الأحد، أغسطس 23، 2009

لم يفت الأوان لدور عربي في استقرار اليمن

نقولا ناصر

منذ الهجوم من البحر على المدمرة الأميركية يو إس إس كول في المياه الإقليمية اليمنية عام ألفين والهجوم الصاروخي الأميركي من الجو على مشتبه فيهم بأنهم أعضاء قياديين في القاعدة كانوا في سيارة في البر اليمني أواخر عام 2002، ثم حوادث الفعل ورد الفعل بين الطرفين التي أعقبت ذلك لتعطي الانطباع بأن اليمن قد تحول إلى ساحة حرب بينهما، بدأت بوادر العامل الدولي في تأجيج الأزمة أو الأزمات اليمنية لخدمة الحرب الأميركية العالمية على الإرهاب، دون مراعاة أي مضاعفات سلبية لذلك على الوضع الداخلي، بحيث تحول التطور الإيجابي في العلاقات الثنائية الذي يتمحور حول التعاون الرسمي اليمني – الأميركي في هذه الحرب إلى واحد من أهم العوامل التحريضية في الأزمات الوطنية التي لم تكن لها في الأصل علاقة بهذه الحرب. ومنذ ذلك الحين كان ينبغي للعامل العربي أن يبادر إلى التحرك لاحتواء هذه الأزمات كي لا تتحول إلى أزمة وطنية عامة، كما هي الحال في الوقت الراهن، لأن الوقاية العربية من المضاعفات الإقليمية لهذه الأزمة هي بالتأكيد خير من العلاج الأجنبي لها، كما تثبت التجربة العربية في أكثر من ساحة ساخنة في الوطن العربي من الصحراء الغربية غربا إلى العراق شرقا.

وتوجد دلالة لا تغيب عن أي فطين في أن تقوم "يمن تايمز" في التاسع عشر من الشهر الجاري بنشر مقال ترجمته إلى الإنكليزية نقلا عن أصله العربي في صحيفة كويتية لكاتبه مطلق مساعد العجمي يأخذ فيه على "زعماء العرب وقادتهم وجيوشهم الجرارة وأجهزة استخباراتهم وجامعتهم العربية ومجلس تعاونهم الخليجي" أنهم "يتفرجون على ما يجري في اليمن، وكأنه لا يعنيهم من بعيد أو قريب، وليس له أي انعكاسات سلبية على أوضاعهم في الداخل، ولو على المدى المتوسط والبعيد"، قبل أن يتساءل العجمي مستنكرا: "فمن هو المسؤول العربي «إللي عليه القيمة» وبادر بالتحرك سريعاً، ووصل إلى اليمن لمتابعة أوضاعها عن كثب، وتقديم العون والمساندة المطلوبة العاجلة وغير الآجلة؟! لم يصل إليها أحد من العرب العاربة أو المستعربة، ومن وصل إليها سريعاً، وفي أوج الأحداث الأخيرة والمستمرة هو الجنرال ديفيد بترايوس، قائد أركان الجيش الأميركي الذي اجتمع بالرئيس اليمني علي عبدالله صالح، وأعلن دعم واشنطن- وليس العرب- لوحدة اليمن واستقراره، والتعاون معه لمكافحة الإرهاب"!

وإنها لمفارقة إيجابية حقا، بعد سنوات من الانكفاء القومي العربي في الرأي العام الكويتي، أن يخرج صوت كهذا من الكويت حيث فضلت "أغلبية" مؤسسة القمة العربية عام 1990 الحل الدولي على الحل العربي للأزمة الكويتية – العراقية التي ما زالت تهدد بالانفجار بين وقت وآخر، مع أن الحل العربي لانفجار هذه الأزمة أوائل الستينات من القرن العشرين الماضي كان هو الذي منح الاستقرار للقطرين الشقيقين ولعلاقاتهما الثنائية قبل أن يقود البحث عن الحل الدولي لانفجارها لاحقا إلى النزيف الدموي والاقتصادي والإنساني المتواصل حاليا.

وما زالت "أغلبية" مؤسسة القمة العربية تفضل حتى الآن الحل الدولي على الحل العربي ليس للأزمة الكويتية – العراقية فقط، بل وللصراع العربي الإسرائيلي على الوجود، وكذلك للصراع العربي – الإيراني على حدود السيادة الإقليمية والسياسية في العراق والخليج العربي وغيرهما، وللأزمة الصومالية، وللأزمة الجزائرية – المغربية حول الصحراء الغربية، ناهيك عن ارتهان حل الأزمة الفلسطينية – الفلسطينية لاستحقاقات التدويل التي ما زالت تفشل أي حل عربي لها. والأزمة اليمنية ليست إلا المثال الأحدث للسلبية العربية القاتلة التي تهدد بفتح أبواب اليمن على مصاريعها لتجربة تدويل مرة جديدة لأزمة وطنية يهدد تفاقمها بأن يكون المحيط العربي مجددا هو الخاسر الأكبر فيها بينما يستثمرها التدخل الأجنبي لجني كل الأرباح التي يستطيعها منها، وبينما "الصياد" الإسرائيلي يقف متأهبا لاغتنام أي فرصة سانحة يتيحها له التدويل لترسيخ أقدامه في باب المندب وخليج عدن بعد أن وجد له موطئ قدم في أريتريا و"أرض الصومال" التي تحولت القرصنة المنطلقة منها ضد الملاحة الدولية العابرة للمياه الإقليمية العربية إلى مسوغ جديد للتدخل الأجنبي والتدويل في اليمن وجواره الإقليمي.

وإذا لم يكن هذا التهديد المحدق بالأمن القومي العربي من الجنوب سببا كافيا لدور عربي فاعل في احتواء الأزمة الوطنية في اليمن، كي يتفرغ اليمن لتحمل مسؤولياته العربية في صد هذا التهديد، فإن "الأمن الوطني" للأقطار العربية الواقعة على تماس مباشر مع هذه الأزمة ينبغي أن يكون لوحده سببا كافيا لمسارعتها إلى بلورة دور كهذا. إن سابقة غض النظر العربي عن هدم الدولة العراقية بحجج ثبت الآن كذبها وتهافتها تتعلق بالنظام السياسي يجب أن يكون فيها عبرة كافية لكي لا يغض القادة العرب النظر عن تكرار هذه السابقة في اليمن، فكل الأقطار العربية التي تمتلك مقومات كافية لبقاء الدولة القطرية مستهدفة بهدم الدولة المركزية التي هي عماد وحدتها الوطنية، لاستبدالها ب"حكومة" مركزية لا دولة لها تفرخ دويلات "فدرالية" ليعتمد بقاء الجميع على الدعم الأجنبي الخارجي، على النمط العراقي الراهن.

وإذا كان في "الحراك الجنوبي" في اليمن اليوم أصوات تدعو إلى الانفصال الصريح وليس إلى فدرالية جنوبية فقط، فإنه قد لا يمضي وقت طويل قبل أن يسمع العرب الأصوات نفسها تطالب بفدرالية صعدة أو حتى بانفصالها. إن الأوتار التي تعزف عليها الإيقاعات الطائفية والقبلية في الشمال اليمني كما في الجنوب هي أوتار موجودة في كل قطر عربي مجاور أو غير مجاور لليمن وتنتظر من يعزف عليها بدورها من الداخل والخارج معا. ويكفي هذا بدوره سببا لتحرك عربي سريع لدعم الدولة اليمنية، لكن ليس ضد مواطنيها، بل بتوفير الشروط الموضوعية لمساعدة عرب اليمن على الخروج من خانة الدول الأفقر في العالم خارج القارة الإفريقية، وبالتالي لدعم الدولة اليمنية بمواطنيها وهم دعامتها الأولى والأخيرة.

ومن الواضح من الأزمات الراهنة المتفاقمة في اليمن أن هناك أزمة بين الدولة وبين قطاعات واسعة من مواطنيها، وأن الحوار الوطني قد وصل إلى طريق مسدود، وأن الدعوات الانفصالية والتمرد المسلح ومثلهما القاعدة وتجار السلاح والمهربون والمتهربون من واجباتهم كمواطنين أنما جميعهم يسبحون في بحر الأزمة الاقتصادية المطبقة على خناق اليمنيين دولة ومواطنين، ومما لا شك فيه أن الجوار العربي قادر على مساهمة أنشط في التخفيف من هذه الأزمة على الدولة وعلى المواطن كليهما تكون أكثر جدوى اقتصادية من المساهمات العربية المتواضعة الحالية -- وبخاصة أنه لم يعد بإمكان "الرفاه" العربي في الجوار أن يدفن رأسه كالنعامة كي لا يرى نقص الماء والغاز والكهرباء والغذاء وغيرها من مقومات الحياة الأساسية في اليمن كمظهر لجوهر الأزمة فيه -- وهذه المساهمة بالإضافة إلى نسيج العلاقات العربية الواسع مع اليمن واليمنيين يؤهلان لدور عربي لم يفت الأوان بعد للقيام به لاحتواء الأزمة اليمنية الراهنة. وربما تكون هناك دلالة في هذا السياق إلى وجود قادة بارزين للمعارضة اليمنية المهاجرة ممن يمكنهم النفخ في رماد نار الأزمة أو في إطفائها في ضيافة أقطار عربية مجاورة وغير مجاورة.

والخطوط الحمر لأي دور عربي واضحة كذلك، فعدم إضعاف الدولة اليمنية أحدها، وعدم الدعوة للانفصال ثانيها، وتحييد المدنيين في الصراعات المسلحة الراهنة ثالثها، والالتزام بالحوار الوطني رابعها، ودمقرطة الحياة السياسية وفقا للدستور والقوانين التي يتم التوافق عليها خامسها، ونبذ التمرد المسلح كطريقة للحوار مع الدولة سادسها، وسابعها وقف الإفراط في استخدام القوة المسلحة للدولة ضد مواطنيها مهما كانت الذرائع، ... لكن من هي "الدولة" العربية التي لم تفرط في استخدام قوتها العسكرية ضد مواطنيها كي تكون مؤهلة لدور في اليمن ينصح دولته بذلك كخط احمر!!

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: