنا وخربف بطولاتنا الفلسطينية منها والعربية! وكان لنا ما كان، "مفكرة" جديدة عربيه!بحلية زاهية فلسطينيه!وتقويمات مزركشه تداهن العبريه! لكن ما بال هذه المفكرة الجديدة كسالفتها الأعجمية؟غدها كامسها،ونهارها كليلها،ووضيمتها كوليمتها، شجبٌ، واستنكارٌ وإضراب! إن ذُبح شهيدنا..أو كُبل أسيرنا..أو جرح شعبنا..شجبٌ واستنكارٌ وإضراب! إن حُرمنا الحقوق..أو مُنعنا الرزق..أو صودرت أرضنا.. شجبٌ واستنكارٌ وإضراب! فما بال يوم الأرض الخالد في طيّ النسيان؟ وما بال مذبحة كفر قاسم عفا عليها الزمان؟ وما بال حرق الأقصى يعود كما كان؟ فهل يجدي الشجب والاستنكار والإضراب؟! أليست هذه "الثوابت النضالية" سُنة رؤساء وملوك وأمراء الأعراب؟ وأمناء مفكرتنا الجديدة من قياداتنا الأزلية منها والآنية،قد أصيبت بعدوى المؤتمرات العربية،فبتنا جميعاً ندرك قراراتهم قبل انعقادها.. شَجْبٌ، واستِنْكارٌ وإضرابٌ!! دنوت نحو كوكبة من طلابنا الثانويين الواعدة، والذين صفقوا لقرار لجنة المتابعة في إعلان الإضراب، ونصب منابر فنون الخطاب، وسألتهم:"عددّوا لي خمسة أسماءٍ من شهداء هبة الأقصى الأبرار؟" فانتابهم الصمت، وتملكتهم الحيرة وعجزوا عن سرد اسم واحد من الشهداء،ألم يكن من الأجدى ممن يتقنون "المتابعة" واستخلاص العبر ،أن يتم تخليد هذه الذكرى بأساليب حضارية،وأدوات إبداعية، تليق بمكانة ورقيّ شهداؤنا الأبرار؟ألم تكف تسع سنوات لإنتاج المراجع والدراسات والأعمال الوثائقية لسيّر هؤلاء الأبطال؟أم سيكون مصيرهم وطيب ذكراهم، أسماء وأرقاما تزين "مفكرتنا" إلى حين النسيان؟! لمَ لمْ تقم لجنة متابعة شؤون التربية والتعليم في تنظيم أيام دراسية متنوعة، وورش عمل تعليمية مختلفة، ومخيمات جماهيرية متعددة، لنا ولأجيالنا التائهة بين مطرقة التجهيل وسندان الإهمال!! لِمَ لا يستغل يوم الإضراب لبناء وتخطيط يوم جماهيري كبير، يوم إنتاج وإبداع، يخرج إليه أفراد العائلة للمشاركة في مختلف الفعاليات والنشاطات الشعبية الناجعة؟ فما زلت اذكر الأمس القريب حيث لم نتجاوز العشرين في مسيرة أحياء ذكرى شهيد قريتنا، بينما قبع الآلاف من أهالينا في بيوت الشجب، والاستنكار والإضراب!! لست متمرداً على قرارات لجنة "المتابعة" فأنا أول المخلصين، فسألتزم المسيرة،وأزور أضرحة وأنصاب الشهداء وسأهرع للمهرجان، لكن القرار لن يحبس لساني، كما لم يحبس لسان احمد مطر حينما قال:
الوردُ في البُستانْ أصبَحَ .. ثُمَّ كانْ
في غفلَـةٍ تهدّلـتْ رؤوسُـهُ
وخـرّتْ السّيقانْ
إلى الثّـرى
ثُـمّ هَـوَتْ من فوقِها التّيجـانْ
مرّتْ فراشتانْ
وردّدت إحداهُمـا :
قَـدْ أعلنَتْ إضـرابَها الجـذورْ
ما أجبنَ الإنسـانْ. ما أجبنَ الإنسـانْ.
لنا الأقصى ..ولنا أسماء !!
سلامٌ عليك يا جوهرة أرض الرباط، يا عروس الحرية ويا مرساة فلك الثبات..ها هم أبناؤك الأبرار المخلصين. عادوا في ذكراهم التاسعة ينثرون المسك الكرديّ فوق القباب وفي الباحات، يًنْظُمون حول واسطة عقدك سبحةً أيوبية، للدعاء،والصلاة.سبحةٌ حباتها الكريمة من حصى وحجارة أبوابك الصامدة والموصدة،تزيّن نواصي خيول البيارق،وصدر شيخ الأقصى الباسق،وجيد أم ثكلى،وساعد أب صابرٍ واثق.وحبة سبحتنا الأولى أقتطعها الشهيد محمد خمايسه-طيب الله ثراه- من باب الساهرة،وصية للعيون الساهرة والتي ترقب القطعان الواهنة، والبراثن الحاقدة،لتصدّ مآربها بكل كبرياء وعزةٍ وعنفوان. أما حبة الشهيد رامي غره-كتب الله له الرحمة- التقطها من باب النبي داود عليه السلام،صاحب المقلاع،خذوها هدية رامي،حجرٌ من سجيلٍ يبدد صفوف الخفافيش الطامعة، عن ثالث الحرمين الشريفين. آهٍ يا باب الحديد ثم آه!! يا قضبان الأسرى المنسيين ،ويا معقل زند الغر الميامين،قم يا وعد رامز بشناق-يرحمك الله- وأغرس حبتك بذرة طيبة!تنبت شقائق النعمان،وتبشر بتسامي فجر الحرية المبين. أبْسِم يا باب المغاربة، يا أسير معاول الهدم والدمار!فقد لبى نداءك شهيد واحدٌ ،من امة تعدادها النصف والمليار – رحمك الله - أيها البطل علاء نصار،خذ من ركام الباب حبة حصاةٍ واحدةٍ! أثقل من تيجان العار. رَ يا باب الأسباط! أسباطك ينصبون لبعضهم العداء، ويتربصون سفك الدماء، يتناحرون على الكراسي الدوّارة، وبعضٍ حقائب الأمارة يحسبها الظمآن ماء،يا حسرة على أسباطٍ دمها واحد ،خاب منها الرجاء. أوقد لهم يا أسيل عاصلة-طيب الله ثراك- حبة بخور مقدسية ،يبدد وهجها سحب الضغينة،والشحناء.
أيا باب الخليل!يا نفح الحرم الإبراهيمي،ويا نسائم مذبحة المصلين، ومدخل قوافل المحسنين،منك حبة فيروز مباركة يحملها الشهيد عماد غنايم-رحمه الله- للمرضى واليتامى،للأرامل والأيامى، والمطاردين. قِف أيها الشهيد البطل وليد أبو صالح-يرحمك الله- على مشارف باب الرحمة!وأبك على ما آل إليه مجتمعنا من عنف،وإرهاب،من سموم واحتراب،مجتمع ممزق الأوصال،رديء الأحوال،قم يا وليد واضرب "بحجرك" عتبة باب الرحمة ،علها تغدق علينا الماء يغسل ما اعترانا من أدران الفواحش،والقتل والدمار. أيها الباب الثلاثي الموصد! يا أقواس النصر، والمجد والإيثار، رحب بشهداء مدينة الصحوة الأبرار،أفرش أرضك تبراً لأبناء شيخنا رائد المغوار، محمد جبارين وأخيه هاشم جراد وشقيقهم احمد صيام_رحمهم الله- جاءوك يحطمون أغلال الكبت والدمار، فرسان صلاتهم من سكون أم النور،وغضبهم من لظى جبل النار. وعند الباب الأموي المضاعف،وقفا شاعران من ناصرة فلسطين، يعلمون الشعراء الفداء،وقصائد الحماسة والعطاء،عمر عكاوي ووسام يزبك-رحمهما الله- كتبا للأجيال معلقات الصمود والوفاء،خذا حبتين من حجارة الباب المزدوج الأسير،واجعلا احدها شمساً تحرق الحقد والمكائد،والآخر قمراً ينير مآذن الإسراء. أيها الباب البسيط الواحد! أفتح مصراعيك لشهيد أقصاك الأسمر،زغردي يا حجارة لفارس الأبجر، طيب الله ثراك أيها الشهيد أياد لوابنه ،خذ سبحة أخوتك الشهداء!واعتل قبة الصخرة،وعلقها عند الهلال،لتمتزج عطور حباتها بنداء نديٍ..الله اكبر، الله اكبر!

ليست هناك تعليقات: