الأربعاء، أغسطس 26، 2009

شيء عن المفاهيم الانسانية في الإسلام

السيد محمد علي الحسيني

لاريب من ان الاتجاهات والحرکات المتطرفة الاسلامية التي نمت وترعرعت هنا وهناك(بدعم خارجي وإقليمي مشبوه)، وما اقترفته من جرائم وجنايات مختلفة يندى لها الجبين الاسلامي قبل الانساني، قد دفعت وتدفع العديد من الکتاب والمثقفين کي يقفوا موقفا سلبيا أو على الاقل غير إکتراثي من الفکر الاسلامي معتقدين بأن الاسلام(وحاشاه من ذلك) يعاني قصورا في التعامل والتصدي للمفاهيم الانسانية، هذا الفهم والتصور، هو في حد ذاته بمثابة خدمة مجانية قدمها ويقدمها اولئك الاخوة المثقفون والکتاب من دون قصد او سابق إصرار لتلك التيارات السياسية والفکرية الغريبة والطارئة على الاسلام وهي للأسف تساهم في ترسيخ أقدامهم أکثر فأکثر في دول المنطقة وتصورهم کنماذج سياسية و فکرية بديلة.

ان جعل تراثا فقهيا ـ فکريا معطائا کالاسلام مرادفا لهکذا تيارات ضالة تدل بصورة أو بأخرى على عجز وقصور الفهم الادراکي والبحثي للمثقف والکاتب العربي من حيث عدم سعيه الجاد والمثمر في مناهل ومصادر الفکر الاسلامي المتباينة لإکتشاف أصالة ومعاصرة مفاهيم هذا الدين الحنيف للنزعات الانسانية وحمله لواء الدفاع والذود عنها.

يقول سبحانه وتعالى في محکم کتابه المبين:(ولقد کرمنا بني آدم و حملناهم في البر والبحر وفضلناهم على کثير ممن خلقنا تفضيلا)" 70 الاسراء"، هذه الآية التي تدل وبوضوح لاغبار عليه من ان الانسان في المعيار الاسلامي هو أکرم الخلق وأکثرهم تفضيلا وان هذا التکريم لم يأت إعتباطا وانما لان الانسان وخلال سفره عبر المسار التأريخي قد أثبت بأنه الاکثر جدارة والافضل لکي يکون ظل الله وخليفته على الارض، لکن القرآن لم يطلق التکريم و التفضيل الانساني هذا عنوة او من دون مقومات واسس محددة حيث ان هذا الذي أکرمه وفضله رب العزة على کافة خلقه، لن يکون جديرا بهذا الامر مالم يحمل جملة خصائص ومقومات تؤهله لحمل هذا الشرف الذي ليس بعده من شرف، وهذه الخصائص يحددها الباري عزوجل في الکثير من الآيات الاخرى لکن الاهم منها هو ماجاء في سورة الشمس(ونفس وماسواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زکاها وخاب من دساها)، ان الانسان المکرم والمفضل والذي يريد أن يکون حاکما على الطبيعة وراعيا لها لابد من أن يتحلى بخصلات حميدة تجعله جديرا بذلك وانه مالم يکن حاملا ماهية ومضمونا بالغ الايجابية فلن يکون بإمکانه أبدا ان يسير الامور وفق السياق العقلاني والمنطقي ومن هنا فإن ضرورة ان يکون هذا المکرم المفضل حاملا لقدر أکبر وأفضل من القيم والمبادئ يغدو شرطا اساسيا وفق المفهوم القرآني إذ ان الانسان الذي ينتصر على نفسه"الشريرة"و يکبح من جماح غرائزه و يسيرها وفق المتطلبات العقلية والمنطقية، لقادر على أن ينتصر على واقعه الموضوعي ويدفع الظلم عن الابرياء ويحاسب الظالمين عن جرائمهم و أعمالهم الشريرة.

في حديث قدسي بديع وغاية في الروعة يقول خير الرسل وأکرمهم(ص)على لسان الباري القدير: (ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي)، وعندما يبادر خالق السماوات و الارض الى الاقرار على نفسه أمام عباده بأنه"وهو القادر على کل شئ"، قد حرم على نفسه طواعية الظلم فإن لذلك معان واهداف سامية لابد من سبر أغوارها والبحث عن غاياتها الاساسية وهي لعمري تدل على ان الله سبحانه وتعالى القادر على کل شئ حينما يترفع عن الظلم، فإنه يريد أن يعلم خليفته الانسان قبح وشناعة الظلم ويدفعه لتجنبه بکل ما أوتي من قوة وجهد.

وعندما نطالع قولا مأثورا للإمام علي"عليه السلام" عندما يقول:(الناس صنفان، اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق)، فإن هذا القول يدفعنا أيضا للتمعن فيه حيث يشير أمير المؤمنين وفي ذلك العصر الى العنصر الانساني ويؤکد على قيمته وأهميته و هذا الامر بحد ذاته يثبت ان الاسلام هو اول من حمل بحق راية الدفاع عن الانسان بعيدا عن کل تعصب ديني أو عرقي أو مذهبي. وعندما نجمع الحصيلة الاساسية لهذه الاقوال المبارکة في بوتقة واحدة ونسعى لإيجاد أرضية مشترکة فيما بينها فإننا نجد أنفسنا أمام نظرية انسانية بديعة تؤکد قوة وعظمة الاسلام وقدرته على التحدي طوال العصور، اننا بهکذا طريقة نتمکن من طرح ديننا الحنيف على انه يمثل العمق الحضاري ـ الاخلاقي للإنسان وهو الوحيد الذي يحمل في ثناياه أسس ومبادئ خلاص وسعادة الانسان.

*الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.
alsayedalhusseini@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: