الأربعاء، أغسطس 12، 2009

شفيق الحوت ... ماذا تنتظر منا؟

سامي الأخرس
تأملت البحر في ساعات الغروب وهو يلتحف شمس الأصيل، فحادثت نفسي لماذا أخشي البلل من مياهه ولا أخشي ترقبه من بعيد، تهت بين التأمل لهدير الموج المنتظم بحركة ميكانيكية متواصلة لا تحتاج شحنات كهربائية أو ثروات طبيعية تزيد من سرعتها وتواترها، مع تلك المياه الصافية التي لم تعكر نقائها الملوحة المذيبة ذات الفعل التطهيري لكل فايروسات التطفل التي تهاجمنا بين الفينة والأخرى، ونحن نركض في كل الاتجاهات بحثاً عن الذات في معمعان الاستدارة والالتقاء مع خيوط قوس قزح الخافضة كالساجد على سطح المعمورة يقبل دفء عاشق ممزوج بصقيع التنافر من نزق ساخر يحيط به ككومات تتقاذفها أقدام التائهين عن الحقيقة وسط ضجيج وميض صارخ يملئ الكون المستيأس من هول ما يمتزج به من سراب آتي من بعيد.
هنا كانت وقفتي التأملية التي استليت منها سيف ذاكرتي الحبلى باستدراج الحدث تلو الأخر، وكل حدث خلفه حكاية، وكل حكاية تحتاج لراوى يسرد لنا تفاصيلها، وأحداثها لنبدأ معها الإبحار دون خشية من البلل. فكانت تلك الرمزية التي لم ييبس اخضرارها بعد، ولم تتلاشى رائحة عبقها، بل غابت عنا بصمت وبهدوء، لم ينتبه أحداً بأن هناك نجماً قد أفل، لم يعد يزين السماء وينعكس على سطح البحر ليلقي التحية المعبقة بالحب والعشق عليه. فالنجوم ليست كثر لكي تحجب الغياب، ولكن هناك وميض مشع يملئ أركان الأرض ويخطف البصر، وينعكس على كل ما حولنا، وميض فضفاض لا يهدي لدرب، ولا يشق طريق، ولا يرسم شعاع أمل، لكنه حقيقة قاتمة قائمة، فكان الغياب دون أن نستشعر ذلك، أو ندرك أن شمس فلسطين فقدت أحد خيوطها المشعة بالحرارة والدفء والحب.
عّدت من حيث آتيت مسترجلاً من على صهوة جواد اللحظات التي تهت بها بين التأمل وهدير البحر،لأجد أن دفاترنا لم تعد تحمل اسم " شفيق الحوت" بحثت طويلاً عن ذاك الدفتر الذي كان بالأمس يدون لنا كل لحظة صفحة بيضاء، منقوش عليها اسم فلسطيننا، لكنه توارى وغدا كما غدونا نبحث عن سراب ممتد بامتداد ناظرينا، فقررت أن أرحل لحظات متأملاً بين التيه والحقيقة، فلم أجد ما أدونه سوى عبارة واحدة بين هلالين بلا حركات أو فواصل أو علامات تعجب" لن نوفيكم حقكم بالكلمات لم يعد لدينا ما نكتبه عنكم، ولكم ، فإن أردنا الإنصاف فلنرد حقكم بالفعل والعمل" ولكن هل ننصفهم فعلاً؟!!
إن كان الإنصاف أحد اشتقاقات العدل، فالعدل صفة وسمة إلهية لا يقوى عليها البشر، ولكن يمكن استطلاع سبرها واشتقاق معانيها، وفك شيفرتها، لنمضى على خطى السلف، ونبدأ مما انتهوا إليه، فمن أين تكون البدايات من الدرويش محمود الذي يجهله جيلٌ كامل ينعته بالسكير- الداعر – عذراً درويش- لروحك الخلود. أم تلك الدماء الممزوجة بتراب لم تعد تدسه أقدام طاهرة، دماء تبحث عن هوية في صحراء الشتات والمنافي وهي تصرخ لغسان أينك يا تريد انتزاع جنة من الأرض أو تموت" لن أرتد حتى أزرع في الأرض جنة أو أقتلع من السماء جنة أو أموت ونموت معاً" .
يا لهول ذاك الموج الهادر المتلاحق والمتتابع، يحمل في طياته خفايا وغرائب وعجائب، تخفيها تلك الأشعة المسترسلة كلوحة شاعرية تناجي معشوقها في صومعة شفافة نراها ولا ندرك معانيها، لا نقوى على قراءة ما تخطه نبضاتها شعراً وغزلاً وعشقاً، تغازل بصمت وترحل بصمت من عالم الضجيج، لتتلاقي مع أحبتها في جنة منزوعة من الأرض مغروسة بالورود الفائحة المتراقصة على قيثارة أهزوجة تعزف على أوتار العودة والمصير والهدف.
يا ويحنا كم ستسأل أعناقنا وأرواحنا عن هذه العناوين البارزة، وكيف أميتنا التاريخية لم تسمح لنا بقراءة نبضاتها النازفة ... بفلسطين.....
ترجل الفارس .. وارتحل تاركاً فينا سيف الإيمان بالمصير... والموروث الثقيل " إما فلسطين وإما نار جيل بعد جيل"....
وبصمتى لم أستطع استكمال تأملي، ولم أدون لشفيق الحوت سوى صمت آخر سيدون التاريخ أحد أبوابه على عتبات النسيان....
فلروحك شفيق ولروح "درويش" الدرويش يا محمود الخلود ... ولنا أن نسأل الله عن مغيث يغيثنا من عبث العقول والتزييف..." إن لم نقرأ التاريخ وندركه فلن نستطيع قراءة الحاضر،ولن نتمكن من التخطيط للمستقبل"

ليست هناك تعليقات: