الأحد، أغسطس 09، 2009

فتح: المطلوب تغيير السياسات قبل تجديد القيادات

نقولا ناصر
(خطاب محمود عباس يصلح برنامجا سياسيا لسلطة الحكم الذاتي، وفي أحسن الأحوال لمنظمة التحرير الفلسطينية كشريك لدولة الاحتلال في الاتفاقيات الموقعة بينهما، لكنه بالتأكيد لا يصلح برنامجا سياسيا لأي تنظيم يريد أن يستمر كحركة تحرر وطني قائدة لشعبها مثل فتح)

ربما يكون أو لا يكون المؤتمر السادس لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" قد اختتم أعماله رسميا عند كتابة هذه السطور، لكن أي متابع لمداولاته ومجرياته لم يعد بحاجة إلى انتظار إصدار بيانه الختامي ووثائقه لكي يستنتج بأن الوضع الفلسطيني سيستمر بعد المؤتمر مثلما كان قبله، إن لم يتدهور إلى الأسوأ، وبأن المشهد الحالي سوف يستمر دون أي تغيير، ومن يراجع أسماء الأعضاء الذين رشحوا أنفسهم للجنة المركزية والمجلس الثوري، وبخاصة بعد "تزكية" المؤتمر لمحمود عباس لرئاسة الحركة السبت الماضي، ما كان ليتوقع أن يتمخض المؤتمر عن أي تغيير سياسي كون هذه الأسماء كانت هي نفسها عناوين سياسات فتح قبل المؤتمر وستكون عناوين السياسات ذاتها بعده، بفارق أن أصحاب هذه الأسماء أو بعضهم قد انتقل في مواقعه صعودا أو هبوطا في مراتبها، لتكون خلاصة المؤتمر هي ما وصفه رئيس تحرير يومية الحياة الجديدة الناطقة باسم فتح وسلطة الحكم الذاتي حافظ البرغوثي بأنه مجرد "مهرجان انتخابي"، دون أن يضيف بان "المهرجان" كان مظاهرة انتخابية للون واحد فقط في الحركة.

إن الرسالة التي حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على أن يبعثها "علنية" لا سرية إلى المؤتمر، وعلى أن يبعثها إلى فتح كأحد قطبي الانقسام الفلسطيني لا إلى القطب الآخر حماس، لحث المؤتمرين على وحدة الصف الفلسطيني، وهي رسالة وصفتها وسائل إعلام عربية وأجنبية عديدة بأنها كانت رسالة "توبيخ"، كانت تذكيرا في وقته وفي محله بأن المؤتمر كان يفقد بوصلته الوطنية، وبأن الانقسام الفلسطيني ليس شأنا فلسطينيا خالصا بل هو شأن عربي هام أيضا، وهو ما أكده الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى عندما ثنى على رسالة العاهل السعودي قائلا إنه "تحدث باسمنا جميعا بأنه لا بد من وضع حد للنزاع الفلسطيني"، بقدر ما كانت الرسالة تذكيرا للمؤتمرين بأن الانقسام الفلسطيني "أخطر على القضية الفلسطينية من العدو الإسرائيلي". لكن مجريات المؤتمر أكدت أن إنهاء هذا الانقسام لم يكن على جدول أعمال المؤتمرين في بيت لحم المحتلة خلال الأسبوع الماضي، لا بل كانت هناك مؤشرات لا تخطئها العيون ولا الآذان على أن تسعير الانقسام إن لم يكن على جدول أعمال المؤتمر فإنه كان في الأقل على أجندة الكثيرين من أعضائه.

والرئيس الفلسطيني محمود عباس يدرك ربما أكثر من غيره خطورة الانقسام والأهمية الحاسمة لإنهائه. وسواء كان مصادفة أم مقصودا، فإن توقيت رسالة خادم الحرمين إلى المؤتمر بعد خطاب عباس الافتتاحي للمؤتمر الذي استغرق أكثر من ساعتين كان مؤشرا إلى أن مقاربة عباس لإنهاء الانقسام ذات نتائج عكسية تفاقمه بدل أن تمهد الطريق لإنهائه. فالحيز الذي أعطاه عباس لحماس في خطابه لو خصص لحث المؤتمر على البحث عن أفضل السبل لحل الخلافات السياسية معها لقاد إلى خلق مناخ إيجابي يسهل الحوار الفلسطيني المقرر أن يستأنف جولة جديدة له ربما تكون حاسمة لإنهاء الانقسام في القاهرة في الخامس والعشرين من الشهر.

لكن عباس ضبط إيقاع تعاطي المؤتمر مع حماس منذ الساعات الأولى بالتصعيد ضد حركة المقاومة الإسلامية، بحث المؤتمر على "حسم العلاقة مع حماس" باعتبار هذا الحسم شرطا ل"تعزيز صمود جبهتنا الداخلية"، وبالعودة إلى لغة غير حوارية تنعتها بالانقلابية والظلامية، لغة يسودها الانفعال، وهذه ليست من الصفات التي يتصف بها الرئيس الفلسطيني المعروف باتزانه وانتقائه لمفرداته اللغوية، حد أن تخونه لغته هذه المرة ليساء تفسيرها بما يوحي أن مفاتيح الجنة يمكن أن تكون قد انتهت إليه عندما أقسم قائلا: "يريدون أن يدخلوا الجنة بقتلنا. والله لن يطأوها"، ليبني الناطق باسم المؤتمر والسفير الفلسطيني في القاهرة نبيل عمرو على تصعيد الرئيس ضد الحركة فيستبق جولة الحوار المقبلة ليحكم على هذا الحوار مسبقا بلغة غير دبلوماسية تصدر عن دبلوماسي عريق معروف أيضا بمهارته اللغوية الدبلوماسية، بقوله إن حماس "كسرت الجرة"، وهذا مثل شعبي له تفسير واحد مفهوم هو القطيعة الكاملة أو الافتراق النهائي.

إن المزايدات في الهجوم على حماس، بدل التنافس على بحث أفضل السبل لإنهاء الانقسام معها، حول مؤتمر فتح السادس إلى مؤتمر فصائلي كان الكثيرون يطمحون إلى أن يكون مؤتمرا وطنيا يعزز الوحدة الوطنية ويكون رافعة لها تعوض عن مسؤولية قيادة الحركة عن ارتهان هذه الوحدة لشروط دولة الاحتلال الإسرائيلي التي نجحت في تحويلها إلى شروط للجنة الرباعية الدولية التي ترعى عملية السلام في الشرق الوسط لتتراجع الحركة عن هذا الارتهان.

لكن حركة تعجز عن توحيد صفوفها ستكون بالتأكيد عاجزة عن توحيد الصف الوطني، كما أن من قبلوا بعقد مؤتمر للحركة قبل حل الانقسام فيها أو في الأقل قبل توفير شروط أن يكون المؤتمر نفسه هو الآلية المناسبة لإنهاء هذا الانقسام الداخلي لن يجدوا غضاضة بالتأكيد في تكرار الموقف نفسه حيال الانقسام الوطني خارجها، وكان قرار الداعين للمؤتمر والمنظمين له بانعقاد المؤتمر على خلفية الانقسام داخل فتح والانقسام الوطني خارجها يعني تكريس الانقسامين.

مما يعني استمرارية السياسات السابقة التي أوصلت الوضع الفلسطيني إلى ما آل إليه حاليا، وهي استمرارية بالتأكيد لا تمثل ما وصفه عباس بعد تزكيته رئيسا للحركة ب"انطلاقة جديدة" لها، بل إن تزكيته هو نفسه في حد ذاتها وما قاله "للعالم" بمناسبتها عن "فتح صاحبة المشروع الوطني، صاحبة الرؤية الصائبة، صاحبة المواقف الحقيقية الموضوعية" وما تعهد به من متابعة "المسيرة بهذه الرؤية، بهذه العقلانية، بهذه الموضوعية" إنما يؤكد بأن الحال الفلسطيني الراهن سوف لن يشهد أي تغيير، وأن مؤتمر فتح السادس كان مجرد مهرجان لتأكيد هذه الاستمرارية ولتعزيز شرعيتها بالسياسات ذاتها التي وضعت شرعيتها على المحك في صناديق الاقتراع كما في الاقتتال الوطني الدموي في شوارع الوطن المحتل.

فهذه السياسات التي حولت الحركة إلى سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال باتفاق أوسلو عام 1993، والتي أسقط ما قال عباس إنه "انسداد عملية السلام" كل مسوغات استمراريتها، هي المسؤولة عن "أخطائنا وجملة من ممارساتنا وسلوكياتنا المرفوضة جماهيريا وأدائنا الضعيف وابتعادنا عن نبض الجماهير وضعف انضباطنا التنظيمي" كما قال عباس في خطابه الافتتاحي في المؤتمر، مما قاد إلى خسارة فتح ل"انتخابات المجلس التشريعي الثانية وبعد ذلك خسرنا غزة وأوشكنا أن نخسر ما تبقى من السلطة". إن تأكيد المؤتمر لاستمرارية هذه السياسات هي وعد باستمرار الأخطاء نفسها، وبخاصة أن المسؤولين عن أخطاء العشرين سنة الماضية قد أفلتوا عمليا من أي مساءلة أو محاسبة من المؤتمر لا بل إنهم إما جددوا شرعية مواقعهم في قيادة الحركة أو ترقوا في هذه المواقع من مراتب أدنى إلى المراتب القيادية الأولى فيها.

إن رضوخ المؤتمر لتهرب اللجنة المركزية السابقة من استحقاق تقديم تقريرها عن الفترة الواقعة بين المؤتمرين الأخيرين، بعد التحضير للمؤتمر السادس طوال مدة قالت مصادر الحركة نفسها إنها امتدت عبر السنوات الأربع الماضية، كان هو المقدمة الضرورية لإفلات القيادة السابقة من أي مساءلة ومحاسبة تتجاوز الانتقادات اللفظية التي سمعت في المؤتمر لكنها ظلت صوتا صارخا في برية المتاهة الفلسطينية الراهنة دون أن تتحول إلى إجراءات قانونية أو قرارات سياسية.

لكن الأهم هو أن هذا الرضوخ قد حول عمليا المؤسسة المرجعية الأولى في الحركة إلى مؤسسة تابعة للسلطة، لتبدأ فعلا مرحلة فتح كحزب للسلطة لا كحركة تحرر وطني يقود هذه السلطة، ولتتحول الاتفاقيات التي وقعتها وسوف توقعها السلطة إلى مرجعية تلزم الحركة بديلا لميثاقها وبرنامجها السياسي ونظامها الداخلي وأي وثائق حركية أقرتها مؤتمراتها السابقة أو ستقرها مؤتمراتها اللاحقة، ولا يكفي هنا الاستدلال بأن المؤتمر السادس لم يغير في الوثائق المرجعية للحركة لنفي هذه التبعية، فتجربة استهتار قيادة سلطة الحكم الذاتي بمرجعية منظمة التحرير الفلسطينية حد الانقلاب عليها عمليا والإبقاء على مؤسساتها المنتهية ولايتها شكليا هي سابقة كان ينبغي أن تكون عبرة للمؤتمر.

فإعادة صياغة فتح لتتحول من حركة تحرر وطني إلى حزب سياسي تابع لسلطة الحكم الذاتي قبل أن تتحول هذه السلطة إلى دولة ذات سيادة هو أمر سابق لأوانه يتحول إن حدث إلى عقبة داخلية حقيقية أمام النضال الوطني للوصول إلى سيادة كهذه، فالمهمة الأساسية لأي عمل وطني فلسطيني ولأي فصيل سياسي فلسطيني هي مقاومة الاحتلال حتى زواله لا خدمة سلطة قائمة بموافقته وملزمة بالتنسيق معه، فتضارب المصالح هنا واضح وضوح الشمس، ولذلك كان تحويل فتح وكل فصائل المقاومة الفلسطينية إلى أحزاب سياسية للسلطة مطلبا للاحتلال الإسرائيلي وراعيه الأميركي وتبنته "الرباعية" الدولية.

وفي هذا السياق كان الاقتراح الذي رفضه المؤتمر باعتماد خطاب عباس بديلا لتقرير اللجنة المركزية. لكن المؤتمر اعتمد الخطاب نفسه أساسا للبرنامج السياسي الذي سيقره المؤتمر، وقد اقترح عباس نفسه اعتبار خطابه وثيقة رسمية ومشروع برنامج سياسي للحركة في المرحلة المقبلة، مضافا إليه ما قال نبيل عمرو إنه توصيات المؤتمر التي ستصاغ في تقرير سياسي يصدر عن المؤتمر وتحاسب فتح على أساسه مستقبلا، ليجري طي صفحة الماضي دون أي محاسبة سياسية أو مالية أو تنظيمية، ولينتهي المؤتمر كما بدأ مجرد ظاهرة صوتية و"مهرجان انتخابي" لا يغير في الوضع الراهن الفلسطيني شيئا، فحتى دعوة القيادي في الحركة الأسير في سجون الاحتلال، مروان البرغوثي، الذي ترشح لعضوية اللجنة المركزية إلى وقف المفاوضات وربطها باعتراف دولة الاحتلال الإسرائيلي بالدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال، لا بتجميد مؤقت لمدة سنة أو أكثر أو أقل للاستعمار الاستيطاني اليهودي، كما اقترح المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل، ذهبت أدراج الرياح، مع أنها مطلب أساسي أيضا للفصائل المؤتلفة مع فتح في منظمة التحرير الفلسطينية.

إن خطاب عباس يصلح برنامجا سياسيا للسلطة، وفي أحسن الأحوال لمنظمة التحرير بوضعها الراهن كشريك توقيع لدولة الاحتلال في الاتفاقيات الموقعة بينهما، لكنه بالتأكيد لا يصلح برنامجا سياسيا لتنظيم يريد أن يستمر كحركة تحرر وطني قائدة لشعبها. غير أن مؤتمرا تسخر "غالبيته" – حسب التقارير – من الكفاح المسلح وحرب الشعب وينسحب بعض أعضائه من جلسة اقترح فيها ذلك بعض آخر منهم، ثم يقر هذا المؤتمر لجنة لصياغة البرنامج السياسي تضم صائب عريقات ونبيل شعث، وكلاهما عنوان للسياسات السابقة، هو بالتأكيد مؤتمر لا يسعى إلى أي تغيير، ناهيك عما وصفه عباس ب "انطلاقة جديدة".

وسياسات فتح لم تكن في السابق شأنا داخليا وهي ليست كذلك اليوم كونها كانت وما زالت تتصدر قيادة للشعب الفلسطيني هي القيادة المعترف بها عربيا وعالميا أكثر مما هي معترف بها داخليا، ولهذا السبب نفسه لم تعد شؤونها التي تعتبر داخلية فعلا شأنا خاصا بها، وبخاصة بعد تجربة طويلة معها أثبتت بأنها تدير الشأن الوطني العام بالطريقة نفسها التي تدير بها شؤونها الداخلية، وبعد أن تداخلت الحركة مع السلطة التي تدير الشأن الداخلي للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال بديلا عن الإدارة المدنية للحاكم العسكري الإسرائيلي تداخلا لم يعد يفرق بين الفساد داخل الحركة وبين الفساد داخل السلطة على سبيل المثال، أو يفرق بين أسليب الإدارة الأمنية لمؤتمر الحركة وبين أسليب الإدارة الأمنية للسلطة كمثال آخر.

وفي هذا السياق يتوقف أي مراقب عند ظاهرة الحراسة الأمنية للمؤتمر التي أوكلت مهماتها إلى أجهزة السلطة الأمنية التي ينتقد أعضاء في المؤتمر نفسه تنسيقها الأمني مع الاحتلال ويتساءل عن الحال الذي وصلت إليه الحركة التي قادت النضال الوطني الفلسطيني طيلة أربعين عاما تقريبا ولم تعد تملك إلا إمكانيات السلطة لتوفير الأمن لمؤتمرها، ناهيك عن ظاهرة "الحراسات الخاصة" في المؤتمر وهي ظاهرة كادت تتسبب في فوضى أمنية داخل المؤتمر تذكر بالفوضى الأمنية التي قادت حماس إلى الحسم العسكري في قطاع غزة.

ولذلك أخطأت حماس عندما قالت إن فشل المؤتمر أو نجاحه هو شان تنظيمي داخلي يخص فتح، ويخطئ من يتبنى موقفا "مجاملا" مماثلا، لأن ما يجري في فتح ليس أمرا فتحاويا بل هو "أمر فلسطيني بامتياز" كما قال المحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري، لا بل إنه أمر عربي بامتياز كما يستدل من رسالة العاهل السعودي إلى المؤتمر.

وتذكر الطريقة التي تمت بواسطتها "تزكية" عباس لمنصب "رئيس" لفتح – وهو منصب لا يوجد له سند في النظام الداخلي للحركة الذي ينص على الانتخاب السري لأعضاء اللجنة المركزية -- بانتخاب المجلس المركزي لمنظمة التحرير لعباس رئيسا لدولة فلسطين بينما المفترض أن ينتخبه المجلس الوطني لا المركزي والذي تخلو الوثائق المرجعية للمنظمة بدورها من النص على انتخابه أو حتى على نص القسم الذي يؤديه من يشغل هذا المنصب. ويبدو أن المؤتمر كان "واقعيا" عندما "زكى" عباس رئيسا لا قائدا عاما للحركة التي لم تعد توجد لها قوات مسلحة، وحتى كتائب الأقصى تم تفكيكها، ولم تعد تسيطر على الأجهزة الأمنية للسلطة بعد موجة "التقاعد" التي لم تبق لها رصيدا فيها وبعد تسليم مهمة إعادة تنظيمها وتحديد عقيدتها العسكرية إلى جنرال أميركي، وبالتالي لم تعد توجد ضرورة لوجود "قائد عام" للحركة.

فإذا كانت فتح تتعامل مع مرجعياتها الحركية بهذه الطريقة فإنها بالتأكيد لا تبعث بذلك بأي رسالة إلى شعبها تفيد بأنها لن تتعامل بالمثل مع المرجعيات الوطنية.

لقد كان المؤتمر السادس لفتح استحقاقا طال انتظاره عقدين من الزمن من أجل الحسم السياسي، والمساءلة التنظيمية، والبت في ملفات أهمها ملفي استشهاد المؤسس القائد الراحل ياسر عرفات والفساد، وتحديد الخط الفاصل بين الحركة وبين سلطة الحكم الذاتي ومن منهما يقود الآخر، وتجديد القيادة -- سياسة لا أسماء أو أجيالا – إلخ.، لكن المؤشرات ترجح بأن الحركة ستكون بعد المؤتمر كما كانت قبله، معلقة في المنطقة الرمادية بين المقاومة اللفظية وبين خيار التفاوض العقيم، بين مقاومة لا تندلع وبين سلام لا يتحقق، بين "مشروع وطني" تقول إن المجتمع الدولي مجمع عليه لكن الانقسام الوطني الراهن يحول دونه وبين انقسام وطني يمنع كل مشروع وطني من الانطلاق مقاوما كان أم مفاوضا، بين معرفة الجاني في جريمة تصفية عرفات وبين الامتناع عن التحقيق الجاد فيها خشية المضاعفات على "عملية السلام" نتيجة توجيه الاتهام الرسمي إلى شريك السلام الإسرائيلي من ناحية وخشية مضاعفات هكذا تحقيق على الوحدة الهلامية الداخلية للحركة من ناحية ثانية، بين الفساد المستشري التي تحدد الأطراف المتصارعة في الحركة عناوينه بالأسماء وبين التحقيق الجاد فيه واستئصاله، إلخ، لتظل الحركة مجمدة في وضع تعجز فيه عن القيادة بنفسها لكنها في الوقت نفسه تمنع غيرها من القيادة.

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

ليست هناك تعليقات: