الأربعاء، أغسطس 12، 2009

الدين داء ودواء

محمود غازي سعدالدين

ينشغل المسلمون كافة بأطيافهم سنة وشيعة سلفيين واباضية و أحمديين , المتطرفين والمعتدلين منهم في كثير من الأحيان بجدالات فارغة ومناقشات نتابعها من على شاشات الفضائيات بخصوص مواضيع عدة تؤرق هذا الفريق وتشغل ذاك .

وكنا نتمنى لو توقف الموضوع عند النقاش والحوار, إنما ما نشاهده على ألأرض عكس ذلك فما نراه في العراق بل وخارج العراق من قتل للانسان , وقتل طائفي يظهر جليا في المناسبات الدينية وخاصة المناسبات التي تخص المسلمين الشيعة.

فما أن تحل مناسبة دينية للشيعة حتى تكثر الاقاويل والأباطيل والخرافات والتهم التي توجه لهذه الطائفة حتى لتصل إلى من يحرض ويروج ويفتي بجواز استحالة دمائهم وقتلهم بأساليب خبيثة تنم عن مدى الحقد الذي يملأ صدور هؤلاء من مروجي ثقافة القتل .

لست هنا بصدد أن أتحيز إلى هذا الطرف أو ذاك فعلينا جميعا أن نرتفع بخطابنا الديني ألإنساني ليصبح ألأنسان القيمة العليا لدينا وليس طقوسا فقط وأسماء ومسميات نحسب عليها .

(سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) حديث مشهور في كتب ألأحاديث حيث ذكرت هنا كلمة المسلم ولم تذكرالمؤمن وهناك العديد من الجماعات المتطرفة يعتمدون أحاديث وردت في كتب ما تسمى صحاحا وليبرروا بها قتل واستباحة دماء الغير المسلم استنادا الى حديث أو أحاديث استذكرنا هذا الحديث من جملتها .

ومن خلال مرورنا على التراث والتاريخ ألأسلامي نجد كثيرا من ألأحداث والروايات التي سب فيها خلفاء راشدون لسنين عدة من على المنابر وقتل العديد من الصحابة وروجوا للعديد من المعارك والغزوات ضد اقرانهم من صحابة اخرين (صحابي يقتل صحابيا وصحابي يسب صحابيا) وكلاهما في الجنة وفي حديث آخر كلاهما في النار أي تناقض هذا !! وأستطيع القول أن تلك المنابر هي نفس المنابر التي يقف عليها الان فقهاء ثقافة القتل والتكفير والتفخيخ.

لقد تناحر المسلمون فيما بينهم على مدى التأريخ وتقاتلوا فيما بينهم وسبوا بعضهم بعضا ولو كان قد وقف الأمر على الشق ألأول من الحديث(سباب المسلم فسوق) لكان ألأمر عاديا ولكن أن يصل الى التناحر والقتال والتفخيخ قديما وحديثا , فتحتاج منا وقفة ونعود ونقرأ التاريخ بتمعن وتبصر , وقفت على أحد الروايات من كتب التراث أن أحدا من الصحابة سب عليا (رابع الخلفاء وباب العلم ) فما كان جوابه إلا نصح من أخرجوا سيوفهم من أغمادها لكي يهبوا لكي يقتلوا الذي سب أمير المؤمنين ومالوا إلى عواطفهم دون عقولهم , فقال لهم دعوه فلستم بأشجع مني فأنا من سبه وأنا أولى أن أسترد حقي فقالوا وكيف ؟ فقال فإما أن أسبه وهذه ليست من أخلاقي وإما أن اعفو عنه وقد عفوت عنه .

لقد روي الحديث بصيغة أخرى (سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر) ولنقف قليلا على ماجاء في الصياغتين أما ألأول(سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) فالحديث يترك الباب مفتوحا أمام من لايعتنق غير ألإسلام لكي نسبه ومن ثم نقاتله ونستبيح دمه وماله .

أما الصيغة الثانية والتي خوطب بها المؤمن فقد يكون التعميم أوسع من قبله وبنظري يشمل الناس جميعا (من يؤمن بالله واليوم الاخر ويعمل صالحا) وجاء في العديد من الاحاديث والايات منها (والعصر إن ألإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) خوطب الإنسان هنا واقترن بعمله الصالح (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق وقبل المغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم آلآخر) ولايبرر هذا الحديث أيضا قتل الغير المومن بأي حال من ألأحوال أستنادا إلى النص (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)(من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا).

وهناك حديث اخر هو (أن المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه) وكانما سيتبادر الى ذهن غيرنا من المسلمين ولهم الحق في ذلك أن يصبحوا غير واثقين من أن تطالهم( ألسنتنا الطويلة) وأيدينا في إشارة واضحة الى مايسمونه الجهاد ضد اعداء الدين والكفار وهذا هو خطاب العديد من المنافقين .

ورد هذا الحديث بالشكل التالي أيضا , وهو ما لا يؤكده العديد من فقهاؤنا المتزمتين (المؤمن من سلم الناس من يده ولسانه) الحديث يخاطب ألإنسان المؤمن وليس المسلم والقران اشار بصورة الى المتعصبين جميعهم متمثلين ب (الاعراب) بأنهم قالوا امنا فجاءهم الجواب أنكم لم تؤمنوا بل قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم.

والمؤمن مقياسه هو أن يسلم الناس من يده ولسانه وليس المسلمون فقط وفي هذه أيضا نجد المسلمين من المتطرفين لايقف إجرامهم عند حدود المسلم أيضا فكيف عند من يختلف معهم فهم مستحقين للقتل ومثواهم جهنم وبئس المهاد.

ها نحن نرى وهم يستبيحون دماء المسلمين يوميا وما ألأحداث ألإرهابية التي تحصل عند كل مناسبة دينية (كعاشوراء) إستذكار ذكرى فاجعة سيد شباب الشيعة والسنة بل ويعتبر مثالا للإنسانية جمعاء فنجد جرائمهم لا تطال العراق فحسب بل تطال الهند وأفغانستان وباكستان ولاتقتصر جرائم ألإرهابيين على الشيعة فقط بل تشمل الطوائف ألأخرى ومناطق أخرى على الخارطة فألإرهاب لايستثني احدا ولكن الاستطلاعات والحقائق تؤكد أن هدف المتشددين من تنظيمات القاعدة وأجنحتها المتطرفة هي صريحة بهذا الصدد وهو استهداف الشيعة الذين يخالفونهم في فكرهم المتطرف .

لعل من المهم أن نقول أن الولايات المتحدة والذين رسموا سياساتها الخارجية كانوا أذكياء بأن أخذوا قرارهم بتحرير العراق وأنها كسرت بذلك صرح أكبر طاغية في نفس الوقت كسرت الجمود التي كانت تعانيه ثقافة المدرسة السنية بدخول مدرسة أخرى قد تعطي دورا أكبر للعقل ولاتلتزم بالنظرية الخاصة بتقديس جميع الصحابة وعدم الخوض في سيرهم حتى لو كانوا عتاةً طغاةً (تلك أمة قد خلت) فلايجوز الخوض في ذلك (أصحابي كالنجوم بأيهم إقتديتم أهتديتم) نعم فمن المسلمين من يقتدى بسيرة بني أمية وبني عباس ومعاوية ويزيد والحجاج ومنهم من يقتدي بسيرة الصالحين المظلومين من الناس .

النسبة ألاكبر من الشعب العراقي هم من الطائفة الشيعية ولانريد ثانية ان ندخل في مصطلحات طائفية ونتحيز لجانب دون اخر وقد ادرك العقلانيون من الطرفين سنة وشيعة في العراق أن مخطط ألإرهابيين كان يشمل إشعال هذه الفتنة الطائفية وإستغلال هؤلاء المتشديين لعوامل سياسية وعرقية ودينية مستغلة بذلك الدور الخبيث لبعض دول جوار العراق وقوى داخلية (محسوبة على السنة والشيعة) لتغذية أجنداتهم المتطرفة ولكن حكمة العقلاء من الطرفين أفسدت لهم مخططاتهم وأجهضت مشروعهم بإلاحتكام فقط إلى لغة الحوار دون اللجوء إلى أية وسائل أخرى حتى ألى السباب والعنف واستباحة الدماء أية دماء.

لنحكم جميعا عقولنا ولنكن مع المظلوم السني عندما يظلمه الشيعي ولنكن مع المظلوم الشيعي عندما يظلمه السني ومع السيخي الهندي في بومباي ضد المسلم الارهابي ومع ألأمريكي ضد القاعدة والتكفريين ومن يدورون في كنفهم لنصل إلى القاسم المشترك ألأسمى بيننا وهي ألإنسانية وعملنا الصالح ومن يخدم هذا ألانسان ومن باب القول أن خير الناس من نفع الناس .

دهوك/العراق
nelson_usa67@yahoo.com
www.iraqfreedom.blogspot.com

ليست هناك تعليقات: