د. فايز أبو شمالة
ظلت الشخصيات العاقلة، والمسئولة في الساحة القيادية لحركة فتح تصر على تحقيق المصالحة الفلسطينية أولاً، وثم قبل انعقاد المؤتمر السادس، وظلت تفرض رؤيتها على مكان، وزمان انعقاد المؤتمر حتى وقت قصير عندما انتصر أصحاب الرأي الآخر الداعين إلى عقد المؤتمر أولاً، وبغض النظر عن المكان، وظرف الزمان، مادام المؤتمر سيخرج بفتح القوية القادرة على مناطحة حماس، وكسر رقبتها، إنهما رأيان داخليان تصارعا بالمفهوم العملي للصراع الذي سيقطع بسيف المؤتمر رأس طرف، ليضع التاج على رأس الآخر.
أما أصحاب رأي عقد المؤتمر السادس لحركة فتح رغم حالة الانقسام، أو بمعنى أدق في ظل الانقسام؛ فهم يبررون رأيهم بالقول: أن حماس تتحمل المسئولية عن الانقسام، وتواصل الانقسام بتشددها في المواقف أثناء حوار القاهرة، وبالتالي فإن لحماس أهداف بعيدة أقلها الانفصال بغزة، واستغلال حالة التمزق التنظيمي داخل حركة فتح لتعزيز مكانتها في الشارع الفلسطيني، وأصحاب هذا الرأي يحسبون أن عقد المؤتمر في الداخل، وبالتحديد في بيت لحم التي تسند ظهرها على جدار الفصل العنصري سيأتي بقيادة جديدة تنسجم مع المكان، ولا تتنكر للزمان التنظيمي الذي بدأ يميل لكفتهم، وهم يقبضون على مصادر التمويل، والدعم المالي، بمعنى آخر أن أصحاب هذا الرأي يستغلون حالة الانقسام الفلسطيني التي ستؤثر على مزاج المؤتمرين بما يخدم تطلعاتهم.
أما أصحاب عدم جواز عقد المؤتمر في ظل الانقسام الفلسطيني، والداعون إلى تأجيل عقده إلى حين تحقيق المصالحة الفلسطينية، فإن منطقهم في ذلك مبنى على مبررات كثيرة، ولكن أهمها في نظري هي الحالة النفسية التي سينعقد فيها المؤتمر، والتي ستضرب أعضاء المؤتمر على رؤوسهم، وتوجههم في التصويت لصالح الطرف الأكثر تشدداً مع حركة حماس، والذي يظهر لها العداء العلني، وبمعنى آخر فإن دعاة تأجيل عقد المؤتمر يتهيبون من نتائجه، وقراراته التنظيمية، التي صاغها مؤيدو الانقسام بما يخدم مخططاتهم في مواصلة شق الصف الوطني، وتمرير الحلول السياسية البائسة بحجة انعدام الخيار الآخر.
المحزن في الساحة الفلسطينية، أن كثيراً من أعضاء حركة فتح بشكل عام قد نسوا الصراع مع إسرائيل، وانشغلوا بالخلاف مع حماس، لقد أعماهم الغضب، وأضحى صلب تفكيرهم كيفية التخلص من حماس؛ حتى أن بعضهم صار يظن أن إسرائيل أرحم، وأحنّ عليهم من حماس، بل وأقل عداوة وأقرب سبيلا، لذا ففي حالة انعقاد المؤتمر تحت ظلال هذه الأجواء النفسية المشوهة، فمن المؤكد أن نتائجه ستكون لصالح دعاة الانقسام من حركة فتح، وهم بالتأكيد دعاة القطيعة مع حركة حماس، والانقطاع عن أسس التعامل الوطني، وهم أنصار التصالح مع إسرائيل.
**
مؤتمر فتح بين مشنقتين
المشنقة الأولى المعلقة لرقبة المؤتمر السادس لحركة فتح هي حركة حماس، التي تصر على منع أعضاء المؤتمر من السفر إلى الضفة الغربية مروراً بالأراضي الإسرائيلية المغتصبة، وقد وضعت حماس شروطاً لتعجيز فتح، والهدف هو إعاقة عقد المؤتمر الذي سيعطي لعباس التفويض السياسي، والدعم المعنوي، والثقة، والغطاء التنظيمي داخل الساحة الفلسطينية، وترى حماس: أن مواصلة إضعاف محمود عباس، أو إسقاطه مع جماعته هو إسقاط لتوجه سياسي سيجرف القضية الفلسطينية إلى خندق التصفية، لذلك فإن حركة حماس تتذرع بقضية المعتقلين السياسيين، ورغم أهميتها، إلا أن الأهم بالنسبة لحماس هي القضية الفلسطينية، ثم لئلا تختفي من الساحة السياسية تلك الأسماء، والشخصيات التي تلتقي إلى حد ما مع حماس على الثوابت الوطنية، وضرورة إصلاح المؤسسة الفلسطينية، ورفض التسوية، ومواصلة المقاومة، لذا ستعمل حماس بكل الطرق لمنع انعقاد المؤتمر السادس مهما تصاعدت الضغوط والتهديدات، أو ترققت الإغراءات.
أما المشنقة الثانية المعلقة لرقبة مؤتمر فتح فهي إسرائيل، التي لن تسمح لأي عضو من أعضاء المؤتمر السادس باجتياز المعابر، والوصول إلى الضفة الغربية عبر أراضيها إلا بعد الفحص الأمني لكل شخصية، وتقدير ميوله واتجاهاته، ومعرفة الجهة التي يحسب عليها، بهدف تعزيز حصة أنصار خط التسوية، مدمني المفاوضات، فالدولة العبرية ليست على استعداد للتفريط بمصالحها الإستراتيجية، وليست بالغباء السياسي لكي تجعل من أراضيها مداساً لمن سيتخذ موقفاً معادياً لها، أو قراراً يضر بأمنها، ولن تخسر الدولة العبرية جهد سنوات طويلة في ضربة واحدة، لذا فهي تنصب المشانق الإسرائيلية على المعابر، لشنق الثوابت الفلسطينية، وإقصاء أنصار نهج تعدد أشكال المقاومة بما فيها المسلحة.
مشنقتان، تختلفان في الأهداف، ولكنهما تلتقيان على خطورة النتائج التي ستلي انعقاد مؤتمر فتح، ولذلك ستقوم إسرائيل بتسهيل عبور أعضاء المؤتمر، وتفرش لهم الحرير طول الطريق إلى بيت لحم، ما دامت قد ضمنت نتائجه، وستقوم حماس بمنع عبور أعضاء مؤتمر فتح حتى لو تمت الاستجابة لشروطها بالكامل، لأن حماس تخشى ما سيلي المؤتمر من تطورات سياسية، ويعزز هذا الرأي ما قيل عن قطع المبعوث الأمريكي "جورج ميتشل" زيارته لإسرائيل قبل يومين، وتوجهه إلى مصر بهدف تسهيل عقد المؤتمر السادس، وما نقل عن الرئيس المصري أنه قال: أن عدم عقد المؤتمر سيضعف عباس، وسيؤثر على مسيرة السلام. وهذا كلام منطقي ولا غبار عليه لكل متابع لتطورات الساحة الفلسطينية، لأن المسألة هي: وماذا بعد انعقاد المؤتمر؟ والمعضلة هي: من يقف وراء الإصرار على الدعوة لعقد المؤتمر في بيت لحم؟ ولماذا كان الهروب من الفضاء العربي الذي كان سيعطي حرية القرار، والقبول بالانحباس في القفص الإسرائيلي الذي يحدد المسار؟
fshamala@yahoo.com
ظلت الشخصيات العاقلة، والمسئولة في الساحة القيادية لحركة فتح تصر على تحقيق المصالحة الفلسطينية أولاً، وثم قبل انعقاد المؤتمر السادس، وظلت تفرض رؤيتها على مكان، وزمان انعقاد المؤتمر حتى وقت قصير عندما انتصر أصحاب الرأي الآخر الداعين إلى عقد المؤتمر أولاً، وبغض النظر عن المكان، وظرف الزمان، مادام المؤتمر سيخرج بفتح القوية القادرة على مناطحة حماس، وكسر رقبتها، إنهما رأيان داخليان تصارعا بالمفهوم العملي للصراع الذي سيقطع بسيف المؤتمر رأس طرف، ليضع التاج على رأس الآخر.
أما أصحاب رأي عقد المؤتمر السادس لحركة فتح رغم حالة الانقسام، أو بمعنى أدق في ظل الانقسام؛ فهم يبررون رأيهم بالقول: أن حماس تتحمل المسئولية عن الانقسام، وتواصل الانقسام بتشددها في المواقف أثناء حوار القاهرة، وبالتالي فإن لحماس أهداف بعيدة أقلها الانفصال بغزة، واستغلال حالة التمزق التنظيمي داخل حركة فتح لتعزيز مكانتها في الشارع الفلسطيني، وأصحاب هذا الرأي يحسبون أن عقد المؤتمر في الداخل، وبالتحديد في بيت لحم التي تسند ظهرها على جدار الفصل العنصري سيأتي بقيادة جديدة تنسجم مع المكان، ولا تتنكر للزمان التنظيمي الذي بدأ يميل لكفتهم، وهم يقبضون على مصادر التمويل، والدعم المالي، بمعنى آخر أن أصحاب هذا الرأي يستغلون حالة الانقسام الفلسطيني التي ستؤثر على مزاج المؤتمرين بما يخدم تطلعاتهم.
أما أصحاب عدم جواز عقد المؤتمر في ظل الانقسام الفلسطيني، والداعون إلى تأجيل عقده إلى حين تحقيق المصالحة الفلسطينية، فإن منطقهم في ذلك مبنى على مبررات كثيرة، ولكن أهمها في نظري هي الحالة النفسية التي سينعقد فيها المؤتمر، والتي ستضرب أعضاء المؤتمر على رؤوسهم، وتوجههم في التصويت لصالح الطرف الأكثر تشدداً مع حركة حماس، والذي يظهر لها العداء العلني، وبمعنى آخر فإن دعاة تأجيل عقد المؤتمر يتهيبون من نتائجه، وقراراته التنظيمية، التي صاغها مؤيدو الانقسام بما يخدم مخططاتهم في مواصلة شق الصف الوطني، وتمرير الحلول السياسية البائسة بحجة انعدام الخيار الآخر.
المحزن في الساحة الفلسطينية، أن كثيراً من أعضاء حركة فتح بشكل عام قد نسوا الصراع مع إسرائيل، وانشغلوا بالخلاف مع حماس، لقد أعماهم الغضب، وأضحى صلب تفكيرهم كيفية التخلص من حماس؛ حتى أن بعضهم صار يظن أن إسرائيل أرحم، وأحنّ عليهم من حماس، بل وأقل عداوة وأقرب سبيلا، لذا ففي حالة انعقاد المؤتمر تحت ظلال هذه الأجواء النفسية المشوهة، فمن المؤكد أن نتائجه ستكون لصالح دعاة الانقسام من حركة فتح، وهم بالتأكيد دعاة القطيعة مع حركة حماس، والانقطاع عن أسس التعامل الوطني، وهم أنصار التصالح مع إسرائيل.
**
مؤتمر فتح بين مشنقتين
المشنقة الأولى المعلقة لرقبة المؤتمر السادس لحركة فتح هي حركة حماس، التي تصر على منع أعضاء المؤتمر من السفر إلى الضفة الغربية مروراً بالأراضي الإسرائيلية المغتصبة، وقد وضعت حماس شروطاً لتعجيز فتح، والهدف هو إعاقة عقد المؤتمر الذي سيعطي لعباس التفويض السياسي، والدعم المعنوي، والثقة، والغطاء التنظيمي داخل الساحة الفلسطينية، وترى حماس: أن مواصلة إضعاف محمود عباس، أو إسقاطه مع جماعته هو إسقاط لتوجه سياسي سيجرف القضية الفلسطينية إلى خندق التصفية، لذلك فإن حركة حماس تتذرع بقضية المعتقلين السياسيين، ورغم أهميتها، إلا أن الأهم بالنسبة لحماس هي القضية الفلسطينية، ثم لئلا تختفي من الساحة السياسية تلك الأسماء، والشخصيات التي تلتقي إلى حد ما مع حماس على الثوابت الوطنية، وضرورة إصلاح المؤسسة الفلسطينية، ورفض التسوية، ومواصلة المقاومة، لذا ستعمل حماس بكل الطرق لمنع انعقاد المؤتمر السادس مهما تصاعدت الضغوط والتهديدات، أو ترققت الإغراءات.
أما المشنقة الثانية المعلقة لرقبة مؤتمر فتح فهي إسرائيل، التي لن تسمح لأي عضو من أعضاء المؤتمر السادس باجتياز المعابر، والوصول إلى الضفة الغربية عبر أراضيها إلا بعد الفحص الأمني لكل شخصية، وتقدير ميوله واتجاهاته، ومعرفة الجهة التي يحسب عليها، بهدف تعزيز حصة أنصار خط التسوية، مدمني المفاوضات، فالدولة العبرية ليست على استعداد للتفريط بمصالحها الإستراتيجية، وليست بالغباء السياسي لكي تجعل من أراضيها مداساً لمن سيتخذ موقفاً معادياً لها، أو قراراً يضر بأمنها، ولن تخسر الدولة العبرية جهد سنوات طويلة في ضربة واحدة، لذا فهي تنصب المشانق الإسرائيلية على المعابر، لشنق الثوابت الفلسطينية، وإقصاء أنصار نهج تعدد أشكال المقاومة بما فيها المسلحة.
مشنقتان، تختلفان في الأهداف، ولكنهما تلتقيان على خطورة النتائج التي ستلي انعقاد مؤتمر فتح، ولذلك ستقوم إسرائيل بتسهيل عبور أعضاء المؤتمر، وتفرش لهم الحرير طول الطريق إلى بيت لحم، ما دامت قد ضمنت نتائجه، وستقوم حماس بمنع عبور أعضاء مؤتمر فتح حتى لو تمت الاستجابة لشروطها بالكامل، لأن حماس تخشى ما سيلي المؤتمر من تطورات سياسية، ويعزز هذا الرأي ما قيل عن قطع المبعوث الأمريكي "جورج ميتشل" زيارته لإسرائيل قبل يومين، وتوجهه إلى مصر بهدف تسهيل عقد المؤتمر السادس، وما نقل عن الرئيس المصري أنه قال: أن عدم عقد المؤتمر سيضعف عباس، وسيؤثر على مسيرة السلام. وهذا كلام منطقي ولا غبار عليه لكل متابع لتطورات الساحة الفلسطينية، لأن المسألة هي: وماذا بعد انعقاد المؤتمر؟ والمعضلة هي: من يقف وراء الإصرار على الدعوة لعقد المؤتمر في بيت لحم؟ ولماذا كان الهروب من الفضاء العربي الذي كان سيعطي حرية القرار، والقبول بالانحباس في القفص الإسرائيلي الذي يحدد المسار؟
fshamala@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق