الأربعاء، أغسطس 12، 2009

مشكلة التراث العربي الإسلامي

صالح خريسات
في حياتنا العلمية والأدبية المعاصرة، هناك مشكلة كبيرة، وعقبة كأداء، تعيق مسيرة التقدم العلمي و الاجتماعي، وتضاعف من إساءة استخدام الثقافة، وحرية الفكر، والإبداع.
هذه المشكلة، هي "التراث العربي الإسلامي " الذي أخذت قوته في الانتشار على نطاق واسع، وحتى في الأماكن الضائعة والخفية، التي جعلت منه ركيزة قوية، يعتمد عليها المسحوقون والمظلومون، لاستعادة حريتهم،وكرامتهم، وإنسانيتهم.
بيد أن هذا التراث الضخم، يشكل في الوقت نفسه، حاجزاً نفسياً، يحول بيننا وبين إمكانية التقدم، خطوة واحدة نحو الأمام، وهو بما يتمتع به من احترام، وتبجيل، وسط الأغلبية، يمنع عملية الإصلاح والتنوير، ويدفع كل أشكال التطور الاجتماعي إلى الوراء.
وإذا كان العالم بأسره، محكوم عليه بأن يخضع للتكنولوجيا، بدعوى أنها القادرة على توفير السعادة الحقيقية للإنسان، فإن هناك من يصر على أن يبقى حبيس أحد مراحل التاريخ الغابر، وفي قبضة الماضي وهيمنته، كالطفل الذي يتوقف نموه، ويتحول على مر السنين إلى مجرد قزم، لا مكان له إلا حلبة السيرك.
وقد امتدت مساحة هذا التراث، وزادت خطورته أكثر في عصر التكنولوجيا، والتقنية الحديثة، ليشمل المحطات الفضائية، بما تقدمه من برامج الوعظ والإرشاد، وأعمال الدراما التاريخية، تلك الأعمال التي تعزز من قيمة هذا التراث، وتصبغ عليه حالة من القداسة والإعجاب، فيستولي على قلوب الجماهير، ويلغي كل أشكال الثقافات الأخرى، بل ويحقرها في سبيل أن يرفع سويته. على الرغم من كل ما فيه من سلبيات،وفوضى وأحزان.
ويشهد هذا التراث أيضاً، إقبالا شديداً من قبل ناشئة العرب والمسلمين، في الجامعات ومعاهد التعليم، ومن كبار المؤلفين، الذين يتنافسون في إصدار الكتب الضخمة الحجم، التي لا تغني شيئا سوى أنها تستثير حماسة القراء، وتبعث في نفوسهم الغرور، بدلاً من أن تنير عقولهم، وتثقفهم الثقافة التاريخية العلمية الصحيحة.
وتصبح المشكلة أكبر، حين تدرج أسماء هؤلاء المؤلفين، ضمن كبار العلماء العرب والمسلمين، ويأخذون نصيبهم في التدريس بالجامعات، ويمثلون بلادهم في العالم المتقدم. بيد أنهم يخلقون جيلاً من القراء السطحيين، الذين يقبلون على كتب الأدب والفقه،والتنجيم، وتاريخ القبائل، والأنساب، وكلها رخيصة ومألوفة، لكن الجماهير يكبرون مؤلفيها وناشريها، وهذا هو سر رواج سوقها، وكثرة الطلب عليها.
وليس كل ما في التراث العربي الإسلامي، قيماُ وإيجابياً، فهو يشير إلى ماضي العرب والمسلمين، ويذكر أمجادهم العلمية والفلسفية في إشارة غامضة عابرة،مقتصرة على تعديد الأسماء، وذكر النظريات، وسرد المؤلفات، والإشارة إلى إعلام الباحثين الغربيين، الذين تأثروا بها، دون التركيز على حقيقة الإنتاج العلمي العربي الإسلامي.
وبالتأكيد، فإن الحديث عن أمجاد الإسلام، أداء لبعض الحق، ولكن الاقتصار عليه تخدير للعقول، وانصراف إلى الماضي، أو بعض الماضي، عن مسؤوليات الحاضر والمستقبل، كما أن هذا التراث الضخم، يشمل الصفحات الدامية، والصراعات الداخلية بين أبناء الأمة، وقد ظلت هذه الصراعات الفكرية، والسياسية، والحربية، قائمة لا تهدأ إلا لتقوم، وفي الاختصار عليها، وإعطائها أكبر العناية، ما يملأ النفوس ألماً وحزناً، وما قد ينعكس عليها يأساً من الحاضر، يمتد إلى المستقبل.
ولا ريب في أن أهم عقبة تقوم في سبيل التحرر العقلي، هو هذا التقليد لكل مألوف وموروث، وهو الرجعية التي حاربها الإسلام حرباً لا هوادة فيها " وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول،قالوا حسبنا ما وجدنا عليه إباءنا " وذلك لأنه ينشأ عن الهوى المضل، الذي حرص الإسلام على تطهير النفوس منه وتخليصها من أسارة. فالنفوس المريضة لا تدرك الحقائق إلا بمنظارها الخاص، ومن شأن هذا الهوى، أن يقود صاحبه إلى المهالك.وفي واقع المسلمين المر،وما في حياتهم من تناقضات،وما في تأخرهم الفكري والحضاري،ما يغني عن الشرح والتعليل.

ليست هناك تعليقات: