الأحد، أغسطس 02، 2009

الخطر المحدق بلبنان هل هو من الداخل أم من الخارج؟

الكولونيل شربل بركات

في قراءة تحليلية للوضع في لبنان صدرت في إحدى المجلات اللبنانية (الشراع) يُجمع ثلاثة من المحللين العسكريين اللبنانيين على أن الوضع في لبنان هشا ويتبنى الثلاثة موقف ما يسمى بالمقاومة في تعاطي لبنان مع هذا الوضع. وإذ يستبعد العميد عبد القادر الحرب في هذه الفترة يحذر من أنها قد تكون أكثر قساوة من حرب 2006 لو حصلت وأن أية ضربة لإيران أو حتى تخوف إيراني من التحضير لضربة ما سوف يستدعي تدخل حزب الله لفتح معركة من لبنان مع إسرائيل لن يكون فيها خطوط حمر هذه المرة.

بينما يقول رياض القهوجي رئيس مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري بأن حزب الله جاهز للحرب عسكريا ولكنه لن يقوم بها لأنه لا يزال يحتاج لدعم أكبر من المجتمع المدني وأنه ينتظر أن تتبنى الدولة استراتيجيته الدفاعية لكي يؤمن هذا الولاء.

ولكن ما يلفت هو تحليل العميد حطيط الذي يصور بطريقة علمية ومصطلحات عسكرية أن لبنان أصبح وحده بفضل "مقاومته" أقدر من كل الدول العربية مجتمعة على "القضاء على إسرائيل" ويصور المعركة القادمة بأنها معركة "إنهاء" إسرائيل وبأن "المقاومة" سوف تغيير المعطيات هذه المرة وحدود إسرائيل قد لا تكون بعد اليوم ما هي عليه اليوم ويستنتج بأن المقاومة تستطيع الصمود أكثر من 100 يوم بينما لا تستطيع إسرائيل الصمود أكثر من 70 يوم. ولكنه يصور الدمار الذي سيحصل وتوسيع القتال ليشمل كل لبنان بأنه سيكون مكلفا جدا وهو لا يستبعد استعمال الأسلحة الجرثومية والكيماوية ولو أنه استبعد، مشكورا، الأسلحة النووية لهذه المرة.

في أمثلتنا اللبنانية هناك مثل معروف يقول الأول فيه "أبي يستطيع أن يجبّر المكسورة" فيجيبه الثاني "أبي يمنعها من أن تكسر" ونحن في هذا الصيف الجميل الذي ينعم لبنان فيه بالهدوء وبعض الطمأنينة والعدد الكبير من السواح والمغتربين العائدين لتمضية فرص الصيف في ربوعه وقد مرت الانتخابات على سلام وها نحن بصدد تأليف حكومة وحدة وطنية والتفاؤل بحلحلة للأوضاع الاقتصادية. فهل يجب توقع الأسوأ وهل يجوز الكلام عن الحرب القادمة وكأنها واقعة لا محالة؟ أم هل يفيدنا أن ندفن رؤوسنا بالرمال ونقول بأن كل شيء على أحسن ما يرام؟

عندما كانت إسرائيل "تحتل" المنطقة الحدودية كانت مطالب حزب الله تحرير الأرض وإذا بإسرائيل تخرج بدون شروط وبدون تفاوض ويتسلم حزب الله المنطقة لمدة ست سنوات ولا أحد من الإسرائيليين يعترض ولكن ما أن يخرج السوريون ويطلب من حزب الله تسليم سلاحه والتساوي مع بقية اللبنانيين والسماح للدولة بأن تتسلم مسؤولية الأمن في البلاد، يفتح حزب الله الحرب في 2006 على إسرائيل ويكلف لبنان كل المآسي التي نعرفها جيدا والتي لم ننساها بعد. ويصدر قرار مجلس الأمن 1701 الذي يمنع نقل السلاح لحزب الله ويفرض على الدولة تنفيذه ولكن الدولة التي تقع تحت ضغط الحزب المذكور وتهديده بالحرب الأهلية من جهة وبقاء رواسب للسوريين في التركيبة اللبنانية من جهة أخرى تمتنع حتى عن توقيف الشاحنات التي تنقل السلاح لحزب الله بحجة أن لا قرار حكومي بذلك مع أن الحكومة التي عدلت القرار 1701 قبل أن توافق عليه بدون تحفظ وتلتزم تنفيذه على مسؤوليتها حاولت أن تبقي ماء الوجه لحزب الله ولو كانت قبلت بوضع القرار تحت البند السابع من القانون الدولي كما كان واردا قبل التعديل لوفرت عليها بالتأكيد هذه المسؤولية التي لا تستطيع تحملها ولوفرت على لبنان الكثير من المشاكل من نهر البارد إلى 7 أيار وإغلاق الأسواق والتراجع عن مطالب الشعب التي عبر عنها في مرات متتالية كان آخرها في الانتخابات النيابية وتتلخص بالتخلص من عبء الحروب ومشاريع القتال وتصنيف اللبنانيين درجات في الولاء تحت وهرة السلاح أن لم يكن إرهابه.

الخطورة في ما يقوله العميد حطيط هو أن بعض القادة في المؤسسة العسكرية يعتقدون بالفعل بأنه لا بد لنا من الحرب مع إسرائيل ولكن موعد إعلانها يختلف. فلماذا هذا الاعتقاد بالرغم من أن كل العرب وأغلبية الفلسطينيين أصحاب الشأن يتكلمون أقله عن السلام إذا لم يكونوا يسعون له بالفعل؟

من المؤكد بأن الفترة السورية روضت الكثير من الضباط وفرضتهم في مراكز نفوذ للقبض بشكل أمتن على المؤسسة العسكرية ولكن الأصعب من هذا هو غسل الأدمغة الذي يجعل من كبار القادة والمحللين العسكريين، ولا أقول السياسيين لأنه من المتوقع دوما أن يتحرك السياسيون باتجاه الرياح للحفاظ على مواقعهم ومكتسباتهم كما نرى كل يوم، يفسرون الأمور بهذه البساطة ويدفعون البلد نحو نظرية الانتحار والتدمير الذاتي بدون مبرر.

نتمنى ألا يكون هناك الكثير من المحللين العسكريين في الجيش اللبناني الذين يتبنون نظريات العميد حطيط فهو وإن بدا محللا فقط للوضع إلا أنه يشتم منه بأنه يؤيد ليس فقط "المقاومة" بل قرار إعلان الحرب على إسرائيل حتى ولو كلف ذلك دمار لبنان كله وتهجير أهله واحتلال أراضيه. فمن يقول بأن الحدود لن تبقى كما هي عليه اليوم يعني أن تغييرها مقبول فكيف يكون مقبولا من طرف واحد ولا يكون مقبولا من الطرف الآخر؟ ومن يفسر قدرة المقاومة على ضرب تل أبيب والمناطق السكنية المحيطة بها بأنه تطور لسلاح المقاومة يجب بالتأكيد أن يعرف بأن الرد لن يرحم أي كائن على الأراضي اللبنانية فهل يسعى العميد حطيط وغيره من المحللين إلى "تحرير" القدرة التدميرية للماكينة العسكرية الإسرائيلية كما كان يقول الجنرال عون؟ أم أنه يهوّل على اللبنانيين في الداخل للقبول بسلطة هذه المقاومة والاستسلام لها تحت شعار قدراتها التي تفوق قدرة كل المؤسسات العسكرية اللبنانية؟

لا نريد هنا أن تُفهم ملاحظتنا هذه كنقد خاص للعميد حطيط فنحن لا يهمنا موقفه الشخصي في هذا الموضوع ولكننا نخاف من أن يكون حزب الله وبعض الموالين له في المؤسسات العسكرية التي تقبض على مفاتيح السلطة في لبنان اليوم لا يهمهم مصير لبنان لأنهم يعتقدون بأن الحرب على إسرائيل أهم من وجود لبنان ومصلحة أبنائه وأنهم قد تبنوا القول بأن هذه الحرب هي حرب أبدية لا حدود لها ولا معنى فيها للأوطان أو مصالح الشعوب فهي "إلهية" يقودها الفقيه، ربما، وينفذها الإنتحارييون الذين يسعون إلى بلوغ الجنة لا البقاء والاستمرار على هذه الفانية.

في هذا الوقت العصيب الذي يمر فيه لبنان يجب أن يتركز الاهتمام لا على كمية الخسائر التي سنخرج بها من المواجهة مع إسرائيل ولكن على الأسباب الموجبة لمثل هذه المواجهة وإمكانية تفاديها وعدم الوقوع بشرك القضاء على وطن نحب في سبيل شعارات ومصالح لا تمت لنا بصلة.

لقد كانت قوة لبنان دوما في علاقاته الدولية وحقه بالحياة استنادا لعدم اعتدائه على أحد فهو مثال الجار الذي يحاول الابتعاد قدر المستطاع عن المشاكل فلا يحمل وزر ردات الفعل التي قد تسببها كونه بلد صغير لا عمق استراتيجي له ولا قدرة لبنيه على تحمل الحروب ولكن على ما يبدو فقد روّض البعثيون أولا بعض اللبنانيين على أن يصبحوا أدوات لبقاء النظام ومن ثم جيّروهم إلى قوى أخرى ليصبحوا درعا واقيا لمشاريع إقليمية أبعد من لبنان وحتى من العروبة.

لقد كانت صداقة لبنان للغرب وخاصة الولايات المتحدة تعتبر حاجزا في وجه مطامع الجيران كل الجيران القريبين والبعيدين، أما اليوم فهي بحسب بعض السياسيين اللبنانيين تهمة باطلة يجب التخلص من مفاعيلها والابتعاد عن أن تلصق بهم.

فهل تكون الحكومة الجديدة وبيانها الوزاري خطوة باتجاه التحضير لتغطية حزب الله ومقدمة لمشاريع حربه الجديدة أم أنها ستبقي على أمل بأن الوكالة التي أعطاها الشعب لقوى الرابع عشر من آذار في الانتخابات الأخيرة سوف تبقى في بال السياسيين فيمتنعوا عن المساهمة في خراب بيوت الناس أقله بعدم الموافقة على قرارات التسرع والمغامرات الفاشلة قبل أن تبدأ.

ليست هناك تعليقات: