الجمعة، أغسطس 21، 2009

مع حلول شهر رمضان المبارك

راسم عبيدات

...... مع حلول شهر رمضان المبارك ما زالت عائلتا حنون والغاوي اللتان استولى المستوطنون على بيتيهما مؤخراً في منطقة الشيخ جراح في القدس،تفترشان الأرض على رصيف الشارع المقابل لبيتيهما،والعائلتان أطفالاً ونساءً ورجالآً ينامون في العراء وعلى ذات الرصيف،في الوقت الذي يقيم فيه المستوطنين الذين استولوا على بيتيهما حفلات سكر وعربدة وحلقات رقص وبشكل استفزازي،ليس لمشاعر أهل وأصحاب البيتين،بل لمشاعر كل من له صلة أو علاقة بالعروبة والإسلام والإنسانية،والمأساة الكبرى هنا أن عدد وحجم المتضامنين الأجانب مع عائلتي حنون وغاوي أضعاف العرب المقدسيين أنفسهم،والذين إذا ما استمروا على هذه الحالة والمنوال،سينطبق عليهم قول المأثور الشعبي" يا ليتني أكلت يوم أكل الثور الأبيض"،وفي المقابل يشهد البيتان المستولى عليهما حجيج استيطاني مكثف ومدجج بالسلاح ومن قمة الهرم السياسي الحكومي الإسرائيلي وزراء وأعضاء كنيست.

مع حلول الشهر المبارك والذي يفترض أن يكون شهر للعبادة والتسامح والتعاضد والتكافل الاجتماعي،شهر يشعر فيه الغني مع الفقير،شهر يخفض فيه التجار الأسعار لكي تكون في متناول الجميع،وجدنا أن الأسعار ارتفعت بشكل جنوني وبالذات اللحوم الحمراء،وهذا يعني أن هذا الشهر سيكون نباتيا عند الكثير من الأسر الفلسطينية،وبالذات في قطاع غزة الذي يتواصل عليه الحصار والإغلاق منذ أكثر من ثلاث سنوات،والمسألة لن تكون وقفاً أو حكراً على ارتفاع أسعار السلع والمواد التموينية واللحوم بأنواعها،بل تجد أن العديد من التجار والمصابين بداء الجشع،يجدون في هذا الشهر الفضيل ضالتهم من أجل احتكار السلع،وتسويق منتوجات وبضائع إما فاسدة أو منتهية الصلاحية،والمخاطر هنا كبيرة جداً،حيث أن الغلاء الفاحش قد يدفع بالناس لشراء هذه السلع والبضائع وخاصة اللحوم والأسماك منها،مما يشكل مخاطر جدية على صحتهم وسلامتهم،والتي تؤدي بهم إما إلى المرض أو الوفاة نتيجة لتناول تلك الأغذية والمنتوجات الفاسدة.

ومن هنا فالوعي الغذائي والاستهلاكي عند الناس مهم لتحصين أنفسهم ضد هذه الظاهرة،ولكن تحت وطأة الحاجة والفقر،تجد العديد من الأسر والعائلات الفلسطينية،تقبل على شراء تلك المنتوجات والسلع،وهنا يتأتي دور السلطة ومؤسسة حماية المستهلك والأحزاب والفصائل،بالعمل الجاد على منع مثل هؤلاء التجار من رفع أسعار السلع أو احتكارها،واتخاذ إجراءات حازمة وحاسمة ضد كل من يقوم بهذه الممارسة أو السلوك،وعدا الملاحقة القانونية وعمليات المراقبة الدائمة والمستمرة،يجب العمل على فضحهم وتعريتهم اجتماعيا وتحذير الناس منهم،أما التجار الذين يعملون على ترويج وتسويق البضائع الفاسدة ومنتهية الصلاحية،فيجب التعامل مع هذه الظاهرة على أساس أنها جريمة يرتقي الجرم فيها إلى مستوى جريمة حرب،لا يجوز التهاون فيها بأي شكل من الأشكال.

وكذلك يمكن للناس بسلوكهم ووعيهم الغذائي،أن يشكلوا عامل ضاغط على التجار،بحيث يجبروا على عدم رفع الأسعار أو استغلال حاجة الناس لسلعة ما،فعلى سبيل المثال في الأردن بعد أن قام التجار برفع أسعار اللحوم الحمراء،جرت عملية مقاطعة واسعة لها،وانخفض استهلاكها بنسبة 15 %،وهذا شكل عامل ضاغط رئيسي على التجار اضطرهم للتراجع عن رفع الأسعار اللحوم الحمراء،وهذا المثال يمكن لنا أن نقتضي به ونبني عليه،والمطلوب هنا من يبادر ويعلق الجرس.

مع حلول شهر رمضان بدأت الجماهير بالزحف المقدس على الأسواق،لشراء احتياجاتها من السلع والمواد الغذائية،والمعطيات تشير إلى أن محلات بيع الفول والحمص والقطايف،ستشهد حالة زحف غير مسبوق،ورؤية الناس وحركتهم في الأسواق تشير إلى أن المنطقة مقبله على حرب أو مجاعة كبيرة،تذكر بأيام"سفربلك" أو أيام الأزمة الاقتصادية الكبرى عام 1929،وكذلك ساعة ما قبل الإفطار تشهد اختناقات مرورية كبيرة،وترتفع حدة أعصاب الصائمين،والسيارات تطلق "زامورها" بشكل متواصل ومزعج" على"الفاضي والملان"،وفي مرات عديدة تتحول "النرفزات" إلى شتائم وسباب وتندلع أكثر من مشكلة"وطوشة" لأتفه الأسباب،وبعض مفارق الطرق لا يكفي وجود "محاسيم" الاحتلال ومنعهم الناس من المرور والدخول إلى القدس،بل في ظل غياب وانعدام المسؤولية والشعور بالانتماء،تجد الكثير من السائقين يخرجون من مسلكهم الى المسلك المقابل ويغلقون حركة السير لفترة قد تصل إلى ساعات،وما يحدث ويجري على مفرق قلنديا الواصل بين القدس ورام الله خير مثال ودليل.

يبدو أن البعض يجد في شهر رمضان فرصة للوجاهة الاجتماعية،أو مشروع استثماري اجتماعي- اقتصادي،سياسي،وبدل من أن ينفق الأموال على الفقراء والمحتاجين،نرى ونشهد في الشهر المبارك وعلى مدار الشهر دعوات لإقامة إفطارات جماعية،في الأغلب الأحيان من يدعى لتلك الأفطارات ممن هم ليسوا من المحتاجين،بل من الذين يمكن الاستفادة منهم في قضية أو خدمة لصاحب الدعوة،وطبعاً المقصود عالية القوم من شخصيات سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية،وطبعاً هذه الدعوات تتم من خلال بطاقات خاصة،وتقام في أرقى المطاعم والفنادق،وفي بعض الأحيان تتحول الدعوة إلى مهرجان خطابي لشكر صاحب الدعوة والإشادة بدوره وخدماته ..الخ،والأكل الذي يزيد عن حاجة المدعوين يكفي لإطعام عشرات الأسر المحتاجة على أقل تقدير.

وبعد مع حلول شهر رمضان المبارك،ما زال الوضع الداخلي الفلسطيني،بشهد حالة من التراجع والتدهور المستمرين،فالانقسام والانفصال يتعززان ويتكرسان على الأرض،والاقتتال على وهم سلطة مقيدة الصلاحيات ومنزوعة السيادة في تطور وتصاعد مستمرين،وفي المقابل الاحتلال يواصل إجراءاته وممارساته القمعية والإذلالية بحق شعبنا الفلسطيني،فالاستيطان في الضفة وأعداد المستوطنين بلغت أرقاماً قياسية،حيث أصبح هناك أكثر من 300000 ألف مستوطن في الضفة الغربية،والبعض منها مدن كبرى تكرس تقسيم الضفة الى"كنتونات وباتستونات" غير متواصلة جغرافياً،والقدس عمليات التهويد والأسرلة فيها لم تتوقف ولو للحظة واحدة،وشعبنا في مناطق 1948 يتعرضون إلى ممارسات وإجراءات غير مسبوقة من التصعيد ضد وجوده وهويته وثقافته وتراثه وانتماءه وتاريخه.

فهل يشكل هذا الشهر المبارك حافزاً ومحركاً لكل فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني،وفي المقدمة منها فتح وحماس،من أجل تقديم مصالح الشعب الفلسطيني العليا على المصالح الفئوية والخاصة،وإنهاء حالتي الانقسام والانفصال المدمرتين.؟أم نستمر في حالة الانتحار والتدمير الذاتي وتبديد الحقوق والمشروع الوطني.

القدس- فلسطين

Quds.45@gmail.com

ليست هناك تعليقات: