الأحد، أغسطس 02، 2009

التجديد المنهجي في التفسيرات القرآنية المعاصرة

زهير الخويلدي

" ما يميز القراءة التأويلية هو اعتبارها الإنسان كائنا تاريخيا، بمعنى أنه يفهم نفسه ليس من خلال التأمل العقلي بل من خلال التجارب المتجددة والموضوعية للحياة...إن الإنسان وهويته في حالة تخلق..."[1]

كتاب الأستاذ أحميدة النيفر "الإنسان والقرآن وجها لوجه، التفاسير القرآنية المعاصرة، قراءة في المنهج"، الصادر عن دار الفكر السورية في طبعته الأولى سبتمبر 2000، يستحق العناية والاهتمام والنقد والمراجعة لما تضمنه من إلمام شامل بالقضية المثارة وللأفكار المستنيرة والمستحدثة التي تفطن إليها وخاصة التقييم النقدي للاتجاهات والمدارس التراثية والمعاصرة التي اشتغلت على النص القرآني.

مقدمة الكتاب كانت حديثا منهجيا بشكل متعين حيث رصدت جملة من الملاحظات الهامة حول تاريخ التفاسير وشخصت الوضعية الراهنة للبحث العلمي في النص القرآني وانتقدت عدة طرق غير دقيقة في هذا الحقل. وقد أكد المفكر منذ البداية على "وفرة الإنتاج التفسيري للنص القرآني"[2] وربط "اشتداد الاهتمام بالقرآن"[3] بما "يعتري المجتمعات العربية من أزمات واهتزازات وتساؤلات كبرى"[4] ورحب بقدوم نمط جيد من المفسرين المعاصرين لهم تكون في مجال اختصاص غير ديني مثل اللسانيات وعلوم التربية والهندسة والطب والعلوم الإنسانية بصفة عامة.

انتهى العلامة المجدد إلى نتيجتين هامتين:

- " النص القرآني احتفظ بمكانة مرجعية في المنظومة الثقافية العربية على الرغم من طبيعة التحولات التي عرفتها المجتمعات في علاقتها بالمقدس طيلة الفترة الحديثة"[5].

- مرجعية القرآن تدعمت وازدادت أهمية الدراسات القرآنية بانضمام نوع جديد من الدارسين غير المتكونين في الجامعات الدينية وعلى الرغم من اختلاف مناهج البحث وغاياته.

الإشكاليات التي ظلت عالقة بذهنه ولم يجد بدا لعدم طرحها هي: هل تطور الفكر العربي في هذا المجال التفسيري للنص القرآني ؟ كيف نفسر هذا التذبذب في الأداء حيث ثمة فترات أوج وفترات تراجع؟ وهل تمكن الفكر العربي من الحسم في القضايا المتعلقة بالنص المؤسس لحضارة اقرأ؟

الطريقة التي تدبرها هذا الكاتب الجامع بين التجذر والتمدن لمعالجة هذه الإشكاليات هو استعراض الإنتاج التفسيري للعديد من المفكرين المعاصرين والتوقف عند بعض الفوارق والخصوصيات المعرفية والمنهجية التي تميز بعضهم عن بعض. لكن زاوية النظر التي حاول الإطلالة من خلالها على هذا الكم الهائل من الكتابات المعاصرة هو الوقوف على المنزلة المعطاة للإنسان في هذه الدراسات وطبيعة الوعي المراد بنائه وفحوى القيم والمبادئ التي يرادا تربيته عليها .

إن رهان الكتاب هو تفقد حالة الوعي العربي وشكل العلاقة التي أقامها بالمقدس والنص القرآني في ظل تأثيرات الحداثة. فماهي الأسئلة التي يمكن إثارتها أمام النص القرآني؟ وهل يمكن لهذا النص أن يطرح علينا بدوره أسئلة؟

" إن النص ليس دون مرجعية وستكون بالضبط مهمة القراءة كونها تأويل تحقيق المرجعية... وفي جو هذا الطمس مع العلاقة، كل نص له الحرية بالدخول في علاقة مع كل النصوص الأخرى التي تأتي لتحل مكان هذا الواقع الظرفي الذي تدل عليه الكلمة الحية."[6]

هذا الاستشهاد يصدق على الفصل الأول من الكتاب المعنون بالنص والأسئلة والذي يتخذ فيه المؤلف قرارات علمية هامة حول النص الموحد وعدم وجود تفسير نبوي كامل للوحي بقوله:" إننا لن نجد تفسيرا للقرآن بكامله سورة سورة وآية أية قبل المئة الثالثة للهجرة/القرن التاسع ميلادي".[7] ثم جاء طرحه لقضية خلافية مازالت إلى حد الآن محور نقاش بين المختصين وهي: هل التفسير هو اختصاص لا أصل له أم أنه علم قائم الذات يعتني ببيان معاني القرآن واستخراج أحكامه؟

بعد ذلك يطرح قضية المنهج المستعمل في تجربة التفسير ويتخذ موقفا نقديا بارعا من التراث التفسيري يتمثل:" في كل هذه الحالات كان التفسير وهو يسعى للوصول إلى مدلولات القرآن يرتكز دائما على نظام فكري ونسق ثقافي."[8] وينتبه إلى أن هذه "الشبكة من الأفكار والقيم والتصورات والرموز" تحولت إلى السياج الدغمائي المغلق بلغة أركون يمنع كل خلق وتجديد ويصرح حول ذلك"تحولت هذه التفاسير على تنوعها المذهبي إلى ضرب من الترديد داخل إطار معرفي قار لتقدم المدلولات القرآنية في محاورها الكبرى على البناء نفسه والرؤية نفسها."[9]

يعترض النيفر على هذا المنهج التراثي لأنه يعتقد في إمكانية الوصول إلى المعرفة المطلقة ولكنه يسقط في الخلط بين الوحي الإلهي والاجتهاد البشري وينتج السياج المفاهيمي نصا ثانيا يغطي النص الأصلي وبالتالي فإن هذا المنهج يعيد إنتاج نفس البضاعة المعرفية ويضفي السلطة والقداسة على النص المؤسس.

النتيجة التي ينتهي إليها الأستاذ النيفر بعد تبويب واستقصاء للبحوث والدراسات والكتب والمقالات التي انشغلت بالتفسير هي "أن النص القرآني مازال ممتلكا لقيمة مرجعية بارزة في البلاد العربية ,انه مازال قبلة العالم". لكنه ينتبه إلى الحاجة إلى التمحيص والنقد والتقويم من أجل فرز الجيد من الرديء وإدراك مواطن التحديث والتقدم من مناطق التقليد والإتباع.

العيب في هذه التفسيرات التي يذكر منها أربعة نماذج مبهرة ( الآلوسي، القنوجي، البيرختي وأطفيش) أنها تفسر النص بالانطلاق من المذهب ومع مراعاة جملة من الأصول الاعتقادية وبالتالي فهو تخض النص للنسق الاعتقادي وتقوله ما لا يريد قوله. ما يستخلصه من هذه التوصيفات أن" علم التفسير يبدو اليوم و:أنه قد احترق أي أن الجهود التفسيرية العصرية المكثفة لم تتمكن من تجاوز السمة المنهجية التي طبع بها كبار المفسرين القدامى هذا العلم."[10]

وماهو السبب الذي يجعل التراثية تطغى على تفسير النص القرآني بينما تظل المعاصرة هامشية؟ ولماذا يصعب علينا العثور على الجديد في التفسيرات التي تدعي المعاصرة؟

يعترف النيفر بحدوث تحول منهجي في التجربة التفسيرية لدى المعاصرين وخاصة مع دخول غير المتخرجين من جامعات دينية ومن المشتغلين بالإنسانيات والاختصاصات العلمية ولكنه يطالب بإحداث منجية تجديدية لقراءة النص القرآني تنقد التصور السلفي وتتجاوز ماهو مغلق وتقطع مع المنهج التراثي.

يختم الكاتب هذا الفصل النير بإعادة طرح الإشكالية التي جالت بباله منذ المقدمة وهي:" كيف يكون التفسير معاناة للحكمة الإلهية بمشاغل الواقع؟ أو كيف يصبح التفسير هو جدل الوحي مع التاريخ؟"[11]

معالجة هذه الإشكالية تفكريا تم بطريقتين الأولى أثناء الجولة التاريخية التي قام بها في دنيا التفاسير المعاصرة وتجواله الفكري بين المدارس والاتجاهات المختلفة وتعريجه على المدرسة التراثية والسلفية الإصلاحية التي تجلت في مجلة المنار ومسحه السريع لمواقف التيار الإيديولوجي الذي يمثله حسن حنفي وطرحه الجاد لسؤال التجديد في المدرسة الحديثة عند بمعزل عن المذهب والمرجع والمنهج والمقصد.

الطريقة الثانية كانت في الفصل الأخير وهو الذي حاول فيه اعتبار التفسير علما مفتوحا وتلمس لقراءة تأويلية تنتج فتوحات معرفية وتسعى نحو اكتمال النص تنطلق من تجربة نصر حامد أبو زيد وفضل الرحمان،إذ يقول عن هذا المطلب:"المنهجية الجديدة هي منهجية لا تقول بالمعنى الثابت وأن هذا التمشي بحاجة إلى جهود معرفية وثقافية مساندة تتمكن من النمو ضمن المنظومة العربية الإسلامية."[12]

لكن هل يمكن أن نستخلص من هذا الجهد النقدي المرموق أن الحلقة المفقودة في التفاسير القرآنية المعاصرة هي نظرية علمية في التأويل؟ إلى أي مدى ندعي فهم النص بعد الآن في ظل غياب هرمينوطيقا إسلامية؟ ألا ينبغي أن تتضمن هذه الهرمينوطيقا اختصاصات متنوعة بما في ذلك الذوق الجماعي والدائرة التأويلية؟

المراجع:

احميدة النيفر، "الإنسان والقرآن وجها لوجه، التفاسير القرآنية المعاصرة، قراءة في المنهج"، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى ،2000،

بول ريكور، ماهو النص؟، ترجمة عبد الله عازار ، مجلة العرب والفكر العالمي، عدد 12 ، خريف 1990،

[1] احميدة النيفر، "الإنسان والقرآن وجها لوجه، التفاسير القرآنية المعاصرة، قراءة في المنهج"، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى ،2000، ص157.

[2] احميدة النيفر، نفس المرجع، ص7.

[3] احميدة النيفر، نفس المرجع، ص8..

[4] احميدة النيفر، نفس المرجع، ص8..

[5] احميدة النيفر، نفس المرجع، ص9.

[6] بول ريكور، ماهو النص؟، ترجمة عبد الله عازار ، مجلة العرب والفكر العالمي، عدد 12 ، خريف 1990، ص.68.

[7] احميدة النيفر، نفس المرجع ، ص.13.

[8] احميدة النيفر، نفس المرجع ، ص15.

[9] احميدة النيفر، نفس المرجع، ص16.17.

[10] احميدة النيفر، نفس المرجع، ص.ص. 21.22.

[11] احميدة النيفر، نفس المرجع، ص.29.

[12] احميدة النيفر، نفس المرجع، ص.157.

ليست هناك تعليقات: