الأربعاء، أغسطس 05، 2009

صحوة وليد جنبلاط

راسم عبيدات

…….في إطار مراجعة الذات وفي خلوة طويلة مع النفس وحالة تأملية عميقة،توصل جنبلاط إلى قناعات جديدة،هذه القناعات والرؤى لا تعني أن جنبلاط قد انتقل من النقيض إلى النقيض أو جاءته صحوة ضمير مفاجئة،فزعماء الأحزاب العربية وقياداتهم من ملوك وشيوخ وأمراء ورؤساء،تعودنا على شطحاتهم وطوباويتهم ورقصهم على الحبال،وخير مثالاً لجنبلاط هو رئيس الجمهورية العربية الليبية الاشتراكية العظمى،والذي أعلن في القمة العربية الأخيرة في الدوحة نفسه خليفة المسلمين وملك ملوك العرب،والذي أن أمد الله في عمره وتربعه فوق رقاب الليبيين،قد يدعي النبوة،ولا أخال أحداً من زعماء العرب كان أكثر انسجاماً مع ذاته،من الرئيس الشهيد صدام حسين،والذي وهو يساق إلى حبل المشنقة،كان يردد عاش العراق وعاشت فلسطين،رغم أنه قبل احتلال العراق وحتى بعد أسره،كان باستطاعته أن يرتب أوراقه مع الأمريكان ويبقى على رأس الحكم في العراق،ولكنه آثر مصلحة بلده وشعبه على مصلحته وسلامته الخاصة.

وبالعودة إلى وليد جنبلاط والذي كان حزبه مكون أساسي من تحالف 14 آذار،ومن خلال وجوده في هذا التحالف،لم يترك فرصة أو مناسبة إلا وشن من خلالها حملة شعواء على سوريا متهماً إياها بالتدخل السافر في الشأن اللبناني والعمل على تفتيت وحدته الداخلية وتسعير الخلافات بين قواه وأحزاب السياسية موالاة ومعارضة،ناهيك عن كيل الاتهامات لها باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري،ولم تقف الأمور عند حد شن الهجوم على سوريا قيادة ومواقف،بل طال هجومه المقاومة اللبنانية وفي المقدمة منها حزب الله اللبناني،الذي اتهمه بأنه خاض حرب تموز/2006 ،بمعزل عن معرفة الحكومة اللبنانية،وأنه خادم وتابع ومنفذ لأجندات خارجية إيرانية وسورية،قام بتدمير لبنان في سبيل تلك المصالح،وتهجم على سلاح المقاومة ودعا إلى تجريد حزب الله منه،وتساءل باستغراب واستنكار عن ادعاء حزب الله من تحقيق انتصار عسكري على إسرائيل،وقال أين هو هذا النصر العسكري؟ وهل يستحق تحرير الأسرى اللبنانيين مثل هذا الثمن الباهظ ودمار لبنان؟،وأيضاً دعا إلى سلوك طريق آخر غير طريق حزب الله من أجل تحرير الأسرى اللبنانيين.

وجنبلاط قال في حق المقاومة من الذم والقدح وبالذات حزب الله وحلفاءها من المقاومة الفلسطينية وسوريا وإيران،أكثر ما قاله مالك في الخمر،وذهب أبعد من ذلك بالطلب من إدارة المحافظين الجدد بقيادة بوش الابن،بضرورة فرض عقوبات على سوريا والعمل على عزلها وإسقاط النظام فيها،وتحميلها مسؤولية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.

وما نشهده اليوم من انتقال لجنبلاط من خانة التحالف مع قوى 14 آذار،إلى خانة ليس الاصطفاف لجانب حزب الله وقوى المعارضة،بل كما قال إلى خانة الدفاع عن مصالح لبنان والوقوف إلى جانب الرئيس اللبناني،فمجرد خروجه من تحالف 14 آذار وقوله بأن هذا التحالف وبالذات منه تيار المستقبل الذي يمثله الحريري يعمل على إذكاء نار الفتنة الطائفية والمذهبية ويخوض حروب بلا أفاق سياسية،فهذا بحد ذاته انكشاف لتيار المستقبل،والذي لم يبقى من الحلفاء إلى جانبه سوى قوى مغرقة في الفئوية والطائفية،تاريخها يحكي عنها من حيث الإيغال في الدماء اللبنانية والفلسطينية وبالذات قائد القوات اللبنانية سمير جعجع،ناهيك عن سعيها الدائم إلى إخراج لبنان من محيطه العربي،وجعله محمية دولية تدار من قبل السفارات الغربية في بيروت وبالذات الأمريكية والفرنسية منها،وأي كانت أسباب جنبلاط في المراجعة،فهي تصب في خانة الخدمة المجانية والنصر والربح الصافي للمعارضة وفي المقدمة منها حزب الله وسوريا التي اعتبرها خصمه اللدود،حيث في إطار مراجعته دعا إلى إقامة علاقات مميزة معها.

والأهم من ذلك أن جنبلاط في مراجعته للذات ولسياسات الحزب،قال كلاماً جوهرياً بأن زيارته إلى واشنطن في عهد المحافظين الجدد،تعد نقطة سوداء في تاريخ الحزب،فعدا عن أن هذا الكلام من الصعب على أي زعيم عربي أن يقوله أو يعترف بأخطائه وفشل سياساته،فمثل هذا الكلام يستحق عليه الثناء والتثمين،فهو تأكيد على أن الحزب لم يكن في الخانة الصحيحة التي يجب أن يكون فيها،بالوقوف إلى جانب لبنان بوحدته ومصالح كل أطيافه ومذاهبه،وفضح وتعرية لدور الإدارة الأمريكية بقيادة المحافظين الجدد،من أنها كانت تعمل على إغراق لبنان في خلافات وحروب داخلية،خدمة لأهدافها وأجنداتها ومصالحها.

وهنا تساؤل مهم يجب أن يطرح،وهو ما الذي حرك جنبلاط للقبام بمثل هذه المراجعة رغم أن موسم الانتخابات قد انتهى وحقق جنبلاط و حلفاءه فوزاً انتخابياً ونيابياً؟.

هل هي قناعة جنبلاط بأن تحالف 14 آذار رغم فوزه البرلماني،فإن قوى المعارضة والمقاومة هي من يمتلك الشرعية الشعبية،والقدرة على الدفاع عن لبنان وصيانة وحدته وعروبته.؟ أم أن تاريخ والده كمال جنبلاط والذي بقي حتى لحظة استشهاده عروبياً قومباً،ورمزاً من رموز الحركة الوطنية اللبنانية،والتي وقفت إلى جانب المقاومة الفلسطينية واحتضنتها على الأرض اللبنانية وقاتلت معها جنباً إلى جنب دفاعاً عن لبنان والمقاومة ،هي من حركت فيه هذه المشاعر من أجل القيام بمثل هذه المراجعة،لكي لا يلطخ اسم حزب يشهد له بالمواقف الوطنية والعروبية والقومية.؟ أم أن شعور جنبلاط بأن أمريكا من السهل أن تتخلى عن حلفاءها في سبيل مصالحها وأهدافها،فهي بصدد إعادة صياغة علاقاتها مع سوريا وحتى إيران،وهي في سبيل ذلك مستعدة للتضحية بجنبلاط وغيره،ولذلك استشعر مثل هذه المخاطر وأقدم على مثل هذه الخطوة،وخصوصاً أنه إبان الأزمة اللبنانية وقبل الانتخابات اللبنانية الأخيرة،عاش مثالاً حياً،كيف قامت بضع مجموعات لحزب الله بالسيطرة على بيروت الغربية في بضع ساعات،وقوى الرابع عشر من آذار الممتلكة للمال والسلطة عجزت عن مواجهتها.

أي كانت دوافع جنبلاط وأسبابه في المراجعة،فنحن أمام فصل جديد من فصول الساحة اللبنانية المتقلبة،فصل سيلقي بظلاله على تشكيلة الحكومة اللبنانية القادمة،فصل ستشهد فيه الساحة اللبنانية تفكيك وتركيب لتحالفات جديدة،فصل ربما لا تحتاج فيه المعارضة الى الثلث الضامن في التشكيلة الحكومية القادمة.

وهل ستشكل صحوة جنبلاط ومراجعته،صحوة عند الكثير من الأحزاب والقيادات العربية،للتراجع والاعتراف بالكثير من الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها بحق أحزابها وشعوبها،أم ستستمر في التعاطي مع الأمور على غرار المأثور الشعبي"عنزة ولو طارت".؟

ليست هناك تعليقات: